الصيد الجائر وقتل الحيوانات المحمية يهدد القيمة البيولوجية العالية للمنتزه الوطني بالحسيمة

الصيد الجائر وقتل الحيوانات المحمية يهدد القيمة البيولوجية العالية للمنتزه الوطني بالحسيمة

الحسيمة: خالد الزيتوني

 

استغرب العديد من المواطنين ومعهم النشطاء في عدد من الجمعيات البيئية بالحسيمة، لما يحدث داخل المنتزه الوطني للحسيمة من إبادة جماعية للحيوانات البرية والمحمية بموجب قانون المنتزهات بالمغرب، ويأتي على رأس هذه الحيوانات الخنزير البري، الذي يتعرض للصيد في كل أرجاء المنتزه، بل أكثر من ذلك تتم مطاردته حتى في المناطق القصية بمرتفعات المحمية، باستعمال ” الإحاشة “، وقتله بعد صيده بطرق بشعة وخالية من الرحمة في مشاهد موثقة بالكاميرا والفيديو ومعممة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول الطريقة التي تستخرج بها رخص القنص من مكتب الصيد التابع للمديرية الإقليمية للمياه والغابات بالحسيمة، والتي تستبيح حيوانات المنتزه الوطني التي من المفترض أنها محمية، ودور إدارة المنتزه الوطني في حماية الكائنات البرية التي تعيش داخله، وعما إذا كان مكتب الصيد بالمديرية نفسها يتوفر على دراسة تبين التوزيع الجغرافي للحيوانات داخل المنتزه، والتي على أساسها يتم تحديد مدى تهديدها للأنشطة السكانية، أم أن “موضة” وضع الشكايات من طرف بعض الفلاحين البسطاء المأجورين لدى مكتب الصيد المذكور، أصبحت كافية لديه لمنح رخص صيد الخنزير البري، وتقيه من عناء الدراسة، وشقاء التنقل الميداني للمعاينة عن قرب لوضعية الوحيش بالمحمية، حيث أكدت مصادر بيئية أن الحيوانات بالمنتزه أصبحت مهددة بالإنقراض في حال صارت الأمور على ما هو عليه، باستباحة المحمية الطبيعية التي أصبحت شبيهة بساحة الوغى التي يكثر فيها الصياح والعويل الممزوج بطعم النار، حيث تعم رائحة الموت فضاء من الفضاءات التي من المفترض أنها مكان آمن للحيوانات المحلية، ويحميها القانون من القتل والفتك بتلك الطرق الرهيبة، وباستعمال الحجارة والعصي والهراوات الخشبية والحديدية.

وللبحث عن أجوبة شافية وكافية عن حقيقة الصيد المكثف بغابات المنتزه الوطني للحسيمة، خاصة خلال الآونة الأخيرة بكل من مناطق ” الدبوز “، ” ثقيث “، ” حريرث “، ” بواحمد “…، التقت ” جريدة العلم ” بمدير المنتزه الوطني للحسيمة، والذي أفادنا بكون إدارته لا علم لها بعمليات صيد الوحيش التي تنظم داخل فضاء المحمية، وعددها، والأصناف التي يتم استهدافها، موضحا أن منح رخص الصيد تتبع قسم الصيد بالمديرية الإقليمية للفلاحة، ولا علاقة لإدارة المنتزه بما يحدث من قنص، كما لا يتم استشارتها رغم كونها الوصي والموكول لها أمر تدبيره، وفي سؤال عما إذا كان ثمة قانون يميز بين الصيد في المناطق المحمية والمناطق الأخرى، وكيف يتم التمييز بينهما، أجاب بكون قانون المحميات الطبيعية واضح جدا ولا يسمح بأي شكل من الأشكال بصيد الوحيش داخلها، إلا في حالات خاصة يكون فيها تهديد الحيوانات لأنشطة السكان، وقتها فقط يسمح بالتقليل من أعدادها لإعادة التوازن البيئي للمحمية.

وبعد انتقالنا لمكتب الصيد بالمديرية الإقليمية للفلاحة بالحسيمة، لم نعثر على أجوبة واضحة للأسئلة التي قمنا بطرحها على مسؤولة المكتب بالنيابة، وعلى رأسها السؤال المركزي الذي يتمحور عما إذا كان هناك تمييز في منح رخص الصيد بين المناطق المحمية وغيرها، أم أن الأمر سيان بينهما، ويتطلب فقط وضع شكاية للسكان تفيد بتهديد الخنزير البري لأنشطة المزارعين، لاستصدار رخص الصيد، وعما إذا كان ثمة دراسة قبلية لوضعية الوحيش، وطريقة صيده، وكيفية التخلص من جثث الحيوانات… إلى غير ذلك من الأسئلة التي ظلت معلقة وبدون جواب.

مصدر مطلع أكد للجريدة أن طريقة الصيد ب” الإحاشة “، التي تنظمها جمعيات القنص بالمنتزة الوطني للحسيمة، بعد استخراجها للرخص اللازمة وأداء مبلغ حوالي 1200درهم بمكتب الصيد، تتم بحضور عنصر من المياه والغابات، الذي يضطلع بمهمة المراقبة وحصر أعداد الفرائس التي ينبغي قنصها من ” الخنزير البري “، وأضاف أن هذه العملية تخلق جوا من الفوضى والعبث بباقي الأصناف البرية غير المستهدفة، مشيرا إلى أنه لا توجد محمية في المغرب بقدر هذا العبث والاستهتار المنتشر هنا في المنتزه الوطني للحسيمة، حيث أعداد كبيرة من ” الحياحة ” يخترقون المنتزه صعودا وهبوطا وعابثين بمكوناته من النبات والوحيش، والأنكى والأمر يضيف مصدرنا أن المديرية الإقليمية للفلاحة وعبر مكتبها ترخص للصيد في أماكن بعيدة عن السكان كما حدث مؤخرا بالترخيص لصيد الخنزير بغابة ” الدبوز ” المطلة على ” مرسى وشاقي “، والتي تعتبر منطقة محمية وبعيدة عن السكان، كما أنها قلب المنتزه النابض الذي يعيش فيه ما تبقى من الوحيش السائر للاندثار، مشبها ما يحدث من عمليات صيد بهذه الغابة ب” الدمار ” الذي يأتي على الأخضر واليابس بالمحمية.

مصدر أكد أن عمليات الصيد ب” الإحاشة ” تخلف وراءها العديد من جثث الخنازير، التي تترك في الأوساط الطبيعية، ولم يستبعد أن يكون هناك من ينتظر انصراف الصيادين للاستفادة من لحومها، وبيعها للمواطنين في بعض الأسواق على أنها لحوم البقر، خاصة أن لحومها تتشابه، محذرا من مخاطر صحية قد تطال السلامة الصحية للمواطنين الذين يقبلون على شرائها، ومشددا على أنه كان حريا بالمياه والغابات التخلص من جثث الخنازير بطريقة لا تجعلها تنتهي على موائد الأسر.

واعتبر الناشط في البيئة عبد الحميد توفيق ” هذا الخرق الجسيم لقانون المناطق المحمية، المتمثل في السماح بالقنص داخل المنتزه الوطني للحسيمة، مجرد عرض جانبي ناتج عن غياب تام لتدبير وإدارة هذه المحمية من قبل الجهة المعنية “، وأضاف أن هذا المجال الطبيعي، الذي يشكل جزءاً مهماً من البيئة على الصعيدين الوطني والإقليمي، أصبح ” عرضة للعديد من أشكال التدمير، مثل البناء العشوائي والاستغلال غير المراقب لموارده البحرية والشاطئية، خاصة في فصل الصيف، بالإضافة إلى تراكم النفايات بأنواعها، مما يجعل من الصعب علينا أن نعتبره منتزهاً وطنياً “، وحمل الناشط البيئي في التصريح نفسه ” كامل المسؤولية عن هذا التسيب واللامبالاة تجاه الموروث الطبيعي الوطني، الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن إدارة المناطق المحمية في المغرب، وهي الوكالة الوطنية للمياه والغابات “.

الناشط البيئي ورئيس جمعية AZIR لحماية البيئة بالحسيمة، عبر في تصريح خص به “العلم”  ” عن كامل استغرابه متسائلا: ” كيف لإدارة المنتزه الوطني للحسيمة، أن لا تكون على علم بما يحدث داخل المنتزه من عمليات صيد تستهدف قتل الحيوانات، وهي الموكول لها أمر تدبير المنتزه ومكوناته ” وأضاف ” أن مكتب الصيد التابع للمديرية الإقليمية للفلاحة لا يستشير مع الجمعيات البيئية في هذه القرارات التي تتم بدون دراسة قبلية لوضعية الوحيش وتوزيعه داخل المنتزه “، واستطرد الأندلسي ” المنطقة تم إعلانها كمحمية طبيعية يمنع داخلها الصيد بكل حال من الأحوال، ( قانون المياه والغابات )، ونحن الآن أمام مفارقة عجيبة وتناقض صارخ مع كل مبادئ حماية الطبيعة “، وأوضح الناشط البيئي ” لو افترضنا أن الوحيش المستهدف للقنص قد تكاثر بشكل كبير، فهناك طرق أخرى للتخفيف من أعداده، وذلك بصيده ب” الأفخاخ ” ونقله إلى مناطق أخرى محمية حفاظا على التوازن البيئي “.

وتساءل رئيس الجمعية ذاتها عن ” المعيار الذي تعتمده المديرية الإقليمية للمياه والغابات لتنظيم حملات الصيد، في غياب دراسة ديموغرافية للوحيش ” وعلق قائلا ” إن موضوع شكايات السكان المتضررين من الخنزير أصبح حجة بائرة وأكل عليها الدهر والزمن، حيث لا تحتاج سوى لورقة وقلم، ليقوم أحد السكان المحليين المأجورين بإيداعها لدى الإدارة نفسها، وهي العملية ” يضيف المصدر ” التي تتم بإيعاز من جمعيات القناصة “، وتساءل ” هل يتم تحديد عدد الوحيش المسموح قنصه ؟ وهل يقتل ” الخنزير فقط، أم معه أنواع أخرى؟ “، واعتبر الأندلسي ” أن إشراك السكان المحليين في إبادة حيوانات محمية بطريقة دموية وخالية من الرحمة، وتوثيقها بالفيديو وتعميمها على وسائل التواصل، يضرب في العمق كل القوانين البيئية المتعارف عليها دوليا ووطنيا “،، واستغرب قائلا ” أين إدارة المنتزه الوطني وبرامجها التحسيسية بالحفاظ على الطبيعة والوحيش داخل المنتزه ” مسجلا مفارقة عجيبة  مفادها أنه ” في الوقت الذي تقوم فيه الجمعيات البيئية بدور التحسيس وتغيير الصورة النمطية حول حيوانات المنتزه، نجد مديرية المياه والغابات بالحسيمة تشرع الباب لمنح رخص الصيد مقابل رسوم مالية، بالمناطق المحمية، وهو ما يلغي كل المجهودات المبذولة في هذا الاتجاه”.

وما يزيد الأمر غرابة ويضرب عبر الحائط التزامات المغرب الدولية في مجال حماية الطبيعة، أن المنتزه الوطني للحسيمة يدرج ضمن ” المناطق ذات الحماية الخاصة ” aires spécialement protégées d’importance méditerranéenne (ASPIM)، بما يعنيه ذلك أنها ذات أهمية وينبغي الحفاظ على كل مكونات التنوع البيولوجي داخلها، باعتبارها أنظمة إيكولوجية خاصة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط أو موائل الأنواع المهددة بالانقراض، ذات أهمية خاصة على المستويات العلمية أو الجمالية أو الثقافية أو التعليمية “.

ويحتل المغرب المرتبة الثانية على مستوى دول حوض الأبيض المتوسط بعد الأناضول بتركيا، من حيث التنوع الحيوي، وذلك بنحو 20 بالمائة من الأنواع المستوطنة. لهذا السبب عملت المندوبية السامية للمياه والغابات ومكافحة التصحر على وضع استراتيجية وطنية للحفاظ على الحيوانات والنباتات في المغرب، وقد تمكنت هذه الهيئة من التعريف ب 150 من المواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية و 10 منتزهات وطنية، من ضمنها المنتزه الوطني بالحسيمة.

ويمتد المنتزه الوطني للحسيمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة الحسيمة، وقد أنجز هذا المنتزه سنة 2004، على مساحة تقدر بحوالي 48460 هكتارا، منها 19000 هكتار منطقة بحرية، وهي أكبر منطقة محمية في الساحل المتوسطي للمغرب، ومنتزه الحسيمة هو الوحيد في المغرب المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويضم مجموعة من الموائل ذات القيمة البيولوجية العالية.

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*