swiss replica watches
اسحاق شارية يكتب: عـــــــــــــــــذرا فلـــــــسطين – سياسي

اسحاق شارية يكتب: عـــــــــــــــــذرا فلـــــــسطين

المحامي إسحاق شارية

جالسون على الأرائك في الفنادق والمقاهي، نتبادل أطراف الحديث، ونضحك عاليا، فينا من يدخن السجائر، وفينا من يتلذذ بشرب عصيره المفضل، وآخر يتابع عبر هاتفه النقال آخر أكاذيب الصراع السياسي و الديني في المشرق والمغرب، وأمامنا شاشة تلفاز مكتومة الصوت يظهر فيها خط أحمر مكتوب عليه خبرعاجل : انطلاق انتفاضة السكاكين فوق الأراضي الفلسطينية، واستشهاد طفل وشيخ برصاص قوات الإحتلال الإسرائيلي.

نتابع الخبر، وندير وجوهنا لنكمل حديثنا عن فضائح رجال السياسة، وكأن شيئا لم يكن، ما الذي وقع فينا، وأي غاز شممناه أو سم أكلناه، حتى أصبحت القدس تهدم على مرأى ومسمع منا، ونحن نضحك غير عابئين بجسامة الحدث، ما الذي وقع للفقهاء والعلماء حتى أصبحنا لا نسمع منهم سوى سموم الصراع المذهبي والحقد الطائفي، والكراهية بين أبناء الدين الواحد، ولا حديث عن فلسطين ولا حديث عن جرائم الإحتلال، وتهديم القدس وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وهدم المنازل وتشريد الأسر…خسئتم من فقهاء على أبواب جهنم.

عذرا شهداء فلسطين…

تركناكم وحدكم تواجهون مصيركم، بأيديكم وحجارتكم أو سكاكينكم، لأننا عاجزون عن دعمكم أو مساندتكم ولا حتى بالتظاهر أو التنديد، الذي كنا نتفنن فيه في قديم الزمان، لأننا اكتشفنا بعد أن خربنا أوطاننا ودمرنا حضارتنا ومسحنا تاريخنا أننا لانستحق حق التظاهر، لأننا حولناه حقا للتخريب والدمار باسم الحرية وأحلام الربيع الذي تحول إلى خريف الخراب الشامل.

عذرا شباب فلسطين…

إننا إن بصراحة نحسدكم لأن لكم قضية عادلة تناضلون من أجلها، ولكم كرامة تصارعون لحمايتها، ولكم قدس تسعون لتحريره، أما نحن فضاعت منا البوصلة، فلم يعد منا من يفرق بين الجهاد والإرهاب، بين الإصلاح والتخريب، والبناء والهدم، والإستقرار والفتنة، وبين المسلم والمجرم.

لهذا فلا تنتظروا تضامنا ممن لم يعد يعلم الفرق بين الخير والشر والعدل والظلم، والإستعمار والإستقلال.

عذرا شهيد القدس…

لم أذرف على ذاك الطفل الشهيد أي دمعة، لأن آخر الدموع قد ذرفت على جدران الشام المدمرة وأسواق حلب المحروقة، وصغار شردتهم مكائد العرب وجشع السياسة ودين الوهابية.

عذرا يا قدس فلسطين…

لقد ماتت فينا المبادئ، والطهارة، والصفاء، والنقاء، والإيمان، والقيم، والحضارة، والتاريخ، والفن، والأدب، والغناء، والجمال، والعذرية، والسلام والتضامن، والتكافل، والأخوة، والعزة والكرامة، والعلم والنهضة.

ولم يبقى فينا غير الخبث والمكر والخديعة والجبن، والتطرف والجهل والإرهاب، والأنانية والقسوة والإنحطاط والرداءة .

عذرا فلسطين…

لا أملك سوى قلمي أجلد به نفسي وحال أمتي، وما صارت إليه من زيف الزعامات والإذاعات والنشرات، وأذكر وأنا أبكيك عندما كنتم تنتفضون هناك في القدس كنا ننتفض معكم في الشوارع والأزقة والجامعات، ونمشي صفوفا في المظاهرات ننشد منتصب القامة أمشي، أتذكر أن الصحافة والسياسة والطلبة والأمة تتوقف، ولا شيء غير فلسطين والقدس حديث الصباح والمساء.

عذرا فلسطين فلم نعد كما كنا، وأخاف أن يأتي يوم ليس ببعيد أقول فيه وداعا فلسطين، ورحم الله شهداءك الأبرار.

المحامي إسحاق شارية

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*