المغرب وإيران.. واقع القطيعة في ظل التحولات الجيوسياسية
المغرب وإيران.. واقع القطيعة في ظل التحولات الجيوسياسية
بقلم: عادل بن حمزة
تحدثت تقارير إعلامية في الأسابيع الأخيرة عن وجود وساطة بين الرباط وطهران تسعى إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي قطعت منذ سنة 2018، عطفا على ذلك، أدلى في الأيام الأخيرة إسماعيل بقائي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بتصريحات صحفية نقلتها وكالة “مهر” للأنباء جاء فيها أن، ” الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترحب دائما بتحسين وتوسيع العلاقات مع دول الجوار ودول المنطقة والدول الإسلامية.
إن تاريخ علاقاتنا مع المغرب واضح”، تصريحات بقائي ليست الأولى التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين، فقد سبقها تصريح مماثل أدلى به وزير الخارجية الإيراني الأسبق عبد اللهيان، الذي قضى في حادثة مروحية الرئيس الإيراني رئيسي وذلك في الأسبوع الأخيرة من شهر أيار (مايو) 2023، أعلن فيه استعداد بلاده لاستئناف العلاقات مع المغرب وذلك في لقاء جمعه بسفراء الدول الاسلامية المعتمدين في طهران، ومما نقلته وكالة “فارس” الإيرانية آنذاك على لسان اللهيان، أنه قال بأن إيران ترحب “بتطوير العلاقات والعودة إلى حالتها الطبيعية مع الدول الأخرى في المنطقة والعالم الإسلامي، بما في ذلك البلدين المسلمين والشقيقين مصر والمغرب” مؤكدا في ذات اللقاء بأن العلاقة مع دول العالم الإسلامي ودول المنطقة تعد من أولويات السياسة الخارجية لبلاده وتحظى بأهمية خاصة، مشيرا إلى دور الديبلوماسية والتفاوض في عودة العلاقات مع الممكلة العربية السعودية إلى الحالة الطبيعية.
الاهتمام الإعلامي بواقع العلاقات الثنائية بين المغرب وإيران، سيتعزز الثلاثاء الماضي من خلال تأويل صورة جماعية بمناسبة افتتاح المنتدى العاشر لحوار الحضارات والذي احتضنته العاصمة البرتغالية لشبونة، تظهر وزيرا الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة والإيراني عباس عراقجي جنبا إلى جنب دون التبين من كون ذلك قد يكون من دواعي الصدفة أو الترتيبات البروتوكولية للجهة المنظمة، مما لايسمح ببناء تحليل أو استنتاج لعلاقات ثنائية بلغت حد القطيعة، في مقابل ذلك ليس هناك أي تصريح رسمي مغربي تعليقا على مختلف تلك الأخبار والتأويلات.
بلاشك توجد إيران منذ السابع من أكتوبر سنة 2023 في أسوأ وضعية لها منذ عقود، إذ عوض أن يعزز “طوفان الأقصى” من الدور الإقليمي الإيراني، نجده على العكس من ذلك وضع ضغوطا هائلة على طهران، مما اضطرها إلى كسر صبرها الاستراتيجي والدخول في شبه مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بالإضافة إلى إضعاف وإخراج أذرعها من المنطقة على النحو الذي يوجد عليه حزب الله والحوثيين ومليشيات الحشد الشعبي والنظام السوري، لقد كان النظام في طهران مضطرا لخوض مواجهة مباشرة مع تل أبيب، وإن كانت محدودة ومتفق على سقفها برعاية أمريكية، لذلك فإن بحث طهران عن علاقات طبيعية مع المغرب يدخل في إطار ترتيبات ما بعد حرب لبنان/غزة، فبعد التوافقات التي جمعت طهران بكل من الرياض و أبوظبي، فإن إيران تسعى إلى إستئناف طوحها الإفريقي من بوابة الرباط، وهنا لابد أن نستحضر الطموح الإفريقي لإيران.
يبقى أبرز حدث دبلوماسي إيراني في إفريقيا هو زيارة وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان على رأس وفد وزاري لنواكشوط في فاتح شباط (فبراير) 2023، زيارة وزير الخارجية الإيراني لموريتانيا أثارت في حينه كثيرا من علامات الإستفهام، لا يتعلق الأمر بالاعتراض على اختيارات موريتانيا وهي دولة ذات سيادة تبحث تنويع شركائها، لكن الأمر يتعلق بحقيقة الأهداف الإيرانية في منطقة الساحل والصحراء، إذ قبل زيارة نواكشوط وفي 22 آب (غشت) 2022 كان عبد اللهيان قد قام بزيارة للعاصمة المالية باماكو، هذه الزيارة سبقتها في شباط (فبراير) من نفس السنة زيارة لوزير الخارجية المالي عبد الله ديوب لطهران حيث تم الاتفاق على عقد الدورة الأولى للجنة المشتركة بين البلدين في باماكو. زيارة ديوب لإيران تزامنت مع إعلان فرنسا سحب قواتها من مالي وهو الإنسحاب الذي اكتمل في آب (غشت) 2023 أمام حضور قوي لمليشيات فاغنر الروسية، تلك التحركات كانت تشير إلى وجود توزيع أدوار بين طهران وموسكو، تلعب فيه طهران دور المناولة لموسكو في منطقة الساحل والصحراء وما يؤكد ذلك ما أعلنته وزارة الخارجية الروسية من تنظيم لجولة إفريقية تبدأ من نواكشوط وتقوده إلى كل من السودان ومالي ، وذلك مباشرة بعد مباشرة بعد اختتام زيارة وزير الخارجية الإيراني للمنطقة.
المسعى الإيراني للحضور في منطقة الساحل والصحراء، سيصطدم بعاملين مؤثرين أضعفا حظوظ طهران، العامل الأول يتعلق بالأزمة الكبيرة بين مالي والجزائر والتي بلغت حد المواجهات العسكرية على خلفية دعم الجزائر لمجموعات في شمال مالي، بل إن النظام الجديد في باماكو أسقط “مسار الجزائر” والذي كان عبارة عن اتفاق وتفاهم مع مجموعات انفصالية مسلحة تحظى بدعم الجزائر، قوة الموقف المالي تتجلى أيضا في التحالف المعلن بينها وبين كل من النيجر و بوركينا فاسو، العامل الثاني يتعلق بمبادرة الملك محمد السادس لدول الساحل من خلال تمكينها من منفذ على المحيط الأطلسي لإخراجها من العزلة وفق ما يتطلبه ذلك من بناء بنية تحتية طرقية ومينائية تمثل جوابا تنمويا على أزمة سياسية وأمنية عانت منها المنطقة لعقود طويلة، هذا العرض عزز حضور الرباط في المنطقة وقوى علاقاتها هناك، هذا دون إغفال الحضور الكبير للمغرب في دول جنوب الصحراء وفي إفريقية الأطلسية من خلال مشروع أنبوب الغاز المغرب نيجيريا الذي تم الإعلان عنه سنة 2016 والذي سيربط 16 دولة إفريقية بعضها ببعض (نيجيريا – بنين – توغو – غانا – ساحل العاج – ليبيريا – سيراليون – غينيا – غينيا بيساو – غامبيا – السنغال – موريتانيا – المغرب)” كما سيتم ربط الدول غير الساحلية مثل النيجر وبوركينا فاسو ومالي بالغاز من خلال الخط الذي سيمثل عن اكتماله أطول خط أنابيب بحري في العالم.
أهمية هذا المشروع تظهر في كونه يجمع مصالح عدد من الدول الإفريقية وهو ما يضعف مشاريع منافسة مثل الربط عبر ليبيا أو الجزائر، وهو ما ستنتج عنه تبعات على الوضع الجيوسياسي في المنطقة، بحيث يصبح العبور الإيراني إلى إفريقيا رهينا بعلاقات طبيعية مع الرباط.
المنافع التي يمكن أن يحققها النظام الإيراني بتطبيع علاقاته مع المغرب، لا يمكن تحقيقها سوى بمعالجة أسباب القطيعة بين البلدين والتي تتمثل في تورط طهران في تسليح وتدريب ميليشيات البوليساريو الإنفصالية بشكل مباشر وعبر وكيلها حزب الله، وهو ما لا يمكن للرباط التفاوض بشأنه، لذا أيا كانت صحة التقارير الإعلامية، فإن طهران تعرف ما هو مطلوب منها لكي تعيد فتح سفارتها في شارع محمد السادس بالرباط…