“مابغيتوش طلعو عندنا ، حنا ننزلو عندكم “

“مابغيتوش طلعو عندنا ، حنا ننزلو عندكم “

 إداوتنان: في الحاجة إلى برنامج للتنمية القروية .

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين اكادير يناير 2025

مقال :(06)

في حلقة الامس سلطنا الضوء على مدينة أكادير ، واليوم في هذا المقال سنفتح لكم شهية رؤية منطقة اداوتنان بشكل مختلف .

لا اريد إغراقكم بالارقام و الاحصائيات المعلنة بمناسبة تنظيم الاحصاء العام للسكان و السكنى 2024 . لكن لا بأس أن نستعين ببعضها حسب الضرورة .

برنامج التنمية الحضرية لأكادير يشرف على الانتهاء ، و لان التنمية مسلسل لا يتوقف فطبيعي ان ماعرفته أكادير من تحولات ستكون له انعكاسات على محيطه ، هذا المحيط الذي يتكون من مجال قروي و جبلي و مدينة واحدة شبه حضرية و هي الدراركة .

من حيث عدد الساكنة فإن أكادير تتفوق على مجموع المجال القروي و تقدم نفسها في صدارة الجماعات بما مجموعه 500 ألف نسمة .وبحسب الإحصائيات، بلغ عدد سكان العمالة 721,431 نسمة، منهم 716,940 مغربي و4,491 أجنبي، ويبلغ عدد الأسر 197,248 أسرة، مما يعكس تنوعًا سكانيًا ملحوظًا.

 

وفيما يخص التوزيع الحضري والقروي، نجد أن أغلبية السكان يقطنون في المناطق الحضرية بأكادير، حيث يتمتع السكان بخدمات حضرية متقدمة، بينما يقطن الباقون في المناطق القروية التي تحافظ على طابعها التقليدي.

هذا الطابع التقليدي و معه ضعف شديد في البنية التحتية و انعدام فرص العمل بسبب الجفاف و نذرة المياه و التباعد المجالي للإعداديات و الثانويات ، كلها و غيرها كثير جعل المناطق القروية تعرف نزوحا نحو المدينة و نحو المجال الحضري وما يوفره من فرص للعيش .

إننا امام مجال لا متوازن ، و امام برامج تصنف أكادير وساكنتها وكانهم من كوكب و اهل إداوتنان من كوكب آخر .

ليس موقفا سياسيا الحكم على تجربة مجالس العمالات المتعاقبة بالفشل او عدم التوفيق رغم المحاولات و الترقيعات والميزانيات ، ورغم تغير الرؤساء و البرلمانيين وحتى الولاة ووزراء التجهيز .

لا نريد دغدغة المشاعر و اطلاق الاحكام على عواهنها ، لكن واقع الحال يبين ان منطقة إداوتنان بجماعاتها التسعة دون احتساب أورير و تغازوت و الدراركة تعيش وضعا مؤسفا بسبب التوجيه الكلي للاهتمام و الميزانيات و السياسات العمومية نحو المجال الحضري .

حتى برنامج عمل الجماعة الذي يعد إجباريا و يتضمن ضرورة فتح اللقاءات التشاورية في وجه عموم الساكنة ، جل الجماعات لم تنجزه ، واكتفت ببعض مكاتب الدراسات اعدت ما يمكن ان يصلح لملء الفراغ القانوني اكثر منه الإجابة على سؤال التنمية .

“مابغيتوش طلعو عندنا ، حنا ننزلو عندكم “، مقولة تجسدت على أرض الواقع عندما إختارت نخب المنطقة النزوح الى أكادير لتعقب السياح الذين لا تبرمج لهم رحلات اليهم . فاصبح اهل إداوتنان يمتهنون أنشطة مرتبطة بالسياحة واستقروا باكادير واصبحوا احد مرتكزاته الاقتصادية .

رؤساء جماعات سنوا لانفسهم “موضة” منذ اواسط التسعينات ، تتمثل في اقتناء منزل باكادير بحجة دراسة البنات لأن منطقة إداوتنان تعرف مدرسة جماعية واحدة لكن أولياء أمور التلميذات يفضلون نقل بناتهم لاستكمال الدراسة في أكادير بدل ولوج داخلية المدرسة الجماعية او حتى داخلية ثانوية لالة مريم باكادير .

هذا كان شكلا من أشكال الهجرة القروية لساكنة اداوتنان في اتجاه أكادير او أورير او الدراركة . لتصبح منطقة إداوتنان عبر دواويرها وجماعاتها بيوتا تسكنها الاشباح .و الاصوات الانتخابية التي تجدها في الصناديق و لا تجد نصفها في الدواوير

منذ إحداث المجلس الإقليمي ، و مجالس الجهات لم تستطع الميزانيات المتعاقبة على مر السنين و الولايات الانتخابية إخراج المنطقة من العزلة و هشاشة المسالك و تدهور الغطاء النباتي وتربية النحل و المعز …

اليوم الجيوب الخلفية لمدينة أكادير بعيدة تنمويا عن المدينة ، وفي الوقت الذي تزايد فيه نزوح سكان البوادي الى الحاضرة ، تحولت أورير و تغازوت و حتى التامري إلى ملاذ لهؤلاء عبر انتشار البناء العشوائي ،و فوضى في التعمير ، فيما أصبحت الدراركة بمناطقها الفلاحية من زمن محمد الخامس إلى منطقة المضاربات في تجزئات الورثة و السماسرة عبر اعتماد الشهادة الإدارية للتقسيم و البيع دون مراعاة لإحداث المرافق الإجتماعية و الثقافية و الرياضية و حتى الصحية و الأمنية و الدراسية ،

لتتخول أجزاء كبيرة من جماعة الدراركة الى بؤرة يحس فيها الساكنة بالحيف التنموي و السخط على ما تعرفه مدينة أكادير في غياب العدالة المجالية .

هذه الهشاشة التي تعرفها المناطق المحيطة بالمدينة جعلت فئات شبابية تجد متعتها في تخريب المنشآت كلما وجدت مناسبة لزيارة مدينة أكادير ، سلوك عدائي يجد مبرراته في التعبير عن الغضب و الرفض لهذا التفاوت التنموي الصارخ .

وهنا دعوني استحضر خطابا ساميا للمغفور له الحسن الثاني الذي القاه عقب إنتهاء الزيارة الملكية يوم الخميس 25 فبراير 1965الذي نبه فيه لخطورة الاهتمام باكادير المدينة و تجاهل منطقة اداوتنان.

يقول رحمه الله :” لقد اردت ان اقول لكم يا اهل مدينة أكادير شيئا ذا أهمية بالخصوص لكم و للعمالة ، وتعبر لكم عن ذلك بالنسبة لمدينة أكادير . وساضرب لكم مثلا عن ذلك ربما ستفهمونه جميعا اكثر من غيركم لان سكان سوس على علم بوسائل التجارة و البيع و الشراء.

ساقول لكم انه اذا لم نفكر في الإقليم وفكرنا فقط في أكادير وحده فسنكون مثل الذي بنى متجرا مهما ولكن لا يملك رأسمالا لتعميره ، فالمتجر هو أكادير و رأس ماله هو الإقليم.

فإذا نحن صرفنا الملايين على بناء المتجر ولم نجد رأسمال لتعميره فستذهب تلك الملايين سدى بل اقول انه زيادة على خسارة الدولة للملايير التي صرفت ، إذا لم نفكر في إنقاذ الإقليم فستكون كارثة أخرى وهي انه عندما تمضي سنوات سنكون قد رجعنا الى المدينة ، سنجد انفسنا امام عدد من البشر العاطلين كانوا يشتغلون في أكادير إما في البناء وإما في التجارة منهم عمال الطرق وعمال الكهرباء وعمال جميع الميادين، عندما نفرغ من بناء أكادير ولم نتجه الى اصلاح النواحي الأخرى سنجد انفسنا امام أكادير الفارغة، امام ايدي عاطلة ،امام اكبر مشكل اجتماعي و اقتصادي و سياسي.”

الا يطابق هذا الخطاب ما وصلنا اليه اليوم؟

فلا الحسن الثاني في عهده تدارك هذا التنبيه ،ولا الإتحاديون الذين دبروا المدينة لعقود وتركوا المنطقة في ايدي احزاب السلطة ، ولا العهد الجديد قدم وصفة لتدبير هذا المجال العام و الحاسم في الرؤية التنموية لوسط المغرب .

فما العمل ؟

سيكون مفيدا فتح حوار حول اعداد تراب منطقة إداوتنان ووضع برنامج للتنمية القروية بنفس روح التكافل الذي عرفه تجميع ميزانية برنامج التنمية الحضرية لأكادير .

برنامج تنموي قد يمتد على ثلاث سنوات قادر على انتشال الإقليم من غياهب الهشاشة و تدني مؤشرات التنمية .

قد لا يقدر المجلس الإقليمي لوحده على تحمل كلفة المشروع لكن انخراط الجهة ولما لا مجلس جماعة أكادير و قطاعات حكومية و مؤسسات عمومية لنجعل من اداوتنان امتدادا للتنمية التي تعرفها المدينة .

حلم قابل للتحقق وبكلفة ستكون حتما اقل مما خصص لأكادير ، وبذلك سنكرس العدالة المجالية و نفتح افقا لتنمية شاملة بالاقليم.

فهل تعتبرون ؟

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*