swiss replica watches
شمول الأحكام الصادرة في دعاوى الشغل الفردية
بالنفاذ المعجل بقوة القانون – سياسي

شمول الأحكام الصادرة في دعاوى الشغل الفردية
بالنفاذ المعجل بقوة القانون

من إنجاز  : بدر الصيلي

دكتور في الحقوق

   الأصل في الأحكام هو عدم قابليتها للتنفيذ إلا إذا كانت نهائية و استنفدت جميع طرق الطعن العادية، غير أنه نظرا للخصوصيات التي تميز بعض القضايا، أقر المشرع خضوعها للتنفيذ المعجل بقوة القانون.

    و في هذا الإطار خص المشرع قضايا نزاعات الشغل بالتنفيذ المعجل بقوة القانون
و ذلك من خلال الفصل 285(1) من ق.م.م، غير أن تطبيق مقتضيات هذا الفصل أثار خلافا كبيرا في أوساط الفقه و القضاء، و مصدر هذا الجدل الطبيعة القانونية لمسؤولية المشغل عن الفصل التعسفي هل هي مسؤولية عقدية أم تقصيرية؟(2) فإذا تم تكييف هذه المسؤولية على أنها عقدية، فإن التعويض الناتج عن ذلك يخضع لمقتضيات الفصل 285 من ق.م.مبينماإذاتماعتبارهامسؤوليةتقصيريةفإنالتعويضالناتجعنهذهالمسؤوليةلايكونمشمولابالنفاذالمعجل،لأنالعبارةالواردةفيالفصلالمذكورلاتستوعبالأحكامالناتجةعنالمسؤوليةالتقصيريةللمشغلفماهوإذنموقفالقضاءمنهذهالإشكالية؟

     و عليه سنتطرق في هذا المبحث إلى موقف القضاء من إعمال مقتضيات الفصل 285 ق.م.م في مطلب أول، على أن نعقبه بمطلب ثان نتناول فيه إشكالية إيقاف تنفيذ الأحكام الصادرة في دعاوى الشغل المشمولة بالنفاذ المعجل.

1- ينص الفصل 285 من ق.م.م :
يكون الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا حوادث الشغل و الأمراض المهنية، و في قضايا الضمان الاجتماعي، و قضايا عقود الشغل و التدريب المهني رغم كل تعرض أو استئناف“.
2-
حول التمييز بين المسؤولية العقدية و التقصيرية، أنظر:
عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، م.س، ص: 847 و ما بعدها.
وفاء الصالحي: مركز الخطإ بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية، دراسة مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة التكوين و البحث القانون المدني، نوقشت بكلية الحقوق بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2001-2002،
ص: 10 و ما بعدها.

النقطة الأولى: موقف القضاء من تطبيق مقتضيات الفصل 285 من ق.م.م.

     لإبراز موقف القضاء من النفاذ المعجل القانوني لابد من التمييز بين موقف محاكم الموضوع من جهة و موقف محكمة النقض من جهة أخرى.

أولا : موقف محاكم الموضوع.

     إن تطبيق الفصل 285 من ق.م.م من طرف القضاء المغربي أبان عن خلافات كبيرة بين المحاكم الابتدائية(أ) و محاكم الاستئناف (ب).

أموقف المحاكم الابتدائية:

     لابد من الاشارة بداية إلى أن مسألة النفاذ المعجل بقوة القانون لم تكن تثير كثيرا من النقاش لدى المحاكم الابتدائية، فبمجرد اقتناع القاضي الابتدائي بالأسباب التي اعتمد عليها في حكمه فإنه يذيله بصيغة النفاذ المعجل، و عند إغفاله التنصيص على ذلك فإن كتابة الضبط لم تكن تعترض على تنفيذ الحكم مادام صادرا في المادة الاجتماعية(1).

     إلا أن المحاكم الابتدائية بصفة عامة و تأثيرا منها بتوصيات الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي(2)، و الرسالة الدورية الصادرة عن وزير العدل (3)، أضحت تستجيب لطلب النفاذ المعجل في حدود التعويضات الناشئة عن العقد كالأجرة و التعويض عن العطلة السنوية، دون تلك المرتبطة بإنهاء عقد الشغل كالتعويض عن الفصل التعسفي و مهلة الإخطاروالإعفاء من العمل و الرجوع إلى العمل و ذلك لكونها خاضعة للمسؤولية التقصيرية للمشغل.

=  و للتوسع في نظرية التعسف في استعمال الحق، أنظر:
 
أستاذنا محمد الكشبور: م.س، ص: 72 و ما بعدها.
 
محمد سعد جرندي: م.س، ص: 89 و ما بعدها.
 
بشرى العلوي: م.س، ص: 27 و ما بعدها.
1-
من التوصيات التي خرجت بها الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي في إطار البيان الختامي: “و إن الرقابة على النفاذ المعجل في الشق المتعلق بالتعويض عن الطرد التعسفي و دعوى الرجوع و دعوى التعويض المرتبط بها من طرف غرفة المشورة ربطا لأحكام الفصل 285 بالفصل 147 من ق.م.م  وفق ما ذهب إليه الراجح في الاجتهاد القضائي من شأنه أن يخدم الحماية القضائية لمصالح أطراف العقد“.
أنظر البيان الختامي للندوة الثانية للقضاء الاجتماعي م.س، ص: 449.
2-
محمد عطاف: التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية، مجلة المرافعة عدد 2-3 ماي، 1993، ص: 269.
3-
الرسالة الدورية الصادرة عن السيد وزير العدل عدد 10026/2 بتاريخ 29 يوليوز 1991 موجهة إلى السادة رؤساء المحاكم الابتدائية تحت إشراف الرؤساء الأولون لمحاكم الاستئناف حيث جاء فيها:
إن الاجتهاد القضائي استقر على أن الطرد التعسفي يخضع لقواعد المسؤولية التقصيرية بدل المسؤولية العقدية لكونه يعتبرا فعلا غير مشروع و خارجا عن بنود العقد و تقصيرا من رب العمل اتجاه العامل.”

التقصيرية و ليست العقدية.

     و هذا ما نستشفه من الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء و الذي جاء في حيثياته:

وحيث يتعين شمول الحكم بالنفاذ المعجل طبقا للفصل 285 من ق.م.م باستثناء التعويضات الغير الناتجة من صلب عقد الشغل وتنفيذا لمقتضياته بل ناتجة عن العمل غير المشروع الصادر عن المشغلة و المتمثلة في التعسف في استعمال حق الإنهاء الانفرادي لعقد الشغل…”(1)

  و جاء في حيثيات حكم آخر:

“… و حيث إن النفاذ المعجل له ما يبرره فيما يخص شهادة العمل فقط…”

و في حكم آخر مماثل:(2)

  “… النفاذ المعجل في حدود الأجرة و شهادة العمل فقط…”(3).

  هذا بخصوص موقف المحاكم الابتدائية فماذا إذن عن موقف محاكم الاستئناف و كيف تعاملت مع مقتضيات الفصل 285 من ق.م.م.

بموقف محاكم الاستئناف:

بخصوص موقف محاكم الاستئناف من مقتضيات الفصل 285 من ق.م.م نجده بدوره استجاب للتوجه الذي أجمع عليه المشاركون في الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، و هكذا اتجهت هذه المحاكم  إلى عدم اعتبار التعويض عن الفصل ناشئا عن العقد بل مصدره تصرف انفرادي من جانب صاحب العمل غير مبني على مبرر مشروع، وبالتالي فإن الفصل 285 من ق.م.م، ينبغي ألا يشمل تعويضات الفصل التعسفي و هي التعويض عن الإخطار و عن الضرر و عن الفصل(4)، و هذا ما تؤكده حيثيات القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء و الذي جاء فيه:

1- حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء عدد 6440 بتاريخ 30/9/2009، م.ج.ع 1210/09، حكم غير منشور.
2-
حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء عدد 8857 بتاريخ 30/12/2008، م.ج.ع 2861/08، حكم غير منشور.
3-
حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء عدد 1729/09 بتاريخ 27/03/2009، م.ج.ع 6457/08، حكم غير منشور.
4-
عبد اللطيف خالفي: استقلالية قانون الشغل بين الواقع و الطموح م.س، ص: 47.

    

وحيث إن التعويض عن الطرد التعسفي و التعــويض عـن مـهلة الإخـطار لا يعتبـران ناشئين عن تنفيذ عقد الشغل، لكن مصدرهما تصرف بإرادة منفردة من جانب المشغل ألحق ضررا بالأجير، و بهذا المفهوم، فإن مقتضيات الفصل 285 منق.م.م لا يشمل التعويض عن الطرد التعسفي و الإشعار، و يبقى للمحكمة التحقيق في الظروف التي استلزمت الأمر بالنفاذ المعجل(1).

  و في اعتقادنا، فإن عدم شمول التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي بالنفاذ المعجل القانوني يبقى سليما من الناحيتين القانونية و كذا الواقعية.

     فمن الناحية القانونية، فالتعويض عن الفصل التعسفي الذي تحكم به المحكمة الابتدائية لصالح الأجير لا يعتبر ناشئا عن عقد الشغل و إنما عن ضرر ناتج عن تصرف انفرادي للمشغل غير مبني على سبب مشروع(2).

  و من الناحية الواقعية، فإنه من الصعب على المنفذ عليه في حالة إلغاء محكمة الاستئناف للحكم الابتدائي استرجاع المبالغ النقدية التي تسلمها الأجير تطبيقا لمقتضيات الفصل 285 من ق.م.م.

     و للإشارة فإن الاختلاف في تطبيق مقتضيات الفصل 285 من ق.م.م لم يقتصر على محاكم الموضوع بل امتد إلى محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا).

ثانيا : موقف محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا).

     إذا كانت محكمة النقض هي التي تشرف على حسن تطبيق و سلامة تفسير و تأويل النصوص التشريعية من أجل إقرار وحدة قضائية على مستوى محاكم الموضوع(3)، فإنه مع ذلك لم تستقر على توجه واحد بشأن تفسير الفصل 285 من ق.م.م، إلا بعد دورية السيد وزير العدل، و توصية الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي.

     و هكذا اتجهت الغرفة الاجتماعية في بداية الأمر إلى اتخاذ قرار يشكل مبدأ عاما لا يعرف أي استثناء، مفاده أن كل الأحكام القضائية الصادرة في دعاوى الشغل الفردية تكون في كافة الأحوال مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون طبـقا لأحكام الفصـل 285 من ق.م.م،

1- قرار صادر عن استئنافية الدار البيضاء عدد 5445 بتاريخ 09/07/2001، م.ج.ع 4317/01، قرار غير منشور.
2-
أستاذنا محمد الكشبور: التعسف في إنهاء عقد الشغل، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1992، ص: 161.
3-
محمد الكشبور: م.س، ص: 164.

و لا يمكن الأمر بإيقاف تنفيذها لأي سبب كان سواء أمام محاكم الموضوع أو أمـام مـحكمة

النقض(المجلس الاعلى سابقا). وهذا ما يستخلص من حيثيات  القرار الآتي:

وحيث إن الأحكام الصادرة في قضايا حوادث الشغل و الأمراض المهنية و قضايا  الضمان الاجتماعي و قضايا عقود الشغل تكون مشمولة بالتنفيذ المعجل بحكم القانون،
و حيث إن القضية تتعلق بعقد  الشغل يربط بين الطرفين و يقع تنفيذ الحكم الصادر فيها بقوة القانون

  و حيث إن الأحكام التي يمكن النظر في طلب إيقاف تنفيذها هي تلك التي يأمر القضاة بحكم سلطتهم التقديرية بتنفيذها مؤقتا، أما الأحكام التي تنفذ بقوة القانون فلا يمكن إيقاف تنفيذها(1).

     و في نفس الاتجاه قضت الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في أحد قراراتها بأنه:
وحيث إن الأحكام في القضايا الاجتماعية تكون مشمولة بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا عقود الشغل، و حيث إن الشركة العامة المغربية للأبناك تقدمت بتاريخ
7/6/ 1977
في  الملفين 719/9 و 718/9، و القاضي على الشركة بأدائها للمدعي مبالغ متنوعة عن مهلة الإخطار و التسريح و عن المكافآت والعطلة و فقدان التأمين
و التعويض المؤدى في إطار التقاعد.

     و حيث إن المبالغ المحكوم بها مرتبطة بعقد الشغل الذي كان يربط طرفي الدعوى.

     و حيث إن ظروف القضية و ملابساتها تقتضي رفض الطلب(2).

    غير أن الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض سرعان ما تراجعت عن موقفها هذا، عندما استثنت الأحكام التي تقضي بالتعويض عن الإنهاء التعسفي لعقد الشغل غير محدد المدة من مجالات تطبيق الفصل 285 من ق.م.م على أساس أن هذا التعويض يجد أساسه في المسؤولية التقصيرية و ليس في المسؤولية العقدية، و بالتالي فهو يخضع لأحكام التنفيذ الجوازي الذي تضمنته الفقرة الثانية من الفصل 147 ق.م.م(3).

قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض عدد 66 بتاريخ 14/5/1977 م.ج.ع، 55339، أورده عبد اللطيف خالفي، الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية م.س، ص: 277 و 278.
2-
قرار الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض عدد 196 بتاريخ 31 اكتوبر 1977 م.ج.ع، 63644، أورده عبد اللطيف خالفي: الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية: م.س، ص: 278.
3-
تنص الفقرة الثانية من الفصل 147 ق.م.م على أنه:

  • يجوز دائما الأمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو غيرها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها…”.

و هذا ما قضت به محكمة النقض في أحد قراراتها و الذي جاء فيه:

وحيث يتجلى مما تقدم أن الحقوق التي يطالب بها الأجير مرتكزا في طلباته على المسؤولية العقدية التي تربطه بالمشغل، يكون الحكم بها دائما مشمولا بالنفاذ المعجل بحكم القانون و بالتالي فهي لا تخضع لسلطة قضاة الموضوع التقديرية، و من تم لا حق لهم في إيقاف  تنفيذ الحكم القاضي بها.

  و حيث إن محكمة الاستئناف عندما أمرت بإيقاف تنفيذ الحكم الابتدائي الذي قضى للطاعن بالرجوع إلى العمل مع أجرة من تاريخ التوقف و أجرة العطلة و الساعات الإضافية و أجرة بعض أيام العمل و هي كلها حقوق عقدية، قد خرقت مقتضيات الفصلين 147 و 285 من ق.م.م، و عرضت قرارها للنقض(1).

     و أكدت محكمة النقض اتجاهها هذا من خلال القرار التالي:

إن التنفيذ المعجل بحكم القانون إنما منحه الفصل 285 من ق.م.م للنزاعات الناتجة مباشرة و بصفة صريحة لما ورد في عقود الشغل والتدريب المهني، أما التعويض عن الطرد التعسفي و الإعفاء و الإشعار فإنه لم يتناولها بصفة مباشرة و صريحة من العقد المذكور و إنما  تنشأ من إخلال المشغل بعدم التعسف بالطرد، و باحترام حقوق الأجير في الإعفاء و الإشعار، كما تستلزمه القوانين المنظمة للشغل و التي لا دخل لعقد الشغل فيها، و بذلك تكون وسيلة النقض على غير أساس(2).

     و بخلاف التعويضات الناتجة عن الطرد التعسفي و التي أكدت محكمة النقض عدم شمولها بالنفاذ المعجل القانوني، فإن نزاعات حوادث الشغل و الأمراض المهنية تظل مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني، و هذا ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها و الذي جاء فيه:

“… لكن حيث إن الإيراد العمري المحكوم به لفائدة المصاب و الذي لم ينفذ الطالب أقساطه ابتداء من 9/10/2002 مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون و لا يخضع للمقتضيات التي احتج بها الطاعن…”(3).

1-  قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الاعلى سابقا) عدد 1105 بتاريخ 29 أبريل 1991، م.ج.ع، 9080/90، منشور بمجلة الإشعاع، العدد 6، 1991، ص: 61.
2-
قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 56 بتاريخ 11 أبريل 1995 م.ج.ع، 8275/92، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 48 يناير 1996، ص: 299.
3-
قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 406 بتاريخ 28 أبريل 2004، م.ج.ع، 71/5/04، غير منشور.

     و هكذا إذا كان الفصل 285 من ق.م.م قد أقر قاعدة النفاذ المعجل بقوة القانون بكيفية عامة، فإن موقف القضاء أصبح مستقرا على عدم عمومية مقتضيات الفصل المذكور.

     ولابد من الاشارة في الختام إلى أن مبدأ النفاذ المعجل بقوة القانون لا يعني فئة الأجراء فقط، و إنما يحتاج المشغلون بدورهم إلى حماية ضد تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل، و هو ما جعل المشرع ينص على مبدإ إيقاف تنفيذ الأحكام كمبدإ مقابل لمبدإ التنفيذ المعجل بقوة القانون، و ذلك بمقتضى المادتين 147 و 316 من ق.م.م، و هذا ما سنحاول الوقوف عنده من خلال النقطة الثانية.

النقطة الثانية : إيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل.

     إن المشرع المغربي بإقراره مبدأ النفاذ المعجل للأحكام استهدف حماية حقوق المحكوم له، لكنه في الوقت ذاته لم يهمل حقوق المحكوم عليه، و الذي منحه حق طلب إيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل.

     ووقف التنفيذ المعجل هو عبارة عن طلب يقدمه المحكوم عليه عند استئنافه للحكم المشمول بالتنفيذ المعجل يطلب فيه من المحكمة وقف تنفيذ الحكم لحين الفصل في الطعن.

     وجدير بالذكر أن المحكوم عليه لا يستطيع طلب إيقاف التنفيذ إلا إذا كان الحكم الابتدائي مشمولا بالنفاذ المعجل القضائي، على اعتبار أن النفاذ المعجل القانوني لا يجوز طلب إيقافه.

     ودراستنا لموضوع إيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل سنقتصر فيها على تحديد موقف القضاء المغربي من هذه الإشكالية سواء تعلق الأمر بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أو محكمة النقض (اولا)، ثم تحديد الصعوبات التي تطال تنفيذ هذه الأحكام (ثانيا).

أولا : موقف القضاء من إيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل.

سنتعرض لموقف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء (أ)، ثم نتناول موقف محكمة النقض (ب).

أموقف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.

     لقد منح المشرع المغربي لمحاكم الاستئناف بمقتضى الفصل 147 من ق.م.م سلطة واسعة لإيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل أو إلغائه و لم يقيدها سوى بضرورة توضيح ظروف القضية، إذ جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أنه:

وحيث إنه في قضايا الشؤون الاجتماعية فإن الفصل 285 من ق.م.م، ينص على أن الحكم يكون مشمولا بالنفاذ المعجل بحكم القانون في قضايا حوادث الشغل و التدريب المهني رغم كل تعرض أو استئناف.

  و حيث إن النازلة الحالية تتعلق بطلب التعويض عن الطرد التعسفي المدعى به من طرف المستخدم.

    وحيث إنه كانت حقوق العامل في الميدان الاجتماعي مضبوطة بمقتضى نصوص تشريعية، فإن المفهوم الذي يجب أن يعطى للفصل 285 من ق.م.م يجب أن يكون مقصورا على ما للعامل من حقوق بمقتضى القانون، أو بمقتضى عقود الشغل، ولا يمكن أن تكون محل نزاع من طرف رب العمل إلا إذا أثبت أنه و فى بتلك الحقوق في الأجور
و التعويضات العائلية في حالة ثبوتها و حقوق مكافأة الأقدمية و العطلة.

  و حيث إن التعويض عن الطرد لا يعتبر ناشئا عن العقد و لكن مصدره تصرف انفرادي و إن المحكمة تبحث بما لها من سلطة كاملة في تكييف تصرف رب العمل و مدى مشروعية السبب الذي تبنى عليه، و بالتالي فإن الحق في التعويض تقرره المحكمة
و ينشئه الحكم الذي يحدده، و من هذه الوجهة فإن الفصل 285 من ق.م.م، ينبغي أن لا يشمل على تعويضات الطرد التعسفي و الإشعار، و تبقى للمحكمة السلطة التقديرية للتحقيق في الظروف التي تثبت وجه النفاذ المعجل لهذا الحكم، و إنه في حالة تعديل الحكم من طرف محكمة الدرجة الثانية فإن المنفذ عليه يصعب عليه استرجاع مبالغ مالية سلمت إلى العامل.

  و حيث إنه في النازلة الحالية، و طبقا للتغيير المشار إليه أعلاه، فإن المحكمة ترى من المناسب إيقاف تنفيذ الحكم الابتدائي، ما دام يتعلق بالتعويض عن الطرد دون غيره من بقية الحقوق الأخرى للعامل“.

  و في نفس الاتجاه قضت نفس المحكمةاستئنافية الدار البيضاءبما يلي:

  “… حيث إن مناط استحقاق الأجير للتعويض عن الإعفاء هو انتفاء ارتكابه للخطإ الجسيم، و استخلاص هذا الخطإ من وقائع الدعوى يرجع لسلطة المحكمة و تقديرها إذ عليها أن تبحث في مدى مشروعية تصرف الأجير الذي يدعيه المؤاجر لتبرير فصله عن العمل، و استنادا إلى هذا المفهوم فإن التعويض عن الإعفاء تقضي به المحكمة في إطار سلطتها الكاملة و ينشئه الحكم الذي يحدده و بالتالي فإن مقتضيات الفصل 285 من ق.م.م لا يشمله و تبعا لهذا التفسير، فإن طلب إيقاف التنفيذ المعجل فيما يخـص التعويـض عـن الإعفاء له ما يبرره و يتعين الاستجابة له(1).

1- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 2648 بتاريخ 12/11/1992، م.ج.ع 3172/92، قرار غير منشور.

    غير أن هذه المحكمة و في قرار مخالف للقرار السابق قضت بعدم الاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ المعجل بخصوص التعويض عن الأقدمية، إذ جاء في حيثيات قرارها أنه:

وحيث إن الطالب يلتمس إيقاف تنفيذ الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويضات عن الإعفاء و الطرد و الأقدمية.

  و حيث إن المفهوم الذي ينبغي أن يعطى للفصل 285 من ق.م.م، هو أن يكون مقصورا على ما للأجير من حقوق ناشئة عن عقد الشغل و مقررة بنصوص قانونية،
و عملا بهذا التفسير فإن طلب إيقاف التنفيذ المعجل بالنسبة للتعويضات عن العطلة
و الأقدمية لا ينبني على أساس و يتعين رفضه(1).

     و هكذا يتضح أن موقف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء غير مستقر فهو إما يتجه إلى التقييد في تطبيق الفصل 285 من ق.م.م على اعتبار أن الحقوق التي يطالب بها الأجير إما ركيزتها المسؤولية العقدية و بالتالي فالتعويضات المتعلقة بها تكون مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني، و إما أن تكون ركيزتها المسؤولية التقصيرية لتخضع بذلك للسلطة التقديرية للمحكمة لإيقاف تنفيذها طبقا لمقتضيات الفصل 147 من ق.م.م.

     وبعد أن تعرفنا على اتجاه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء فيما يتعلق بإيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل في قضايا نزاعات الشغل الفردية، سنتطرق إلى موقف محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) من هذا الموضوع.

بموقف محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا):

     يمكن القول إن قرارات محكمة النقض بخصوص طلبات إيقاف تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل عبر تسلسلها التاريخي اتسمت بعدم الاستقرار و التأرجح بين الاستجابة لطلبات وقف التنفيذ و رفضها.

1- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 3216 بتاريخ 13/12/1994، م.ج.ع 4000/94، قرار غير منشور.

بتنفيذها مؤقتا، و هذا ما يستنتج من أحد قراراتها و الذي جاء فيه:

و حيث إن الأحكام التي يمكن النظر في طلبات إيقاف تنفيذها هي تلك التي يأمر القضاة بحكم سلطتهم التقديرية بتنفيذها مؤقتا، أما الأحكام التي تنفذ بقوة القانون فلا يمكن إيقاف تنفيذها(1).

    غير أن هذا التوجه لم يدم طويلا حيث اتجهت محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا) في إطار تفسيرها للفصل 285 من ق.م.م، إلى تحديد الحالات التي تكون فيها الأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني و التي حصرتها بصفة عامة في التعويضات التي يستحقها الأجير أثناء قيام علاقة الشغل مستبعدة بذلك التعويضات الناتجة عن الفصل التعسفي.

     و هذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها الذي جاء في حيثياته:

حيث يعيب الطاعن على القرار المطعون فيه خرق مقتضيات الفصلين 147 و 285 من قانون المسطرة المدنية و بانعدام التعليل و عدم الارتكاز على أساس قانوني، ذلك أن محكمة الاستئناف قررت قبول طلب إيقاف التنفيذ، مع أن الحكم الصادر في قضايا عقود الشغل و التدريب المهني يكون مشمولا بالتنفيذ المعجل بقوة القانون رغم كل تعرض أو استئناف، فتكون المحكمة قد خرقت المقتضيات المشار إليها أعلاه و عرضت قرارها للنقض.

لكن، حيث إن الأحكام الصادرة في شأن التعويض عن الطرد التعسفي نتيجة فسخ عقد الشغل و الخاضعة لتقدير المحكمة، باستثناء الحقوق التي يستمدها العامل بمقتضى النصوص التشريعية، تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من قانون المسطرة المدنية،
و يبقى على القاضي أن يبين الظروف التي استند عليها الأمر بالنفاذ المعجل، لذا فإن محكمة الاستئناف كانت على صواب عندما استندت على الفصل 147 المذكور و قضت بإيقاف التنفيذ المعجل المأمور به من طرف القاضي الابتدائي الذي لم يبين الظروف التي

استند عليها، و بذلك تكون الوسيلة غير مبنية على أساس(2).

1- قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 66 بتاريخ 24 ماي 1977 م.ج.ع 5939، أشار إليه عبد اللطيف خالفي، الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية، م.س، ص: 278.
2-
قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 547 بتاريخ 17 دجنبر 1979 م.ج.ع 7506، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 26، يوليوز 1998، ص: 59 و ما بعدها.

     و في نفس الاتجاه قضت الغرفة الاجتماعية بنفس المحكمة في أحد قراراتها بما يلي :

وحيث يتجلى مما تقدم أن الحقوق التي يطالب بها الأجير مرتكزا في طلباته على المسؤولية العقدية التي تربطه بالمشغل يكون الحكم بها دائما مشمولا بالنفاذ المعجل بحكم القانون و بالتالي فهي لا تخضع لسلطة قضاة الموضوع التقديرية، و من تم لا حق لهم في إيقاف تنفيذ الحكم القاضي بها.

    وحيث إن محكمة الاستئناف عندما أمرت بإيقاف تنفيذ الحكم الابتدائي الذي قضى للطاعن بالرجوع إلى العمل مع أجرة من تاريخ التوقف و أجرة العطلة و الساعات الإضافية و أجرة بعض أيام العمل و هي كلها حقوق عقدية، قد خرقت مقتضيات الفصلين 147 و 285 من ق.م.م، و عرضت قرارها للنقض(1).

     كما أكدت محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا) اتجاهها هذا من خلال القرار الصادر بتاريخ 11 أبريل 1995 و الذي جاء في حيثياته:

إن التنفيذ المعجل بحكم القانون إنما منحه الفصل 285 من ق.م.م للنزاعات الناتجة مباشرة و بصفة صريحة لما ورد في عقود الشغل و التدريب المهني، أما التعويض عن الطرد التعسفي و الإعفاء و الإشعار فإنه لم يتناولها بصفة مباشرة و صريحة من العقد المذكور، و إنما تنشأ من إخلال المشغل بعدم التعسف في الطرد، و باحترام حقوق الأجير

في الإعفاء و الإشعار كما تستلزمه القوانين المنظمة للشغل، و التي لا دخل لعقد الشغل فيها و بذلك تكون وسيلة النقض على غير أساس(2).

     و هكذا، فهذا التضارب في موقف محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا) فيما يخص تطبيق مقتضيات الفصلين 285 و 147 من ق.م.م، يرجع بالأساس إلى الغموض الذي يكتنفهما و التطبيق غير السليم لهما.

     فإذا كانت الغاية من شمول الأحكام المتعلقة بنزاعات الشغل بالنفاذ المعجل بقوة القـانون

1- قرار صادر عن محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا) عدد 1105 بتاريخ 29 أبريل 1991 م.ج.ع 9080/90، منشور بمجلة الإشعاع، العدد 6، 1991، ص: 61.
2-
قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 356 بتاريخ 11/04/1995 م.ج.ع 8275/92، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 48، يناير 1996، ص: 249.

هو حماية الأجراء من أجل الحصول على حقوقهم في أسرع وقت، فإن محكمة النقض حالت دون ذلك بسبب التفسيرات المختلفة للنصوص القانونية و التكييفات التي أعطتها
لمسؤولية المشغل عن إنهاء عقد الشغل، وكذلك التمييز بين الحقوق المرتبطة بعقد الشغل
و الأخرى المتعلقة بإنهائه(1)، كل ذلك من أجل تحديد نطاق تطبيق مقتضيات الفصلين 147 و 285 من ق.م.م.

ثانيا : صعوبات تنفيذ الأحكام في دعاوى الشغل الفردية.

     تعتبر مرحلة التنفيذ  من أهم المراحل المسطرية، فتنفيذ الحكم هو الغاية المنشودة التي يهدف إليها صاحب الحق، إلا أن الواقع أثبت أن هذه المرحلة غالبا ما تعترض الأطراف خلالها بعض الصعوبات.

     و على غرار كافة الأحكام، تعترض الأحكام المتعلقة بنزاعات الشغلصعوبات أثناء تنفيذها– (أ)،هذه الصعوبات حتمت علينا البحث عن وسائل عملية لتجاوزها– (ب).

أنماذج صعوبات التنفيذ في قضايا نزاعات الشغل الفردية:

     إن تنفيذ الأحكام المتعلقة بنزاعات الشغل تثير عدة إشكاليات، من بينها الإشكالية المتعلقة بتأويل هذا الصنف من الأحكام أو تفسيره -1-، لكن الإشكالية الأكثر طرحا على المستوى العملي هي إشكالية إرجاع الأجير إلى عمله في حالة ثبوت فصله بشكل
تعسفي -2-.

1- إشكالية تأويل الأحكام في نزاعات الشغل:

     من صعوبات التنفيذ التي تثار في قضايا نزاعات الشغل تلك المتعلقة بتأويل حكم أو  تفسيره، حيث يهدف صاحبها إلى تصحيح الحكم، و يعود الاختصاص للبث فيها إلى المحكمة المصدرة للحكم حسب مقتضيات الفصل 26 من ق.م.م.(2)

1- أنظر:
 
سعيد كوكبي: تنفيذ الأحكام الاجتماعية في التشريع المغربي، دار القلم الرباط، 2002 ص: 124.
 
خالد بولا: تنفيذ الأحكام و إشكاليته في نزاعات الشغل الفردية، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين و البحث: قانون الشغل و التحولات الاقتصادية  و الاجتماعية، نوقش بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2007-2008، ص: 80.
2-
ينص الفصل 26 ق.م.م على ما يلي:
تختص كل محكمة مع مراعاة مقتضيات الفصل 149 بالنظر في الصعوبات المتعلقة بتأويل أو تنفيذ أحكامها و قراراتها.”

     ومنازعات التنفيذ بسبب تأويل و تفسير الأحكام الصادرة عن القضاء تعد من بين السبل التي يلجأ إليها المشغل عادة من أجل إيقاف تنفيذ الأحكام الصادرة ضده و تأجيلها مؤقتا.

     ومن الأمثلة على هذه الصعوبة ما أثير أمام رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط بشأن تنفيذ الحكم القاضي بإرجاع الأجير إلى عمله ضد شركة الاستثمار الفلاحيصودياحيث تبين لمأمور التنفيذ أن الحكم المراد تنفيذه جمع بين شركتين فلاحيتين مستقلتين إذ أن شركة الاستثمار الفلاحي تحمل اسمسوجيطاأماصوديافهي اسم مختصر لشركة التنمية الفلاحية، مما أدى إلى عدم معرفة المقصود منهما في الحكم، فكل منهما يتهرب من تنفيذ
الحكم، بناء على ذلك قضى رئيس المحكمة بوجود صعوبة جدية في تنفيذ الحكم و أمر بإيقاف إجراءات التنفيذ لتعذر تحديد المدعى عليها و المحكوم عليها(1).

2- إشكالية تنفيذ الأحكام القاضية بإرجاع الأجير إلى عمله:

     خول المشرع المغربي للقضاء الاجتماعي في حالة ثبوت فصل الأجير بكيفية تعسفية إما الحكم بإرجاعه إلى عمله و إما الحكم له بالتعويض(2).

     وما يلاحظ في الواقع العملي أن الطلبات التي يتقدم بها الأجراء الذين تم فصلهم تعسفيا تتوخى إما الإرجاع إلى العمل فقط، و إما الإرجاع و التعويض، و إما المطالبة بالتعويض وحــده.

     فإذا كانت الحالتين الأخيرتين لا تثيران إشكالية الخيار بين الرجوع إلى العمل
و التعويض فإن الحالة الأولى لا تعطي للقضاء ذلك الخيار، الأمر الذي جعلنا نتساءل عن كيفية تعامل المحاكم مع هذه الإشكالية؟

    لابد من الإشارة أولا إلى أن صعوبة إعمال الخيار بين الإرجاع إلى العمل والحكم بالتعويض يجد سنده في الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية(3) فهذا الأخير يحد من دورالقضاء الإيجابي في حل النزاع، بحيث يحتــم الفصل المذكــور على المحكمة البت فــي

1- أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 15/10/1986 في ملف رقم 86855/6، أورده عبد المجيد غميجة: قواعد التنفيذ و إشكالياته في الأحكام الاجتماعية. الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، م.س، ص: 336.
2-
تنص المادة 41 من مدونة الشغل على ما يلي:
“…
يحق للأجير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة التي لها أن تحكم في حالة فصل الأجير تعسفيا، إما بإرجاع الأجير إلى شغله أو حصوله على التعويض عن الضرر…”.
3-
ينص الفصل الثالث من ق.م.م على ما يلي:
يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف، و لا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات و يبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة و لو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة“.

حدود طلبات الأطراف.

     وهذا الاتجاه هو الذي تسلكه المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء و هو ما يستشف من خلال حكمها عدد 1199 الصادر بتاريخ 16 فبراير 2010 و الذي جاء في حيثياته أنه:

حيث إن الطلب يهدف إلى الحكم أساسا بإرجاع المدعية إلى العمل

و حيث إن المدعى عليها مؤسسة جورج واشنطن أكاديمي تمسكت في معرض جوابها أنها فعلا فصلت المدعية من عملها بعدما تبين أن الشكاية التي تقدمت بها بسبب تحرش

رئيسها المباشر لها هي كيدية و تلفيقية لكن رغم ما قامت به المدعية فإنها لا تمانع في رجوعها لعملها

وحيث تبعا لطلب المدعية و كذا موافقة المشغلة يتعين الحكم للمدعية بالرجوع إلى العمل مع رفض طلب التعويض عن الضرر و لو كان درهم رمزي لأن المادة 41 من مدونة الشغل خولت للأجير الخيار إما بالرجوع إلى شغله أو حصوله على تعويض عن الضرر
و لا يمكن الجمع بينهما…”(1).

     كما جاء في حيثيات حكم آخر صادر عن نفس المحكمة أنه:

“… حيث إن الطرد الذي يتعرض له المدعي طردا تعسفيا يخلق له مركزا قانونيا
و يخول له حق مطالبة الجهة المدعى عليها بإرجاعه إلى عمله الذي طرد منه بدون سبب مشروعو طلبه الرامي إلى إرجاعه إلى عمله في محله و يتعين الاستجابة له(2).

     وهكذا يتبين أن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قد حسمت في أمر الخيار بين الإرجاع إلى الشغل أو المطالبة بالتعويض و ذلك بالحكم وفق طلبات الأطراف، فإذا طالب الأجير بإرجاعه إلى عمله استجابت له و إذا طالب بالتعويضات المستحقة كان له ذلك.

     ومحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) بدورها تتجه نحو تكريس مبدإ الخيار الممنوح للمحكمة و لكن مع مراعاة طلبات الأطراف، و هذا ما يستشف من القرار عدد 09 الصادر بتاريخ 23 مارس 2005 و الذي جاء فيه:

لكن حيث إن الثابت من المقال الافتتاحي للمدعي أنه التـمس الحكم له بالتـعويضات

1- حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء عدد 1199 بتاريخ 16 فبراير 2010، م.ج.ع 9678/09، حكم غير منشور.
2-
حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء عدد 6569 بتاريخ 28 يوليوز 2004، م.ج 41/2004، حكم غير منشور.

عن الطرد التعسفي و لم يسبق له أن طلب الرجوع إلى العمل، و المحكمة لما ثبت لديها أن المحكمة الابتدائية خرقت الفصل الثالث من ق.م.م لما قضت بالرجوع إلى العمل، كان ما قضت به مرتكزا على أساس على اعتبار أن مبدأ الخيار يكون في حدود الطلب(1).

   وعلى الرغم من أن الحكم القاضي بإرجاع الأجير إلى عمله يبدو سهلا من الناحية النظرية فإنه صعب من ناحية التنفيذ إن لم نقل مستحيلا في بعض الحالات لانعدام الثقة بين
الطرفين(2)خاصة في المؤسسات الصغيرة و التي تكون فيها  العلاقة مباشرة بين الأجراء
و مشغلهم، مما يجعلنا نقترح الحل الذي تبناه المشرع الفرنسي في هذا الإطار عندما خول للمشغل الحق في تقرير ما إذا كان يرغب في إرجاع الأجير إلى عمله، أثناء نظر المحكمة في الدعوى و قبل إصدارها للحكم تفاديا لطول أمد النزاع.

بوسائل تجاوز إشكاليات صعوبات التنفيذ في دعاوى الشغل:

     إذا كان هدف المشرع في المادة الاجتماعية عموما هو حماية الأجراء و تيسير إجراءات التقاضي عليهم، و التعجيل بالفصل في الدعوى، فإن ذلك يصطدم بإشكالات قانونية و عملية فيما يخص تنفيذ الأحكام، الأمر الذي دفعنا إلى البحث عن وسائل عملية لتجاوز هذه الإشكاليات، و من بين الوسائل التي نعتقد أنها ستساعد على الحد نوعا ما من إشكاليات التنفيذ في نزاعات الشغل نجد الغرامة التهديدية -1-، إلى جانب ضرورة توحيد الاجتهاد القضائي في هذا الموضوع -2-.

1- الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار المشغل على تنفيذ الأحكام القضائية:

     إن غاية الأجير من إقامة الدعوى أمام القضاء هي الحصول على حقوقه بعيدا عن أية صعوبة تثار بشأن ذلك، غير أن بعض الأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية غالبا ما تواجه بالامتناع عن التنفيذ، خاصة تلك القاضية بإرجاع الأجير إلى عمله.

     فهل يمكن الحكم على المشغل الذي امتنع عن التنفيذ بالغرامة التهديدية طبقا لمقتضيات الفصل 448 من ق.م.م؟(3).

1قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية لمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، عدد 09 بتاريخ 23 مارس 2005، م.ج.ع 1201/04 قرار غير منشور.
2-
بشرى العلوي: الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، م.س، ص: 238.
3-
ينص الفصل 448 من ق.م.م على أنه:
إذا رفض المنفذ اداء التزام  بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره، و أخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها“.

     في هذا الصدد أكد أحد الفقه بأنه يمكن للقاضي اللجوء إلى الغرامة التهديدية للضغط على المشغل قصد تنفيذ الحكم القاضي بالإرجاع تطبيقا لأحكام الفصل 448 من ق.م.م.(1)

     وإذا تمسك المشغل بامتناعه عن التنفيذ فتكون مقتضيات الفصل 261 من ق.ل.ع(2) هي الواجبة التطبيق حيث يتحول الالتزام بعمل عند عدم الوفاء به إلى تعويض.

     أما فيما يخص موقف القضاء، فإنه شبه مستقر على عدم تطبيق الغرامة التهديدية على المشغل الذي امتنع عن تنفيذ الحكم القاضي بالإرجاع، إذ يكون للأجير عندئذ المطالبة بالتعويض بدل الإرجاع.

     وفي قرار آخر بررت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدم تطبيق الغرامة التهديدية بوجود نص خاص هو الفصل 6 من النظام النموذجي(تقابله المادة 41 من مدونة الشغل) و الذي ينظم مسألة الخيار بين التعويض و الإرجاع إلى العمل، و بالتالي فلا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 448 من ق.م.م(3).

     أمام هذا التوجه القضائي، لابد من التأكيد أن هذا الموقف من شأنه أن يفتح المجال للتهرب من تنفيذ الأحكام القضائية، لذلك و في  اعتقادنا أنه يتعين الحكم بالغرامة التهديدية كلما قضت المحكمة بإرجاع الأجير إلى عمله، خاصة بالنسبة للمقاولات الكبرى، التي لا تكون فيها العلاقة مباشرة بين المشغل والأجير انسجاما مع الطابع الحمائي لقانون الشغل(4).

2- توحيد الاجتهاد القضائي في قضايا نزاعات الشغل:

    لما كان الاجتهاد القضائي يشكل مصدرا من مصادر القاعدة القانونية، فإن توحيد الرؤى و المواقف في القضايا المتعلقة بنزاعات الشغل يعد هاجسا ملحا نظرا لما تتميز به هذه القضايا من طبيعة خاصة، والمسؤولية تقع بالأساس على رجال القضاء و خصوصا محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا) بهدف الحسم في إشكاليات التنفيذ(5)، و التي نتجت عن سوء التفسير للنصوص القانونية وغياب نصوص تشريعية من شأنها الحسم في هذه الأمور.

1- موسى عبود: دروس  في القانون الاجتماعي، م.س، ص: 204.
2-
قرار صادر عن محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا)، عدد 2182 بتاريخ 1/11/1989، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 45، نونبر 1991، ص: 17.
3-
قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، عدد 1581 بتاريخ 10 يونيو 1991، م.ج.ع 8519/90، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد 16 ماييوليوز 1992، ص: 105.
4-
دنيا مباركة: حقوق العامل بعد إنهاء عقد الشغل بين التشريع الحالي و القانون رقم99-65 المتعلقة بمدونة الشغل، دار الجسور، وجدة، 2004، ص:94.
5-
سعيد كوكبي: م.س، ص: 211.

     ومن خلال معالجتنا لمسألة التنفيذكخصوصية من الخصوصيات المسطرية في نزاعات الشغل، اتضح لنا مدى التضارب الحاصل في الأحكام والقرارات بيـن مـحاكـم الموضـوع ومحكـمة النقـض (المجلسالأعلى سابقا)، في أكثر من مسألة.

وخيرمثالنسوقهفيهذاالإطارهوالتفسيرالقانونيالذيأعطيللفصل 285 من ق.م.م و المتعلق بالتنفيذ المعجل بقوة القانون في نزاعات الشغل، حيث لم يكتب لمحكمة النقض أن تضع يدها على جوهر المشكل القانوني الذي أثارته مقتضيات هذه المادة، إذ أن قراراتها ظلت تتأرجح بين مبدإ تعميم النفاذ المعجل و جعله شاملا لجميع الحقوق المترتبة عن عقد الشغل، و بين مبدإ جعل الحكم بالتنفيذ المعجل خاضعا للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.

     وبخصوص إشكالية إرجاع الأجير إلى عمله، يمكننا القول أيضا إن مواقف محكمة النقض بهذا الخصوص ظلت تتأرجح بين التشبث بحرفية النص و اعتبار حق الأجير بالرجوع إلى العمل من المطالب التي يحق له التمسك بها و بين إعطاء المحكمة كامل سلطتها التقديرية في اختيار الحل الأنسب.

     لذلك و أمام هذا التضارب في مواقف محكمة النقض، فإن الأمر أصبح يقتضي أن تتجه هذه الأخيرة إلى توحيد الرؤى و التوجهات و تدارك هذا التجاذب الذي ينعكس سلبا على أطراف العلاقة الشغلية.

     لكن، و رغم أن توحيد الاجتهاد القضائي من شأنه المساهمة في حل إشكاليات
و منازعات التنفيذ، فإن الإشكال يظل قائما حول مدى قدرة محكمة النقض على توحيد الاجتهاد القضائي المغربي.

     وفي هذا الصدد يرى أحد الفقه(1) أنه لا يمكن لمحكمة النقض أن توحد اجتهاداتها،
و ذلك راجع إلى التراكم المتزايد للقضايا المعروضة عليها، مقارنة مع العدد المحدود لقضاة محكمة النقض.

1- امحمدالأمرانيزنطار: الاجتهاد القضائي في المادة المدنية بين الثبات و الاستقرار، مجلة القانون و الاقتصاد، عدد 6، 1990 ص: 155.

الأساسية، فالتشريع و مهما بلغ من شمول يبقى غير كاف لذلك فاجتهادات القضاء تعتبر خير معين للمشرع لتدارك العيوب التي يمكن أن تعتري التشريع.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*