فنجان بدون سكر:
“التيه المنظم : عندما يدار الوطن بلا بوصلة”
بقلم: عبد الهادي بريويك
في طريقي نحوك، يا وطن، شعرت بأن شيئا ما قد اختل.
لم تكن الخرائط واضحة كما كانت من قبل، ولا كانت الطرق مرسومة بعناية كما وُعِدت.
ضاعت من يدي مفاتيح الاتجاه، وتلاشت أمامي ملامح المسير.
الشمس التي كانت تشرق من نوافذ الأمل فقدت وهجها، والنجوم التي اعتدت أن أستدل بها، ما عادت تقودني إلى حلم واضح أو هدف مشترك.
توقفت طويلا، لا لأنني بلغت وجهتي، بل لأنني أدركت أن الطريق نفسه لم يُرسم كما ينبغي.
أين هي الرؤية التي تقود؟ أين السياسات التي تُبنى على تشخيص صادق وتخطيط بعيد المدى؟ المصابيح التي كان يُفترض أن تضيء المسار انطفأت، والإشارات التي يفترض أن تهدينا تحولت إلى رموز مبهمة، تزداد غموضا كلما اقتربنا منها.
الوطن، في حقيقته، لا يفتقر إلى الطاقات، ولا إلى الطموحات. ما ينقصه هو وضوح في المسار، واستمرارية في الرؤية، وانسجام بين من يخططون ومن ينفذون.
السياسات العمومية لم تعد قادرة على تجاوز العناوين والشعارات، ولم تعد تملك الجرأة على تقييم ذاتها أو مراجعة خطواتها. نعيد إنتاج نفس المتاهة في كل مرحلة، نعلن عن خطط جديدة، لكنها لا تحمل جديدا في جوهرها.
كيف يمكن لبلد أن يمضي قُدما دون بوصلة حقيقية؟ كيف نطالب المواطن بالثقة، ونحن لا نقدم له سوى دوائر مفرغة من الوعود؟ لا المشاريع تكتمل، ولا الإصلاحات تستقر، ولا القرارات تملك أثرا يتجاوز موسميتها.
الطريق نحو التقدم لا يُبنى بالنيات الحسنة وحدها، بل يحتاج إلى تصميم دقيق، إلى جرأة في اتخاذ القرار، إلى محاسبة وشفافية، وإلى استثمار حقيقي في الإنسان باعتباره محور كل سياسة وغايتها.
وإلى أن نملك خارطة واضحة، وإرادة صادقة للمضي إلى الأمام، سنظل نعيد نفس السؤال: إلى أين المسير؟
