swiss replica watches
مشروع القانون الجنائي مدخل لدعوشة المغرب – سياسي

مشروع القانون الجنائي مدخل لدعوشة المغرب

من يطلع على أدبيات حزب العدالة والتنمية ويدقق في مضامينها وأبعادها ، لن يفاجئه ما تتخذه الحكومة من قرارات وما تعده من مشاريع قوانين ، في مختلف المجالات . فالحزب ومعه الذراع الدعوية لا ينطلقان من فراغ ، بل حددا الأهداف من وجودهما التنظيمي ومن مشاركتهما في العمل السياسي من داخل المؤسسات الدستورية . وما كان يعلنه الحزب والحركة من مواقف صارا اليوم يترجمانه إلى قرارات حكومية ومشاريع قانونية بشكل “ديمقراطي” . وللتذكير ، فإن جريدة التجديد عدد 439 بتاريخ 10 غشت 2002 نشرت الموقف التالي ” وما الفصل بين المسجد وقبة البرلمان إلا تركة من تركات النهج العلماني الذي ورثناه عن الاستعمار الغاشم ” . فخطباء الحزب والحركة ظلوا يشنون حربا ضد الفتيات والنساء غير المتحجبات ، وضد لباس البحر وضد الاختلاط ؛ وها هو الحزب يضع تشريعات تسمح للخطباء ولعموم أعضائه برفع دعاوى ضد “المتبرجات” ، وضد كل من يرتكب “إخلالا بالحياء العام” كما تحدده معايير الحزب والحركة .

من هنا جاء مشروع القانون الجنائي الذي صاغه وزير العدل والحريات يكرس هذا التوجه كالتالي ( يعاقب من شهر واحد إلى سنتين وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم ، من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء ، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارة والأفعال . يعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفويا أو بمحضر قاصر أو في مكان تتطلع إليه أنظار العموم ) . مشروع القانون هذا ينصب كل فرد رقيبا على الآخرين في كل الأماكن وحتى داخل منازلهم وعلى شرفاتها . فلا يوجد مكان لا “تتطلع إليه أنظار العموم إلا أقبية السجون .

إن هذا الفصل من مشروع القانون الجنائي وغيره من الفصول والمواد تم تفصيله على مقاس ما سبق وأسس له الدكتور الريسوني قبل سنوات حين كتب وقرر وأفتى( هل انتهى المغرب من خوض تجربة الحداثة وفرغ من استكمال بناء ” المجتمع الحداثي” الذي يتغنى به مسؤولون وسياسيون وثقافيون ليل نهار ؟ ..

أحداث كثيرة ومؤشرات عديدة تدلنا على أن تجار الحداثة وسماسرتها قد انتقلوا فعلا إلى ” ما بعد الحداثة” . لقد أدخلوا أتباعهم وضحاياهم وزبناءهم في “ما بعد الحداثة” بكل ما تعنيه من تفكيك وعدمية وعبثية وشهوانية انتحارية ) . بنكيران ، إذن ، حوّل الحكومة التي من المفروض أن تتقدم ببرامج للنهوض بمستوى العيش واحترام كرامة المواطنين ودعم وتوسيع الحريات الفردية والعامة ، حوّل الحكومة إلى أداة لتنفيذ إستراتيجية حزبه وحركته اللذين يخططان لما بعد أسلمة الدولة والمجتمع ، أي مرحلة الطلبنة (نسبة إلى طالبان ) والدعوشة (نسبة إلى داعش) . لقد جاء إسلاميو الحزب والحركة إلى العمل السياسي ، ليس فقط من أجل المناصب والمكاسب ، بل وأساسا من أجل تطبيق نموذجهم المجتمعي على الشعب المغربي وطمس هويته الثقافية والحضارية المتميزة بالغنى والتنوع . لهذا ، جعل الحزب والحركة معركتهما المصيرية هي معركة “الهوية والقيم” في بُعدها الطالباني وتطبيقاتها الداعشية ، لكن من مداخل دستورية وقواعد “ديمقراطية” .وهذا ما نصت عليه أدبيات الحزب : ( إن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية . فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية ) .

من هنا وجب التنبيه إلى أن من أخطر ما يشرعه الدواعش في المغرب : التأسيس القانوني لشرطة الآداب “والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” ، بل يجعل حرمة السكن مستباحة ولا يمكن لأي شخص أن يتعرى أو يُقبّل أو يعانق زوجته أو حبيبته حين تكون الشرفة أو النافذة مطلة على الساحة العمومية أو على الشارع ،أي في “مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم” ؛ وقد يكون القطار أو الحافلة أو الشاطئ أو الغابة … ليس من حق أي أحد أن يمسك يد زوجته أو حبيبته في الشارع العام وكل الأماكن التي” قد تتطلع إليه أنظار العموم” ؛ إن فَعَل سيعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين ، فيطرد من العمل ومن الوظيفة وتشرد أسرته وأبناؤه . مشروع القانون يقترح بدائل عن الحبس فيلتف عليها ليوسع حالات الاعتقال .

وسيجد السلفيون والإسلاميون وكل من في قلبه عداء للحداثة ، فرصة لمطاردة المحبين والرومانسيين والأزواج العصريين فيُبلّغ عن الأفعال” المخلة بالحياء ” ؛ بل حتى اللباس العصري سيصير بالنسبة للمتطرفين مخلا بالحياء العام ، وكذا سراويل دجينز ، مثلما فعل “دواعش السودان” حين حاكموا الصحفية لبنى أحمد حسين لارتدائها “لباسا إفرنجيا” الذي لم يكن سوى القميص والسروال الطويل ، فحكموا عليها بـ40 جلدة. دواعش السودان اكتفوا بالجلد ، ودواعش المغرب شرّعوا الحبس والغرامة حتى تكون العقوبة مضاعفة.

إنها الطلبنة الزاحفة على المجتمع والدولة والشعب من داخل المؤسسات الرسمية والدستورية ، إذا لم ننتفض بقوة في وجه الدواعش ونفشل مشروعهم المجتمعي وإستراتيجيتهم المتطرفة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*