فن التخربيق السياسي: حين تتحدث النخبة عن العبث!”

فنجان بدون سكر:

فن التخربيق السياسي: حين تتحدث النخبة عن العبث!”

بقلم: عبدالهادي بريويك

في بلاد العجائب، الديموقراطية، حيث تسبح الشعارات في الهواء وتتهادى الوعود فوق سحاب الميكروفونات، خرج علينا بعض قياديي حزب الأحرار بتصريحات لا تقل شاعرية عن قصائد الحداثة، مفادها أن من يعارض سياسة الحكومة هم ببساطة… مخربقون!

أجل، لم نعد نحتاج إلى تحليلات اقتصادية، ولا تقارير تنموية، ولا أرقام رسمية؛ فالقاموس السياسي الجديد بات يعتمد على مصطلحات مستوحاة من قهوة الدرب، حيث يُصبح كل من يفتح فمه خارج السرب، مجرد “مخربق”، يهذي بكلام لا يليق بمستوى المجالس المحترمة التي تصدر منها صفقات التفويت ومراسيم التعيين.

ولعل الطرافة في الأمر أن هذه “التخربيقة الكبرى” صادرة عن وجوه سياسية مسؤولة، يُفترض أنها تلقت تعليماً عالياً، وتعرف أن الاختلاف في الرأي لا يُفسد للغباء قضية.

لكن يبدو أن كل من لا يصفق بحرارة، ولا يُطبل بإيقاع موحَّد، يُرمى مباشرة في خانة المختلين لغويًا والمنبوذين سياسيًا.

هل تعلمون ما المشكلة الحقيقية؟ ليست في أن يُقال عن المعارضين إنهم “مخربقون” — فالشعب المغربي تمرّن كثيرًا على تحمل الإهانة النخبوية — بل في أن قائل هذا الوصف يعتقد أنه قال شيئًا عميقًا، وأنه دافع عن “مصلحة البلاد” بجملة تشبه تعليقًا ساخرًا على فيسبوك أكثر مما تشبه خطاب رجل دولة.

يا سادة السياسة، إذا كنتم تصفون الانتقاد بالتخربيق، فبمَ نصف الصمت؟ هل هو حكمة، أم خيانة؟ وإذا كان كل من يرفع صوته “مخربقًا”، فماذا عن من يرفع الأسعار؟ هل هو “عبقري التدبير”؟

في النهاية، يبدو أن أسهل طريق لحماية الحكومة من النقد هو شيطنة المعارضة، وتجريم الأسئلة، وتوزيع صفات التخلف العقلي على من تبقّى له عقل يفكر به.

لكن لا تقلقوا، سيأتي يوم يُصبح فيه هذا “التخربيق الشعبي” هو المعيار الحقيقي للوعي، وحينها… سيكون على السادة المحترمين أن يتعلموا لغتنا من جديد.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*