swiss replica watches
خيار العودة إلى الانتخابات – سياسي

خيار العودة إلى الانتخابات

كلما انتشرت لغة الأزمة السياسية، كلما ترتفع بعض الأصوات ذات الحسابات السياسية الضيقة للدعوة إلى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وكأن المشاورات الحكومية الحالية قد وصلت إلى مأزقها النهائي، في حين ما نلاحظه إلى يومنا هذا مجرد إبراز للعضلات بين الأطراف السياسية بعيدا عن ثقافة الحوار والمفاوضات والمشاورات الحقيقية، أي بعيدا عن نقاش البرامج مقابل التنازع حول المواقع الوزارية.

إن ما يسجل اليوم في مسار المفاوضات الحكومية هو سيطرة نظرية المؤامرة حتى أصبحت مخبأ البعض يخفي فيه وجهه الملطخ بهزيمة أو بأخرى.

وفي ظل هذا الضجيج تتعالى بعض الأصوات مطالبة بإعادة تنظيم الانتخابات كحل سياسي لهذا المأزق، علما أن مناقشة هذا الموضوع لا يمكن أن تتم إلا في ارتباط بالقواعد الدستورية بمجملها، ومن تم سنلاحظ أن الفصل 47 من الدستور صيغ بشكل مطلق، ومنح للملك الحق في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وهذه الصيغة ليس معناها أنها أخفت على الدستورين الذين أصاغوه إمكانية حدوث أزمة سياسية مثل التي نعيشها اليوم، ولكن الدستورين تركوا للملك ذلك المجال الأوسع لتعدد الاحتمالات حول شكل المآزق السياسية وطرق حلها.

فالفصول الدستورية لا تفسرها فقط الحسابات الذاتية للقيادات والهيئات السياسية وفق نتائج معينة وزمن سياسي محدد، بل هي موضوع شامل ومرتبط بتقاطع الفصول الدستورية فيما بينها، وكذلك في طبيعة التطور السياسي للمؤسسات السياسية والدستورية، وفي قدرة رئيس الدولة على إعمال مفهوم المصلحة الدستورية لإيجاد حل لمأزق سياسي وفقا للدستور يتسم بالمنطقية السياسية والديمومة مع إعمال تحليل مسبق للنتائج التي ستترتب على هذا القرار وتأثيره على إعمال الدستور والسير العادي للمؤسسات، فرئيس الدولة عند طرحه للحل السياسي دستوريا فذلك يتم وفقا لتفسيره الخاص للفصل الدستوري المبني على طبيعة المرحلة والشرعية الدستورية ونوع الخلاف وأطرافه.

ولنعد إلى خيار حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة وإن كان هذا الخيار في حد ذاته تضييق للاختصاصات المنصوص عليها في الفصل 42 من الدستور، والتي تمنح للملك سلطة تحكيمية تمكنه من السهر على حسن سير المؤسسات الدستورية وصيانة الاختيار الديمقراطي، مما يخالف مفهوم إعادة تنظيم الانتخابات باعتبارها أحد الحلول المقترحة وهي في حقيقتها سحب للسلطات التحكيمية من بين يدي جلالة الملك ومنحها إلى العملية الانتخابية، وهي مجازفة سيتبين لاحقا بأن نتائجها غير مضمونة وقد تكون وخيمة، لكون العملية الانتخابية التي أنشأت الأزمة قد تنشئها من جديد ومن تم لا تقدم حلا منتظرا.

إن قرار حل مجلس النواب وإعادة تنظيم الانتخابات قد تترتب عنه نتائج سلبية، و لنفترض جدلا أنه تقرر سياسيا العودة إلى صناديق الاقتراع فسنكون أمام إشكاليات قانونية، فهذا القرار نفسه يعود لجلالة الملك دون غيره إذ وفقا للفصل 96 من الدستور فجلالة الملك هو الوحيد من الناحية الدستورية الذي يملك تلك السلطة باعتباره رئيسا للدولة، فالفصل “96” ينص على أنه للملك ذلك الحق المطلق في حل مجلس النواب في أي مرحلة سياسية.

وتظهر هذه الإطلاقية من خلال الإجراءات التي نص عليها ذات الفصل، كإشارته إلى ضرورة استشارة جلالة الملك مع رئيس المحكمة الدستورية، وبالتالي مضمون جواب الاستشارة لا يعلن عنه كما أنه غير ملزم، لكون الاستشارة مجرد رأي وليست قرار ملزما لجلالته.

وأما من حيث ضرورة إخبار رئيسي البرلمان كشرط ثان، فإن هذا الإخبار في الحقيقة يتم عندما تتوفر شروطه، وهي وجود رئيسي المجلسين معا، وفي حالة عدم وجود أحدهما، فما دام الإخبار ليس على صيغة قرار ولكن تصرف يستهدف العلم فقط، فإن قيامه من عدمه لا يرتب نتيجة قانونية إلزامية لجلالته، مما يجعل وجود رئيس مجلس النواب من عدمه مسألة لا تؤثر على طبيعة القرار، إضافة إلى ذلك فإن لمجلس النواب في وضعه الحالي رئيسا مؤقتا يمكن إخباره بقرار الحل، ويبقى الإجراء الوحيد الملزم لجلالته وفقا للفصل 96 من الدستور هو توجيه خطاب إلى الأمة في الموضوع ولم يشترط الفصل الدستوري أية ظروف سياسية أو أوضاع واقعية معينة لشرعنة قرار الحل، بل إن الأمر كله يرجع إلى التقدير السياسي لجلالته، لذلك فالحديث عن هذا الموضوع هو تدخل في مجال حاول الدستور وقايته من الحسابات السياسة والحزبية الضيقة وجعل قراره ضمن السلطة التقديرية للمؤسسة الملكية.

وفي المقابل فإن مقتضيات الفصل 104 من الدستور التي تمنح حق حل مجلس النواب لرئيس الحكومة لا يمكن تطبيقها في ظل الوضع الحالي، ذلك أن رئيس الحكومة حاليا مجرد رئيس “مُكلف” بتشكيل الحكومة، ورئيسا للحكومة السابقة، وبالتالي لا يملك هذه السلطة على مجلس النواب المنتخب حديثا، لكون هذا الأخير لم ينصبه كرئيس للحكومة بعد، وبالتالي فصفته محددة في رئيس الحكومة “المكلف” فقط وهذا التكليف لا يمنحه سلطة حل مجلس النواب إلا بعد تنصيبه كرئيس للحكومة من طرف نفس المجلس.

لذلك فرئيس الحكومة المكلف مادام لم يتم تنصيبه بعد تعيين حكومته من طرف جلالة الملك والتصويت على برنامجه من طرف مجلس النواب، فلا سلطة له في حل مجلس النواب، ثم إن حكومة تصريف الأعمال لا تملك تلك السلطة لحل مجلس النواب لكون مهمتها محددة في تصريف الأمور الجارية وهو تنفيذ لقرارت سابقة تم اتخاذها في مرحلة كانت الحكومة تقوم بمهامها بشكل عادي، بينما حل مجلس النواب هو قرار سياسي تعود فيه سلطة الحل إلى رئيس الحكومة معين ومنصب وتتم وفقا لإجراءات تنظيمية محددة يستحيل إعمالها واحترامها في الوضع الحالي كما سيتبين ذلك لاحقا.

فحكومة تصريف الأعمال مرتبطة شرعيا بمجلس النواب السابق وليس بهذا المجلس، أي افتراضيا يمكن لرئيس الحكومة أن يحل المجلس السابق الذي انتهت ولايته وأصبحنا أمام استحالة واقعية في الحل، ووضعيته كرئيس لحكومة تصريف الأعمال لا علاقة لها بالمجلس الحالي الذي لا يوجد بينه وبين رئيس الحكومة أي تعاقد دستوري بعد، إلا فيما يهم نتائجه التي رتبت حزبه كمتصدر من حيث عدد النواب.

إن رئيس الحكومة لا يمكنه اتخاذ قرار بهذا الشكل إلا إذا توفرت كل العناصر السياسية والدستورية لكي تقوم الحكومة بشكل شرعي، أي تتوفر على التعيين والتنصيب حتى يتمكن رئيس الحكومة عند رغبته في حل مجلس النواب أن يستند على مقتضيات الفصل 104 من الدستور والذي ينص بضرورة عقد مجلس للوزراء ليصدر مرسوما لحل مجلس النواب، غير أن هذا المجلس لا يمكن أن ينعقد لأن الحكومة الحالية مجرد حكومة تصريف أعمال والملك لا يترأس مجلس وزراء حكومة تصريف أعمال، بل يترأس حكومة قائمة بذاتها وتقوم باختصاصاتها بشكل عاد، مما يستحال معه إصدار مرسوم داخل مجلس وزاري، وأن رئيس الحكومة الحالي المعين لا يملك أصلا حكومة لتعقد مجلسا للوزراء.

فيما يهم المسألة الثانية وهي ماذا سيترتب عن انتخابات جديدة فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو حول القدرة المالية والسياسية للحكومة وللأحزاب قصد تحمل انتخابات لا تبتعد زمنيا عن سابقتها إلا بأسابيع قليلة، مما سيكلف الأحزاب والدولة أعباء اقتصادية ومالية جديدة، وبغض النظر عن التكلفة السياسية والمالية لإجراء انتخابات جديدة، فإن عدم تنصيب الحكومة الجديدة سينعكس على القانون المالي الذي لن يرى النور أمام استمرار الوضعية الحكومية الحالية، إذ أن تنظيم انتخابات جديدة يعني تأجيل وضع قانون المالية والمصادقة عليه، وهذا الأخير يحتم على اقتصاد الدولة الاستناد على مراسيم في حدود الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية (الفصل 75 من الدستور والمادة 50 من القانون التنظيمي رقم 13.130 لقانون المالية) ويفرض عمليا تجميد ميزانية الاستثمار وميزانية التجهيز، أي أن للحكومة فقط المداخيل “دون المداخيل المقترح إلغاءها في مشروع القانون المالي الذي لم تتم المصادقة عليه بعد”، في المقابل ستتجمد كل الاستثمارات إلى حين صدور قانون مالي يعلم الله بأي تاريخ سيتم.

إن كل هذه الإنعكاسات الناتجة عن التأخر في المصادقة على القانون المالي ستجعلنا نخسر كذلك مجموع درجات النمو التي ستصبح %0 وبعض الملاحظين لا يستبعدوا أن يكون معدل النمو ناقص 5 بالمائة مما سيؤدي حتما إلى انعدام التوظيف، أي إلغاء فتح إمكانية التشغيل المباشر أو عبر الاستثمارات وكذلك عدم القدرة على إنجاز مشاريع الاستثمارات العمومية الموجهة لفائدة المواطنين، كخدمات أساسية ملزمة بها الدولة اتجاه المواطنين، علما أن للدولة أعباء أخرى ملزمة بتنفيذها كأداء الديون الخارجية والديون العمومية الوطنية، مما سنكون أمام حالة اقتصادية مزرية قد تهز المكانة الائتمانية للمغرب أمام المؤسسات المالية الدولية.

وبغض النظر عن الجانب المالي المكلف في حالة إعادة تنظيم الانتخابات، دعونا نفكر في شيء آخر، وبافتراض توجهنا إلى خيار إعادة تنظيم الانتخابات مع احتمال الحصول على نتائج متشابهة مع سابقتها (التجربة الإسبانية)، فما هو الحل إذن؟ علما أننا قمنا بتفسير ضيق للفصل الدستوري بشكل يجعل فشل أي رئيس حكومة مكلف يؤدي حتما إلى إعادة تنظيم الانتخابات؟ فهل سننتقل إلى انتخابات ثالثة ورابعة وهلم جرا مما سيؤدي حتما إلى إفلاس الدولة وتجميد الخدمات العمومية؟.

إن الموضوع ليس قضية مصلحة ذاتية أو حزبية ترتبط بضرورة التواجد داخل الحكومة من عدمه، بل الموضوع يهم وطن بكامله، لهذا من يفتح فمه من أجل كرسي في الوزارة عليه أن يدرك أنه إذا خسر الوطن فلن يكون أصلا أي وجود لذلك الكرسي الوزاري.

* محام ونائب برلماني

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*