فنجان بدون سكر:
حين تتحول الفلسفة إلى تنمية… على المقاس الوزاري!
بقلم: عبدالهادي بريويك/ طالب موجز في القانون العام
في مشهد يعيد تأكيد العبث السياسي الذي صار قاعدة أكثر من كونه استثناء، خرج علينا الوزير الشاب الحسن السعدي بتصريح ظاهره البراءة وباطنه تهرّب ذكي من أسئلة ثقيلة. وعندما تفوح رائحة “الماسترات المفصّلة” في جامعة ابن زهر، يسارع الوزير إلى غسل يديه قائلاً: “أنا ما قريتشي تما، راه الماستر ديالي خديتو من الجامعة الدولية!”.
وكأن الجامعة الدولية مؤسسة تنتمي إلى الفضاء الخارجي ولا تخضع لقوانين التعليم العالي بالمغرب.
هل يعقل أن نُبرّئ أنفسنا فقط لأن “وثيقة الشبهة” صدرت عن جهة خاصة؟!
لكن مهلاً، القضية ليست فقط “فين قريت”، بل “كيفاش دخلت”! الوزير حاصل على إجازة في الفلسفة، تخصص التأملات، الجدل، الميتافيزيقا… كيف تم قبوله، فجأة، في ماستر في “الحكامة الترابية والتنمية الجهوية”؟ هل اكتشفنا نوعًا جديدًا من الفلسفة التطبيقية يربط بين ديكارت وميزانيات الجماعات المحلية؟
السؤال الحقيقي ليس عن الجامعة، بل عن المنطق الذي أتاح هذا القبول. هل اجتاز السعدي نفس الشروط التي يواجهها الآلاف من الطلبة المغاربة، أم فُتح له المسار عبر هواتف ناعمة ونوافذ خلفية؟ في بلد تُفصّل فيه الماستارات الجامعية كما تُفصّل المقاعد الوزارية، يصبح الصمت شكلاً من أشكال الجريمة.
والمؤلم أكثر أن دفاع الوزير لم يكن دفاعًا، بل إدانة ضمنية. فحين يحاول أن يُبعد نفسه عن شبهات جامعة ابن زهر، ينسى أن التلاعب في نظام التعليم لا يقتصر على جامعة دون أخرى، بل هو سرطان منتشر في الجسد الأكاديمي برمّته.
أي رسالة نوجّهها اليوم للطالب المغربي؟ أن الاجتهاد لا قيمة له إن لم يكن مصحوبًا بوساطة؟ أو مال و أن “التنمية” لا تمر عبر الكفاءة بل عبر الهاتف المحمول؟ أن الماستر يمكن أن يكون تذكرة سياسية نحو المناصب، شرط أن تكون داخل الحلقة؟
نعم، الوزير أراد أن يتسلل من الزوبعة دون خدش، لكن خرج منها مكشوفًا، وأكثر من ذلك، قدّم دليلًا حيًا على أن التعليم العالي صار حلبة صراع طبقي، حيث لا مكان للاستحقاق، بل فقط للانتماء الصحيح.
نحن لا نشكك في نوايا الأشخاص، لكننا نُسائل المنظومة. منظومة تُقنعنا بأن الفلسفة تؤدي إلى الحكامة، وأن الطريق إلى المسؤولية معبّدٌ بماسترات مستوردة من جامعات خاصة وأن المال يستطيع تحقيق الجاهلين دون تطأ أرجلهم مدرجات الجامعة.
هذا ليس نقدًا، بل صرخة.
لأن العبث حين يصل إلى نخاع التعليم، فإن المستقبل نفسه يصبح مشروعًا تحت الطلب.