swiss replica watches
أصالة ومعاصرة الماريشال ليوطي – سياسي

أصالة ومعاصرة الماريشال ليوطي

عبد اللطيف وهبي*
أشار صديقنا الأستاذ حسن أوريد إلى أن الأصالة والمعاصرة مفهوم أبدعه الماريشال ليوطي، إلا أن كل بدعة ظلالة، قد أقبل برأي حسن أوريد في طرحه هذا لافتراض توفر حسن نية مثقف ينازع في شرعية خطاب سياسي، و هذا نقاش سياسي عرف امتدادا علميا نحا منحى سياسي ينبع من طبيعة موقف القائل برأي في الموضوع، وتاريخيا فابن رشد نفسه عندما وصف الفلاسفة بالتهافت كان يسعى إلى إلغاء سلفيتهم بإحضار الفعل الفلسفي والتحليلي، أي يعيد بناء مفهوم أصالتهم بحداثة عصره، وأما الفيلسوف الغزالي فيرى سفيرنا الدكتور محمد ايت وعلي الذي ألف عنه كتابا عميقا أن الغزالي في النهاية انتقل بين المحافظة تارة وبين النقد تارة أخرى، أي بين أصالة غارقة في السلطة ومعاصرة منتقدة لها.

إن دلالة اللفظين “الأصالة والمعاصرة” ليست مرتبطة بحقيقة علمية لمفهومهما، ولكنها مرتبطة أصلا بالعنصر الزمني أي بالتاريخ، الذي من خلاله يتم تفسير هذين المصطلحين، فالأصالة بحمولتها الماضوية تنتقل عبر الزمن فتختلف دلالتها وتتغير توجهاتها، بينما تظل المعاصرة تلهت وراء تطور الزمن حاملة معها حمولة فكرية مختلفة بتطور الفكر، تحاول أن تمتطي الماضي لبناء المستقبل.

فيمكن ملامسة مثلا الأصالة والمعاصرة لدى المارشال ليوطي حتى في المجال العقاري حين حافظ بنوع من الإهمال على أصالة أبنية زقاق “بوقرون” وسط المدينة العتيقة بالرباط، ليؤسس المعاصرة في شارع محمد الخامس و فضاءاته كالبنك المركزي أو مكتب البريد، أو يكون ليوطي قد قضى بواسطة مؤسسة الجريدة الرسمية على دور “البراح” أي على وظيفة اجتماعية لها جذورها في التاريخ.

فلكل دلالته السياسية انطلاقا من النقطة التاريخية التي يبدأ منها، ولا يمكن أن نحكم على فشل شعارات فقط لأننا نريد أن نخلط بين خلفيات من قام بإعمالها، فكم من حق يراد به باطل أو لأن دلالاتها تختلف من جهة إلى أخرى، وسأكون شاكرا لأستاذي المحترم أوريد إذا أوضح لنا ما هو مفهوم الأصالة والمعاصرة عند الجنرال ليوطي؟ وما علاقة ذلك باسم الحزب الذي أنتمي إليه؟ علما أنه لم يربط العنصرين سوى المتهامزون في السياسة.

الأكيد أن النقاش سيكون ثريا وعلميا خاصة وأن أصالة ومعاصرة الماريشال ليوطي قامت بنفي محمد الخامس، بينما أصالة ومعاصرة حزبنا تدافع عن ملكية تتوجه نحو الحداثة.

وكيفما كان الحال فالاحترام واجب لكل من له القدرة على فتح الحوار، خاصة وأن صديقي حسن بنعدي الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة يختلف جذريا مع هذه التسمية، و يؤكد على أن الترجمة بالعربية حلت خطأ بوضع هذا الاسم، فترجم الأستاذ بنعدي اسم الحزب من الأصالة والمعاصرة إلى الأصالة والحداثة، ففي رأيه كلمة المعاصرة غير ثابتة في الزمن تتغير بمروره، وليس لي اختلاف مع الأستاذ بنعدي في هذا التفسير، إلا أن “الخطأ المشهور أفضل من الصواب المهجور” كما يقول البعض.

ورغم أن البعض حاول أن يجعل من حضور كلمتين تعبران عن فترتين زمنيتين هما الماضي والمستقبل المرفوق بالحاضر مع ما يحمل ذلك من أفكار وتوجهات سياسية، غير أن هذا التناقض المزعوم يلغي دور التاريخ وطبيعة دلالته في الديمومة والتراكم، فالحداثة لا يمكن أن تؤسس إلا على الأصالة، ولا يمكن أن تعرف هذه الأخيرة إلا بوجود الحداثة، والعكس صحيح، لذلك فوجودها وتبنيها من المستعمر كان بدلالة أخرى وبمفاهيم تخدمه كقوة تريد أن تحول المغرب إلى مشروع اقتصادي يخدم مشاريع دول أخرى، ولسوء الحظ أو لحسنه جاء المستعمر كذلك بالمدرسة كما جاء بالاختلاط وتعلمنا منه النظام البرلماني، كما مكننا من الحاسوب والسيارة، فهل لنا القدرة أن ننبذ هذه المعاصرة التقنية والآلية والتي تمكننا من العيش الأفضل والأحسن؟ أم أن أنانيتنا التاريخية ستجعلنا نقبل من المستعمر ما نجعل منه حلالا ونرفض ما نجعل منه شعارا تختلف دلالته بين حين وآخر؟.

من السهل أن نصدر الأحكام فالكتابة تغري، غير أن تعليل الأحكام على التاريخ وتسبيب المواقف منها قد يضعنا في مأزق تاريخي أو علمي، فهل علينا أن ننبش في التاريخ لنربط بين حزب خلق بالأمس تلبية لرغبة سياسية لقوة معينة للدفاع عن مواقفها؟ وبين مرحلة تاريخية لم يشاهدها سوى آباءنا ولكننا نحاول أن نستوعبها وقد نحمل بعض الأحداث على أشخاص فيها قد يكونوا رحلوا ولكنهم يبعثون من جديد لارتباطهم بهذا الموقف السياسي أو ذاك كأننا نعيد إنتاج نظرية الحامل والمحمول التي يتبناها الشيعة أو ربما عودة المسيح لأن ليوطي كان مسيحيا؟ غير أن الجرأة تدفعنا في بعض الأحيان للتعامل مع الأحداث بطريقة غير علمية وقد تكون سياسوية.

وكيفما كان الحال فحينما حلت الدعوة الإسلامية مثلا رفع الشعار بإلغاء دين الأصنام وجاءت الآية القرآنية “وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا” وكذلك كانت إشكالية الموءودة وتبرير دفنها يركن في ثقافة أعراب الجاهلية، والأعراب أشد كفرا، وجاء الإسلام ليلغي نظام الرق “الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور” فهل يعني أن الدعوة الإسلامية كانت دعوة حداثية تسعى إلى الأفضل للبشر؟ أم أن زمن الجاهلية كان جزء من أصالتنا ليصبح الإسلام حداثتنا أي المركز والجاهلية هو الملغى أو المباد حتى قيل تعرف الجاهلية بالإسلام؟ فهل كان عمر ابن الخطاب حداثيا؟ وفي إسلامه ولأخلاقه من الأصالة زمن الجاهلية؟.

إنه وضع معقد يسعى إلى ضبط مصطلحين يتحركان ويتحولان تحت سلطة التطور، فهل سيكون الماريشال ليوطي “لو كان حيا” أفضل أمين عام لحزب يساند ملكية ناهضت الاستعمار الذي يمثله رمزيا الجنرال ليوطي؟ أم أننا سنلغي مبدأي الأصالة والمعاصرة لأن الجنرال ليوطي قد يكون ربط بعض من تصرفاته بهذين المبدأين إذا كان الأمر كذلك؟ أم أن بعض المحللين اعتبر أن بعض التصرفات تتصف بالأصالة وأخرى تتصف بالمعاصرة لذلك فهما حقيقتان تاريخيتان يجب نبذهما؟ فالمحلل السياسي قد يجد نفسه في مأزق علمي إذا دخل في تحليل افتراضي لمفاهيم قد تختلف دلالتها بين فترة وأخرى.

لذلك فأيهما صنع الآخر؟ هل الأصالة والمعاصرة هي التي صنعت الماريشال ليوطي؟ أم أن هذا الأخير هو الذي صنع هاتين الدلالتين؟ وبأي حق نربط دلالتين لهما حضور في التاريخ لم يصنعهما الماريشال ليوطي وقد يكون اكتشفهما كما اكتشف البعض علاقة هذين الدلاليتين بماريشال كانت الصدفة وراء حضوره إلى الوطن، قد يكون سؤال عصي الضبط من طرف زميلنا الأستاذ حسن أوريد، غير أنه لا يمكن أن نبخس حقه في كونه أثار موضوعا تاريخيا لا يجوز لنا أن نعتبره هجوما على أي طرف.

* محام ونائب رئيس مجلس النواب باسم الأصالة والمعاصرة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*