swiss replica watches
إلياس العماري: على هامش “محنة” ابن حنبل و”محنة ابن كيران” – سياسي

إلياس العماري: على هامش “محنة” ابن حنبل و”محنة ابن كيران”

في خرجة إعلامية مدروسة، حرص السيد عبد الإله بنكيران، المكلف بتشكيل الحكومة على قاعدة نتائج سابع أكتوبر، على وضع ربطة الميكروفون مكان ربطة العنق، ليتخطى كلامه جدران البيت الذي استقبل فيه شبيبة حزبه، ويتوجه، بتسجيل صوتي جيد بأحدث التقنيات، إلى من يهمهم الأمر. وقد غلبت على رسالته المشفرة نبرة القول الديني المطلق الذي يخفي وراءه رسائل سياسية ظرفية لا يحتاج العاقل إلى كثير من الجهد لرفع الحجب على مراميها.

اجتهد السيد عبد الإله في إفحام مريديه بأن الهدف الوحيد الذي قام ويقوم عليه حزبه وحركته هو لله عز وجل، و”كل أملنا وكل هدفنا هو الصبر على ما نعانيه حتى نلقاه عز وجل ونحن لم نبدل ولم نغير، وما بدلوا تبديلا…” يقول السيد رئيس الحكومة المكلف. ولم يتردد في التصريح بـ”أننا جئنا لأننا اخترنا الله ورسوله…”، وأن الإصلاح هو روح ينشرها قومه وستتعمم، وأن “نتائج الانتخابات هي نصر مبين من الله”، وأن قومه هم الأمل الوحيد، ليس فقط عند الحركات الإسلامية في العالم، إنما عند العرب والمسلمين قاطبة.

ما يسترعي انتباه المنصت لتسجيل السيد عبد الاله هو براعته في الخلط بين القول الديني والخطاب السياسي، إلى حد أنه قد يصعب على من لا يتابع سياقات الفعل السياسي الراهن في بلادنا تحديد الزمن الحقيقي لكلامه. وقد يشرد بك الذهن، وأنت تستمع إليه، ليرجع بك إلى تقلبات تاريخية مازالت عالقة بذهن المطلعين على التاريخ السياسي والديني لعصر المأمون العباسي. لاسيما عندما تَطْرُق طبقاتِ أذنك عباراتٌ من قبيل: “الصبر على ما نعانيه حتى نلقاه عز وجل ونحن لم نبدل ولم نغير..”، أو “الامتحان” مثل الذي نجح فيه المرحوم عبد الله بها، أو حتى عبارة من حجم “المحنة”، والتي سرعان ما انتبه إلى ثقل حمولتها التاريخية ليتراجع، في آخر التسجيل، عن الإقرار بغرقه في أتونها “لا لا لست في محنة…”.

ألا تشفع هذه المناورات اللغوية والخطابية التي تنضح بها هذه الأقوال بركوب مغامرة المقارنة بين “محنة” عبد الإله بنكيران أواخر 2016 ومحنة أحمد ابن حنبل أواسط القرن التاسع للميلاد؟

لا يليق السياق باستعراض تفاصيل محنة الإمام أحمد ابن حنبل بسبب ما عرف بـ”خلق القرآن”، وما تعرض له من سجن وتعذيب وتنكيل بسبب رفضه القول “بأن القرآن محدث وليس قديما”؛ لأن هذه القضية المعروفة في تاريخ الإسلام اختلف في شأنها المؤرخون، وأُلفت حولها كتب وأطروحات علمية كثيرة.

بيد أن ما يغري بالمقارنة هو الخلاصة التي انتهى إليها بعض المفكرين، التي تفيد بأن التهويل الإيديولوجي والسياسي من “محنة ابن حنبل”، رغم ثبوت وقوعها في كتب التاريخ المحايدة، كان بفعل إصرار الحنابلة، على مر التاريخ، على توجيه تهمة التنكيل بالإمام أحمد إلى المعتزلة الذين يقولون بـ”خلق القرآن” وينفون قدمه، وكأن قصة “المحنة” دبرتها الفرقة التي كانت تدافع عن”العقل”، ونفذها عنها نيابةً المأمون والمعتصم والواثق.

فرغم أن “المحنة”، كما يقول الفيلسوف محمد عابد الجابري وآخرون، لم تكن مجرد “اختلاف” في فهم النصوص الدينية بخلفية عقدية وفكرية، بل كانت مظهرا من مظاهر “الخلاف” السياسي المرتبط بأمور الدولة؛ فإن أتباع ابن حنبل، من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب إلى الحركات الإسلامية، ظلوا يرددون أن ما تعرض له الفقهاء من أهل الحديث والسنة كان من فعل خصومهم الإيديولوجيين من المعتزلة وأنصار العقل.

ولعل من يعيد الإنصات لمظلومية “محنة” بنكيران لن يجد صعوبة في استنتاج إصراره على إلصاق “محنته” المزعومة بخصومه الإيديولوجيين الذين يحاول، جاهدا، تقديمهم في صورة قوم “لم يختاروا اللهَ ورسولَه” ولم يحالفهم “النصر المبين من الله عز وجل”. وما كان ينقصه في خطبته العصماء هو اختلاق اختلاف مع خصومه الحزبيين حول قضية عقدية تحاكي قضية “قدم القرآن الكريم أو حدوثه”، لينسب “محنته” لأناس يقولون بـ”خلق القرآن” وهو يقول بـ”قدمه”.

يبقى على عاتق المؤرخين والمحللين، بعد انقشاع سحابة الخداع والمكر، أن يكشفوا عن الخلفيات السياسية والبراغماتية والظرفية التي جعلت السيد عبد الإله بنكيران يتخيل نفسه متقمصاُ لوضع أحمد بن حنبل في “محنة” كانت محنة حقيقية، ليراه قوم غير “قومه” أنه في محنة مزعومة جوهرها سياسي محض وقشورها دينية مصطنعة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*