05 أكتوبر اليوم العالمي للمدرس ؛ مشكلتنا أننا لم نفكر بعد …متى نفكر ؟!
05 أكتوبر اليوم العالمي للمدرس ؛
مشكلتنا أننا لم نفكر بعد …متى نفكر ؟!
عبد السلام المساوي
إن المدرس هو بوصلة المجتمع…هو من ينير الطريق، يعبدها، يصنع الأمل…لا أحد غيره يستطيع القيام بهده المهمة…المدرس يعقل ويفكر فيبني موقفه الذي انطلاقا منه يمارس ويفعل…موقف المدرس موقف متميز ،إنه يختلف كل الاختلاف عن موقف أي موظف آخر .
إن موقف المدرس بحكم ممارسته للتربية والتكوين سيصبح موقفا للتلميذ، للتلاميذ ، موقفا للآباء ،موقفا لجزء كبير من المجتمع .
إن المدرس بحكم مهنته حاضر بقوة في المجتمع ،حاضر بفكره ، بسلوكه ،بموقفه وقيمه .
إن المدرس ،إذن ليس موظفا عاديا ،ولاينبغي له أن يكون كذلك ،فأي موقف يتخذه ،أي مبادرة تصدر عنه ،كل كلمة ينطق بها ،الخطاب الذي يتبناه….كل هذا وأكثر من هذا لا يلزمه هو وحده ،بل يلزم المحيط الذي يعيش فيه….تأسيسا على هدا مطروح علينا إشاعة موقف يساهم في البناء والتقدم ،موقف المواطنة والحداثة.
إن التواضع من فضائل المدرس ،لسبب بسيط هو أن المدرس يعلم تلميذه كون الحقيقة ليست مطلقة …
الحقيقة نطلبها دوما ولا نمسك بها ، لا أحد يمتلك الحقيقة إنطلاقا من التواضع السقراطي….إن ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة من طرف المدرس جريمة في حق التلميذ ، وما نعيشه اليوم من عنف وارهاب هو نتيجة لاعتقاد البعض بأن الحقيقة مطلقة . ان وهم امتلاك الحقيقة المطلقة يولد العنف والتطرف ،والتسلط ويصادر قيم الحب والتسامح ، ويلغي الحوار والانفتاح ويجذر ثقافة الالغاء والاقصاء ، من هنا وجب على المدرس أن يتعلم ويعلم بأن الحقيقة ننشدها ولانمتلكها ، على المدرس أن يتعلم ويعلم بأن زمننا هو زمن انهيار المطلقات.
إن التعليم كفعل ضد البؤس الفكري ، والجهل والأمية….والممارس لحرفته جندي مسلح بالايمان بقضيته ، بتزهد ونكران الذات ، وعشق لمبادئ وقيم انسانية عليا .
” كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا ” ، كان هذا هو الدرس ، الدرس الأول الذي تعلمته ، وسيكون درسا مؤسسا لقناعاتي واختياراتي الفكرية والسياسية …درسا في الانفتاح على الآخر ، في التسامح ، في الايمان بالرأي والرأي الآخر ، في الايمان بحق الاختلاف …في انهيار البداهات وتحطيم المطلقات ؛ الحقيقة نطلبها ولا نمسك بها ؛ لا أحد يمتلك الحقيقة ؛ الفلسفة تحطم وهم اعتقاد امتلاك الحقيقة ؛ من هنا كانت البداية لمحاصرة العنف بجميع اشكاله ؛ إن الفلسفة تريد أن يختفي العنف من العالم ….
وكان عشق السؤال …حب السؤال …بداية بناء علاقة جديدة مع السؤال ؛ ” الاسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة ، بل إن كل جواب يصبح سؤالا جديدا …” الفلسفة تعنى بالسؤال اكثر من عنايتها بالجواب …السؤال لا يموت بالجواب بل يحيا فيه …لا جواب نهائي في الفلسفة ؛ في الجواب النهائي نهاية للفلسفة ، موت للفلسفة ؛ ولن تموت الفلسفة ما دام في العالم ، إنسان يسأل ، إنسان يتساءل ، إنسان يفكر …
قسم سقراط الناس الى فئتين :
1-جاهلون ويجهلون جهلهم – الجهل بالجهل
2-جاهلون ويعرفون بأنهم جاهلون – الوعي بالجهل
والاعتراف بالجهل هو المدخل الاساسي للتعلم والمعرفة، وعتبة التفلسف .
الجاهل الذي يعرف جهله مؤهل لكسب المعرفة ، أما الجاهلون الذين يتوهمون امتلاك الحقيقة المطلقة ، ويدعون معرفة كل شيء ، فهم غارقون في الجهل ، وغارقون في سبات عميق .
ان الفلسفة تعلمنا أن لا أحد يمتلك الحقيقة ، لا وجود للحقيقة المطلقة ….
وهم امتلاك الحقيقة المطلقة يولد العنف والتطرف ؛ الاقصاء وعدم الاعتراف بالاخر ، تجريم الاختلاف وتحريم التفكير …والحركات اليمينية المتطرفة ، العنصرية والدينية تتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة.
ان ما يميز سقراط – الفيلسوف عن غيره من الناس هو انه جاهل ويعرف بأنه جاهل …
ان الفلسفة تحطم البداهة وتكسر سلطان العادة الطاغي ، وتوقظ من السبات العميق ، وتحطم الاعتقاد البديهي بامتلاك الحقيقة المطلقة …
مشكلتنا أننا لم نفكر بعد …
متى نفكر ؟!