ومازالت أسعار الأدوية ملتهبة!
من بين المشاكل التي ما فتئت تقض مضاجع عديد الأسر المغربية وترهقها، وخاصة تلك التي يعاني بعض أفرادها من أمراض مزمنة، ليس فقط بسبب ما تعرفه أسعار المواد الغذائية من ارتفاع مطرد، بل كذلك لاستمرار غلاء الأدوية، حيث أنه رغم إقدام وزارة الصحة والحياة الاجتماعية على تخفيض أثمنة حوالي ثلاثة ألف دواء، من تلك المنخفض سعرها أصلا، مازالت هناك أسعار الكثير منها ملتهبة مقارنة مع لدول أوربية ومغاربية مثل تونس، وهو ما يثير جدلا واسعا وسط المواطنين الذين يكتوون بنيران الغلاء، خاصة بعد أن كشف المجلس الأعلى للحسابات عن أرباح الصيادلة التي تتجاوز أحيانا 50 في المائة.
إذ فضلا عن تعالي الأصوات المطالبة بمراجعة أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية وشبه الطبية، وقيام السلطات العمومية بتخفيض أسعار بعض الأدوية وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة، وتحويل مداخيلها لفائدة المرضى وحمايتهم، فإن ذلك مازال غير كاف في ظل هزالة الأجور والمعاشات وتمادي الشركات الكبرى في تسويق عديد الأدوية بأسعار خيالية، تفوق بكثير تلك المعمول بها في أوروبا والوطن العربي، ناهيكم عن احتكارها للسوق وعدم مراعاة ضعف القدرة الشرائية للمرضى، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها أدوية الكبد الفيروسي “ب” و”س”، وأدوية مضادة لداء السرطان، وأدوية خاصة بعلاج أمراض السكري والربو وأمراض القلب والشرايين وأخرى مخصصة لمعالجة الخصوبة…
فأمام هذا الغلاء الفاحش والمستفز، لم يعد وحده المريض من يستنكر ارتفاع أسعار بعض الأدوية، بل هناك عدة جهات أخرى، ومنها مثلا “الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة”، التي ذكرت في تقرير حديث لها أن ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب، يهدد توازن نظام التغطية الصحية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالعجز المالي، وأن هذا الارتفاع كان سببا رئيسيا في عجز وتراجع احتياطات الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “كنوبس”.
كما أنها أشارت إلى أن الحكومة نفسها طالما اعترفت بهذا الارتفاع الرهيب في أسعار الأدوية، التي تساوي من 3 إلى 5 أضعاف أو أكثر مقارنة مع أسعار دول أخرى، دون أن تستطيع السلطات العمومية مواجهة “لوبي” شركات الأدوية التي ما انفكت تحقق أرباحا خيالية على حساب صحة وحياة المرضى.
وهو ما أكده الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، خلال عرض مشروع قانون المالية برسم سنة 2025 أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، حيث صرح بأن بعض الأدوية تكلف حوالي أربعة أضعاف ثمنها في الخارج، مشيرا إلى الواردات تحديدا، التي تختبئ خلف ستار الإنتاج الوطني. وشدد كذلك على وجوب عدم استيراد الأدوية المصنعة محليا من أجل دعم الصناعية الدوائية المحلية، وأن يتم الحرص على أن تتناسب أسعارها مع المستويات العالمية، وخضوع ترخيص الاستيراد إلى ضرورة الارتباط بالأدوية غير المنتجة محليا، أو التي تتطلب وقت إنتاج مهم قد يصل إلى سنوات، قصد تعزيز المنافسة وضمان توفر الأدوية بالشكل الكافي وبأثمنة مناسبة.
كما حذر في ذات الوقت من أي احتكار من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لما لذلك من تداعيات على القدرة الشرائية للمستهلكين، وكذلك على التوازن المالي واستدامة نظام التأمين الصحي الإجباري، إضافة إلى التهديد الفعلي لورش تعميم التغطية الاجتماعية.
وفي ذات السياق أفاد وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، في معرض ردوده على أسئلة النواب خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته بمجلس النواب، بأنه “رغم ما عرفته أسعار الأدوية من إصلاحات مختلفة، يعود آخرها إلى عام 2013 بعد اعتماد المرسوم رقم 2-13-852، فإن أثمنة الأدوية ظلت موضع خلاف، وتؤجج الجدل باستمرار بين مختلف الأطراف، مسجلا في هذا الإطار أن هوامش الربح لدى كل من الصيدلي والموزع تعد عاملا مهما في تحديد ثمن البيع النهائي للأدوية. كما أوضح أن العملية المرتبطة بالأسعار “تبقى خاضعة أيضا لتكلفة التصنيع، إذ يتم إنقاصها كلما ارتفع ثمن التصنيع غير الشامل للضريبة حتى تصبح على شكل مبلغ جزافي بالنسبة للأدوية ذات الثمن الباهظ…”
فماذا تبقى لنا من قول عن ارتفاع أسعار الأدوية في بلادنا أمام إقرار الحكومة بذلك في شخص كل من وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي ومعه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع؟ لا نرى أن هناك قولا آخر أفضل مما جاء على لسان أحد الخبراء المغاربة في المجال الصحي والحماية الاجتماعية، الذي يرى أنه بات لزاما على الدولة في ظل الوضع القائم أن تسارع إلى إعادة النظر في سياستها بخصوص مجال الأدوية، وهي المهمة التي يتعين على الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية الاضطلاع بها، باعتبارها الهيئة الجديدة التي أنشئت لهذا الغرض، ويمكنها الاستلهام من الممارسات الجيدة المعتمدة في البلدان التي تكون فيها أسعار الأدوية معقولة.
وبالنظر إلى ما تستحقه هذه المشكلة من اهتمام بالغ وعاجل ولاسيما أن فاتورة علاج مريض يعاني من مرض مزمن قد تصل أحيانا إلى مبالغ جد مرتفعة سنويا، ومنها أدوية غالبا ما تكون غير قابلة للتعويض، هناك من يوصي من بين الحلول المقترحة القيام بعمليات شراء جماعية، وخاصة بالنسبة للعلاجات المكلفة، مذكرا بالدور الذي كانت تلعبه صيدلية الصندوق الوطني المنظمات الاحتياط الاجتماعي “كنوبس” قبل إلغائها، حيث كانت تمنح تخفيضات على أسعار الأدوية تبلغ 80 في المائة.
اسماعيل الحلوتي