فنجان بدون سكر:
الجلسة تتحول من جلسة مجلس جماعي إلى حلقة من مسلسل “الزنقة تنتفض”
بقلم: عبدالهادي بريويك
أصبحنا اليوم في بلاد اخترعت الديموقراطية على المقاس، وقننت الفوضى بمراسيم، ورفعت شعار “إذا عجبك الحال مرحباً، وإذا ما عجبك فالبحر واسع”، خرجت علينا النائبة الموقرة عن حزب السيد الرئيس المبجل، السيدة زهرة المنشودي، بتصريح لا يقل جرأة عن اختراعات توماس إديسون، قالت فيه بكل ثقة أمام ممثلي الشعب في مجلس جماعة أكادير:
“اللّي ما عجبو الحال بخوي لبلاد.”
كلمة بسيطة، لكنها تختصر فلسفة كاملة في الحكم: الوطن هو ملكية خاصة، والاختلاف وقاحة، والنقد خيانة.
وإن كان المواطن لا يعجبه ما تراه النائبة “حالاً”، فليأخذ الما والشطابة، ويمشي حتى القاع البحر… أو ربما إلى جزر الواق واق، ويخوي لبلاد.
لكن المفاجأة كانت في الرد السريع والمفحم من المستشارة رجاء ميسو التي رفعت إصبعها في وجه العبث قائلة:
“الوطن ماشي ضيعة… وحنا ماشي فالصّالون ديال دارك.”
وهنا بدأت الجلسة تتحول من جلسة مجلس جماعي إلى حلقة من مسلسل “الزنقة تنتفض”، حيث تتناوب الشخصيات على إطلاق العبارات النارية، في مشهد يختلط فيه التمثيل السياسي بالدراما الاجتماعية الرديئة.
السؤال هنا:
هل أصبحت المجالس المنتخبة مجرد منصات لإلقاء الخطب الفارغة، وتصفية الحسابات الشخصية، بدل أن تكون فضاءات للنقاش الرصين وتدبير الشأن العام؟
أم أن بعض ممثلي الأمة ما زالوا يعتقدون أن كرسي المسؤولية هو امتداد لأريكة الصالون، حيث يُملى على الآخرين متى يتكلمون، ومتى “يخويو لبلاد”؟
في ظل أزمة ثقة متفاقمة بين المواطن والمؤسسات، يظهر لنا جيل من السياسيين يعتقد أن الوطنية تعني الطاعة، وأن الكرامة مرادف للسكوت، وأن من يطالب بالتغيير إما خائن أو “زايد فيه”.
لكن الحقيقة أن الوطن ليس ضيعة، ولا شركة ذات مسؤولية محدودة، ولا مقهى يُطرد منه الزبون إن لم تعجبه القهوة.
الوطن فضاء مشترك، يملكه الجميع، ويحق للجميع أن يختلفوا، وينتقدوا، ويصرخوا، بل ويغضبوا… دون أن يُطلب منهم حمل “الما والشطابة”.
يا سادة، قليل من الاحترام لعقول الناس.
وقبل أن تطلبوا من الآخرين أن “يخويوا البلاد”، ربما من الأنسب أن “تخويوا أنتم الخطاب المتعجرف” وتملؤوه بالمسؤولية، أو تراجعوا أنتم أنفسكم… فالبحر، كما تعلمون، لا يرحم من لا يعرف السباحة.