swiss replica watches
25يناير .. حدود الثورة والمؤامرة – سياسي

25يناير .. حدود الثورة والمؤامرة

مصطفى السعيدالقاهرة

كان نظام مبارك يعانى من اختلالات جوهرية، فدائرة مؤيديه تتقلص، والسلطة والثروة تتركز فى أيدى مجموعة صغيرة من رجال الأعمال، بينما كانت تتردى أوضاع صغار الموظفين والعمال والفلاحين، وترتفع معدلات البطالة، وتتدهور خدمات التعليم والصحة، ويقتات النظام على بيع شركات القطاع العام وأراضى الدولة بأسعار بخسة، فى وقت يتأزم فيه طريق نقل السلطة، بعد تدهور صحة الرئيس المسن، وانتقال الكثير من صلاحيته عمليا إلى نجله جمال وزوجته سوزان، ويتسع نفوذ لجنة السياسات التى يرأسها جمال مبارك، والتى بدت كمؤسسة موازية تدير الحكم بشكل نزوى يفتقر أى رؤية أو قدر من التجرد، وكأنهم مجموعة صبية تدير دفة دولة كبيرة وعريقة، تكاد تغرق فى مشكلات عويصة، وهو ما زاد من حركات الاحتجاج، التى كانت تقرع أجراس نهاية النظام.

كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها مشغولين بخطرين كبيرين، الأول تشكله روسيا التى بدأت تستجمع قواها، معتمدة على قاعدتها الصناعية والعلمية السوفيتية، مع المخزون الضخم للغاز والنفط الذى يغذى أوروبا، وتحالفت مع التنين الصينى البازغ ومعهما عدد من الدول الصناعية الفتية فى آسيا وأمريكا الجنوبية، لتتشكل جبهة تهدد بإنهاء الهيمنة الأمريكية.

أما الخطر الثانى فتشكله إيران وحليفتها سوريا المتمردتان على أى مشروع سلام مع إسرائيل، وتصر طهران رغم العقوبات والحصار على المضى فى مشروعها النووى إلى آخر مدي، واستفادت من فشل المغامرة الأمريكية فى العراق وافغانستان، وهو ما اضطر أمريكا إلى تنظيم هجوم معاكس باسم «الفوضى الخلاقة» متحالفة مع السلطان التركى أردوغان والأمير القطرى حمد وجماعة الإخوان والجماعات المسلحة التى طوعتها فى العراق، وشكلت نواة زداعشس فيما بعد.

أدركت أمريكا أن معركتها الكبرى لا يمكن حسمها دون إعادة تشكيل السلطة الهشة فى مصر، لتضمن حليفا مهما ومؤثرا، ولهذا كانت تؤيد إعادة هيكلة السلطة بنواة من جماعة الإخوان وعلى رأسها شخصية لها وزن سياسى ودولى مثل محمد البرادعي، الذى أعلن أنه سيترشح فى الانتخابات الرئاسية ضد مبارك أو نجله المقررة فى أكتوبر 2011، ولا يمكن تصور أن شخصية غير مقاتلة مثل البرادعى يمكن أن تخوض معترك صراع صعب مع سلطة مبارك دون دعم من أمريكا وأوروبا وحليف قوى فى الداخل مثل جماعة الإخوان، إلى جانب المراكز الحقوقية والسياسية الممولة من الغرب، والتى أصبحت أكثر تأثيرا من الأحزاب السياسية المشلولة والهشة، بعد أن أجهز نظام مبارك ومن قبله السادات على التجربة الحزبية.
جاءت شرارة ثورة تونس فى مطلع يناير 2011 لتقلب الأوضاع، خاصة بعد النجاح السريع للجماهير التونسية فى اسقاط حكم زين العابدين بن علي، وهو ما أثار حماس المصريين فى اسقاط حكم مبارك، الذين انطلقوا للميادين، وانضم اليهم شباب جماعة الإخوان، وارتبك نظام مبارك أمام خروج الملايين فى معظم محافظات مصر، وانهار الأمن ومن بعده النظام، ويضطر مبارك إلى التنحي، ويقبل الشعب أن يتسلم السلطة المجلس العسكري، وأخلى الميادين فى انتظار تنفيذ أهداف ثورة يناير بإرساء مباديء العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية، وحلم شباب مصر فى دولة عصرية وقوية وعادلة، خالية من الاستبداد والفساد والتبعية.

جاءت الموافقة الشعبية الواسعة لتسليم السلطة للجيش لتؤكد الثقة المتبادلة بين الشعب والجيش، وعدم قدرة أى طرف خارجى فى التأثير على مسار الثورة، لكن صراعات الكواليس بدأت مع انسحاب الجماهير من الميادين، وضغطت جماعة الإخوان ومعها أمريكا وحلفاؤها لتسليم السلطة للجماعة، عبر التبكير بالانتخابات، التى لم يكن مستعدا لها سوى جماعة الإخوان وحلفائها السلفيين.

كانت أمريكا ترى فى التحالف الإخوانى السلفى بقيادة تركية قطرية حلا لجميع القضايا، فإسرائيل سوف تتخلص من الفلسطينيين الذين ستكون دولة الخلافة الإسلامية موطنهم الطبيعي، حيث ستمحى الهوية الوطنية لصالح الهوية الدينية، وتقضى على حزب الله اللبنانى بعد التخلص من النظام السوري، ثم تحاصر إيران لتجبرها على التنازل أو الهزيمة، وتمد خطوط الغاز والنفط من دول الخليج إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، لتنهار روسيا اقتصاديا، ويمكن قضم الأراضى التى يشكل المسلمون أغلبيتها فى جنوب الاتحاد الروسي، وتضغط على الصين باحتكار الطاقة وبالتحالف الجديد الذى يضمن لأمريكا الانفراد بحكم العالم.

هكذا أثبتت ثورتا 25 يناير و30 يونيو الشعبيتان قدرة الجماهير على التغيير، عندما أسقطت حكم مبارك فى ملحمة شعبية تجاوزت الخيال، وبعد أن أدركت سطو جماعة الإخوان على ثورتهم لصالح مشروع غير وطنى، ولا يحقق أحلامهم فى بناء دولتهم القوية والعصرية والعادلة، استداروا على الجماعة واسقطوا حكمها، رغم ما كانت تتمتع به من قوة تنظيمية ومالية ومساندة إقليمية ودولية، ليؤكد الشعب المصرى أنه رمانة الميزان، والقادر على حسم المواجهات المصيرية، فلو كانت جماعة الإخوان هى من أسقط مبارك، لكانت قادرة على حماية حكم الإخوان من الانهيار، ولو كان فلول نظام مبارك هم من أسقطوا جماعة الإخوان، لكانوا نجحوا فى منع سقوط مبارك، ما يعنى أن خروج ملايين المصريين هو من حسم الصراع فى الثورتين، وانتصر مرتين فى أقل من عام ونصف العام على كل من حكم مبارك والإخوان.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*