swiss replica watches
لما كان الياس العماري يعيش الجوع ولم يجد قطعة خبز – سياسي

لما كان الياس العماري يعيش الجوع ولم يجد قطعة خبز

يواصل الأمين العان لحزب الاصالة والمعاصرة الياس العماري سرد حكاياته من الأزمنة الماضوية وكتب تدوينة….

عندما دونت بالأمس عن الوفاء فلم أكن أعني تعاملي، فقط، في إطار العلاقات الإنسانية مع أولئك الذين ساعدتهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، قدر المستطاع من مختلف المواقع التي مررت بها.

و هؤلاء لا أتذكر إلا صور القليل منهم؛ و إنما أقصد بالخصوص أولئك الذين ساعدوني و تصرفوا معي تصرفاً إنسانياً، و في مقدمتهم بعض القاعديين و اليساريين الذين احتضنوني في مرحلة حاسمة من حياتي. و في هذا السياق، و رغم أنني كنت قد قطعت وعدا مع أحد أقرب المقربين إلى شخصي و عقلي و قلبي، بأن أزوده بتفاصيل اللحظات و الأحداث التي عايشتها أو كنت جزءا منها كي ينشرها ، و نظرا للإلتزامات و الانشغالات و المتاعب الكثيفة التي تملأ أجندته، فإنني أطلب منه العذر لأحكي واقعة حقيقية لها علاقة بمبدأ الوفاء و الإعتراف بالجميل وتَذَكُر أفعال الخير التي تبقى راسخة في ذهن المرء و لو تغيرت الظروف و السياقات.

أتذكر أنه في يوم من أيام أواخر الثمانينات لما كنت متخفيا في طنجة بعد هروبي من الحسيمة بسبب المتابعة، و كنت أعيش ظروفا صعبة تتمثل في الأزمة الخانقة التي وصلت بي إلى حد عدم التوفر و لو على رغيف خبز. وذات زوال، و بدافع الجوع، توجهت إلى سوق بني مكادة علني أجد من يسد رمقي. فوقفت، و أنا متنكر في لحية كثيفة، أمام مطعم متوسط المستوى، أنتظر من يَمن علي برغيف أو بقليل من الغذاء. و بينما كنت أراقب شخصا يأكل من صحن ممتلئ ب”الكرشة و الحمص”، حتى رأيته يُفرِغ نصف الصحن في قطعة من الخبز الأبيض، فسلمني إياها، شكرته و انصرفت مهرولا إلى المنزل لأختبئ و أسد رمق الجوع. مر ما يقرب من عشرين سنة، و في يوم من الأيام المشهودة من سنة 2008، و نحن مجتمعون في إطار أنشطة الحركة لكل الديموقراطيين بمقر الإتحاد العام لمقاولات المغرب، مع مجموعة من رجال الأعمال. و أنا قرب المنصة، وقعت عيناي على شخص بين الحاضرين، فرجعت صورته بسرعة لذاكرتي، و كان بالفعل ذاك الشخص الذي أطعمني ذات يوم من تلك الأيام العجاف ببني مكادة. فأسرعت، دون أن أشعر، إلى ضمه و معانقته؛ فوقف الرجل مشدوها أمام هذا الاحتضان من شخص كان يعتبر من بين قياديي الحركة. فقلت له:

أنت أكيد تعرفني اليوم جيدا، و لكن أريد أن أقول لك أنني أعرفك منذ ما يقرب من 20 سنة. فاستغرب من الأمر، و نفى أن يكون يعرفني من قبل. فسألته أين كان يعيش في أواخر الثمانينات، فأكد لي أنه كان يشتغل بطنجة، و سألته هل كان يزور بعض المطاعم الشعبية في منطقة بني مكادة، و أكد لي أنه، بالفعل، يتذكر أنه كان من حين لآخر يتناول طعامه في أحد المطاعم بالحي المذكور. كان بالفعل هو ذلك الإنسان الكريم الذي قاسمني رغيف الخبز و أنا في أمس الحاجة إليه.

أحكي هذه القصة، لأقول أن الإنسان الذي لا يتذكر من فعل فيه الخير و ساعده في مسار حياته، و لو مساعدة بسيطة، فهو كائن يفتقد إلى الشروط الدنيا للإنسانية. و أن اللحظات الإنسانية الحقيقية هي التي ينسى فيها المرء الاعتبارات السياسية و الايديولوجية و الاجتماعية، ليتذكر قيم الوفاء و الصدق و التضامن و الاعتراف بالجميل.

ألتمس مرة أخرى العذر من الشخص الذي وعدته بتزويده، حصريا، بقصص واقعية من حياتي، وأنا متيقن أنه سيطلع على هذه التدوينة، حتى و لو أنه ليس من رواد صفحتي على الفضاء.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*