swiss replica watches
الوزير مبديع: يخرق الدستور ويهدد البرلمان والنقابات والأسرة والأمن – سياسي

الوزير مبديع: يخرق الدستور ويهدد البرلمان والنقابات والأسرة والأمن

بقلم: * عبد الرحيم منار اسليمي
رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات
manarslimi@yahoo.fr

يبدو أن مشروع “مرسوم الوزير مبدع “ الذي يهدف إلى تغيير مقتضيات ظهير 24 فبراير 1958 بشأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية ،يؤشر على أن حكومة بنكيران مقبلة على ارتكاب خطأ استراتيجي كبير من شأن تكلفته أن تكون مرتفعة المخاطر على أمن الإدارة المغربية، فالمشروع يمس بحقوق وحريات فئات واسعة من المواطنين الموظفين في التنقل والاستقرار، لكن المثير في مشروع “مرسوم الوزير مبدع “ يتمثل في الخرق الدستوري المتعدد الألوان الذي يمكن إحداثه في حالة المصادقة على مشروع المرسوم في أحد المجالس الحكومية المقبلة، فالأمر يمس بصلاحيات البرلمان التشريعية وبحقوق النقابات والحق الدستوري للأسرة في الاستقرار وعدم التشتت، إضافة إلى تهديدات محتملة تمس أمن الإدارة العمومية وقد تخلق مخاطر وتهديدات للدولة بالنظر إلى حجم الفئة المعنية بمشروع المرسوم وطبيعة الإجراءات المزمع اتباعها من الحكومة التي لا تنتبه إلى مخاطر عدم المحافظة على قاعدة “الاستقرار الديناميكي” في مباشرة الإصلاحات.
خروقات دستورية مهددة للبرلمان والنقابات والأسرة
الخرق الأول، مشروع مرسوم يستولي على صلاحية التشريع بقانون ،ذلك أن الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة عمدت الى الاستيلاء على اختصاصات تشريعية يخولها الدستور للبرلمان ،فالفصل 71 من الدستور يجعل البرلمان مختصا بالتشريع بقوانين في ثلاثين مجالا منها “النظام الأساسي للوظيفة العمومية “،ويبدو أن الوزارة ،في مشروع مرسومها المعروض على أنظار الحكومة تحت تسمية “مرسوم بتحديد كيفية تطبيق الفصل 38 المكرر من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير1958، بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية “ قامت بقراءة خاطئة للفصل 38 المكرر من النظام الأساسي للوظيفة مادام هذا الفصل لا علاقة له ب”نقل الموظفين المنتمين إلى الهيئات المشتركة بين الوزارات “فهو يشير إلى إمكانية نقل الموظفين “تلقائيا بمبادرة من الإدارة العمومية أو الجماعة المحلية عندما تقتضي ذلك حاجيات المصلحة ذلك، ويشير إلى “تحديد كيفيات تطبيق أحكام هذا الفصل بموجب مرسوم “والمصلحة المقصودة في الفصل 38 المكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية هي المصلحة المرتبطة بنقل الموظف داخل نفس الإدارة ولا علاقة لها بنقل الموظفين المنتمين إلى الهيئات المشتركة بين الوزارات ،فالمقتضيات الجديدة في مشروع “مرسوم مبديع” هي إعادة الانتشار الواسع للموظفين بين الوزارات في مختلف تراب المملكة كإجراء غير موجود في النظام الأساسي للوظيفة العمومية يُغير جوهريا من وضعية الموظف العمومي ويضيف بذلك مقتضيات تشريعية غير موجودة في ظهير 1958 الذي وقع تعديله وتتميمه ستة عشر مرة إما بمرسوم ملكي أثناء حالة الاستثناء أو بقانون صادر عن البرلمان،فمشروع “مرسوم مبديع “ يتطاول ،في سابقة خطيرة داخل المنظومة القانونية المغربية،على صلاحيات تشريعية من اختصاص البرلمان وذلك بإحداثه تغييرا جوهريا في نظام العمومية لا يمكن أن يتم بمرسوم ولكن بقانون ،كما أن تضمين مشروع المرسوم لاختصاصات جديدة لمصالح السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية في تلقي لوائح الموظفين المراد نقلهم تلقائيا وإحداث لجنة ثنائية وثلاثية لهذا الغرض ، هي إجراءات جديدة تنزل منزلة القانون المتمم للنظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يدخل في اختصاص البرلمان ، يضاف إلى ذلك منح الموظف المنقول ترابيا تعويضا جزافيا خاصا مقدراه ثلاث أشهر من ميزانية الإدارة العمومية أو الجماعة المحلية وهي إجراءات خطيرة في مجال المالية العمومية ،مرتبطة بقوانين المالية وقواعد المحاسبة العمومية ولا يمكن تنظيمها بمرسوم ، وبذلك، تكون وزارة “مبديع “ مقبلة على ارتكاب خرق دستوري كبير لما توسع صلاحية مرسوم تطبيقي وتمارس اختصاص البرلمان بإضافة إجراءات جوهرية في النظام الأساسي للوظيفة العمومية وتخرق قاعد الفصل بين السلطات بالتطاول على صلاحية ممثلي الأمة ، فحكومة “إدريس جطو “ سبق أن وضعت مرسوم المغادرة الطوعية الذي حدد كيفيات تشجيع موظفي الدولة المدنيين على التقاعد المبكر تاركا بذلك الحرية للموظفين ؛لكن مشروع “المرسوم الوزير مبديع “، يكون بعدم تركه باب الاختيار للموظفين، قد تجاوز المجال التنظيمي للحكومة الى المس بجوهر النظام الأساسي للوظيفة العمومية ومارس صلاحيات ليست من اختصاص الحكومة ولكنها من اختصاصات البرلمان بمقتضى الدستور ،
الخرق الدستوري الثاني ،ضرب دستوري لباب الحقوق والحريات الأساسية ، ذلك أن مشروع “مرسوم مبديع “يتطاول على صلاحيات مجال القانون المسنود دستوريا للبرلمان في شقه المتعلق بالتشريع في مجال “الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير ،وفي فصول أخرى “،فالمرسوم يُشرع محل البرلمان ويضرب بابا كاملا من الحقوق منها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وحق الاستقرار في التراب الوطني والحق في الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة ، والثابت أنه لم يستشر أو يطلب رأيا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومادام المشروع قد برمج ضمن أجندة الحكومة، فمعناه أن المندوبية السامية لحقوق الإنسان لم تقم بدورها في فحص البعد الحقوقي في مضامين مشروع المرسوم.
الخرق الدستوري الثالث ،إقصاء لتمثيلية الموظفين ، إذ أنه لا يوجد ما يثبت إشراك المنظمات النقابية في التشاور حول مضامين مشروع المرسوم ،فالعمل الحكومي بمقتضى المراسيم ،حتى لو افترضنا أن هذا المرسوم سليم بدون علل ،لا يحترم مقتضيات الفصل 8 من الدستور التي تنص على أن”تساهم المنظمات النقابية للأجراء والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين ،في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها “،فالنقابات تبدو غائبة في النقاش حول مقتضيات هذا المرسوم رغم أنه يمس الحقوق والمصالح الاجتماعية للموظفين ، فما هي الوظيفة الدستورية للنقابات إذا كان يتم تغييبها من التشاور حول هذا النوع من التدابير الحكومية ؟ فالحكومة تخرق بذلك نصا دستوريا واضحا في هذه الواقعة ، وتحول النقابات من مساهم وشريك وممثل لحقوق الموظفين والعمال الى مجرد حركة احتجاجية في فاتح ماي تخرج للبكاء وترديد قصائد الرثاء عن ضياع حقوق الموظفين والعمال ،لكن الحكومة لا تدرك أن موت النقابات معناه مواجهة الشارع مباشرة وبدون وساطة ، ولا توجد حكومة في العالم تصم أدانها على التشاور وتتجه مباشرة للاصطدام بالموظفين في الشارع.
الخرق الدستوري الرابع، خرق مقتضيات الفصل 32 من الدستور ،فالمرسوم انفعالي وغير مقدر للمخاطر ،ذلك أنه يضرب المكتسبات الدستورية للأسرة ،فالأمر يتعلق بمرسوم ليس فيه أية ضمانات حقوقية واجتماعية واقتصادية للأسرة ويضرب وحدتها واستقرارها في العمق، الزوج الموظف يقتضي نقل زوجته الموظفة وقد لا يحدث بينهما اتفاق على الانتقال أو قد يكون أحد طرفي العلاقة الزوجية مرغوب في استمراره في الإدارة وطرف الثاني يراد تنقيله ،الشيء الذي يعني تشتيتا مباشرا للأسرة دون احتساب حالات الأطفال التلاميذ والطلبة من أبناء الأسرة المتابعين لدراستهم ،فالأمر يتعلق بمشروع مرسوم تشتيتي مباشر للأسرة مادامت بنوذه لم تنتبه إلى هذه المخاطر نهائيا، وحتى المذكرة التقديمية للمشروع تبدو سطحية وغير مقدرة للمخاطر الكبيرة لهذا المشروع التغييري الجذري لأوضاع الموظفين والموظفات وعائلاتهم.
مشروع مرسوم انفعالي غير مدرك لحجم المخاطر على أمن الإدارة
ويلاحظ من يتابع التصريحات الحكومية الرسمية لمصالح الوزارة المنتدبة في الوظيفة العمومية حول مشروع المرسوم نوعا من الانفعالية وأحكام القيمة في تقييم أداء الموظفين ، مقابل ذلك ،لا يوجد ما يفيد أن الوزارة المنتدبة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة أجرت دراسات كافية حول نقط القوة والضعف والمخاطر والفرص في مشروع المرسوم ،فالوزير المنتدب تولى الوزارة في شهر أكتوبر من سنة 2013 وليس هناك ما يفيد بأن الوزارة أطلقت دراسات حول موضوع إعادة انتشار الموظفين ، فالمشروع يبدو أنه ينطلق من الفراغ أو من تقييمات غير دقيقة تمت بطريقة أحادية من داخل مكاتب الوزارة المنتدبة للوظيفة العمومية التي لا تسمح مواردها البشرية ولا مواردها المالية بإجراء هذا النوع من الدراسات ، والخطر هو أن تكون حكومة “ بنكيران” بصدد إعادة تجربة وزارة تحديث القطاع في حكومة “إدريس جطو” مع المغادرة الطوعية ،لكن هذه المرة سيكون الأمر مختلف لأنه لا يتعلق بموظف يبادر الى طلب المغادرة مقابل الحصول على مبالغ مالية وإنما بموظف يتم نقله بالرغم منه ، الشيء الذي يهدد أمن الإدارة بالنظر إلى عدد الموظفين في المغرب الذي يفوق عددهم كافة المنخرطين في الأحزاب السياسية المغربية الذي يفوق الأربعين ،لذلك يؤشر مشروع “مرسوم مبديع “على نوعين من التهديدات المتحملة :
النوع الأول من التهديدات يمس أمن الإدارة ، ذلك أن العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين هشة وغير مهيئة لإعادة انتشار الموظفين، ويكفي لرئيس الحكومة ووزيره المنتدب أن يعود إلى تحليل النزاعات المعروضة على نظر المحاكم الإدارية بكافة درجات التقاضي فيها وسيلاحظ أن جزءا كبيرا من هذه النزاعات مرتبط بالشطط في استعمال السلطة من رؤساء الإدارات ضد موظفين مرؤوسين ،فالإدارة غير مهيئة تنظيميا ونفسيا لهذا النوع من الإجراءات لكونها تفتقد إلى قواعد الحكامة، وقد يتحول تنقيل الموظفين دون رغبتهم إلى “إعمال انتقامية”من الرؤساء ضد المرؤوسين ، والكثير يعرف أن المحددات الشخصية لازالت سائدة في العديد من العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين ، فالوزير المنتدب يعطي بذلك سلطة في غير محلها لرؤساء الإدارة ، الشيء الذي يهدد أمن الإدارة التي سيتبث داخلها مشروع المرسوم ،في حالة تطبيقه آلية من آليات نشوب الصراع والفوضى، فالجواب العام الذي قدمه الوزير المنتدب أمام مجلس المستشارين بالقول “ أقدر تخوفاتكم ، ولكن رؤساء الإدارة لهم مسؤولية أمام الدستور والمجتمع “ ، ينم على خطورة مرتفعة الدرجة لكونه يؤشر على أن مصالح الوزارة المنتدبة في الوظيفة العمومية لا تقدر حجم خطورة القرار الذي تدفع الحكومة لاتخاذه ،وليس لها سيناريوهات على الفوضى التي قد يخلقها إجراء إعادة انتشار الموظفين بين الوزارات .
النوع الثاني من التهديدات قد يمتد إلى الدولة ،ذلك أن عدد الموظفين يفوق عدد المنخرطين في كل الأحزاب السياسية ،ومن الصعب جدا على أي حكومة في العالم ،مهما كانت مهنيتها، أن تباشر تطبيق إجراء بهذا الحجم ينقل الموظفين ترابيا ، فالأمر لا يقف عند حدود الموظف ولكنه يمتد إلى تحمل اجتماعي واقتصادي لعائلات كثيرة له علاقة بقطاع السكن والتعليم والقروض البنكية من المتوقع أن ينعكس على القدرات الشرائية لفئات واسعة من المواطنين ،فحجم الحركية قد يقود إلى حالة من الفوضى وسط الفئات المعنية ويخلق مناخ سيكولوجيا متوترا لدى فئات واسعة يجعلها في حالة انتظار وقلق سنوي.
ويكفي للوزير المنتدب ومصالحه أن يدرس فقط الأثر الاجتماعي والنفسي للانتقال السنوي في قطاع التعليم وحده ليقف على حجم الخطورة القادمة ،فالحكومة ستخلق داخل الدولة بمشروع “مرسوم مبدع” ظاهرة الانتقال السنوي داخل الدولة بشكل يخلق الترقب والانتظار وعدم استقرار لآلاف الموظفين ،وأعتقد أن الحكومة ببرمجة مشروع المرسوم في أجندتها القادمة تبدو غير مدركة لقاعدة جوهرية في التسيير تسمى “الاستقرار الديناميكي” داخل الدولة، فالتغييرات الجذرية والفجائية التي تغير أوضاعا اجتماعيا من شأنها المس بأمن الدولة وقد يقود التقليل أو التجاهل من مخاطر هذا المرسوم -المشروع إلى تعريض الدولة بكاملها إلى مخاطر غير متوقعة، مادام أن التدبير ليس تصرفات غير محسوبة بل يستند على التزامات قديمة نحو قيم ومبادئ مشتركة.
فالأمر لا يتعلق بهدف خلق دينامية وإنما بخلق ظاهرة الحراك الجماعي السنوي للموظفين الذي يبدو أن الحكومة لا تتوفر فيه لا على الأساس القانوني ولا الحجج التبريرية ولا المهارات الكافية لتجنب الاحتجاجات.
ويجب على رئيس الحكومة ووزيره المنتدب في الوظيفة العمومية أن يقفا جيدا عند قاعدة “الاستقرار الديناميكي “ في قيادة الإصلاحات ،والتخوف هو أن يكون رئيس الحكومة قد فقد السيطرة على فريقه وبات كل وزير يبحث عن صناعة حدث في وزارته مهما كان سقف خطورته، لكن يجب الانتباه ، فالتكلفة قد تكون خطيرة جدا لما يُمس الاستقرار الديناميكي لقطاع حيوي في الدولة مثل الإدارة العمومية بدون تفكير في التكلفة ، فوراء كل موظف توجد أسرة وشبكة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والرمزية لايُمكن تفكيكها بمرسوم، يُصاغ بطريقة غير علمية داخل مكاتب لا تملك المعلومة الكافية عن تحولات المجتمع المغربي وترسباته التي قد تطفو على السطح بسهولة نتيجة قرارات غير مُقدرة لحجم المخاطر المحتملة.
* رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات


Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*