swiss replica watches
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو المقولة التي تأدلجت لتصير إرهابا – سياسي

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو المقولة التي تأدلجت لتصير إرهابا

محمد الحنفي

إلى كل من آمن بالحق و ناضل من اجله.
كل من قاوم ادلجة الدين باعتبارها منكرا.
كل من صمد على موقفه من اجل أن يصير الإنسان إنسانا و لا شيء آخر.
محمد الحنفي

مقدمة :
كثيرا ما تملأ أسماعنا مقولة “الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر” فنضطر إلى القول بأن الأمور ستسير في الطريق نحو سلامة المجتمع من كل الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، لكونها تتنافى مع تحقيق كرامة الإنسان التي هي الملاذ الذي تسعى البشرية إلى الوصول إليه . غير أننا نسقط في متاهة اللاتحديد فلا ندري ماذا نعني “بالمعروف” ، ولا ماذا نعني ” بالمنكر” نظرا لعمومية اللفظين ولنسبية المدلول ، كما لا ندري من هو ” الآمر” ولا من هو الناهي ؟ وهل يمكن لكل إنسان وكيفما كان مستواه أن يقوم بعملية الأمر وبعملية النهي ؟
إننا أمام إشكالية ستبقى قائمة – كما كانت – منذ وجد مفهوم “المعروف” و مفهوم” المنكر” وهذان المفهومان يقتضيان منا معالجة جديدة مخالفة لما ورد في التفاسير المختلفة للقرآن الكريم، وفي كتب الفقه وفي العديد من الكتب التي تسمي نفسها إسلامية ، نظرا لما لحق هذين المفهومين من تحريف يستهدف مصلحة الحكام من جهة ومصلحة فقهاء الظلام و مؤدلجي الدين الإسلامي ، لأنه حسب هؤلاء على تنوعهم وتلونهم , فالمعروف هو ما ناسب خدمة مصالحهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية . والمنكر هو كل ما ناهض تلك المصلحة وعرقل خدمتها . ولذلك نجد أن هؤلاء يوظفون كل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي لتحقيق ” المعروف” والمحافظة على وثيرة أدائه ، ولمنع المنكر الذي يعرقل أداء المعروف. وحتى نكون في عمق الصورة ، فإننا نتناول هذا الموضوع من خلال تشريح مفهوم المعروف ، ومفهوم المنكر , والغاية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ونسبية المعروف ونسبية المنكر، وعلاقة المعروف والمنكر بالقيم السائدة في المجتمع والغاية من ادلجة المعروف والمنكر ، ومعيار الادلجة ، وضرورة تحديد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و آفاق التوظيف الإيديولوجي للمعروف والمنكر .
وما العمل من اجل جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خدمة المجتمع ؟
ونحن عندما نتناول هذه الفقرات فلأجل أن نقف بالتحليل الملموس لواقع” الأمر بالمعروف” و”النهي عن المنكر” حتى نتبين أن هذا المفهوم الذي استهلك كثيرا لقرون كثيرة لازال يراوح مكانه، ولازال لم يتحدد بعد حتى يأخذ طريقه إلى التمهيد لتجسيد القيم النبيلة التي تجعل الحاجة إلى الأمر”بالمعروف” والنهي”عن المنكر” غير واردة لالتزام الناس بالمسلكية الهادفة إلى تحقيق كرامة الإنسان . فتحديد المفهوم، لا إلغاؤه صار شرطا لتجنب الخلط والتضليل حتى يتبين للناس ما يجب عمله ، وما هو البرنامج الذي يجب اتباعه لتقويم المسلكية العامة، وما هي الأسس التي يجب اعتمادها لوضع ذلك البرنامج. لأن زمن الأمر والنهي الذي كان سائدا في المجتمع المتخلف والتقليدي ، والطفولي لم يعد واردا في زمن صار فيه التعلم يقطع أشواطا كبيرة ومتعددة المستويات ، ومختلفة النسب ، فما صار واردا هو الإعداد التربوي للأجيال وفق برنامج محدد وواضح المعالم والبنود ، والمراحل ، والأهداف الإجرائية والعامة ، والغايات الكبرى وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.

مفهوم المعروف ومفهوم المنكر :
إننا إذا أردنا آن نقف على حقيقة مفهوم المعروف ومفهوم المنكر علينا أن نفرغهما من مضمونهما الديني الذي حكمهما منذ نزول القرءان والى يومنا هذا. ذلك المضمون الذي اكسبهما إمكانية استغلالهما عن طريق ادلجتهما من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي سواء كانوا مسيطرين على أجهزة الدولة أو كانوا يسعون إلى السيطرة عليها.وسواء عاشوا في الزمن الماضي أو في الحاضر . كما يجب أن ننطلق من كون مفهوم المعروف ، ومفهوم المنكر هما مفهومان نسبيان ، وليسا مطلقين حتى نتبين أن مدلولهما يختلف من زمن إلى زمن آخر ، ومن مكان إلى مكان آخر . بالإضافة إلى أن مدلولهما لا يرتبط بالممارسة الفردية المعزولة، بقدر ما يرتبط بها في علاقتها بالممارسة العامة للمجتمع.ولذلك نجد أن مفهوم المعروف يستدرجنا إلى القول بأنه كل ما تعارف الناس على قبول فعله والقيام به انطلاقا من الشروط الموضوعية القائمة في بلد معين وفي زمن معين، فادا تغيرت الشروط ، وتغير المكان و الزمن ، فان ما يصطلح على تسميته بالمعروف قد يصير غير معروف ، إن لم يصر منكرا.وحسب هذا الفهم الذي نرجحه فان المعروف لا يكون واجبا، و لا يقوم به الناس استجابة لأمر معين… بل يقومون به باختيارهم انطلاقا مما هو سائد من عادات وتقاليد و أعراف في بلد معين، وفي مجتمع معين، وفي زمن معين لان العادات والتقاليد والأعراف تختلف باختلاف البلدان والمجتمعات و الأزمنة .
و المعروف يعتبر معروفا أيضا لكونه يخدم مصالح المجتمع، ويلبي حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية كما هي متعارف عليها انطلاقا من الشروط الذاتية ، والموضوعية لمجتمع معين ، وفي بلد معين وفي زمن معين حتى يلعب دوره في عملية التطور الشاملة لمجمل حياة الناس، ويساهم في عملية الانتقال من تشكيلة اقتصادية اجتماعية إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية أخرى قد تختلف فيها علاقات الإنتاج التي تؤدي إلى اختلاف العادات والتقاليد و الأعراف ، فيتغير مضمون المعروف لان ما كان يناسب التشكيلة الاجتماعية السابقة لا يناسب التشكيلة الاجتماعية اللاحقة.
أما المنكر فهو اسم مفعول من أنكر ينكر إنكارا بمعنى اقر بعدم معرفته بشيء معين ، ولعدم صلاحيته للوجود ولذلك فالناس لا يقومون إلا بالأفعال التي يعرفونها ، أما الأفعال التي لا يعرفون عنها شيئا، فيتجنبون القيام بها . وبالنسبة للمفهوم المتداول فالمنكر كل ما اتفق الناس على عدم القيام به لعدم مناسبته لهم، أو لكونه يقف وراء إحداث أضرار اقتصادية و اجتماعية معينة في مجتمع معين و في بلد معين و زمن معين. و انطلاقا من العادات و التقاليد و الأعراف السائدة في ذلك المجتمع. و انطلاقا من هذا التحديد فالمنكر مسألة نسبية كما هو الشأن بالنسبة للمعروف، لأن ما كان منكرا في بلد معين و في زمن معين قد لا يكون كذلك في زمن آخر في نفس البلد لاختلاف الشروط الموضوعية التي تحكمت في قيام ذلك المفهوم، و في تحوله.
أما المفهوم الديني للمعروف و المنكر فيتصف بالاطلاقية و لا يعترف بتغير الأمكنة و الأزمنة. كما لا يعترف بالشروط الموضوعية، فما ناسب ما جاء في النص الديني فهو معروف أو منكر، و ما لم يناسب ما جاء في النص الديني فهو ليس معروفا، أو ليس منكرا. فهو يخضع لدينامية أخرى إنها دينامية التجربة. و النص الديني الذي أريد له أن يكون مطلقا، هو نفسه الذي يعترف بنسبية الأشياء، و إلا فلماذا أسباب النزول؟ و لماذا الناسخ و المنسوخ ؟ لماذا نجد في القرآن مثلا : قول الله ” و من الثمرات و النخيل و الأعناب تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا” و قول الله ” لا تقربوا الصلاة و انتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون” و قول الله “يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون” فالنسبية في هذه الأقوال حاضرة و لا ينكرها إلا متعصب.
و الاطلاقية التي أريد للنص الديني أن يتصف بها هي التي تعطيه إمكانية التحول إلى سلطة قاهرة على يد من ينصبون أنفسهم رجالا للدين، و الذين يختلف فهمهم للنص الديني من زمن إلى آخر و من مكان إلى آخر مما يؤكد تلك النسبية و يكرسها.
و تلك السلطة التي صارت سلطة مطلقة هي التي اعتمدها بعض الناس فحولوا مفهوم المعروف و مفهوم المنكر إلى تعبير عن المصالح الطبقية لطبقة معينة، أو لمجموعة من الطبقات الاجتماعية حتى يرتبط المعروف بما يخدم مصالح تلك الطبقة أو هذه ، و المنكر هو ما لا يخدم تلك المصلحة. و المعروف في النص الديني يرتبط بالأمر ، والمنكر يرتبط بالنهي . فما هو الأمر ؟ و ما هو النهي ؟
إن الأمر بصفة عامة هو مجرد صيغة يمكن أن تفيد معاني مختلفة باختلاف السياق الذي وردت فيه، و يذهب الأصوليون (علماء الأصول ) الذين يشتغلون على علم أصول الفقه أن الأمر إذا ورد في القرآن أو في النص الديني يفيد معنى الوجوب، و الوجوب حسب هؤلاء هو كل ما يجازي القائم به و يعاقب تاركه.
و كذلك الشأن بالنسبة للنهي، فهو مجرد صيغة يمكن أن تفيد معاني مختلفة بحسب السياق الذي يرد فيه و يرى الأصوليون أن النهي في النص الديني و في القرءان يفيد معنى وجوب عدم القيام بالفعل موضوع النص و حسب هؤلاء الأصوليين فالنهي هو كل ما يجازي المرء على تركه و يعاقب على فعله.
و نظرا لطبيعة الأمر و النهي في النص الديني حسب ما يراه الأصوليون، فإن الذين ينصبون أنفسهم “رجال الدين” يستغلون هذه الطبيعة لفرض سيادتهم على المجتمع باسم الدين الأمر الذي يحول الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى مجرد وسيلة لتحقيق مصالح طبقية معينة، و لفرض التقرب من الحاكمين المؤدلجين للدين الإسلامي، فيتحول الأمر بالمعروف و النهي و المنكر إلى وسيلة لتكريس الاستبداد بالمجتمع. و إرهاب الناس بواسطة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الذي يتحول إلى مجرد تعبير عن مصالح الطبقة الحاكمة. و بالنسبة لمؤدلجي الدين الإسلامي يصير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تعبيرا أيديولوجيا مساهما بشكل كبير في تجسيد المصلحة الإيديولوجية لمختلف التيارات المؤدلجة للدين بصفة عامة، و المؤدلجة للدين الإسلامي بصفة خاصة . و لتصير ادلجة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وسيلة لانتاج استبداد يميني متطرف بالمجتمع.
و حتى نتجاوز إشكالية تحديد المفهوم ، فإن الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها تتحدد في :
أن مفهوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مفهومان نسبيان.
أن مفسري النص الديني يعملون على تكريس إطلاقية المفهومين، و كأن الواقع ثابت لا يتغير.
3) أن هذين المفهومين يستغلان لبسط سلطة رجال الدين في المجتمع، و لاستغلال تلك السلطة لحماية المصالح الطبقية، و تنمية تلك المصالح.
أن هذين المفهومين يصيران وسيلة لتكريس الاستبداد بالمجتمع.
5) أن مؤدلجي الدين الإسلامي يحولون مفهومي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى ممارسة أيديولوجية تستغل لنسج استبداد متطرف بديل بالمجتمع.
و في نظرنا فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يجب أن يتحول إلى ممارسة تربوية على حقوق الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في إطار مجتمع حر و ديمقراطي و عادل تشرف على تدبيره دولة الحق و القانون، فيصير مفهوم المعروف هو كل ما تلاءم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و المنكر هو كل ما لم يتلاءم مع تلك المواثيق من دستور و قوانين اجرائية تشرف أجهزة الدولة على تطبيقها في الحياة العامة، باعتبارها دولة الحق و القانون. لتنتفي بذلك الحاجة إلى الأمر و الحاجة إلى النهي، لأن المتشبع بالتربية على حقوق الإنسان يعرف ماله فيسعى إلى التمتع به، و ما ليس له فيعمل على تجنبه. و لأن دولة الحق و القانون تشرف على تطبيق القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية.

الغاية من الأمر بالمعروف :
و الأمر بالمعروف بالنسبة للعادات و التقاليد و الأعراف السائدة في مجتمع معين و في بلد معين، و في مرحلة تاريخية معينة يهدف إلى تحقيق إعادة إنتاج نفس القيم السائدة المتعارف عليها، و القائمة على وجود تشكيلة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية معينة. هذه التشكيلة التي تفترض أنها مستمرة ولا تتغير أبدا، و أن استمرارها يقتضي إعادة إنتاج القيم المناسبة لها. فإذا تغيرت، تغيرت العادات و التقاليد و الأعراف، و تغيرت تبعا لذلك القيم السائدة. و انطلاقا من مفهوم التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، نجد أن ما كان يناسب التشكيلة المشاعية من قيم لا يناسب التشكيلة العبودية التي تختلف قيمها عن التشكيلة الإقطاعية التي تنتج قيما اختلفت عنها التشكيلة الرأسمالية التي تتناقض قيمها مع التشكيلة الاشتراكية التي تعتبر بداية لانتاج القيم المتطورة في اتجاه تحقيق المرحلة الشيوعية التي تتميز بإنتاج القيم الإنسانية الراقية و الأكثر تطورا. و لذلك فخطورة العادات و التقاليد و الأعراف تأتي من كونها تعتبر نتيجة للتحول الذي تعرفه التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و لهذا كانت الغاية من الأمر بالمعروف هي إنتاج القيم أو إعادة إنتاج القيم المتناسبة مع تلك العادات و التقاليد و الأعراف لضمان استمرار تشكيلة اقتصادية اجتماعية معينة، حتى إن لم تعد صالحة للاستمرار و العمل على مقاومة إمكانية سيادة قيم تتناسب مع تشكيلة اجتماعية ثقافية نقيضة باعتبار القيم الجديدة منكرا.
أما على مستوى النص الديني فإن الأمر بالمعروف يهدف إلى تحقيق إعادة إنتاج القيم المتناسبة مع روح النص الديني باعتباره نصا مطلقا، و باعتبار القيم التي تناسب روحه قيما مطلقة يجب أن تسود في جميع الأزمنة، و في جميع الأمكنة حتى و إن كان هذا التصور يتناقض مع نسبية النص الديني التي أشرنا إلى بعض دلائلها، و حتى إن أخذنا بنسبية النص الديني، فإن القيم المتجددة و المتطورة تعبر عن روح النص الديني المتجددة بدورها.
غير أن الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين، فيتحولون بسبب ذلك إلى “رجال الدين” فإنهم يعتبرون أن الغاية من الأمر بالمعروف هي إعادة إنتاج القيم التي تخدم مصالحهم الطبقية في علاقتهم مع الجماهير الشعبية من جهة، و في علاقتهم مع الطبقة الحاكمة من جهة أخرى، فإذا كانت القيم المعاد إنتاجها لا تخدم تلك المصالح اعتبرت منكرا تجب محاربته.
و بالنسبة للطبقة الحاكمة فإن الأمر بالمعروف يهدف إلى إنتاج أو إعادة إنتاج القيم التي تؤدي إلى تأبيد سلطة تلك الطبقة. فإذا كانت القيم المنتجة أو المعاد إنتاجها لا تحقق ذلك اعتبرت منكرا.
و معلوم أن الطبقة الحاكمة تعمل على استئجار من يروج لثقافة إنتاج قيم تأبيد سيطرتها و هؤلاء المستأجرون هم الذين يسمون أنفسهم برجال الدين الذين يقومون بادلجة الدين من اجل تحقيق إنتاج القيم التي تؤبد سيطرة الطبقة الحاكمة.
أما مؤدلجوا الدين الإسلامي بالخصوص على اختلاف توجهاتهم و ألوانهم فإنهم يسعون إلى جعل الأمر بالمعروف يحقق غاية إنتاج القيم المؤدية إلى تحقيق استبداد بديل بجميع مناحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في أفق قيام دولة يمينية متطرفة يسمونها “الدولة الإسلامية”، و هذه الغاية تقتضي تعميق ادلجة الدين الإسلامي، و التماس مثال للتجارب المغرقة في ادلجة الدين الإسلامي إلى درجة الظلامية من اجل الوصول إلى الاستبداد بالمجتمع كغاية قصوى باعتبار المستبدين الجدد يخلفون الله في الأرض.
و في نظرنا فإن الغاية من الأمر بالمعروف يجب أن تستهدف إنتاج القيم المعبرة عن مساهمة الأفراد و الجماعات و المجتمعات في تطوير المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و في أفق السعي إلى تغيير التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بتشكيلة أرقى تحظى فيها كرامة الإنسان بالتحقق على جميع المستويات و في جميع مناحي الحياة، لأن القيم التي لا تعمل على تطوير المجتمع و على تطوره، فإنها تعمل على تخلفه و تراجعه إلى الوراء. و بالتالي فإن المستفيد من التطور و التطوير هو الإنسان الذي ينفتح على العالم، و يستفيد منه و يفيد في تحقيق كرامة البشرية بتحقيق مجتمع الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
و انطلاقا مما رأينا، فإن الأمر بالمعروف ليس إلا نصيحة بتمثل القيم الإيجابية في المجتمع كما تقرها العادات و التقاليد و الأعراف. و كما هي مساعدة على الانتقال بالمجتمع إلى المرحلة الأرقى التي تقتضيها مصلحة البشرية أفرادا وجماعات ومجتمعات حتى تتجاوز البشرية كل الأزمات التي تحول دون استدامة كرامتها التي ستصير غير قابلة للهدر أبدا في المجتمع الحر و الديمقراطي و العادل الذي هو الأمل الذي ناضلت من اجل تحقيقه البشرية منذ الزمن القديم و إلى يومنا هذا. و ستناضل إلى أن يتحقق.

الغاية من النهي عن المنكر :
و كما رأينا في الغاية من الأمر بالمعروف، فإن الغاية من النهي عن المنكر، يقتضي منا أن نسجل أن المنكر مسألة نسبية تختلف باختلاف العادات و التقاليد و الأعراف التي تختلف حسب الأمكنة و الأزمنة و حسب التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية في تطورها، و في تمرحلها انطلاقا من خصوصية كل مجتمع على حدة. و انطلاقا من ذلك ، فإن المنكر يتحدد انطلاقا من الشروط الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية السائدة في بلد معين و في زمن معين. و انطلاقا من هذا الاختلاف الموضوعي لمفهوم المنكر، فإن الغاية منه أيضا تختلف تعبا لاختلاف العادات و التقاليد و الأعراف حسب الأزمنة و الأمكنة، و طبيعة المجتمعات و حسب التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية في تطورها. و انطلاقا من الشروط الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في بلد معين و في زمن معين.
و لذلك نجد أن الغاية من النهي عن المنكر في المجتمع المشاعي تتحدد في محاربة كل القيم التي تحد من ممارسة المشاعة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية حتى لا يبرز في الأفق ما يؤدي إلى الحد منها، و القضاء عليها، و سيطرة البعض على الطبيعة والمجتمع والحيلولة دون أن يمارس الناس كامل حريتهم على الأرض يأخذون من الطبيعة ما يشاؤون، و في المجتمع حيث يمكن أن يربطوا العلاقة التي يشاؤون دون حسيب أو رقيب.
كما أن الغاية من النهي عن المنكر في المجتمع العبودي يتمثل في محاربة كل القيم التي تؤدي إلى الحط من قيم الأسياد و جعل العبيد يثورون ضد تكريس العبودية ، حتى يستمر استغلال الأسياد للعبيد ، وحتى تستمر قيمة الأسياد في الارتفاع و يستمر انحطاط العبيد لأنه في المجتمع العبودي لاشيء موجود اسمه المساواة التي يجب اعتبارها منكرا في مجتمع الأسياد.
وفي نفس السياق فإن النهي عن المنكر في المجتمع الإقطاعي يقتضي محاربة الحد من استغلال الإقطاعيين للاقنان ومن التمتع بخيرات الأراضي الواسعة التي يملكها الإقطاعيون لان الحد من ذلك الاستغلال ومن الاستفادة من الخيرات التي يحرم منها الاقنان . فمن المنكر الذي يجب النهي عنه أن يشعر القن بأن الأرض يجب أن تكون له ، لأنه هو الذي يعمل فيها ويرتبط بها ، أو على الأقل أن يصير حرا على الأرض التي يعمل فيها ، وان يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والسياسية ، لأن تلك الحرية تعتبر منكرا يجب النهي عنه لأنه يمس بسلامة النظام الإقطاعي.
وعندما يتعلق الأمر بالمجتمع الرأسمالي فان الغاية من النهي عن المنكر تتجسد في المحافظة على ملكية الطبقة الرأسمالية البورجوازية لوسائل الإنتاج، باعتبار تلك السلطة عنوان السيادة الرأسمالية البورجوازية. ولذلك فمن المنكر أن يتمتع العمال باعتبارهم مشغلين لوسائل الإنتاج بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية، حتى يستمر استغلالهم لصالح مالكي وسائل الإنتاج في ظروف قمعية احسن من اجل الزيادة في مستوى فائض القيمة لتزداد بذلك استفادة البورجوازية على جميع المستويات ، ولتبقى الطبقة العاملة غير قادرة على رفع رأسها أمام الطبقة البورجوازية .
أما المجتمع الاشتراكي فإن الغاية من النهي عن المنكر فيه تقتضي الحفاظ على نمط الإنتاج الاشتراكي والسعي إلى تطويره في اتجاه تحقيق المرحلة الأرقى . فكل ما يشكك في نجاعة النظام الاشتراكي، وفي جعل هذا النظام ديمقراطيا لضمان استمراره وتطوره يعتبر منكرا. وعودة المجتمع الرأسمالي يعتبر منكرا ، ونشر القيم المتخلفة والرجعية يعتبر منكرا. ولذلك فالنهي عن منكر من هذا النوع يحقق غاية سلامة النظام الاشتراكي من الأمراض التي تنخر كيانه.
وبالنسبة للمجتمع الشيوعي المحتمل تحقيقه ، فان النهي عن المنكر يحقق غاية المحافظة على سلامة هذا المجتمع من عودة سلطة الدولة باعتبارها أداة السيطرة الطبقية والحاجة إليها في المجتمع الشيوعي المستقبلي غير واردة لانتفاء وجود الطبقات ، ولارتفاع مستوى الناس إلى حكم أنفسهم بأنفسهم .وهو ما يعني تحقق الديمقراطية في أعلى مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية.
وبالنسبة للتوجهات السياسية فإننا نجد :
إن الغاية من النهي عن المنكر بالنسبة لليمين المتطرف تتمثل في إقصاء ونفي كل ما يتعارض مع ادلجة الدين بصفة عامة ، و ادلجة الدين الإسلامي بصفة خاصة .إلا أن النهي عن المنكر يتحول هو نفسه إلى مقولة إيديولوجية يعتمدها اليمين المتطرف لإيهام الناس أن هذا اليمين هو وحده الذي يستطيع القضاء على كل أشكال المنكر –كما يراها اليمين المتطرف- و إنشاء مجتمع خال منها ، تحكمه دولة اليمين المتطرف “الدولة الإسلامية” التي ليست بدورها إلا مقولة أيديولوجية، لأن الدولة هي جهاز قمعي وليست كيانا يؤمن أو يكفر بالدين الإسلامي حتى تكون هناك – وعلى يد هذا اليمين المغرق في ادلجة الدين الإسلامي- دولة إسلامية .
وبالنسبة للحزب الإقطاعي باعتباره حزبا يمينيا ، فإن النهي عن المنكر- كما يراه أعضاء هذا الحزب – يحقق غاية تتمثل في تمهيد الأرض و إعداد المجتمع لتحقيق المجتمع المحكوم بالنظام الإقطاعي الذي يعمل على حماية مصالح الإقطاعيين. ولذلك فكل الأفكار والإيديولوجيات التي تدخل في صراع مع أيديولوجية الحزب الإقطاعي تعتبر منكرا تجب محاربته لتحقيق غاية الحزب الإقطاعي .
وان الغاية من النهي عن المنكر بالنسبة للحزب البورجوازي التابع هي بناء اقتصاد رأسمالي تابع للنظام الرأسمالي العالمي من خلال المؤسسات المالية الدولية التي تغرق البلاد بالديون ، حتى ينشغل بخدمة الدين، وتزداد أرباح البورجوازية التابعة ، وكل ما يؤدي إلى وضع حد للتبعية وتحرير الاقتصاد الوطني منها يعتبر منكرا ينهى عنه الحزب البورجوازي التابع لتامين مستقبل البورجوازية التابعة .
وان الحزب البورجوازي يعتبر أن الغاية من النهي عن المنكر تتمثل في القضاء على كل ما يتعارض مع حرية الاستثمار والتراكم الرأسمالي الوطني الذي يجعل تلك البورجوازية كمثيلاتها في البلدان المتقدمة على جميع المستويات الصناعية والتجارية و الخدماتية و البنكية. ولذلك فالدعوة إلى التوزيع العادل للثروة وتحويل ملكية وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة يعتبر منكرا تجب محاربته حفاظا على مصالح البورجوازية الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية.
وان حزب البورجوازية الصغرى يرى أن الغاية من النهي عن المنكر تتمثل في إزالة كل العوائق التي تحول دون تحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى المتمثلة في التحاق هذه البورجوازية بالطبقة الأعلى سواء تعلق الأمر بالبورجوازية أو بالبورجوازية التابعة. وعلى هذا الأساس فالمنكر هو كل ما تعارض مع تحقيق التطلعات وعلى جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية، و ما تعارض مع تحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى تجب محاربته حماية لمصالحها المختلفة.
وإن حزب الطبقة العاملة يعتبر أن الغاية من النهي عن المنكر- كما يفهمه هذا الحزب- تتمثل في إنضاج الشروط الموضوعية المؤدية إلى جعل ملكية وسائل الإنتاج الرأسمالية البورجوازية ملكية جماعية . وهو يعتبر أن كل ما يؤدي إلى إلغاء الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وكل ما يعرقل النضال من اجل سيادة الملكية الجماعية لتلك الوسائل يعتبر منكرا تجب محاربته حماية لمصالح الطبقة العاملة التي هي مصالح المجتمع ككل .
وبالنسبة لتوجه اليسار المتطرف نجد أن غايته من النهي عن المنكر تتمثل في إقصائه لكل التوجهات التي ترى في مزايداته مجرد تشويش على اطروحات حزب الطبقة العاملة و سائر الديموقراطيين الحقيقيين حتى يتم فرض اعتباره هو التوجه الوحيد الذي بيده تحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى لليسار المتطرف. ولذلك، فاليسار المتطرف هو مجرد تعبير عن تطلعات البورجوازية الصغرى ولكن بطريق مختلف .ولذلك فالمنكر هو كل ما تعارض مع تحقيق تلك التطلعات وبالطريق المختلف ، وما تعارض مع تلك التطلعات تجب محاربته للمحافظة على مصالح اليسار المتطرف على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية، حتى يستمر اليسار المتطرف في التواجد والنمو .
وعلى مستوى آخر فإن النهي عنه يصير تعبيرا عن حماية مصالح الأشخاص الدين ينصبون أنفسهم متكلمين باسم الدين بصفة عامة، وباسم الدين الإسلامي بصفة خاصة سواء في علاقتهم مع الطبقة الحاكمة، وفي علاقتهم مع الجماهير الشعبية الكادحة. وهؤلاء الذين يسمون أنفسهم “برجال الدين”، و تسميهم الطبقة الحاكمة ب”العلماء” يعتبرون أن كل ما تناقض مع مصالحهم المختلفة منكرا ، و لا علاقة لهذا المنكر بالأخلاق العامة لأن الأخلاق العامة نفسها ليست إلا تعبيرا عن المصالح الطبقية من خلال القيم التي تتحلى بها كل طبقة اجتماعية على حدة انطلاقا من أيديولوجيتها و من طبيعة مصالحها الطبقية.
و إذا كانت هذه الفئة التي تدعي أنها تتكلم باسم الدين تسعى إلى حماية مصالحها، فإنها تسعى في نفس الوقت إلى تحقيق غاية أخرى بالنهي عن المنكر. و هذه الغاية هي حماية مصالح الطبقة الحاكمة التي تدفع هؤلاء إلى ادلجة الدين لصالحها لتضليل الناس و جعلهم يعتقدون أن الطبقة الحاكمة تحكم باسم الله فيقبلون كل تصرفاتها و مواقفها على أنها من إرادة الله.
و بالنسبة لمؤدلجي الدين الإسلامي فإن غايتهم من النهي عن المنكر تتجلى في حماية مصالحهم المتمثلة في إعداد الناس و تجييشهم لمحاربة كل من خالفهم من اجل التأسيس لاستبداد بديل لاستبداد الطبقة الحاكمة، و الوصول إلى إلغاء كل أشكال التنوير القائمة من المجتمع. و القضاء على السلطة المستبدة القائمة و تأسيس سلطة اكثر استبدادا تساعد مؤدلجي الدين الإسلامي على تسخير كل شيء لخدمة مصالحهم.
و في رأينا فإن الغاية من النهي عن المنكر ترتبط بطبيعة القهم الذي نعطيه للمنكر، و بطبيعة الطبقة الاجتماعية المنتمية إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية معينة في مرحلة تاريخية معينة و في مكان معين، و بطبيعة الشروط الموضوعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تحكم الفهم، و تحكم قيام طبقة معينة و انسجاما مع هذا التصور فإن الغاية تتمثل بالخصوص في حماية المصالح الفردية و الجماعية و الطبقية. و أن اعتبار الغاية دينية ليست إلا ممارسة أيديولوجية تأتي امتدادا لأدلجة الدين الإسلامي لصالح طبقة معينة، أو لصالح المؤدلجين أنفسهم إذا كانوا يشكلون تيارا سياسيا قائما على ادلجة الدين. و بالتالي فإن المنكر ليس مفهوما دينيا صرفا، بقدر ما هو إنتاج اجتماعي، و أن الغاية منه ما هي إلا ممارسة اجتماعية تبتدئ و تنتهي في المجتمع قبل أن ترتبط بالغيب المرتبط بالدين، لا تحقق الغاية منه إلا في الحياة الأخرى. و ما دامت الغاية من النهي عن المنكر ما هي إلا ممارسة اجتماعية، فإنها في نفس الوقت ممارسة أيديولوجية معبرة عن مصالح طبقية معينة. و لا داعي لأن نسجنها في القارورة الدينية التي تعطي للمدعين اعتبار أنفسهم انهم وحدهم الذين يعرفون ما في تلك القارورة. و بناء على تلك المعرفة، فإنهم ينوبون عن الله في الأرض و يفعلون ما يشاؤون بالمجتمع باسم الدين، الأمر الذي لا يجب أن يكون مقبولا، لأن زمن الرسالات انتهى. و أن فهم النص الديني ليس وحيا ينزل من السماء بقدر ما هو عملية نسبية ترتبط بالشروط الموضوعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تحكم المتعاملين مع النص الديني في كل زمان و في كل مكان. و إلا فلماذا نجد هذا الاختلاف في الفهم الذي يمتد على مدى الأزمنة، و على مدى الأمكنة، و على مدى الأشخاص المتعاملين مع النص الديني.

نسبية المعروف، و نسبية المنكر :
و انطلاقا من هذا التلون في فهم المعروف، و في فهم المنكر و في الغاية من المعروف، و الغاية من المنكر. نطرح السؤال الآتي، فلماذا هذا الاختلاف ؟ و لماذا لم يكن فهم المعروف و فهم المنكر ثابتا لا يتطور، و لا يتغير ؟ و لماذا اختلفت الغاية من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ؟
و للوصول إلى مقاربة الجواب يجب أن نؤكد أن فعل الإنسان مهما كانت اطلاقيته لابد أن يتخذ طابع النسبية، و أن اختلاف الأديان السماوية لابد أن يكون نتيجة لقيام النسبية، و أن أسباب نزول القرآن هو نتيجة لتقرير النسبية، و وجود الناسخ و المنسوخ فيه تأكيد لتلك النسبية. و ما دام الأمر كذلك، فإن الاطلاقية ما هي إلا نتيجة لعجز الإنسان عن إدراك ما يجري في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و هذا العجز هو الذي يعطي للإنسان الحق في اللجوء إلى تفسير كل الظواهر بالقوة الغيبية. و للأسف الشديد فإن ما يتوصل إليه الإنسان من نتائج عن طريق البحث لا يساهم إلا في الإغراق في الاطلاقية نظرا لغياب حداثة حقيقية في البنيات الاقتصادية القائمة، و الحداثة لا تكون إلا صناعية. و الصناعة عندما تقوم في بلد معين يجب أن تكون محكومة بفلسفة معينة تقوم بدور إعداد الناس لإدراك الدور التاريخي للاقتصاد الصناعي في التسريع بقيام بنيات اجتماعية حديثة على أنقاض البنيات التقليدية، و بإنتاج بنيات ثقافية و فكرية و أيديولوجية و سياسية تتناسب مع البنيات الاجتماعية القائمة. و بقيام الحداثة الصناعية على الفلسفة المناسبة لها، يمكن حينذاك أن نجزم بأن الاطلاقية التي وقفت وراء إنتاج التخلف على مدى عصور بكاملها، قد دخلت في ذمة التاريخ، و حينها يمكن الإقرار الفلسفي و الفكري و الاجتماعي بنسبية الاشياء و الأفكار و الممارسات و المعتقدات، و بالإقرار بنسبية الأشياء و ما سواها يمكن أن ندخل التاريخ الذي لا يكون إلا نسبيا، لأن التاريخ القائم هو بدوره تاريخ محكوم بالاطلاقية لأنه حتى و أن كان من فعل الإنسان، فإنه هو بدوره نتيجة لعقلية القدر التي تنسب كل شيء للغيب الذي تقرر فيه كل ما يحدث سلفا، قبل أن يوجد الإنسان على وجه الأرض.
فما هي النسبية ؟
إن النسبية مفهوم فلسفي يمكن اعتماده لتقرير أن الأفعال و الظواهر الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، هي نتيجة لقيام شروط موضوعية معينة في مرحلة تاريخية معينة، و في مكان معين و باستحضار تلك الشروط التي تصير الشروط الذاتية الفردية و الجماعية جزءا منها، تنتفي الاطلاقية، لأنه حينها تصير الأفعال و الظواهر من إنتاج الطبيعة و المجتمع و طبقا لما تقتضيه القوانين الطبيعية.
و باستحضار الشروط الموضوعية في النظر إلى الأفعال و الظواهر يمكن القول بأن النسبية هي تقرير ربط الأفعال و الظواهر بقيام شروط موضوعية معينة في مرحلة تاريخية معينة و في مكان معين اقتضت القيام بتلك الأفعال، و حدوث تلك الظواهر.
و بناء على هذا الفهم العلمي للنسبية نجد انه لا مجال للاطلاقية في تاريخ البشرية، و أن الذين يعتمدون الاطلاقية في التعامل مع الأفعال و الظواهر ما هم إلا مجرد أناس تمرسوا على ادلجة الدين الإسلامي الذي يرفض تلك الاطلاقية عندما يتعلق الأمر بأفعال الإنسان. و إلا فلماذا الجزاء و العقاب، و ما ضرورة ما ورد في القرءان ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره” فالنسبية تستحضر حتى في يوم القيامة، و مع ذلك نجد أن مؤدلجي الدين يتمسكون بالاطلاقية، لأنها هي وحدها التي تمكنهم من التوظيف الأيديولوجي للنص الديني لحماية مصالحهم التي تكونت على أساس تلك الادلجة.
و لذلك نجد أن مفهوم المعروف، و مفهوم المنكر مفهومان نسبيان يقومان على ما تعارف الناس على فعله أو أنكروه في مرحلة تاريخية معينة وفي بلد معين و انطلاقا من الشروط الموضوعية القائمة في الزمان و المكان.
و بهذا الفهم لنسبية المعروف و المنكر نستطيع أن نقول إن المعروف و المنكر في التشكيلة المشاعية يختلف عنها في التشكيلة العبودية، كما يختلف عنهما في التشكيلة الاقطاعية التي تعتبر رؤيتها للمعروف و المنكر مختلفة عنهما في التشكيلة الرأسمالية التي ربطتهما بما يخدم مصلحة تنمية الرأسمالية أو بما يتناقض مع تلك المصلحة، و هو أمر غير وارد في التشكيلة الاشتراكية التي ترى في المعروف كل ما يحقق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، كما ترى في المنكر كل ما يتعارض مع ذلك. و هو ما يعتبر تمهيدا لتطوير مفهوم المعروف و مفهوم المنكر في التشكيلة الشيوعية التي تنتفي فيها الطبقات الاجتماعية، انتفاء يفرض انتفاء الحاجة إلى الدولة التي ارتبط وجودها في الأصل بانقسام المجتمعات البشرية إلى طبقات اجتماعية تسعى فيها الطبقة المهيمنة و المسيطرة على الاقتصاد إلى جعل الدولة أداة للسيطرة على باقي الطبقات. و هذه الأداة هي الدولة التي سماها منظروا الاشتراكية العلمية ب”أداة السيطرة الطبقية” و ليست شيئا نازلا من السماء.
و بالإضافة إلى ما ذكرنا، فمفهوم المعروف و المنكر في نظر الأسياد ليس كما هو عند العبيد، و في نظر الإقطاعيين ليس كما هو عند الاقنان، و في نظر البورجوازيين ليس كما هو عند الطبقة العاملة، و في نظر البورجوازية الصغرى ليس كما هو عند سائر الكادحين.
و هذا التنوع في الفهم يقودنا إلى القول بأن المعروف و المنكر في نظر اليمين المتطرف يختلف عنهما في نظر الحزب الإقطاعي، كما يختلف عنهما في نظر الحزب البورجوازي الذي يحمل فهما يختلف تماما عن فهم حزب الطبقة العاملة الذي يرى أن المعروف يتجسد في كل ما يقود إلى تحقيق الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. و يرى في المنكر كل ما تعارض مع الملكية الجماعية، و هو فهم يختلف عن فهم حزب اليسار المتطرف الذي يرى في المعروف كل ما تناسب مع مزايداته، و في المنكر كل ما تعارض مع تلك المزايدات.
و من جهة أخرى فالمعروف و المنكر عند اليهود يختلف عنهما عند المسيحيين، كما يختلف عنهما عند المسلمين، لأن كل ديانة ترى في المعروف كل ما تناسب مع جوهر دعوتها، و ترى في المنكر كل ما تعارض مع ذلك الجوهر.
و المعروف و المنكر في نظر مؤدلجي الدين ليس كما هو عند عامة الناس في جميع الديانات نظرا لارتباطهما بالمصالح الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
و بالنسبة للديانات التوحيدية، فإن فهمها للمعروف و المنكر يختلف عن فهم الديانات الوثنية، و فهم المتدينين للمعروف و المنكر يختلف عن فهم الملحدين … وهكذا.
و في نظرنا فإن نسبية المعروف و نسبية المنكر قائمتان في الواقع بكل تجلياته التاريخية و العقائدية و الموضوعية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و الطبقية المحلية و الوطنية و القومية و العالمية نظرا لارتباطهما بخدمة المصالح الطبقية المختلفة مهما كان المضمون الذي يعطى للمعروف أو المنكر، و مهما كانت الغاية منهما. و تلك النسبية هي التي تدعونا إلى القول بأن المعروف و المنكر هما مصطلحين اجتماعيين بالدرجة الأولى. و أن إكسابهما اللغة الدينية ليس إلا نتيجة لاجتماعياتهما، لأن أي دين لا يتكلم إلا لغة المجتمع الذي يستهدفه ذلك الدين. و بالنسبة للدين الإسلامي فقد استعملت نصوصه للمعروف و المنكر لا باعتبارهما مصطلحين دينيين بل باعتبارهما مصطلحين اجتماعيين، و أن الدين نفسه، بقيمه الروحية التي يبثها في المجتمع يصير اجتماعيا، و اجتماعيته هي التي أكسبته ذلك المد الذي عرفه قبل أن يصير قابلا للتوظيف الأيديولوجي بسبب التأويلات الكثيرة و المغرضة التي لا حدود لها على مدى عصور بأكملها، مما جعل المتعاملين مع النص الديني للإسلام يعتبرون أن مفهوم المعروف و المنكر هو مفهوم ديني صرف، و الواقع ليس كذلك.

علاقة المعروف و المنكر بالقيم السائدة في المجتمع :
و انطلاقا من مفهوم المعروف و مفهوم المنكر كما بسطناهما في الفقرات السابقة، و انطلاقا من الغاية من الأمر بالمعروف، و من الغاية من النهي عن المنكر، و من نسبية كل منهما، فإننا سنجد على ارض الواقع أن كل ذلك يرتبط بالقيم التي تختلف من مكان إلى مكان، و من زمن إلى زمن. فالمعروف لا يكون معروفا فعلا إلا انطلاقا من القيم السائدة في المجتمع تلك القيم التي يفترض فيها أن تتناسب مع المكونات الثقافية للمجتمع و التي تلعب دورا كبيرا في اعتبار قيم معينة معروفا على جميع المستويات المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية و القومية و العالمية و هذه القيم تكون ذات بعد طبقي و عقائدي و إنساني.
ففي المجال الاقتصادي نجد أن نمط الإنتاج الاقتصادي يلعب دورا كبيرا في إنتاج قيم معينة فنمط الإنتاج العبودي ينتج قيم الاستعلاء و الخضوع، و التفوق و الوضاعة، و الاستغلال العبودي و قبول ذلك الاستغلال، و قيم الأسياد، و قيم العبيد. وبعد اختفاء المرحلة العبودية، نجد أن قيمها انتقلت إلى المرحلة الإقطاعية، و بدل أن نجد الأسياد هم الأقوى صار الإقطاعيون مكانهم نظرا لطبيعة الملكية السائدة في المرحلة الإقطاعية، و قيم العبيد انتقلت إلى الاقنان مع بعض الاختلاف بسبب التطور الحاصل في المرحلة الموالية و نفس الشيء نقوله بالنسبة للمرحلة الرأسمالية التي أصبحت فيها الملكية الفردية لوسائل الإنتاج الصناعي هي السائدة و التي صاحبتها قيم جديدة لم تكن معروفة من قبل كقيم الحرية، و الديمقراطية و حقوق الإنسان، و تقرير المصير و احترام الحرية الفردية و الجماعية و أشياء أخرى ترتبط بتطور المجتمع الرأسمالي، و باستمراره في التطور وصولا إلى المرحلة الاشتراكية التي تصاحبها قيم التضحية، و الحرية و الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي سعيا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل النظام الاشتراكي الذي يفرض الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج لضمان التوزيع العادل للثروة بين جميع أفراد المجتمع، و على أسس علمية دقيقة. و المرحلة الاشتراكية تساهم بشكل كبير في إعداد المجتمعات البشرية التي صار يسود فيها النظام الاشتراكي لتقبل إنتاج القيم المناسبة للمرحلة الشيوعية.
و كما تختلف القيم حسب تنوع التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية على المستوى الاقتصادي فإنها تختلف أيضا على المستوى الاجتماعي، حيث نجد أن القيم الاجتماعية المناسبة للمجتمع العبودي تقتضي وجود طبقتين اجتماعيتين، طبقة الأسياد و طبقة العبيد، و لكل من الطبقتين عادات و تقاليد و أعراف تناسب تلك الطبقة على مستوى الأكل و الشرب و اللباس و المعاملات وغيرها مما يرتبط بإنتاج القيم الخاصة بكل طبقة على حدة و المجتمع الإقطاعي يعرف بدوره وجود طبقتين رئيسيتين هما طبقة الإقطاعيين، و طبقة الاقنان. و لكل من الطبقتين قيم ناتجة عن طبيعة العادات و التقاليد و الأعراف الخاصة بكل منهما و المعروف يتحدد حسب مناسبته القيم الإقطاعية الملبية لمصلحة الإقطاعيين، أو لمصلحة الاقنان المناسبة لها. و نفس الشيء نقوله بالنسبة لقيم الطبقة البورجوازية التابعة، أو لقيم البورجوازية أو لقيم البورجوازية الصغرى التي يتغير المعروف تبعا لها. و كذلك الأمر بالنسبة لقيم الطبقة العاملة التي تنتج مفهوما مغايرا للمعروف الذي يجب أن يتناسب مع مصلحة الطبقة العاملة كما يتناسب مع مصلحة البورجوازية التي تتناقض معها.
و ما قلناه في الطبقتين الرئيسيتين الاجتماعيتين في كل مرحلة على حدة يمكن قوله في الطبقة الوسطى في كل مرحلة حيث نجد أن طبيعة تلك الطبقة الاجتماعية الوسطى تختلف من عصر إلى آخر، فتختلف تبعا لذلك قيمها التي تؤدي إلى اختلاف فهمها للمعروف.
و عندما يتعلق بسائر الكادحين و العاطلين و المهمشين، فإن قيمهم تختلف من مرحلة إلى أخرى فيختلف تبعا لذلك فهم المعروف.
و على المستوى الثقافي، فإن الأدوات الثقافية المناسبة للمرحلة العبودية تساهم بشكل كبير في إنتاج القيم المناسبة للأسياد و العبيد في نفس الوقت، فيكون لتلك الأدوات الثقافية اثر كبير في إنتاج فهم خاص بكل طبقة للمعروف. و عندما يتعلق الأمر بالطبقة الإقطاعية وطبقة الاقنان فإن الأدوات الثقافية المنتجة لقيمها تتغير نظرا للتطور الحاصل في مرحلة الإقطاع و الاقنان، فيؤدي ذلك إلى تحول في القيم يؤدي إلى تحول في فهم المعروف. أما الطبقة البورجوازية و الطبقة العاملة فلهما أدوات ثقافية مختلفة و متطورة، و سريعة الإنتاج للقيم المنتجة للفهم المتطور للمعروف. و هناك أدوات مختلفة تناسب الطبقة الاجتماعية الوسطى في كل مرحلة تجعل فهمها للمعروف مختلفا.
و على المستوى السياسي، فإن طبيعة النظام السياسي المتناسب مع المرحلة العبودية يتدخل لانتاج قيم سياسية تساهم في تحديد مفهوم الأسياد و العبيد للمعروف. و طبيعة النظام السياسي المتناسب مع المرحلة الإقطاعية يتدخل في توجيه القيم المختلفة لمختلف الطبقات الاجتماعية في المرحلة الإقطاعية . فيؤدي ذلك إلى فهم عام للمعروف السياسي في هذه المرحلة، و عندما يتعلق الأمر بالمرحلة الرأسمالية، فإن النظام السياسي يكون اكثر تطورا و اكثر تأثيرا في انتاج القيم، و اكثر سرعة في تحول تلك القيم المناسبة للطبقات الاجتماعية في هذه المرحلة. و ذلك التحول السريع في القيم السياسية ينتج بدوره تحولا سريعا في فهم المعروف.
وتبعا للعلاقة العضوية القائمة بين القيم المختلفة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية وبين مفهوم المعروف . فإننا نجد أن هذه العلاقة تتغير وتتنوع تبعا للبيئة التي يعيش فيها البشر فالبيئة الأسيوية تساهم في إنتاج القيم الأسيوية التي تحدد فهما محددا للمعروف . والبيئة الإفريقية تنتج قيما إفريقية تساهم في فهم إفريقي محدد للمعروف . والبيئة الأوروبية تختلف عن البيئة الأسيوية و الإفريقية في تحديد نوع القيم البيئية المناسبة والتي تتدخل لانتاج فهم أوروبي للمعروف . والبيئة الأمريكية تتميز عنها جميعا في إنتاج قيم نوعية تجعل الأمريكيين يختلفون عن جميع الناس في الشعور بالتفوق على جميع البشر ، وعلى جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية فيتكون لديهم فهم خاص للمعروف يتناسب مع ذلك الشعور المتكون عندهم بسبب انتمائهم إلى البيئة الأمريكية .
و ما قلناه عن البيئات الكبرى يمكن أن نقوله عن البيئات المتوسطة والصغرى ، وعن البيئات المحلية في إطار كل دولة على حدة ، مما يجعل القيم المنتجة بيئيا تختلف من قرية إلى أخرى. فيؤدي ذلك إلى اختلاف فهم المعروف أيضا من قرية إلى أخرى ، ومن مدينة إلى مدينة ، واكثر من هذا فإن علاقة الإنسان بالبيئة تجعل القيم الناتجة عن تلك العلاقة تختلف من شخص إلى آخر، فيختلف تبعا لذلك فهم المعروف من شخص إلى آخر.
وما قلناه عن البيئة يقودنا إلى استحضار دور اللغة في نقل القيم وفي إنتاجها ، باعتبارها لغة العلم والمعرفة ، وباعتبارها لغة تواصل بين أفراد المجتمع الواحد ، أو مجموعة من المجتمعات. ولذلك فاللغة العربية تنقل إلى مستعمليها قيما معينة من التاريخ العربي، فتنقل تبعا لذلك فهما محددا للمعروف يمكن اعتباره فهما تاريخيا والي جانب ذلك تساهم في إنتاج قيم العروبة المتطورة التي تنتج بدوها فهما متطورا للمعروف يوحد بين مستعملي اللغة العربية أينما كانوا، وخاصة في البلدان التي تستعمل اللغة العربية كلغة رسمية. وما قلناه عن اللغة العربية يمكن أن نقوله عن جميع اللغات الأخرى التي يراد نقلها و إنتاجها للقيم بقدر ما يتسع مجال استعمالها عبر قارات العالم فتتدخل قيمها المنتجة والمنقولة في صياغة مفهوم المعروف .
وعندما يتعلق الأمر بالأديان باعتبارها مصدرا للقيم الروحية فإننا نجد أن قيم اليهودية تعطي فهما معينا للمعروف يتناسب معها ، وقيم المسيحية تعطي مفهوما مخالفا، وقيم الإسلام تعطي مفهوما آخر يتناسب مع تطور هذا الدين ومع المرحلة التي جاء فيها ، وبقدر ما ينتشر الدين بقدر ما تعظم قيمه بقدر ما يتعمق مفهومه للمعروف .
وهنا يجب أن لا نغفل ادلجة الأديان المختلفة من دين لآخر ودور تلك الادلجة في إنتاج قيم معينة تؤدي إلى مفاهيم مختلفة للمعروف تختلف باختلاف الادلجة ، ومدى اعتدالها وتطرفها وهكذا .
وما قلناه عن المعروف وعلاقته بمختلف القيم نقوله أيضا عن المنكر في علاقته بالقيم المناسبة لكل تشكيلة اقتصادية واجتماعية، وبالقيم المناسبة لكل طبقة على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و بالقيم المناسبة لكل بيئة ، ولكل دين ولكل ادلجة للدين سواء كانت معتدلة أو متطرفة .
وفي رأينا فإن علاقة المعروف والمنكر هي علاقة عضوية، لأن القيم السائدة هي التي تحدد المعروف المرغوب في الأمر به كما تحدد المنكر المطلوب النهي عنه، وهو ما يؤكد اجتماعية القيم مهما كان مصدرها واجتماعية المعروف والمنكر في نفس الوقت .
وإذا كنا قد اخترنا أن تكون العلاقة بين المعروف والمنكر من جهة ، وبين القيم المنقولة والمنتجة من جهة اخرى علاقة عضوية فلأننا نختار أن يكون للمعروف والمنكر بعد اجتماعي حتى لا يتحول إلى وسيلة لارهاب المجتمع باسم الدين ، وعلى يد مدعي الكلام باسم الدين نيابة عن الله في الأرض لصالح الطبقة الحاكمة ولصالح حماية مصالحهم الطبقية، أو سعيا إلى إنتاج استبداد بديل على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، لأنه بإعطائنا للمعروف والمنكر بعدا اجتماعيا ، نقر مباشرة بالاختلاف الذي يقتضي الحوار المنطلق أساسا من نسبية المعروف ونسبية المنكر، ومن اختلاف تلك النسبية من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى . وهذا الاختلاف هو الذي يعطي للصراع الطبقي على جميع المستويات الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية مشروعيته التي تتجسد بالخصوص في مشروعية الصراع بين القيم التي يتبين أن بعضها معروف، وان بعضها لآخر منكر. فيتعين تبعا لذلك الأمر بالمعروف الذي لا يستلزم الوجوب ، والنهي عن المنكر الذي لا يستلزم الإكراه .لأن ما هو معروف عند طبقة معينة يعتبر منكرا في نظر الطبقة النقيض. و ما هو منكرا في نظر طبقة معينة يعتبر معروفا عند طبقة أخرى. وعندما نقر بأن صراع القيم باعتبارها معروفا أومنكرا ما هو إلا صراع طبقي، فإننا ننزل المفهومين من السماء إلى الأرض على مستوى التصور. لأن هذا المستوى ذو البعد الفكري قد يتخذ له بعدا مثاليا يجعل حامله يعتقد انه هو وحده الذي ينوب عن الله في الأرض في المكان و الزمان المحددين و هو ما يجب التصدي له بالإصرار على اجتماعية المعروف و المنكر، و نسبيتهما حتى لا يكون هناك متنبئون جدد على وجه الأرض.

ادلجة المعروف و المنكر و الغاية منها :
و نظرا لارتباط مفهومي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالمنظومة الدينية في البلاد العربية الإسلامية، فإن الادلجة التي تستهدف المنظومة الدينية ككل تستهدف أيضا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و المراد بالادلجة هنا هو جعل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مجرد أفكار أيديولوجية معبرة عن مصالح طبقية معينة للذين ينصبون أنفسهم متكلمين باسم الدين، أو ينصبهم الحكام لتوظيف خدمة مصالحهم الطبقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى تتأبد سيطرتهم على المجتمع، أو يلجأون إلى ادلجة الدين لصالح تيار سياسي معين يوظف الدين لصالح السياسة في أفق إقامة الدولة الإسلامية التي تحمي و تساعد على تنمية مصالح مؤدلجي الدين لصالح السياسة.
و بناء على ما ذكرنا فإن ادلجة الدين بصفة عامة و ادلجة الدين الإسلامي بصفة خاصة تتخذ لها مجموعة من المستويات :
المستوى الأول : و يتمثل في تقمص التكلم باسم الدين كنتيجة للمعرفة بمضامين النصوص الدينية الكتاب و السنة، و عمل أهل المدينة ( يثرب) في عهد الرسول و ما اقره الرسول من أقوال أو أفعال، و ما قاله و مارسه الصحابة من منطلق أن أقوال الصحابة و أفعالهم تعتبر من السنة كما يشهد بذلك الحديث الذي يقول فيه الرسول : “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” دون غاية يقصدها الذي يتقمص الكلام باسم الدين، فلا يلجأ إلى التأويلات الأيديولوجية المغرضة إلا ما ورد عرضا مما يهدف إلى تحقيق المصالح الآنية والمستقبلية المادية و المعنوية للمتقمصين للكلام باسم الدين، و هو ما يعتبر البدايات الأولى للتوظيف الديني لتحقيق المصالح الفردية، ثم لتحقيق المصالح الطبقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و العمل على الاستمرار في ذلك التوظيف لتأبيد تحقيق المصالح.
و المستوى الثاني : و يتمثل في تحول المتكلمين باسم الدين إلى منتجين للأيديولوجية القائمة على تأويل النص الديني كنتيجة لتحول هؤلاء إلى مجرد موظفين لدى الطبقة الحاكمة، ليتمثل دورهم في إعطاء الشرعية الدينية لمختلف الممارسات التي تصدر عن الطبقة الحاكمة التي تكون عاجزة عن التأويل الأيديولوجي للنص الديني أو لحرصها على أن يكون ذلك من خارجها. و لذلك نجد أن هؤلاء المتكلمين باسم الدين يتحولون إلى حاملين لهاجس تبرير جميع الممارسات التي تقوم بها الطبقة الحاكمة و التكلف في التعامل مع النص الديني إلى درجة اختلاق أقوال تنسب إلى الرسول و إلى الصحابة لاعطاء الشرعية لممارسات تتناقض مع ما جاء في الكتاب و السنة و مع كرامة الإنسان كما أشار القرءان إليها و كما قررهما الله تعالى في سورة الإسراء ” و لقد كرمنا بني آدم” لأن الطبقة الحاكمة قد لا تكون مؤدلجة للدين الإسلامي و لكنها في حاجة إلى الشرعية الدينية لممارستها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، أو أنها قادرة على ممارسة الادلجة. و لكنها تريدها من خارجها، فتدفع المدعين الكلام باسم الدين إلى القيام بذلك مقابل العطاءات التي لا حدود لها، و الامتيازات التي لا تنحصر.
و الطبقة الحاكمة قد تكون إقطاعية أو بورجوازية تابعة، أو بورجوازية، أو بورجوازية صغرى، و جميع هذه الطبقات لا تستغني في حكمها عن الشرعية الدينية، نظرا لشيوع التدين في المجتمع من جهة، و لحاجة الطبقة الحاكمة إلى تضليل الجماهير بالشرعية الدينية، و لكون الجماهير المتدينة مستهدفة من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي.
أما المستوى الثالث : فيتجسد في تحويل النص الديني إلى مصدر للإيديولوجية المعبرة عن توجه سياسي معين، و هذا التوجه يتوجه مباشرة إلى النص الديني و يؤوله حسب ما يراه على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، فيصير حسب هؤلاء المؤدلجين للدين الإسلامي كل شيء إسلاميا أو غير إسلامي. فهنا اللحية الإسلامية، و غير الإسلامية، و الاقتصاد الإسلامي و غير الإسلامي، و الدولة الإسلامية و غير الإسلامية و هكذا. و تأويلهم المعتمد على النص الديني يعتبر إسلاميا، و حزبهم المؤدلج للدين الإسلامي، يصير إسلاميا وهكذا. و حزب أو توجه من هذا النوع يعتبر التربة المناسبة لاستنبات التطرف الديني الذي لا يتوقف عند حدود ادلجة الدين الإسلامي، بل تتعداه إلى نقل الإيديولوجية الدينية إلى مستوى الممارسة.
و المستوى الرابع يتمثل في اعتبار النص الديني هو عينه الأيديولوجية، و هو البرنامج السياسي الذي يكون قابلا للتطبيق على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هو إلى جانب ذلك يقبل بالتحول إلى منظمة “جهادية” لارغام المسلمين على تطبيق الشريعة الإسلامية، و كل من رفض يقام عليه “الحد الإسلامي” حتى و إن تمثل في القتل و التصفية الجسدية. و هذه الممارسة هي التي يمكن تصنيفها في خانة الإرهاب.
و هذه المستويات الأربع لا تتناقض فيما بينها بقدر ما يكمل بعضها بعضا لاتفاقها في شيئين اثنين :
الأول : هو المرجعية النصية الدينية التي تعمل على إمكانية إكساب كل من ينطلق منها صفة “الإسلامي”.
و الثاني : هو الهدف المتمثل في ادلجة الدين الإسلامي، و توظيف الدين و النص الديني لتحقيق أهداف سياسية تختلف اعتدالا و تطرفا من مستوى إلى آخر.
و لذلك نرى أن ادلجة الدين الإسلامي هي بداية هذه الكوارث التي أصابت العالم منذ شرع المسلمون في توظيف الدين و النص الديني لتحقيق أهداف سياسية محددة .
أما الغاية من ادلجة الدين الإسلامي فتتجسد في :
1) حماية المصالح الطبقية لمؤدلجي الدين الإسلامي سواء تعلق الأمر بمؤدلجي المصلحة الفردية، أو مؤدلجي الطبقة الحاكمة، أو مؤدلجي توجه سياسي معين أو العاملين على تحويل النص الديني إلى برنامج جهادي.
2) تضليل الجماهير الشعبية الكادحة عن طريق إيهامهم بأن ما يقوم به هؤلاء ليس إلا ترويجا للدين، و سعيا إلى نشره و حمايته حتى يستمر “قويا” و قادرا على حشد الناس حول المتكلمين باسم الدين، أو حول الطبقة الحاكمة التي تكتسب بتلك الادلجة الشرعية الدينية أو حول مؤدلجي توجه سياسي معين حتى يكون ذلك الحشد قوة له يعتمدها للوصول إلى مراكز القرار السياسي من اجل استغلالها لتكريس ادلجة الدين الإسلامي من مواقع معينة، و لزيادة عدد الاتباع الذين قد يعتمدون في أمور أخرى لها علاقة بالسيطرة على أجهزة الدولة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و استغلال تلك الأجهزة لفرض جعل المجتمع بكل طبقاته الاجتماعية لخدمة المصالح الطبقية للمنتمين لذلك التوجه السياسي أو حول الذين يحولون النص الديني إلى برنامج جهادي تحت شعار الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و انطلاقا من الحديث الذي يقول “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك اضعف الإيمان” و هذا التغيير الذي دعا إليه الحديث هو الذي يعتمده هؤلاء ممارسة يومية “جهادية” قد تقود إلى التصفية الجسدية كما حصل مع العديد من القادة و المفكرين من أمثال الشهيد عمر بنجلون، و الشهيد فرج فودة، و الشهيد مهدي عامل، و الشهيد حسين مروة، و الشهيد سهيل طويلة و غيرهم ممن يتم تداول استشهادهم على يد هؤلاء “الجهاديين” في كل البلاد الإسلامية و حتى في أوربا و أمريكا، لأن هؤلاء يتكاثرون كالفطر، و لا ندر من يمدهم بالمال و السلاح، و المتفجرات، و لا من يدربهم على ذلك من اجل الوصول إلى الاستبداد بالمجتمعات ثم بالدول لتحقيق شعاراتهم التي تجعل الجميع ينخرط في خدمتهم، و تنفيذ شعارات “إقامة الدولة الإسلامية” من منطلق أن الإسلام دين و دولة و “تطبيق الشريعة الإسلامية” و الانصياع “لأولي الأمر” و بالقوة، و تحت تهديد السلاح المستمر لإقامة مجتمع المرهوبين الذين لا حول لهم و لا قوة سمتهم الخضوع المطلق، و دينهم الحياة اليومية و أداء الطقوس الدينية، و الانشغال باليوم الآخر، و نسيان ما يجري على ارض الواقع، لأنه قد يجر إلى إقامة الحدود المختلفة.
و في نظرنا فإن ادلجة الدين هي ممارسة أصولية انتهازية توظف الدين لحماية المصالح الطبقية، و تسعى إلى تأويل النص الديني بما يتلاءم مع تلك المصلحة لتضليل الكادحين، و قطع الطريق أمام إمكانية امتلاكهم للوعي الطبقي الحقيقي الذي يقود إلى الكشف عن طبيعة ادلجة الدين الإسلامي و عن الغاية من تلك الادلجة، و النضال ضد مؤدلجي الدين الإسلامي الذين يسعون إلى تضليل المجتمع ككل و تغييبه عن واقعه و تحويل الدين الإسلامي المستنير، عن طريق ادلجته إلى أفيون الشعوب العربية و الإسلامية تماما كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى. لأن تحويل الدين الإسلامي المستنير و المحرض على استعمال العقل، و الحاث على احترام كرامة الإنسان “و لقد كرمنا بني آدم” كما جاء في سورة الإسراء، إلى أفيون الشعوب العربية و الإسلامية حتى يسهل الانقضاض عليها هو الغاية التي يسعى إليها مؤدلجو الدين الإسلامي.

معيار المعروف و المنكر، و معيار الادلجة :
فما هي المعايير التي يمكن اعتمادها للتمييز بين المعروف و المنكر من جهة ؟ و بينهما و بين ادلجتهما من جهة أخرى ؟
إننا بدون الوقوف على المعايير لا نستطيع الوقوف على حقيقة المعروف، و لا على حقيقة المنكر، و لا على حقيقة الادلجة، و الوقوف على المعايير صار ضرورة ملحة لانزال مفهوم المعروف و مفهوم المنكر من السماء إلى الأرض و للكشف عن خلفيات ادلجة المعروف و ادلجة المنكر.
و نحن عندما وقفنا على مفهوم المعروف و قاربنا حقيقته و وضحنا نسبيته تعرضنا بطريقة غير مباشرة إلى معايير المعروف التي يمكن تصنيفها في :
1) المعيار اللغوي/النحوي/الصرفي الذي يحدد لنا دلالة و مفهوم المعروف فهو اسم مفعول من عرف يعرف معرفة فهو عارف، و معروف، بمعنى علم به، و اطلع عليه، و تعرف على خصائصه . فصار بذلك من المعارف التي يتداولها الناس فيما بينهم بتلك الخصائص التي تميزه عن سائر المعارف الأخرى.
و عرف يمكن أن يصير تعرف بزيادة التاء في بداية الفعل فيكون على وزن تفعل الذي يجعل المعروف معروضا بين الناس يرونه فيعملون على التعرف على خصائصه دون بذل أي مجهود للبحث و التنقيب، و دون حاجة إلى امتلاك أدوات المعرفة التي تساهم في إكساب الإنسان القدرة على المعرفة فيصير معروفا.
و المعروف اسم المفعول الذي يفيد معنى كل ما وقع عليه فعل الفاعل، سواء كان مقصودا أو غير مقصود، و نرجح هنا أن المعروف يقع عليه فعل الفاعل بدون قصد يذكر.
و المعروف يكون أيضا بمعنى المتداول، و المتواتر بين الناس، و الذي لا نبذل أي جهد في البحث عنه حتى نقف على حقيقته.
و المعروف كمفهوم لغوي، معجمي قائم في اللغة منذ وجدت اللغة العربية، و اللغة في حد ذاتها هي كل ما اصطلح الناس على استعماله للتواصل فيما بينهم، مما يجعلها حاضرة في البعد الاجتماعي منذ وجدت اللغة و إلى الآن، و لكونها كذلك تتحول إلى لغة للمعرفة و البحث و العلم و أشياء أخرى.
و المعروف يصير هدفا و وسيلة في نفس الوقت، و هو هدف لأن الناس جميعا يسعون إليه فيستفيدون منه في حياتهم العامة و الخاصة، الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هو وسيلة لأنه يتم الارتكاز عليه في بناء المعارف المختلفة التي لها علاقة بالمجتمع.
و حسب هذا التحليل الذي نراه علميا، فإن المعروف يكتسب دلالة اجتماعية، فلا شيء اسمه المعروف بدون وجود المجتمع، و هو وحده الذي يعرف، و ما دام معروفا فهو اجتماعي بالضرورة لأن كل أفراد المجتمع يعرفونه.
2) و المعيار الثاني هو المعيار الاجتماعي لأنه هو المعني به، و هو المستهدف بالمعروف و بنتائجه، و اجتماعية المعروف هي التي تجعل دلالته تختلف من مرحلة تاريخية معينة إلى مرحلة أخرى. فالمعروف في المجتمع المشاعي ليس هو المعروف في المجتمع العبودي، و ليس كما هو في المجتمع الإقطاعي، أو في المجتمع الرأسمالي، أو في المجتمع الاشتراكي، و هكذا. و هذه الاجتماعية هي نفسها التي تجعل دلالته تختلف من طبقة إلى أخرى. لأن المعروف عند الأسياد ليس كما هو عند العبيد و المعروف عند الإقطاعيين ليس كما هو عند الاقنان، و المعروف عند البورجوازية التابعة يختلف عنه عند البورجوازية الوطنية كما يختلف عنه عند البورجوازية الصغرى. و المعروف عند الطبقة العاملة يختلف عنه عند الفلاحين كما يختلف عنه عند الحرفيين و عند التجار الصغار، و عند العاطلين. و العلاقات الاجتماعية التي تعتبر امتدادا لعلاقات الإنتاج السائدة في مجتمع معين هي التي تعطي لدلالة المعروف ذلك الاختلاف المتنوع من تشكيلة إلى تشكيلة أخرى … وهكذا.
3) المعيار الديني/العقائدي الذي يتحدد بواسطته مفهوم المعروف المختلف من ديانة إلى أخرى، و من مذهب إلى آخر داخل الديانة الواحدة. و هو ما يقتضي إعطاء المعروف دلالة معينة في الديانة اليهودية، و دلالة أخرى في الديانة المسيحية، و دلالة ثالثة في الديانة الإسلامية، و هكذا. و داخل كل ديانة نجد مذاهب مختلفة، و لكل مذهب مفهومه للمعروف، و على سبيل المثال فالمعروف عند المالكية، ليس كما هو عند الحنفية، و ليس كما هو عند الشافعية، و ليس كما هو عند الحنابلة. و بالنسبة للمذاهب السياسية التي انبثقت عن الدين بسبب ادلجته، نجد أن المعروف عند الشيعة يختلف عن شيعة بني أمية، كما يختلف عنه عند السنيين، و عند الخوارج… و هكذا. و المعروف عند الاشاعرة ليس كما هو عند المعتزلة … و هكذا في كل ديانة. لأن علاقة الدين بالمجتمع أو اجتماعية الدين هي التي فرضت ذلك. و ما قلناه عن الديانات الكبرى ينطبق على المعتقدات الخرافية التي تتعايش مع الأديان في المجتمعات البشرية. كما ينطبق على الديانات الوثنية التي لازالت تتواجد في العديد من المجتمعات البشرية المعاصرة.
4) المعيار الثقافي الذي يقتضي اختلاف الثقافات و المكونات الثقافية من مجتمع إلى آخر، و هو ما يجعل مفهوم المعروف يختلف من ثقافة إلى أخرى، ومن مكون ثقافي إلى آخر .
فمفهوم الثقافة للمعروف في التشكيلة العبودية يختلف عن مفهومها له في التشكيلة الإقطاعية. و قد لعبت الثقافة دورا كبيرا في تشكيل مفهوم المعروف في التشكيلة الرأسمالية الذي يختلف عن مفهوم كل طبقة اجتماعية للمعروف، بحيث نجد أن ثقافة الأسياد تشكل مفهومهم الخاص للمعروف، و ثقافة العبيد تشكل مفهوما مخالفا عندهم. و كذلك الأمر بالنسبة لطبقة الإقطاع، و طبقة الاقنان في التشكيلة الإقطاعية، و طبقة البورجوازية و الطبقة العاملة في التشكيلة الرأسمالية، و بقايا كل طبقة في التشكيلة الاشتراكية.
و دور الثقافة في تشكيل مفهوم الأحزاب للمعروف يبقى حاضرا لذلك نجد أن ثقافة الحزب الإقطاعي تنتج مفهوما خاصا للمعروف، و ثقافة الحزب البورجوازي تنتج مفهوما مختلفا للمعروف. و كذلك حزب البورجوازية الصغرى، و حزب الطبقة العاملة الذي يستميت من اجل نشر ثقافته الخاصة في المجتمع، و هي تلعب دورا كبيرا في المفهوم الأكثر تقدما للمعروف. و كذلك الأمر بالنسبة للحزب اليميني المتطرف، و الحزب اليساري المتطرف و هكذا.
و اختلاف طبيعة الثقافة من فرد إلى فرد في أي مجتمع تجعل كل فرد يحمل فهما مختلفا عن الأفراد الآخرين في المجتمع حتى و إن كانت الثقافة العامة واحدة.
و في نظرنا فإن الثقافة باعتبارها المجال المنتج للقيم، و الناقل لتلك القيم من عصر إلى عصر آخر و من بلد إلى آخر تبعا لانتقال الأشخاص و البضائع و توسع وسائل الإعلام، تشكل المجال الأخطر في حياة البشر. فهي إما أن تجعلهم يمتلكون وعيا متقدما و متطورا يجعلهم يمتلكون فهما متقدما و متطورا للمعروف إذا كانت الثقافة تقدمية، و إما أن تجعلهم يتراجعون إلى الوراء، و يمتلكون وعيا رجعيا متخلفا، يجعلهم يمتلكون فهما رجعيا و متخلفا للمعروف. و هي لذلك بمثابة الأمل في الحياة بالنسبة لجميع التشكيلات، و لجميع الطبقات، و لجميع أفراد المجتمع لأن قيام الثقافة بصياغة المعروف في مختلف المستويات ليس إلا صياغة للأمل في نفس الوقت. لأن كل طبقة و كل فرد في طبقة له فهم محدد للمعروف يعتبره أملا يحكم مصيره. و بذلك نجد أن مفهوم المعروف يحدد مصير الإنسان الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي لا في الحياة الأخرى كما يبشر بذلك مؤدلجو الدين الإسلامي بل في الواقع كما هو متصور في كل طبقة انطلاقا من أحلام كل طبقة على حدة حسب ما تقتضيه مصالحها الطبقية. و كما يتصوره كل فرد انطلاقا من حاجياته المادية و المعنوية. وصولا إلى الحكم بتحقيق الأمان و الاستقرار بعيدا عن ممارسة كل أشكال الصراع التي تعرفها المجتمعات و التي تهدد مصائر الطبقات الاجتماعية و الأفراد.
و كذلك عندما وقفنا على حقيقة المنكر، و قاربنا تلك الحقيقة، و وضعنا نسبيتها، تعرضنا بطريقة غير مباشرة إلى معايير المنكر التي نرى تصنيفها في :
1) المعيار اللغوي النحوي الصرفي الذي يحدد دلالة المنكر المأخوذ من أنكر ينكر إنكارا بمعنى غير معروف، و المنكر اسم مفعول على وزن مفعل من افعل، و المنكر كل ما كان و مازال مجهولا من قبل عامة الناس و خاصتهم. إلا أن مجازية اللغة تقتضي أن يكتسب مفهوم المنكر معنى مجازيا.و هذا المعنى المجازي هو الذي يقتضي أن يتضمن مفهوم المنكر كل ما لا يوافق الناس على فعله فيسعون إلى أن يصير غير معروف في المجتمع. و نظرا لأن اللغة ذات بعد اجتماعي، فإن ما يصطلح المجتمع على تسميته بالمنكر يصير منكرا. فاللغة الحاملة للقيم التي يقبلها الناس، فتصير معروفا يعمل الناس على ممارسته دون أي حرج يذكر، و تعمل في نفس الوقت على إخفاء القيم، أو نفيها لكونها تقف وراء إنتاج أفعال تعتبر غير مقبولة من قبل المجتمع لاعتبارها مضرة بالمسلكية العامة التي تكون محكومة بالعادات و التقاليد و الأعراف التي تحدد ما هي المسلكيات التي تدعونا إلى القيام بها، و ما هي المسلكيات التي يجب تجنبها. و بالتالي فاللغة تتقمص ما يكون مقبولا اجتماعيا فترفضه، و ما يكون مرفوضا اجتماعيا فتعمل على إخفائه نظرا لحاجة المجتمع إلى اللغة كحامية للقيم المختلفة، و لقيام اللغة على أساس وجود مجتمع يستعملها في التواصل بين جميع أفراده و يوظفها في التواصل مع مجتمعات أخرى.
2) المعيار الاجتماعي لكون المجتمع هو المعني بتجنب القيم التي تقف وراء فعل ما لا يقبل الناس على فعله باعتباره منكرا… و كما رأينا في المعروف فإن دلالة المنكر تختلف من مرحلة اجتماعية تاريخية إلى مرحلة اجتماعية تاريخية أخرى منذ بداية التاريخ إلى يومنا هذا … و بداية التاريخ في رأينا ترتبط بانقسام المجتمع إلى طبقات طبقة مستغلة، و طبقة مستغلة، و ما قبل بداية التاريخ لا يمكن الحديث عن شيء اسمه المنكر لأن أفعال الإنسان الذي يرتبط بالطبيعة كباقي الكائنات الحية و الحيوانية، لا يمكن اعتبارها إلا معروفا لانتفاء المقاييس المعتمدة للتمييز بين المعروف و المنكر، بل إن المعروف نفسه لا يمكن الحديث عنه لانتفاء المنكر و لانسياق الإنسان في ذلك الوقت وراء الأفعال الموجهة من قبل الغرائز التي تجمعه مع باقي الحيوانات الأخرى، و لذلك فالمنكر في مفهوم التشكيلة الاجتماعية العبودية ليس هو المنكر في التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية، و ليس هو المنكر في التشكيلة الاشتراكية. فإذا تحققت التشكيلة الشيوعية، فالحديث عن المنكر فيها يصبح صعبا لانتفاء الطبقات و الصراع الطبقي في هذه التشكيلة التي يمكن اعتبارها هي نهاية التاريخ. و كامتداد لهذا المعيار الاجتماعي نجد أن مفهوم المنكر يختلف من طبقة إلى أخرى و في جميع التشكيلات الاجتماعية الطبقية. و لذلك نجد أن مفهوم المنكر في نظر الأسياد ليس هو مفهوم المنكر عند العبيد، و مفهوم المنكر عند الإقطاعيين ليس كمفهوم المنكر عند الاقنان، و مفهوم المنكر عند البورجوازية ليس كمفهومه عند العمال، و مفهوم المنكر في نظر البورجوازية الصغرى يختلف عن مفهوم المنكر عن العاطلين، و مفهوم المنكر عند الفلاحين ليس كما هو عند التجار الصغار و المتوسطين. وهكذا و انطلاقا من هذا التنوع في الفهم نجد ان المنكر هو مفهوم اجتماعي تتدخل في بلورته عوامل اجتماعية مختلفة حتى بين أفراد الطبقة الواحدة لارتباطه بما يتعارض مع المصلحة الفردية و الجماعية و الطبقية في نفس الوقت، سواء كانت هذه المصلحة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو مدنية أو سياسية، و سواء تعلق الأمر بالمستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو الوطني أو القومي أو العالمي. لأن في هذه المستويات جميعا يتفاعل الخصوصي مع العام، و المحلي مع الوطني، و الوطني مع القومي و العالمي، و هكذا.
3) المعيار الديني/ العقائدي الذي يتحدد فيه المنكر إما من منطلق ما هو وارد في النص الديني أو من منطلق الخرافات التي يعتقدها الناس أو التي أصبحت جزءا من دين معين. و لذلك نجد أن المنكر في الديانات الوثنية، ليس هو المنكر في الديانة اليهودية، و ليس هو المنكر في الديانة المسيحية، و ليس هو المنكر في الإسلام لاختلاف المراحل التي ظهرت فيها الديانات المختلفة، و لكون الدين يرتبط بظهور تشكيلة اجتماعية تأتي اكثر تطورا مما قبلها. و هكذا فالدين أيضا يأتي اكثر تطورا من الدين السابق. و نحن لا نستطيع أن نسوي بين الأديان جميعا كما لا نستطيع أن ننفي كونها تتطور للاختلاف الواضح القائم بين المراحل التي ظهرت فيها الأديان، و بين الأديان نفسها لأن كل مرحلة تتميز بحداثة معينة. و لكون كل دين جاء بجديد يتناسب مع تلك الحداثة و هو ما يكسب الدين أي دين بعدا اجتماعيا. أما الخرافة فتبقى معتقدات من ابتداع الناس لا علاقة لها بالدين، بقدر ما ترتبط بجهل الناس للمعرفة بصفة عامة، و لجهلهم بالمعرفة العلمية بصفة خاصة. فالتربة الخصبة التي تنتشر فيها الخرافة هي تربة انتشار الأمية بين الناس. و نحن لا يمكن أن نجزم بانتشار الخرافة بين المتعلمين الحاملين للمعرفة العلمية إلا إذا تحولت الخرافة إلى أيديولوجية معبرة عن مصالح الطبقة الموظفة للخرافة، فيصير المنكر هو كل ما تعارض مع ادلجة الخرافة.
4) المعيار الثقافي الذي يتم الإقرار فيه باختلاف الثقافات، و باختلاف المكونات الثقافية. و انطلاقا من هذا الاختلاف القائم في الواقع نجد أن مفهوم المنكر يختلف من ثقافة إلى ثقافة أخرى في إطار التشكيلة الاجتماعية الواحدة نظرا للدور الثقافي في تشكيل القيم الإنسانية الإيجابية و السلبية مما يؤثر على تشكيل مفهوم المنكر. و بناء على تنوع الثقافات و تنوع القيم المنبثقة عنها. فإننا نجد أن ثقافة الأسياد، و ثقافة العبيد تنتج مفهومهم الخاص للمنكر، و ثقافة الإقطاع تحدد ما هو منكر عند الإقطاعيين، و ثقافة الاقنان تشكل مفهومها للمنكر. و بالنسبة للبورجوازيين فإن ثقافتهم تحدد مفهومهم للمنكر الذي يتناسب مع وضعيتهم كمالكين لوسائل الإنتاج في إطار التشكيلة الرأسمالية، و هو مفهوم يتناقض مع مفهوم الطبقة العاملة. و نظرا لطبيعة الطبقات الوسطى في المجتمع، و اختلاف هذه الطبيعة من تشكيلة اجتماعية إلى تشكيلة اجتماعية أخرى، فإن هذه الطبقات يختلف مفهومها للمنكر من عصر لآخر، و من تشكيلة اجتماعية إلى أخرى، بل إن هذا الاختلاف يمتد ليشمل الفئات المختلفة التي تتكون منها هذه الطبقات بل إن هذا الاختلاف في فهم المنكر يمتد ليشمل أفراد كل فئة على حدة نظرا لتعارض المنكر مع المصالح الفردية كما يتعارض مع المصالح الطبقية.
و إذا كانت هذه الثقافة ظلامية، فإن فهمها للمنكر لا يكون إلا ظلاميا، نظرا للعلاقة الوطيدة بين الثقافة و الإيديولوجية.
و في نظرنا، فإن هذا الاختلاف في مفهوم المنكر القائم على الاختلاف الثقافي من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى، و من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أخرى يفرض استحضار المعايير التي أشرنا إليها. مما يؤكد أن كل شيء يتحول في هذا الكون. و هذا التحول هو الذي يقود إلى القول بأن ما كان معروفا في مرحلة معية و في مجتمع معين صار منكرا في مرحلة أخرى و في مجتمع آخر. و ما كان منكرا قد يصير معروفا، و هو ما يؤكد نسبية المفهوم أي مفهوم، و نسبية المنكر أي منكر، لارتباطهما معا بالشروط الموضوعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و بالشروط الذاتية للأفراد و الطبقات الاجتماعية، و هو ما يقطع الطريق أمام الاطلاقية التي يتمسك بها أدعياء الكلام باسم الدين الإسلامي و مؤدلجوه الذين يعيشون بأفكارهم و بممارستهم خارج التاريخ و من كان يعيش خارج التاريخ فهو يشكل حالة مرضية تقتضي المعالجة التي لا تكون إلا بامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي الذي يقود إلى تكريس الصراع الطبقي الحقيقي الذي ينفي كل أشكال الوعي المتخلف التي لا تستحضر اجتماعية المعروف و المنكر، و نسبيتهما، كما لا تستحضر المعايير التي نراها ضرورية لتشكيل القيم التي تحدد مفهوم المعروف و مفهوم المنكر في تشكيلة اجتماعية و في كل مكان.
و بالنسبة لمعايير ادلجة المعروف و ادلجة المنكر فإننا نجد أن المعايير التي أشرنا إليها و المتعلقة بالمعروف أو المنكر هي نفسها معايير الادلجة، لأن المعيار اللغوي و المعيار الاجتماعي، و المعيار الديني، و المعيار الثقافي كلها تتدخل لتحديد طبيعة ادلجة المعروف، و ادلجة المنكر، و درجة تلك الادلجة و من يقف وراءها ؟ و من المستهدف بها ؟ و لماذا ؟
و إذا كانت الادلجة هي جعل فكر معين يعبر عن مصالح طبقية معينة بعد إدخال التعديلات عليه بما يتناسب مع مصالح الطبقة أو الفئة المؤدلجة للدين الإسلامي بالخصوص الذي تعتبر ادلجة المعروف و ادلجة المنكر امتدادا له. فإن ادلجة المعروف، و ادلجة المنكر تجعل المصالح الطبقية للمؤدلجين تزداد التصاقا بحياة الناس و بمصيرهم. لأن كل ما يخدم تلك المصلحة يصير معروفا، و ما يتناقض معها يتعارض مع مصالح الناس جميعا و هكذا. و الواقع أن المصلحة لا تكون إلا فردية أو فئوية أو طبقية. لذلك يكون الأفراد و الفئات و الطبقات في حاجة إلى خطاب أيديولوجي لتضليل الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة بالخصوص، حتى تتحقق مصالح الأفراد و الجماعات و الطبقات. و الطبقة الوحيدة التي يعبر خطابها الأيديولوجي عن مصلحة جميع الكادحين هي أيديولوجية الطبقة العاملة التي توظف كل أساليب التضليل الأيديولوجي لاستعداء الناس ضد أيديولوجية الطبقة العاملة بما فيها ادلجة الدين الإسلامي.
و الطبقات الاجتماعية التي تستغل المجتمع، و لا تقوى أيديولوجيتها على تضليل الناس، و تعميم ذلك التضليل وتعميقه هي التي تلجأ إلى ادلجة الدين الإسلامي للاستقواء بتلك الادلجة التي يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر امتدادا لها.
وجعل ادلجة المعروف والمنكر تعبيرا عن المصلحة الطبقية يعتبر معيارا آخر يضاف إلى المعايير السابقة حتى تتكرر ادلجة المعروف وادلجة المنكر قيمة راسخة من قيم المجتمع ويصير المعروف والمنكر مطلقين اطلاقية الأيديولوجية نفسها . باعتبار الاطلاقية أيضا من معايير ادلجة المعروف والمنكر، وكون تلك الاطلاقية ذات بعد ديني يعتبر معيارا أيضا يضاف إلى ما سبق. بالإضافة إلى معيار تعميم ادلجة المعروف والمنكر على التاريخ الذي لا يتشكل بمنطق التطور بقدر ما يتشكل بمنطق الاطلاقية نفسها، وعلى الواقع الذي يتشكل بدوره بقوة المنطق ، وعلى المستقبل الذي ننتظره بنفس المنطق.
وفي نظرنا فإن ادلجة المعروف وادلجة المنكر هي ممارسة يومية تضليلية للكادحين بصفة عامة، و للطبقة العاملة بصفة خاصة من اجل تسخيرهم وباسم الدين لخدمة المصالح الطبقية لكل من يعمل على تكريس تلك الادلجة التي لا تقاوم إلا بقيام وعي طبقي حقيقي يجعل الكادحين يدركون ما يمارس عليهم من استغلال ، و ما هي الآلية المتحكمة ، وكيف تتم مواجهتها،وما العمل من اجل وضع حد للادلجة المبثوثة باسم الدين حتى ينكشف الاستغلال الممارس على الكادحين . ويدرك الكادحون ماذا يجب عمله للحد من تفاحشه، ثم العمل على القضاء عليه لتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وهي أهداف لا تتحقق إلا في ظل النظام الاشتراكي الذي لا مجال فيه لادلجة الدين الذي يصير مصدرا للقيم الروحية التي يحتاج إليها الناس في حياتهم الروحية، و تعبير عن الجوانب الروحية لحياة الناس الذين يتمتعون بكامل الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية. وما ذلك إلا لوجود أناس لا يعانون من القهر والاضطهاد الطبقيين، و لا يمارس عليهم الاستغلال وليسوا في حاجة إلى ادلجة الدين أي دين لتضليل أنفسهم لأنه لا يوجد في المجتمع الاشتراكي من يمارس التضليل، وهو ما يجب أن يسعى إليه الكادحون في جميع أنحاء العالم.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*