المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي: التزام دستوري وضرورة تنموية ملحة

المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي: التزام دستوري وضرورة تنموية ملحة.

 

زهير أصدور

 

يظل الشباب المغربي في صلب التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها المغرب، باعتباره قوة دافعة نحو المستقبل، وفاعلاً أساسياً في مسار التنمية.

وقد وعى المشرّع المغربي بأهمية هذه الفئة، فجاء دستور 2011 ليكرّس مكانتها عبر الفصلين 33 و170، اللذين ينصان على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، كهيئة مؤسساتية تُعنى بحماية الشباب، وتأطير العمل الجمعوي، والمساهمة في تعزيز روح المواطنة الفاعلة.

غير أن هذا المجلس، ورغم مرور أكثر من عقد على دسترته، لا يزال معلقًا، في وقت تزداد الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.

إن التحولات العميقة التي يعرفها المغرب، سواء على مستوى تنزيل النموذج التنموي الجديد، أو في سياق التحضير لمواعيد دولية كبرى مثل تنظيم كأس العالم 2030، تفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة إرساء آليات مؤسساتية فعالة تعزز دور الشباب في المساهمة في هذه الدينامية، وتوفر لهم فضاءً للتعبير عن انشغالاتهم، وتقديم مقترحاتهم، والمشاركة في صنع القرار. فالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ليس مجرد هيئة رمزية، بل هو أداة لتأطير وتوجيه الطاقات الشبابية، وضمان إدماجها في الحياة العامة، وفق رؤية متكاملة ترتكز على الحوار، والمواكبة، والتمكين.

لقد أبانت التجربة عن حاجة ملحة لإطار مؤسساتي مستقل، يكون قادرًا على دراسة وتتبع القضايا التي تهم الشباب والمجتمع المدني، في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه هذه الفئة. ومن بين هذه التحديات:

-ضعف آليات إدماج الشباب في السياسات العمومية، مما يحدّ من تأثيرهم في اتخاذ القرار.

-ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، رغم وجود إمكانيات هائلة غير مستغلة.

-ضعف التكوين والتأطير في المجال الجمعوي، رغم أهمية المجتمع المدني في تحقيق التنمية.

-عدم ملاءمة بعض السياسات القطاعية مع حاجيات الشباب، مما يعيق مشاركتهم الفعالة.

إن المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي سيكون بمثابة فضاء مؤسساتي للحوار والتشاور والتنسيق، يتيح للشباب إيصال صوتهم، والمساهمة في بلورة سياسات وطنية أكثر تجاوبًا مع انتظاراتهم. كما سيكون آلية لمواكبة العمل الجمعوي، ودعمه، وتأطيره، لضمان مساهمة فعالة للجمعيات في مسار التنمية المستدامة.

إن المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ليس مجرد مطلب مجتمعي، بل هو التزام دستوري واضح نص عليه الفصلان 33 و170، إلى جانب كونه شرطًا أساسيًا لضمان الحكامة الجيدة في تدبير قضايا الشباب. ورغم ذلك، لا يزال هذا المجلس مجرد نصوص غير مفعلة، في وقت بات فيه المغرب بحاجة ماسة إلى مثل هذه المؤسسات لضمان تفعيل المشاركة المواطنة للشباب، وتحقيق التكامل بين الفاعلين العموميين والمجتمع المدني.

إن استمرار هذا التعطيل يطرح إشكالات حقيقية حول الالتزام بتفعيل المقتضيات الدستورية، كما أنه يؤدي إلى هدر فرص ثمينة يمكن من خلالها الاستفادة من قدرات الشباب، وتوجيهها نحو خدمة التنمية الوطنية.

ومن هنا، يصبح الإسراع في إخراج هذا المجلس إلى حيز الوجود أمرًا ضروريًا، ليس فقط لاحترام الالتزامات الدستورية، ولكن أيضًا لضمان عدالة مؤسساتية تعطي للشباب المكانة التي يستحقونها في مسار صنع القرار العمومي.

ولضمان فعالية المجلس ونجاحه في أداء مهامه، من الضروري أن يتمتع بالخصائص التالية:

١/ الاستقلالية والحياد: يجب أن يكون المجلس بعيدًا عن التجاذبات السياسية، ويعمل كمؤسسة استشارية محايدة تقدم مقترحاتها بناءً على معايير مهنية وعلمية واضحة.

٢/ إشراك الشباب في تركيبة المجلس: لضمان تمثيلية حقيقية، يجب أن يضم المجلس شخصيات شبابية من مختلف التخصصات والمجالات، تعكس التنوع المجتمعي المغربي.

٣/ الفعالية والقدرة على التأثير: لا ينبغي أن يكون المجلس مجرد هيئة رمزية، بل يجب أن يتمتع بصلاحيات تمكنه من تقديم اقتراحات ملموسة، والمساهمة الفعلية في صنع القرار.

٤/ ضمان التنسيق بين مختلف الفاعلين: يجب أن يكون المجلس منصة للتنسيق بين الدولة، والجماعات الترابية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، لضمان تكامل الجهود في قضايا الشباب والعمل الجمعوي.

إن المغرب اليوم في أمسّ الحاجة إلى مؤسسات قوية قادرة على احتضان الطاقات الشابة، وتوجيهها نحو خدمة المصلحة العامة. وإن التأخر في إخراج المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي إلى حيز الوجود يشكل نقطة ضعف في مسار تعزيز الديمقراطية التشاركية، ويعطل مساهمة فئة حيوية في بناء مستقبل البلاد.

لقد آن الأوان لاتخاذ خطوة جريئة نحو تفعيل هذا المجلس، وإعطائه المكانة التي يستحقها، حتى يكون رافعة حقيقية لإدماج الشباب في صنع القرار، ودعامة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وفق رؤية مندمجة تضع الشباب في قلب التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*