swiss replica watches
قمة المناخ بباريس: صراع السياسة والاقتصاد بيافطات بيئية – سياسي

قمة المناخ بباريس: صراع السياسة والاقتصاد بيافطات بيئية

بدأ العالم يتحسس أهمية المجال البيئي و حدود الموارد الطبيعية على كوكبنا من خلال تقرير نادي روما سنة 1968، و الذي تعرض إلى حدود الموارد الطبيعية، مما يعني أن استغلالها بشكل غير رشيد سيعجل بنفاذها.

وبناء على هذا التقرير، انعقدت قمة الأرض الأولى بستوكهولم سنة 1972، ومثلت أول تجمع لدول العالم تحت راية الأمم المتحدة لمناقشة كيفية إدراج البعد البيئي في مجال التنمية بهدف حماية الموارد الطبيعية من النفاذ. غير أن طبيعة النظام الرأسمالي ونمط الإنتاج الموجه باقتصاد السوق والاستهلاك، والعمل على تلبية طلبات سكان العالم المتزايد بشكل كبير خلال الخمسين سنة الأخيرة، لم يسمح بحماية وترشيد استغلال هذه الموارد الطبيعية.

تحولات عميقة داخل الأنظمة البيئية
فكانت لهذا التمشي نتائج كارثية مباشرة وغير مباشرة على كوكب الأرض بشكل عام، من تلوث للماء والتربة والهواء إضافة إلى إفراز كميات ضخمة من النفايات الصناعية والخطرة، مما خلف بفعل التراكم داخل الزمن تحولات عميقة داخل الأنظمة البيئية والموائد المائية الكبرى، كما أثر على صحة السكان في العالم بظهور أمراض جديدة وتفشي الأمراض السرطانية والورمية، إضافة إلى ما أصبح يمثله التلوث الهوائي من خطر على كوكب الأرض وخاصة إفرازات الغازات الدفيئة gaz à effet de serre المتسببة في التحولات المناخية.
ونظرا لما للتحولات المناخية على كوكب الأرض من تأثيرات كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض وما تخلفه من ذوبان للجليد بالقطب المتجمد الشمالي، وما أفرزته هذه التحولات والظواهر الجديدة من تأثير مباشر على الخارطة الجغرافية للعالم، حيث بدأت العديد من الجزر في الاندثار، وتضررت آلاف الهكتارات من ارتفاع مستوى البحر، كما أصبحت الأعاصير ذات قوة مدمرة للمناطق المتاخمة للمحيطات.

كما شهد العالم خلال 15 سنة الأخير تغييرا محسوسا في مجال المناخ وتواتر الفصول ومواسم الإمطار فتغيرت الأمور بين الشمال والجنوب وأصبحت أوروبا تشهد درجات حرارة مرتفعة أثرت هيكليا على طرق ونمط عيش السكان، إلى درجة أن دول الشمال بدأت تفكر في الطاقة اللازمة للتبريد بعدما كان التحدي توفير مصادر الطاقة للتدفئة فقط. كما توسعت دائرة الدول المهددة بالجفاف وما يعنيه من تناقص للإمطار وبالتالي تراجع المحزونات المائية السطحية والجوفية، ولما لهذه المظاهر من تأثير مباشر على إنتاج الغذاء، مما يتسبب في انتشار المجاعة والفقر والنزوح والهجرة السرية لانسداد الآفاق أمام الملايين وخاصة الشباب من دول الجنوب.

«بروتوكول كيوتو» حبر على ورق
لذلك وأمام كل هذه التغييرات و التأثيرات المباشرة والمحسوسة للتحولات المناخية كنتيجة مباشرة للتلوث وخاصة الغازات الدفيئة، طرحت المنظمات الدولية المعنية خلال قمة الأرض بكيوتو باليابان سنة 1997 «بروتوكول كيوتو»، على دول العالم وخاصة الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وبعض دول الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وفرنسا أساسا)، إضافة إلى البرازيل وروسيا، واعتبر البروتوكول إطارا للحد التدريجي من انبعاث الغازات الدفيئة، وكان الهدف الأساسي منه هو العمل على حصر ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض في حدود 3 درجات فقط حدود 2050.

ومنذ سنة 1997، بقي هذا البروتوكول حبرا على ورق ولم تتبناه ألا الدول الفقيرة التي لا تساهم أصلا في الانبعاثات الغازية، هذه الدول التي تسعى من خلال إمضائها لبروتوكول (كيوتو) أن تغنم بعض الهبات والمساعدات المالية والتقنية من طرف الصناديق والبرامج البيئية الممولة من طرف الدول الصناعية في إطار تغطية ما تقترفه من جرائم بيئية وتلوث كبير يتجاوز تأثيره حدود بلدانها لينعكس سلبا على كوكب الأرض برمته.

ولكن لماذا لم تمض الدول الصناعية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين على هذا البروتوكول رغم كون انبعاثاتهما من الغازات الدفيئة تمثل حوالي 47 بالمائة من جملة الانبعاثات العالمية؟ هذا دون نسيان دول كفرنسا وألمانيا والبرازيل وروسيا وخاصة الهند التي لازالت تستعمل الفحم الحجري والفحم البترولي لإنتاج 60 % من الطاقة الكهربائية، وما تمثله هذه الطاقة الأولية الاحفورية من تلوث هوائي كبير خاصة من نوع ثاني أكسيد الكربون.

انبعاثات غازية مضرة بالمناخ
إن أبعاد الضغوطات الاقتصادية والصراعات السياسية والجيوسياسية، هي التي تتحكم في مواقف الدول الصناعية الكبرى رغم كونها هي من يتحمل المسؤولية في ما يحدث على مستوى التحولات المناخية وتأثيراتها الهيكلية الكبرى على المستوى الدولي في الخمسين سنة القادمة. كما أن هذه القوى الاقتصادية و السياسية الكبرى لا تنظر إلى هذه المسالة إلا من زاوية مصالحها وماذا ستربحه وكم ستخسر ان هي قلصت من انبعاثاتها الغازية المضرة بالمناخ.

فالشركات العملاقة والعابرة للقارات والناشطة في الصناعات الأكثر تلوثا هي المتحكمة فعليا في القرارات السياسية لهذه الدول، وبالتالي فان هذه الدول ومنذ 1997 وفرت فرصا كبيرة لهذه الشركات لإعادة هيكلة نظام إنتاجها وتغيير أساليب تصنيعها وفق تكلفة تتطابق ومرد ودية هذه الأساليب الجديدة التي تحاول أن تكون محترمة للمواصفات البيئية في الخمسين سنة القادمة. فقبول الولايات المتحدة بالتخفيض في مستوى انبعاثات مصانعها من الغازات الدفيئة بنسبة 35 % إلى حدود 2025 يندرج في إطار مخطط طويل الأمد للصناعة الأمريكية المتمحور حول تغيير أساليب الإنتاج القديمة ومواكبة التحولات التكنولوجية للرفع من الإنتاج وتحسين الإنتاجية و بالتالي المردودية الاقتصادية مع احترام البيئة بدون مصاريف إضافية.

وهو نفس الموقف للصين وبنفس المبررات و كذلك البرازيل و الهند التي تعمل على أن تستغل الطاقات المتجددة لإنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 30 % خلال سنة 2025 مما سيمكن الهند من التخفيض من انبعاثات الغازات بحوالي 37 %.

اتفاق جديد في إطار مقاومة الانحباس الحراري
في هذا الإطار ، يستعد العالم لقمة المناخ بباريس في أواخر شهر نوفمبر وبداية شهر ديسمبر 2015. والتي تسعى من خلاله فرنسا إلى أن تنجح في إصدار اتفاق جديد يلزم أهم الملوثين العالميين في إطار تصور جديد لمقاومة الانحباس الحراري على مستوى كوكب الأرض.

ولكن المتتبع لسير الإعداد لهذا المؤتمر العالمي الهام، يلاحظ أن الدول المحورية في المجال لازالت تتلكأ في التزاماتها ولو انه أعلنت عن نوايا بالتخفيض مع المحافظة على توازنات اقتصادياتها ونسيجها الصناعي في ظل انكماش لأهم اقتصاد في العالم : الاقتصاد الصيني.

كما كشفت لجنة إعداد المؤتمر أن 60 دولة فقط من 185 دولة عضو في الأمم المتحدة أرسلت تقاريرها والتزاماتها تجاه مقاومة الانحباس الحراري، وبتصفح قائمة الدول التي أرسلت تقاريرها يظهر جليا أنها وكالعادة هي الدول الفقيرة أو ما يسمونها مجاملة الدول النامية، والتي ليس لها أي تأثير مباشر على مستوى انبعاث الغازات الدفيئة على المستوى الدولي.

قمة المناخ… قمة للصراع
أما الحيتان الكبيرة في مجال التلوث الهوائي فلازالت تبحث عن مصالحها من خلال هذا المؤتمر الذي سيكون حتما مثل المؤتمرات التي سبقته، نقاشات وحوارات تدور كلها حول الربح و المردودية و النفوذ الجيوستراتيجي، أما البيئة والتحولات المناخية فستبقى مواضيع مهمة للنقاش والتشاور والندوات فقط، كما أن هذه الدول الكبرى ستحاول ضخ بعض المليارات من الدولارات في الصناديق العالمية المهتمة بالبيئة لتساعد الدول الفقيرة على تحسين مواردها المائية ومقاومة التصحر والجفاف التي تتسبب فيه الانبعاثات الغازية الدفيئة المفرزة من مصانع ومعامل الشركات العملاقة والعابرة للقارات المنتصبة بالدول الصناعية الكبرى.

فقمة المناخ ستكون حتما قمة للصراع السياسي والاقتصادي بيافطات بيئية، تسيطر فيها الصفقات والمبادلات التجارية والتحالفات السياسية في فترة صراع سياسي واقتصادي حاد بعدما انتهت مرحلة القطب الواحد لتتشكل أقطاب صاعدة جديدة بدأت تفتك مواقع على المستوى السياسي والاقتصادي، وبالتالي سيكون لها حتما باع في المجال البيئي والتحولات المناخية في قمة باريس .
حسن الرحيلي

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*