swiss replica watches
وعي جديد… وتلاحم في الأفق بين القوة الانتخابية والقوة الاحتجاجية – سياسي

وعي جديد… وتلاحم في الأفق بين القوة الانتخابية والقوة الاحتجاجية

بقلم : عبدالحق الريكي

ظهرت في الآونة الأخيرة، شرعيتين شعبيتين كانا لهُما صدى في المجتمع.

الأولى تتمثل في الشرعية الانتخابية للفئة من المواطنين الذين شاركوا، بوعي وقناعة، في الانتخابات البرلمانية والذين مَنَحُوا المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية ومَسؤُولية قيادة الحكومة للمرحلة القادمة.

العملية الانتخابية كانت دائما محل تشكيك كَوْنها مخدُومة ويتم خلالها توزيع مسبق للكعكة، وأنه لا فائدة من الانتخاب ما دامت الإرادة الشعبية لا تُحترم والبرلمان لا يُشرِّع لصالح الشعب والحكومة لا تَتَحكم في كل مراكز القرار… هذا صحيح في جوانب عديدة، لكن لا يمكن نفيَ كون العديد من المواطنين يَنخرطُون في الانتخابات لخوض معركة الديمقراطية والشفافية ومن تم فالشرعية الانتخابية حقيقية وليست مصطنعة، ولاَ بُدَّ من الاعتراف بها وهي التي مكَّنت حزب وطني من تصدر الانتخابات ضد رغبة الكثيرين.

أما الثانية فهي الشرعية الاحتجاجية للفئة من المواطنين الذين خرجُوا للتعبير عن معارضتهم لسياسات لا شعبية وللمُطالبة بتغيير واقعهم. هذه الاحتجاجات عرفت ذُرْوتها مع استشهاد محسن فكري في ظروف مأساوية وخروج الآلاف من المواطنين بمدينة الحسيمة وبأكثر من ثلاثين مدينة وقرية بالمغرب لرفع شعار: لا للحكرة، نعم للكرامة… هُنَا وأمام شرعية هذا الحراك، يَتوَجَّبُ فتح الحوار مع اللجن الشعبية الممثلة لهذا الحراك، حول ملفهم المطلبي، وليس تهديد قادتهم أو التلميح بقمع احتجاجاتهم المشروعة.

علينا جميعا، بَدْء مرحلة جديدة داخل الوطن تتمثل في فتح قنوات الإنصات والتواصل والتفاوض مع هذه الفئة من المواطنين، عوض نهج سياسة التجاهل والتهديد وشراء رؤوس “الفتنة”… بل بالعكس، يجب اعتبار قيادات الشارع مشاريع سياسيين للمستقبل ومحاولة إدماجهم، وليس تدجينهم، في النسيج السياسي الوطني…

هذه شرعيتان تُعبِّران بوضوح عن مطالب ومطامح فئات عريضة من الشعب يَجبُ التعامل معهما بروح ديمقراطية… هاتان الشرعيتان يُمكن أن تتعارضا في أهدافهما لكنَّ الحوار الهادف والمسؤول من شأنه إيجاد صيغة متوافق عليها تُمَكِّنُ البلاد من التقدم على درب الديمقراطية والحق والقانون… ما هو مرفُوض، هو تبخيس دور الفئة الانتخابية من طرف الفئة الاحتجاجية، والعكس صحيح، تقْلِيل دور الفئة الاحتجاجية من طرف الفئة الانتخابية.

الحقيقة أنه، في غياب دراسات مُعَمَّقة حول ظاهرة الانتخاب والاحتجاج، يَصعبُ تحديد عدد المواطنين الذين يُشاركون في الانتخابات ويَنْخرطُون أيضا في الاحتجاجات. ما هو مؤكد أن صوتهم غير مسموع، لأنه في الظاهر يبدو كما لو أن هناك انفصام ما بين الفئتين، بمعنى أن الفئات الانتخابية لا تحتج والفئات الاحتجاجية لا تصوت…

أنا على يقين أن القوة الشعبية سَتَنْتصر يوم تَتَلاحم الفئتين الانتخابية والاحتجاجية في معركة واحدة من أجل جعل الفاصل بين المواطنين والسلطة، يتجلى في الدستور والقانون، ويُطالبان معاً بانتخابات ديمقراطية وشفافة مائة بالمائة وكذلك بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والحق في التظاهر والاحتجاج السلمي….

الأَكيد هم تواجد جهات سلطوية وحزبية وإدارية تُحَارب بجميع الوسائل الشرعيتين، الانتخابية والاحتجاجية، لأنهما تتعارضان مع مصالح هذه الفئة التي تَخافُ من برلمان شعبي ديمقراطي ومن شارع شعبي احتجاجي… لقد تَتَبعنا عن كثب، تدخل جهات سلطوية في محاولة قلب نتائج انتخابات 2015 والضغط بكل الوسائل لتمكين أحزاب إدارية من رئاسة جهات مهمة وشَقِّ صفوف الأغلبية الحكومية… نفس السيناريو نعيشه هذه الأيام مع تعطيل تشكيل الحكومة ومحاولات البعض ضرب عرض الحائط الشرعية الانتخابية، ناهيك عن كل الممارسات التي صاحبت العملية الانتخابية بِنِيَّة التَحَّكُم في نتائجها…

والمؤكد أيضا، أنَّ هذه الجهات، التي تتوفر على إمكانيات ضخمة من إدارة ومال ومقاولات صحفية وإعلامية، لها خُطَّة لجعل الفئتين الانتخابية والاحتجاجية في صراع مستمر لإنهاك قِوَاهما في معارك جانبية وأحيانا شكلية. المهم بالنسبة لها هو استمرار تشكيك الاحتجاجي في الانتخابي والانتخابي في الاحتجاجي. والأساس، إبعاد كل محاولة لحزب حكومي أو برلماني من التَقَّرُب من الفعل الاحتجاجي. كما لو أن المشاركة في التدبير الحكومي والتشريع النيابي يتنافيان مع المشاركة في الاحتجاج الشعبي.

يبدو لي أنَّ هناك وعي جديد بدأ يتبلور في الساحة الوطنية، نتيجة صمود شعب الانتخابات، منذ 20 فبراير 2011، بشكل فعال ومُلفت لإِفشال مخططات السلطة لقلب موازين القوى الانتخابي لصالح أحزاب الإدارة سواء خلال الانتخابات الجهوية والمحلية لسنة 2015 وأيضا مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة… هذا الصمود، بَيَّنَ بالملموس أن انخراط الجماهير بقوة في المعركة الانتخابية من شأنه الحد من التدخل الإداري ومحاربة استغلال الفئات الهشة وشراء ذممها بالمال والجاه والقبيلة…

الصمود الانتخابي رافقه استمرار صمود شعب الاحتجاجات وانخراطه في معارك مشروعة وسلمية وجد منظمة، مع تحديد واضح لسقف المطالب وتدقيقها، مما جَعَل العديد من المواطنين يَنْخرطون في هذه المعارك الاحتجاجية سواء المشاركين في العملية الانتخابية أم المقاطعين والممتنعين والغير مبالين…

هناك وعي جديد مَفَادهُ أنَّ العمل من داخل المؤسسات غير كافٍ للدفع بالعملية الديمقراطية إلى الأمام وأن الفعل الاحتجاجي من شأنه فتح آفاق جديدة وتغيير موازين القوى، كما أن هناك وعي يتبلور فَحوَاه أنَّ الحركات الاحتجاجية عليها أن تجد لها صدى داخل المؤسسات…

هذا الوعي الجديد، عَلَينا مراقبته وتتبعه عن قرب، في الأيام والشهور القادمة، لأنه قادر على فرض تقارب ما بين الشرعيتين والفئتين المجتمعتين الانتخابية والاحتجاجية، من شأنه تغيير الكثير من المفاهيم وأدوات الاشتغال في أفق ديمقراطي فَعَّال ورحب…

عبدالحق الريكي

الرباط، التا سع من نونبر 2016

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*