مدونة الأسرة : بين جماع الأسِرة وحسن السريرة ونقاش الموائد المستديرة .
الجزء الاول 1/2
وجهة نظر : الدكتور سدي علي ماءالعينين ، أكادير ،دجنبر2024 .
لا ادري لماذا كلما تابعت النقاش حول مدونة الأسرة او العلاقة بين الرجل و المرأة و التشريعات المنظمة للعلاقة بينهما فرادى و جماعات ،يتملكني الإحساس اننا امام عمل دونكيشوتي محكوم بالفشل مهما صدقت النوايا و تعددت الإجتهادات و تجاذبت الرؤى بين نزوع نحو الشريعة او خضوع للقوانين و الإتفاقيات الدولية .
لايريد احد ان يقر جهارا ان النظام العلائقي في مجتمعنا يعرف مستويات وتناقضات و تداخلات يصعب إيجاد قانون ملائم لها .
بل إن التشريعات في شموليتها عند تنزيلها على الحالات الخاصة ،مهما كان الحرص على الإنصاف الا ان الحيف يكون نصيب فئة دون اخرى .
لقد اصبحت العلاقات تبنى على معايير لم يستطع المجتمع رصدها وتحليلها ، وكل زواج او طلاق ينتج عن تلك العلاقات لا يخضع لأي منطق جاهز ،
وكأننا امام عمل مستحيل ، نريد فيه ان نشرع لأقدار الناس ، فالزواج قدر و نصيب ،والطلاق امر شاءه الخالق وحكمه مفعول .
لا يريد كثير من الساسة و الفقهاء و الحقوقيون ان يستوعبوا ان مؤسسة الزواج هي مؤسسة دينية لأن الذي شرعها ووضع لها ضوابط هو الدين ، والدين هو من اقر بالاولاد كما اقر بالطلاق .
والمجتمع المدني الذي يتأسس على العلاقات دون قيد او شرط ولكن فيها التزام طرفين على قاعدة الاعجاب او الحب او الميول ،
الدين يجعل لهذه العلاقات قيودا غايتها تنظيم المجتمع و نقاء النسل البشري ،ولكن ايضا يضع للعلاقة الزوجية قواعد تضمن لها التماسك.
لكن الدين نفسه وقف الإجتهاد فيه عاجزا عن الحكم في قضايا تتجاوز التشريع بكل اصوله و توقعنا في سلوكات النفس البشرية التي تتجاوز بشكل كبير التشريعات و الديانات .
مهما اوصى الإسلام بالمودة و الرحمة بين الزوجين فهو نفسه من اقر في كتابه ان جعل للناس عدوا من ازواجهم واولادهم .
الله عز من قائل و خالق هذا الكون وهذا الإنسان وهو من نفخ فيه من روحه ، لحكمة في خلقه جعل العلاقة بين ذكر و انثى تتجاوز المتوقع الى مافوق الطبيعي .
طفلة تلد من عملية إغتصاب من طرف والدها ،قد يجيب القانون على عنصر الجريمة بمعاقبة الأب ، ويمكن إيداع الطفلة مراكز للرعاية ، لكن مالا احد يستطيع ملائمته مع الدين و الحقوق و القوانين هو اين يمكن تصنيف المولود ؟ , وفي اي نظام علائقي يمكن وضعه حين يشترك مع امه في الاب !!!!
إن ما قامت به المدونة في المشروع الجديد لم يكن محاولة تقنين العلاقة بين الرجل و المرأة ،بل يبدو جليا ان الهاجس الذي حكم وضع التعديلات على المدونة هو مثلا محاولة الحد من الطلاق الذي وصل في المغرب 800 حالة في اليوم الواحد .
ولأن الطلاق ينتج عنه اطفال كان لابد من حمايتهم على قاعدة من اوجد طفلا الى الوجود يتكفل به سواء استمر الزواج الذي انجبه او لم يستمر ،
ولان نساء الطلاق اكثر عرضة للدخول في علاقات رضائية او امتهان الدعارة ،فقد ارادت المدونة ان تحمي المرأة بأن تمكنها من تعويض من الزوج يقاس بفترة الزواج وما تحقق فيها من تطور للوضع الاسري و الذي يجب تقسيم نتائجه على الزوجين .ولو كان كل شيئ بإسم الزوج . وهناك حالات في المجتمع، الزوجان يعملان معا ولهما حساب بنكي مشترك و يدبران امورهما بشكل توافقي .
في التعدد وضع شرط بنفحة حقوقية وهو حق الزوجة في معرفة هل زوجها متزوج عليها ام لا ، لأن النوازل تظهر ان غالبية الازواج يتزوجون في السر بدون علم الزوجة .
ومالا يعرفه كثيرون هو ان القوانين ليس لها اثر رجعي ،فشرط عدم الزواج بثانية لا يكون ساريا في الزيجات المقبلة على الزواج الا اذا توافق عليه الطرفان و ضمناه عقد الزواج .
إن الزواج هو ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرّة برعاية الزوجين.
في هذا التعريف الموجز تبرز اركان الزواج بعيدا عن التشريعات الوضعية و القانونية ، فالإرتباط بالشخص تكون الغاية منه هي الدوام ،و الحالات التي ينكسر فيها عقد الدوام يجب ان يكون سببا مقنعا مبنيا على وقائع وليس مجرد ميزاجية شخص او تعنت إمرأة . او حتى تسلل الملل الذي هو حالة نفسية تخص كل ما هو دائم .
ما نريد لفت الإنتباه إليه هو ان التواصل الحاصل بين الرجل و المرأة في المجتمع فتح هذه العلاقة على مصراعيها و ادخلها في نظام علائقي جد معقد يسمو على التشريعات ، فاصبحنا امام زواج لم يعد يروم السكينة و الطمأنينة ،بل اصبح تعبيرا عن مصالح مجتمعية او شخصية ،و اصبحت الاسرة هي السكن قبل ان تكون المسكن ،واصبح الاولاد عبئا بدل ان يكونوا فرحا و سندا ، واصبحت النساء يتعرضن لمؤثرات خارجية تؤثر على العلاقة بالزوج و بالابناء و بالانتماء الى الاسرة .
زوجة تطلب من زوجها ان يتخلى عن والدته او العكس ، فيصبح الخيار الابدي الصعب و الشائك عندما يوضع الزوج بين فكي الام و الزوجة ام الابناء ، أخدا بعين الإعتبار طباع المرأتين قبل تحديد الصفتين!!
ما يحتاجه مجتمعنا اليوم ليس هو التشريع المحكوم بالضبط و التحكم ، ولكن حاجتنا اليوم الى علماء الإجتماع يشرحون وضعنا المجتمعي و الحالات النفسية التي تخترقه ، و سبل ارجاع الروح والقيم لعلاقات المغاربة فيما بينهم .
الزواج لا يحتاج الى مدونة اسرة ، الزواج يحتاج الى نشر قيم التكافل و المحبة بين الناس ،و توفير شروط وامكانيات و حاجيات تأسيس اسرة و تربية أبناء . وهذا ليس من مسؤولية الفرد بل من مسؤولية الدولة .
انتظرونا مع الجزء الثاني و الأخير .
فهل تعتبرون ؟