مجرد رأي:
*لا مكان للفاسدين داخل المؤسسات المنتخبة: رسالة واضحة لمغرب جديد*
عمر المصادي
في سياق التحولات العميقة التي يشهدها المغرب، تتأكد اليوم أكثر من أي وقت مضى رسالة واضحة مفادها أن زمن الفساد والريع قد ولى، وأن لا مكان لأي فاسد داخل المؤسسات الدستورية المنتخبة، سواء تعلق الأمر بالمؤسسة التشريعية أو بالمجالس الترابية بمختلف مستوياتها.
لقد أصبح الرهان الحقيقي في المغرب هو استعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته، وهي ثقة لا يمكن أن تبنى إلا على أسس من النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. فالمناصب المنتخبة لم تخلق لتكون امتيازا أو وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية، بل هي أمانة ومسؤولية لخدمة الصالح العام وتحقيق التنمية.
جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، شدد في أكثر من خطاب على ضرورة تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وسوء التدبير، داعيا الأحزاب السياسية إلى تحمل مسؤوليتها الكاملة في اختيار مرشحين نزهاء وكفؤين، بعيدا عن منطق الولاءات الضيقة أو الحسابات الإنتخابية القصيرة المدى.
وفي هذا الإطار، يرى عدد من المتتبعين أن الرسائل الملكية الأخيرة تمثل تحذيرا صريحا للأحزاب السياسية، بضرورة القطع مع ممارسات الماضي، وعدم ترشيح أي شخص تحوم حوله شبهات نهب المال العام أو إساءة استعمال السلطة، فالمجالس المنتخبة لا يمكن أن تكون واجهة للتجاذبات والمصالح الشخصية، بل ينبغي أن تتحول إلى فضاءات حقيقية للتدبير الجيد والتنمية المحلية.
وفي هذا الإطار تضطلع وزارة الداخلية بدور أساسي في هذا الورش الوطني، من خلال حرصها الدائم على ضمان نزاهة العمليات الإنتخابية وشفافيتها، ومتابعة حسن تدبير المجالس المنتخبة في مختلف مستوياتها، وقد أبانت الوزارة في السنوات الأخيرة عن صرامة كبيرة في مواجهة كل التجاوزات والخروقات التي تمس بنزاهة الممارسة السياسية أو بتدبير الشأن المحلي، وذلك عبر آليات المراقبة والتتبع والتقارير الدورية الصادرة عن المفتشية العامة للإدارة الترابية.
كما تعمل الوزارة على تعزيز ثقافة الحكامة الجيدة داخل الجماعات الترابية، عبر تحفيز المنتخبين المحليين والموظفين على تبني أساليب تدبير حديثة قائمة على الشفافية والمسؤولية.
هذه المقاربة الإستباقية جعلت من وزارة الداخلية ركيزة أساسية في معركة تخليق المؤسسات المنتخبة، وسندا قويا للدولة في جهودها الرامية إلى بناء منظومة سياسية نظيفة تحترم القانون وتخدم المواطن.
إن المغرب اليوم يدخل مرحلة جديدة، عنوانها الربط الصارم بين المسؤولية والمحاسبة، وترسيخ قيم النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام، ومن ثم، فإن كل من يسعى إلى تحمل المسؤولية العمومية عليه أن يدرك أن زمن التساهل مع الفساد قد انتهى، وأن المرحلة المقبلة لن تبقي مجالا إلا للكفاءات النزيهة والمؤمنة بخدمة الوطن والمواطن.
فالمؤسسات المنتخبة ليست غنيمة، بل وسيلة لخدمة المواطن، ومن هذا المنطلق، فإن الرهان اليوم هو مغرب المؤسسات النزيهة والكفاءات النظيفة، لأن التنمية لا يمكن أن تقوم على أرضية ملوثة بالفساد، بل على ضمير وطني حي يؤمن بأن الوطن فوق الجميع.
إن المتأمل في التوجهات العامة للمشهد السياسي المغربي يلاحظ أن هناك تحولا نوعيا في نظرة الدولة إلى العمل السياسي والإنتخابي. فالمغرب يسير نحو نموذج جديد يربط الشرعية الإنتخابية بالأخلاق السياسية، ويجعل من النزاهة معيارا أساسيا للتمثيلية.
المرحلة المقبلة لن تكون لمن يملك المال أو النفوذ، بل لمن يمتلك المصداقية والقدرة على خدمة المواطن بضمير وشفافية، إنها معركة قيم بامتياز، عنوانها الكبير:
“الاستحقاق لا يقاس بعدد الأصوات فقط، بل بنظافة اليد وصفاء النية.”
