swiss replica watches
حواتمة: الاحزاب والنقابات لم تستوعب ما يجري، تخلفت عن ثورات الشعوب..، وقع الفراغ، نزلت قوى الاسلام السياسي الدموي إلى الشارع والميدان لاحتلال «الفراغ» – سياسي

حواتمة: الاحزاب والنقابات لم تستوعب ما يجري، تخلفت عن ثورات الشعوب..، وقع الفراغ، نزلت قوى الاسلام السياسي الدموي إلى الشارع والميدان لاحتلال «الفراغ»

تقديم: يعد الحوار مع نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حواراً مع الخبرة التاريخية المتراكمة لسياسي ثوري ديمقراطي شكل أحد الأركان الكبرى في الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، خبرة صفحات مديدة من التاريخ، ترتبط بالغد.. بالمستقبل، كما تندمج بالعديد منها مع البلدان العربية في المشرق والمغرب العربي، يتميز الرجل بمواقفه السياسية: خاصة في المنعطفات الحادة التي تمر بها قضيته الفلسطينية، يتميز حواره بحيوية وديناميكية، وجرأة واجتهاد، وصولاً إلى لقب فيلسوف الثورة، كمفكر جدلي ونقدي كبير، كمثقف عضوي ومهموم ومسكون بهاجس التغيير، مختلف عما هو سائد، يبرز في اطار من النزاهة الأخلاقية والتمرد على الظلم والزهد الحقيقي، نتاجاً لاطلاع سياسي عميق، وعلى التراث العربي والانساني التقدمي، تستحضره الذاكرة بلمحات خاطفة، مما يمنحه جرأة الاجتهاد والريادية وحرية التفكير والتعبير..
عبد النبي مصلوحي
الرباط / المغرب

■ مجلس الأمن الدولي يدين الإستيطان الإسرائيلي ويدعو إلى وقفه … ولأول مرة الولايات المتحدة لا تستخدم حق الفيتو … ماهي قراءتكم؟
■■ جاء قرار مجلس الأمن رقم 2334، في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، يحمل نصاً واضحاً يدين السياسة الإسرائيلية، في ثنائيتها: الإحتلال والإستيطان الإستعماري، جاء بالإجماع ليقول أن العالم كله يقف بقوة مع الحقوق الوطنية الثابتة لفلسطين غير القابلة للتصرف. ليس هذا هو القرار الأول الذي يدين السياسة الإسرائيلية وجرائمها المختلفة بدءاً من الإحتلال والإستيطان الإستعماري، لكن هذا القرار قد جاء في مرحلة تاريخية مفصلية على الصعيد الفلسطيني، ومفارقة أنه جاء بإمتناع الولايات المتحدة وقبل أن يستلم دونالد ترامب الرئيس الجديد وإدارته الولاية الجديدة..
إنها المرّة الأولى بعد 33 فيتو أمريكي في صالح «اسرائيل» من مجموع 75 فيتو ضد مصالح الشعوب وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث منذ تشكيل هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية حتى يومنا.
أما المفارقة فهي ما أثاره التوقيت من تحليلات عربية وإسرائيلية داخلية على مستوى النخب الحاكمة هناك، بعضها إعتبره «تحولاً» في سياسة الولايات ذاتها، وآخرين أيضاً بإعتباره تصفية حسابات شخصية، وإنتقاماً لحسابات متأخرة بين نتنياهو وأوباما، وهذا أيضاً: مضحك، إذ أنه لا يعتبر «تحولاً» كما لا يحسب إنتقاماً، لقد سبق وكتب جيمي كارثر منذ مطلع شهر ديسمبر كانون الأول ذاته، في «نيويورك تايمز» إحدى كبريات الصحف الأميركية رواجاً، وبإعتباره مهندس أول «كمب ديفيد» بين مصر و«إسرائيل»، كتب مطالباً الفلسطينيين بالتوجه إلى مجلس الأمن «لأن الفرصة سانحة» بلا «فيتو»، أي أن قطاعاً واسعاً من قوى النخب والمؤسسات الأميركية، بما فيها «خزانات التفكير» في الولايات المتحدة، تعبر عن قلقها من صلف وسطوة إئتلاف نتنياهو العدواني التوسعي العنصري، بالعمل على حماية «إسرائيل» نفسها من نفسها، لقد إستخدمت الولايات المتحدة منذ عام 1967 حق «الفيتو» ثلاثة وثلاثين مرة، ضداً من الحقوق الوطنية للفلسطينيين، كما أن القرار الأممي ليس الأول، وهناك رزمة من القرارات الأممية الصادرة قد سبقته، لم تلتزم بها «إسرائيل» للشرعية الدولية والإعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والأمر يحتاج إلى أكثر من قرار على مستوى مجلس الأمن الدولي، دون أي تقليل أو إنتقاص من أهمية القرار 2334، وأهميته السياسية والمادية والمعنوية الدولية، هنا الأمر معقود على النهج الذي ستسير عليه القيادة الفلسطينية الرسمية، بإعتباره بداية الكلمة، أي (المنهج) الفلسطيني، وليس خاتمة المطاف، هذا أولاً، وثانياً: ضرورة موقف فلسطيني – عربي موحّد لمتابعة تنفيذ القرار بخطوات وآليات عملية فالقرار ينص على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة على «تقديم تقرير عن التنفيذ كل ثلاثة أشهر إلى مجلس الأمن» وثالثاً: موقف عربي فلسطيني لدول مجلس الأمن الدائم خصوصاً ادارة ترامب إلى احترام وتنفيذ قرار مجلس الأمن بالإجماع، ورابعاً أن تنفيذ منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية قرارات الاجماع الوطني وقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير 5 مارس 2015 «بوقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال ومقاطعة الاقتصاد الاسرائيلي الذي يحصد 6 مليار دولار سنوياً، 4 مليار من القدس والضفة الفلسطينية و 2 مليار من قطاع غزة».
على الصعيد الإسرائيلي، فإن كبار المحللين وقادة النخب لم يروا به جديداً، بإعتباره إشارة وتصريح، لا بإعتباره موقفاً عملياً، بصفته يندرج تحت الفصل السادس وليس الفصل السابع، «بن كاسبيت ــ «معاريف» 25/12/2016».
أي لن تترتب عليه أية إجراءات أو عقوبات، هذا ما قصدناه بأن يكون مفتاحاً للكلمة الفلسطينية التي لم تنتهِ بعد، ومقدمةً لإدراجه تحت «الفصل السابع»، وثمة إجماع للمحللين الإسرائيليين، بأن ردود فعل نتنياهو وإئتلافه، و ــــــ على الرغم من الهستيريا العنصرية التي رافقته ـــــ على هذا المستوى، ستمعن بالمصادقة «الحكومية على جانبين: الإستعمار الإستيطاني والتهويد في القدس الشرقية المحتلة عام 1967، بعد أن سنت «التشريعات» في الكنيست لــ «شرعنة» الإستيطان بأثر رجعي، وأباحت علناً الإستيلاء على الأرض وعلى منازل الفلسطينيين، هنا فإن الموقف العالمي هو مرتهن بنا، فلسطينيين وعرباً شعوباً ودولاً، احزاباً ونقابات، وحينها لن يصمت عالم اليوم.
على الصعيد الفلسطيني الرسمي، أشار الأخ محمود عباس في كلمته بعيد الميلاد في مدينة بيت لحم، بأن القرار الأممي: «لم يحل القضية، لكنه فتح الباب من أجل المفاوضات» (!!).
موجهاً الدعوة إلى الجانب الإسرائيلي بـ «الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لبحث القضايا المعلقة»، واعداً بالقول: «إذا وافقتم على ذلك، فإن 57 دولة، عربية وإسلامية جاهزة فوراً للإعتراف بإسرائيل» (!!) قافزاً عن أكثر من عقدين قضاها في مفاوضات عبثية وعن نتائجها الكارثية. في المقابل وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أعلن عن عزم حكومته بـ «قطع كل الإتصالات مع السلطة الفلسطينية، بإستثناء التنسيق الأمني» (!).
دون أدنى شك بأن القرار هام، ويشكل ضربة كبيرة للسياسات الإسرائيلية، وهو يعبر عن حالة إجماع دولية في العالم. بما يشكل من إدانة دولية للإحتلال والإستيطان، لكنه لن يوقف وحده هذا العدوان الإستيطاني الإستعماري والتهويدي، ما لم يحمل على أجندة فلسطينية رسمية واضحة، بإعتباره موقفاً يُبنى عليه ضمن مواقف جديدة فلسطينية، وأخرى عربية ودولية جديدة، تجبر الحكومة الإسرائيلية بالنزول إلى أرض الواقع وإحترام القرارات الدولية وتنفيذها، فالحق الفلسطيني ثابت، ويبداً بالتخلي تماماً عن نهج المفاوضات الحزئية العقيم والبائس، بدون مرجعية قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، يبدأ بتجنيد كل الإمكانات الوطنية الفلسطينية لجعل الإحتلال وبالاً على أصحابه، على الكولونيالية العنصرية، عبر كافة أشكال المقاومة، وعبر العودة للبرنامج الوطني الفلسطيني الجامع.
هكذا، القرار التاريخي بالمقاييس السياسية والحقوقية، يستدعي تحركاً فورياً فلسطينياً وعربياً ودولياً لإستثماره في كافة المحافل الدولية، وأمام محكمة الجنائيات الدولية و”محكمة العدل الدولية”، وإطلاق حملة واسعة لمقاطعتها بإعتبارها دولة أبارتهيد، وتمارس التمييز العنصري، وذلك لرفضها وتحديها القرار والقرارات الأممية المتصلة بالصراع الفلسطيني ــــ الإسرائيلي ذات الصلة، أي لا يجب الوقوف عنده و«كفى الله المؤمنين شرّ القتال»، أو «إعتباره مسكنات»، بل ينبغي الإنطلاق منه لتعزيزه بمواقف وأفعال لعزل ومحاصرة «إسرائيل»، من دون تردد أو مراهنات خاسرة، وبإعتبار القرار فرصةً تاريخية يُبنى عليها.

■ ما هي تداعيات الراهن العربي على القضية الفلسطينية ..؟
■■ بالتأكيد سلبية تماماً، على الرغم من المتغيرات في الإقليم التي يصعب القفز عنها، والمطلوب مراجعة واسعة لمجمل المتغيرات في الإقاليم ، ومراجعة للإنقسام العربي ـــ العربي وللدولي، وللعلاقات العربية البينية، ونؤكد هنا بأن عوامل التدخل الخارجي ستبقى مهيأة، بسببٍ من الفشل في بناء الدولة المدنية وغياب الديمقراطية التعددية والعدالة الإجتماعية، والناجم عن الإنصياع لقرارات البنك الدولي ومؤسساته التابعة، وإرتهان السلطات الرسمية الحاكمة للتبعية جراء ذلك للمركزية الإمبريالية، وما أفرزه هذا من ويلات في التنمية المستقلة المديدة والمستدامة على الشعوب العربية، وصولاً إلى تذرر وزن العامل العربي، وتفتته ووهن إرادته…
إن المنطقة العربية تزخر بالتنوع الثقافي بمختلف أشكاله ومضامينه، سواء كان تنوعاً ثقافياً دينياً ومذهبياً أو سلالياً إثنياً ولغوياً، وكيف يكون هذا التنوع في الدولة المدنية مصدر قوة وثراء وإبداع لا حدود لها، وكيف تحول إلى مصدر رعب وخوف وتهديد شمولي ومصدر حروب وشُعبوية وتطرف وتكفير، والتنوع لا يعني الإختلاف والتمايز والمغايرة بقدر ما يرتبط بمبادئ المساواة والمواطنة والحقوق الإنسانية المتساوية، فالمشاركة تعني بحق الإختلاف لطالما الآخر إنسان يشترك بالإنسانية والحقوق والواجبات، والتحول إلى البناء لا إلى التدمير الذاتي، لأن العنف لا يدمر «الآخر» فقط، بل أيضاً يدمر الذات أيضاً، ويقوض مقومات ومستلزمات التنمية ويسهم في زعزعة السلام والإستقرار والأمن، والأهم انه يشكل بيئة خصبة للفساد والاستبداد بأنواعه، في كل ما يتعلق بضرب القانون في عرض الحائط، وبتعطيل الحياة المدنية والسلمية الطبيعية، وأمامنا تجارب أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا، وهذا بشكلٍ مكثف، في هذه المرحلة على العربي الرسمي أن يدرك، بأن المتغيرات في الاقليم هي ناجمة أولاً عن التخلف العربي التاريخي، وثانياً عن متغيرات وتحولات تاريخية في النظام العالمي.
آن الأوان أن يدرك العرب الحكام أن العالم يدخل في مرحلة التحول الثالث للنظام العالمي في العصر الحديث الذي نعيشه الآن، والذي برزت به دول كانت صغيرة في العقود السابقة، وحققت تقدماً غير مسبوق في النمو الإقتصادي، لم يتوقف داخل حدودها، بل بات عالمياً، وهذا يمتد من شرق آسيا إلى أميركيا اللاتينية وبينهما أفريقيا.
إن ما نشاهده اليوم سيختلف تماماً، عما ألفناه في الأحادية الأميركية، والتعددية القطبية تأتي لما بعد أفول العصر الأميركي، وللأسف يتشكل محوره في المنطقة العربية والصراع في قلبها، وفي غياب العامل العربي الرسمي (غياب الدولة المدنية، في المواطنة والمساواة في المواطنة وبين المرأة والرجل، الديمقراطية، العدالة الإجتماعية)، وفي قلب هذا الخراب الكبير في أجزاء واسعة منه، ثمة من يساهم في الإنقلاب الرسمي لبعض العرب بالنكوص عن القضية الفلسطينية بإعتبارها جوهر الصراع، طالما أن «إسرائيل التوسعية العنصرية والاستعمارية الاستيطانية» هي الخطر الوجودي والتاريخي للعرب، حين يستسلم بعضهم للتطبيع معها، أو يستبدلها بـ «عدو» آخر، أو الدخول في محور صراع ضد أشقائه وأصدقائه، حالة لن يكتب لها النجاح، فلا بد من النهاية لهذا السبات العربي المديد عاجلاً، لأن الوعي لدى الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية راسخ وثابت، ورفضاً لأي إصطناع لعدو آخر.
إن العالم الجديد، وهو يتشكل من أماكن متعددة، وبإرادة شعوب متنوعة، هذا هو جوهر التحول القادم في النظام الدولي، وفي فشل أحادية ما عرف بـ«القرن الأميركي»، وخططه القائمة على الهيمنة على العام.
وعلى العرب خاصةً أولئك الذين طفقوا من غير خجل على إعتبار الجماعات التكفيرية الإرهابية، بـ «ثورة» من أجل الدولة الثيوقراطية في مواجهة الدولة المدنية الحديثة والوطنية أن يتعظوا بالنتائج..

■ ماهي تحديات الأحزاب السياسية في الوطن العربي لمواكبة التحولات والمتغيرات الجارية في العالم؟
■■ نحن مدعون جميعاً إلى زيارة جديدة للتاريخ، طالما أننا نرفض تنميط وتعليب العقل العربي، أو إغراقه في الأوهام، وبعدم جدوى التغيير والإبتكار كل بحسب واقعه، وبإستمرار، في قراءة الواقع جيداً، القائم على النقد والدراسة النقدية، ويشمل ذلك مناهج الحياة بمجملها، بدءاً من مناهج التربية والتعليم في العالم العربي.
آن الأَوان أن نغادر معلقة عنترة بن شداد: «هل غادر الشعراء من متردم..» وكل ما هو مكرور ومعاد عن ظهر قلب، أن نغادر المتردم، أي المتهدم والهذيان بكلام يبتعد عن الإبداع وإعادة البناء، نقداً وبحثاً، وتوجيه طريقة التفكير والبحث والبرامج والتطوير، لا التلقين في صياغات لغوية فنية..
يعيش العالم العربي حالة إنفراط وتذرر، ما بعد سايكس – بيكو، أي بعد الكولونيالية المباشرة، ولكن بالعودة إلى التقسيمات التي رُسمت في المنطقة العربية في حقبة أعلى مراحل العولمة. ونحن نشاهد أن مركز العولمة ذاته يرتد على منهجيته التي رسمها في أوروبا الشرقية وإقليم الشرق الأوسط بمجموعه، فالعولمة فاتحة الأبواب والحدود، لتغرف الليبرالية الجديدة ما شاءت من الحدود المفتوحة منذ ثلاثين عاماً، تلك سنوات صعودها أوجدت من رأسماليين ورجال الأعمال والتجار وموظفي الشركات الكبرى والمفكرين والإعلاميين وإختصاصات وعلماء الاجتماع وسياسة، في إعادة لصياغة علم الاجتماع والتبشير بتداعياتها الجانبية في الأطراف، بدءاً من بناء الأسواق الصغيرة عبر إعادة ترتيب الهويات والإنتماءات في جزئيات جديدة.
بدأت العولمة ومن مركزها الميتروبولي في بناء تكتلات إقتصادية، تجربة الإندماج في أميركا الشمالية بين الولايات المتحدة وكندا، وعلاقات مصاغة بدقة بين الولايات المتحدة والمكسيك في فترة أواخر ستينيات القرن الماضي، تجربة إتحاد الحديد والصلب الذي ضم حينها في عضويته ستة دول: هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تجربة أخرى، فتحت شهية رؤوس الأموال والشركات الدولية في الأسواق المالية في الصين، وقد أحسنت الصين إستغلال فترة الحرب الباردة حينها وما بعدها. وفشل العرب في إقامة تكتل إقليمي يضم الدول العربية ما بعد الإستقلال، وإقامة إقتصاد بيني، وها هي معرضة الآن لأخطار وجودية كثيرة.
رئيس الولايات المتحدة المنتخب ترامب، الذي صنعته العولمة والشعبوية ورفعته مع موجات تكتلاتها، وعاش «الحلم الأميركي» في نموذج الإندماج، أَكد في حملته وبرامجه الانتخابية أنه «سيوقف المفاوضات الجارية لمزيدٍ من تحرير التجارة مع كندا وغيرها من الدول» وذلك حمايةً لرؤوس الأموال الأميركية من الهجرة أو الحركة الحرة إلى الخارج، لتبني مصانعها في دول أخرى، بدلاً من أن توظف عمالتها الوطنية، ثم تتحول إلى تصدير بضائعها إلى الولايات المتحدة بأسعار متدنية، ذلك لأن عمال أميركا «البيض» عاطلون عن العمل، وأنهم هم: «أحفاد المجد الأميركي»، رافضاً إنتقال حر للعمالة، والهجرة لرؤوس الأموال، بما يوضح صراحةً بإيقاف هذه العولمة، والتي بسببها كان إختفاء مئات الألوف من وظائف وإدارات وعمالة مختلفة.. فقدها الرجل الأبيض، هذا فضلاً عن موقفه من الأميركي من أصول افريقية، ورفضه للملونين، واللاتنيين ونظرته للمرأة.
بإختصار، ترامب هو نتاج إنتخاب الرجل الأبيض، هم مصدر فوزه على مرشحة الشركات وقوى المال المختلفة، وهؤلاء هم القوة الحقيقية التي إنتخبته، كذلك ومن أجل هذا ذاته صوت غالبية الإنكليز للخروج من الإتحاد الأوروبي، وتخليص بلادهم من تدفق الهجرة، ببرامج شُعبوية وعنصرية، بزعم أن الجنس الأبيض، أي الشعب الأصلي في المملكة المتحدة هو الأساس. على ذات المنوال نشهد ما يجري في قلب أوروبا، في ألمانيا وفرنسا، وفي شرق أوروبا مثل بولندا والمجر، وبدءاً من رؤوساء أحزاب، كما في النمسا وهولندا والدانماك، مواقف تعبر عن عدم الإستمرار في الإتحاد الأوروبي ذاته، بما يوقف إندماج مسيرة الإتحاد والإندماج في أوروبا ذاتها، ويشمل ذلك حلف الأطلسي أيضاً.
لكن الإحتمالات في إحتدامات في الدول العربية يبقى قائماً، وهناك من يسعى لها، إرتباطاً بظروف السياسة الدولية ومآلات مصالح القوى الكبرى في الهيمنة والإستتباع، بسببٍ من وجود عاملين على درجة من الأهمية لهذه المصالح وهما: حماية أمن إسرائيل وتسيدّها على المنطقة، وتأمين الحصول على النفط ومنابعه وإِمداده، وتغطى هذه الأهداف بمحاربة الإرهاب المتمثل بالخطر الإسلامي السياسي الدموي، «العدو» الذي تحالفه وتصنعه مصالح ورؤوس أموال من الدول الكبرى وتوابعها، بإعتباره إرهاباً دولياً، يمهد في البلدان العربية لصراعات عرقية ودينية، ودينية مذهبية وطائفية، سبق لزبغنيو بيرجنسكي أن دعا له في كتابه «بين عصريين ـــ أميركا والعصر التكنوتروني» الصادر في عام 1970 الذي يطالب بإعادة تشكيل العالم العربي على شكلٍ من التشظي الجديد، كانتونات عرقية ودينية وطائفية، الأمر الذي سيسمح لإسرائيل أن تتسّيد المنطقة من خلال نفوذها، وهذا ما واصله وسار عليه برنارد لويس من أجل مسح كلمة العروبة في المنطقة.
نعود هنا إلى الخلاصات السابقة بضرورة بناء الدولة المدنية، وإقامة علاقات عربية بينية جديدة، تقوم على المصالح المشتركة للشعوب العربية.
هذا ما على الأحزاب السياسية في البلدان العربية أن تدركه على قاعدة «التحليل الملموس للواقع الملموس». لتحدد برامجها وخطابها وأساليب عملها، أي أن تستجيب خطاباً وممارسةً ما طرحته الانتفاضات والثورات العربية التي لم تكتمل … ثورات «خبز، حرية، مواطنة، دولة مدنية، اصلاح ديني جذري، ديمقراطية سياسية، تنمية، عدالة اجتماعية».

■ مرت خمس سنوات على الربيع العربي، ولم تجن الشعوب العربية التي ثارت على الظلم والإستبداد سوى المزيدٍ من الفقر وكثير من الفوضى والإقتتال والخراب… فمن المستفيد إذن من هذا الربيع العربي؟
■■ فضلاً عما ورد في الأسئلة السابقة، وعلى وجه التحديد فإن الأحزاب الوطنية العربية عليها أولاً أن تعبر عن مصالح شعبها ووطنها أَولاً، وتعزيز السيادة الوطنية وتحريرها من التبعية والهيمنة، وأن تضيف إلى أنظمتها العمل على التقدم الاجتماعي، والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والوحدة التكاملية العربية، وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وأن تعمل على بناء مجتمع إنساني ديمقراطي علماني، لتحقيق حرية الإنسان ورفاهيته في دولة مدنية، تصون كرامته، مسترشداً بكل ما هو علمي وبمنجزات العلم، وبكل ما هو تقدمي في الفكر العربي والإنساني. وأن يتضمن النضال ضد الإرهاب والفكر التفكيري وتعزيز السيادة الوطنية.
اندلعت الثورات والانتفاضات العربية ببرنامج «الشعب يريد… كما ورد في الأجوبة»، للخلاص من التخلف التاريخي الذي تراكم على مساحة أكثر من ألف عام، واسقاط انظمة الاستبداد والفساد، غاب عن الثورات قيادات موحّدة من كل الكتلة التاريخية التي نزلت إلى الميادين بالملايين، أنظمة القمع والاستبداد بطشت بالثورات ببحار من الدماء والدموع والجوع، لم تنزل عند ارادة «الشعب يريد…» تم تطويق وإحتواء وإجهاض الثورات [راجع كتاب حواتمة الثورات العربية لم تكتمل… الطبعة الخامسة، دار الثقافة الجديدة – القاهرة/ مصر].
الاحزاب والنقابات لم تستوعب ما يجري، تخلفت عن ثورات الشعوب..، وقع الفراغ، نزلت قوى الاسلام السياسي الدموي إلى الشارع والميدان لاحتلال «الفراغ» وانتقل الصراع بين أنظمة القمع والاستبداد وبين قوى الإسلام السياسي الدموي وخطابه الشعبوي الديني الطائفي، حروب أهلية طائفية واجتماعية بين مصالح القوى القديمة عرفتها تاريخياً البلدان العربية والمسلمة، دمار ودماء بين استبداد وقمع طبقي سلطوي دكتاتوري، وقمع دكتاتوري ديني طائفي برنامج ينتمي إلى العصور القديمة.
المستثمر الأكبر لما يجري مشاريع إعادة انتاج التخلف التاريخي الفكري والصراع على السلطة والسلطان، وفي صالح قوى اليمين والظلام والاستعمار والتوسعية الاستيطانية الاسرائيلية الصهيونية.
الثورات ارادة الشعوب تريد – لم تكتمل.. والصراع مفتوح.

■ ماهي في رأيكم آفاق التحديات التي يرفعها أنطونيو غوتيريس، لإصلاح الأمم المتحدة فيما يخص أدوارها في حفظ السلام في العالم وإنصاف الشعوب التي تتعرض للظلم مثل الشعب الفلسطيني..؟
■■ يحمل الرجل خبرة مديدة في السياسة وفي العمل في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، وهو سياسي برتغالي كان رئيس الوزراء في البرتغال من 1995 ـــ حتى 2002، وتولى لفترة رئاسة الأممية الإشتراكية (الديمقراطية الاجتماعية)، وشغل منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من حزيران/يونيو2005 حتى كانون الأول/ديسمبر2015.
في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر2016، إختاره مجلس الأمن لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة خلفاً لبان كي مون، وتم إختياره من عشرة مرشحين يتم التصويت عليهم من قبل أعضاء المجلس الخمسة عشر من خلال التصويت السري بـ «أشجع» أو «لا أشجع» أو «لا رأي»، وقد حصل غوتيرس على (13صوت أشجع)، وصوتين (لا رأي).
هذا يعني أَنه محط إجماع وترحيب، وبصفته كصاحب خبرة متقدمة في الشأن الدولي، من طرفنا نأمل أن يكون سنداً لقضيتنا الفلسطينية وقضايا الشعوب العربية وفي العالم الثالث – عالم الجنوب، والتي واكب أوضاعها من خلال عمله الطويل كمفوض سامي في قضايا اللاجئين، كما في حفظ السلام العالمي وإنصاف الشعوب التي تتعرض للظلم، ومنها قضية شعبنا الذي يتعرض لمظالم آخر نظام عنصري وآبارتهيد في هذا العالم، ولظلم إمتد لسبعة عقود، منها زهاء نصف قرن تحت الاحتلال العنصري.
أن يكون مسانداً لقرارات الشرعية الدولية، وتطبيق وإحترام المعاهدات الدولية الناظمة لمؤسساتها، وإعادة الهيبة لدورها وعملها بهذا الجانب، وتطوير وإصلاح جوانب العمل القانوني وفقاً لمثياقها وأنظمتها، مع إدراكنا أن هذه المهمة شاقة، لا يقوم بها إلا رجال أَكفاء، نذروا أنفسهم لتطبيق العدالة الدولية وإحترام حقوق الإنسان والأًوطان، لدينا اعتقاد أنه كذلك، وطبقاً لنصوص القانون الدولي…وكلنا أملٌ بأنه أهلٌ لها.

 

حوار مع صحيفة «المنعطف» المغربية

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*