swiss replica watches
شعار مؤتمر التجمع الوطني للأحرار يضرب تاريخه عرض الحائط – سياسي

شعار مؤتمر التجمع الوطني للأحرار يضرب تاريخه عرض الحائط

إدريس بنيعقوب*

“من هنا يبدأ المسار”، هكذا اختار حزب التجمع الوطني للأحرار شعاره لمؤتمره السادس ابتداء من 19 ماي من هذه السنة 2017، شعار يحمل كتلة من التناقضات ويعطي تفسيرا لخلفية القيادة التي تبنته.

هذا الشعار باختياره لنظام جملة وتركيب لغوي له دلالات كثيرة ذات أهمية في قراءة وضع الحزب حاليا، قد تكون القيادة متفطنة لها، وتعمدت هذه الصيغة لهدف سياسي معين، وقد تكون مجرد حماسة غير مدروسة وعشوائية في اختيار عناوين المرحلة داخل إطار المجاملات والاستهلاك الإعلامي.

في تركيبته حدد الشعار نقطة البداية الزمنية 2017 والمكانية، مدينة الجديدة، للمسار الذي جاء معرفا وليس “نكرة”، ليوحي لنا بوجود مسار واحد لا ثاني له، لنتساءل عن خلفيات اختيار سنة 2017 لبداية السير الحقيقي للحزب وعن المكان مدينة الجديدة التي ليست مدينة صناعة السياسة في المغرب بامتياز، وبالتالي قد يكون اختيارها لأسباب لوجيستية أو لرغبات شخصية أصبحت ملزمة للشعار سياسيا من خلال تبنيها ضمنيا داخل ثناياه.

كلمة “المسار” التي جاءت معرفة، وهي تعني حتما التوجه السياسي الجديد مع القائد الجديد عزيز أخنوش، تضرب عرض الحائط حوالي أربعين سنة من تاريخ الحزب ومنقلبة على تراكم الماضي، وكأن الحقبة السابقة من عمل التنظيم منذ أحمد عصمان إلى صلاح الدين مزوار مرورا بمصطفى المنصوري، الذي عصف به بعد حركة تصحيحية كان من بين أهدافها هي أيضا تصحيح المسار، كانت مجرد رحلة للبحث عن الذات وعبارة عن مسارات هجينة مختلفة، ومجرد نزوات شخصية، وتيه في البراري السياسية بدون بوصلة أو خط سير واضح، أو تنظيم ذي أهداف ورسالة، إلى أن جاء “الزعيم” أخنوش لإقرار المسار الذي ينبغي اتباعه.

كل هذه المدة من تاريخ الحزب من صراعات وانتخابات وجدالات واتهامات بالحزب الإداري غير المؤسس على فكر وتصور مستقبلي للعمل لم تكن المسار المطلوب حسب الشعار.

الذين وضعوا الشعار اعتمدوا لغة غير محايدة، إما أنهم يجسدون خلفية نفسية للمحاباة والتقرب، وهي بداية غير سليمة لصناعة زعيم سيتم تقديسه فيما بعد إلى حين انتهاء مهامه أو نزول غضب عليه شديد من هنا أو من هناك لينفض الجمع من حوله، أو أنهم فعلا مقتنعون أن كل ما سبق من عمل للحزب كان مجرد هذيان سياسي ومجرد سير عشوائي واختيارات مؤقتة، لطالما دافعت عنها قيادات الحزب الجديدة/القديمة بأنها هي التوجه السليم، وأن كل ذلك كان في إطار مهام داخل الزمان والمكان وأنه آن الأوان لإعلان ولادة الحزب الحقيقية وبالتالي ينطبق على هذا اللقاء الكبير صفة المؤتمر الأول للحزب، والذي قد يصبح تقليدا مع كل وافد جديد على قيادة التنظيم، حتى وإن كان قديما ومشاركا في جميع المسارات السابقة، أو أن الشعار وضعه تقنيو وكالات التواصل التي أصبح لها دور في بناء خطاب الأحزاب في غياب تكوين سياسي حقيقي داخلها، وهذا يعطي أيضا انطباعا عن مستقبل الحزب الذي سيكون أقرب إلى آلة بدون قلب منه إلى تنظيم بشري حي، فالتنظيم الذي يخجل من تاريخه أو لايحترمه حق الاحترام رغم كل سلبياته لا يمكنه أن يحترم تاريخ الآخرين أو تاريخ الجماعات البشرية الأخرى.

المراجعات السياسية لاتنشأ بهذه الطريقة وإنما بالمصاراحات الداخلية والخارجية مع عموم المواطنين، بعد عملية نقد دقيقة لتحديد الخلل والمسؤولين عنه، لأنه ليس مقاولة خاصة بل تنظيم أكل من أموال الأمة، وليس له الحق في أن يفعل ما يشاء متى يشاء وأن يقول للناس أن ما سبق كان عبثا وإليكم المسار الذي كنتم تنظرون.

الشعار أعلاه يوحي بأن ما كان سابقا لم يكن “المسار” ،المعرف بل مسارا نكرة، ليس له نقطة بداية أو خط توجيه أو خطاب أو نظر. لو كان الشعار مثلا “من أجل مسار جديد” أو “من هنا يبدأ مسار جديد” لقلنا أن هناك نظرة جديدة وتوجه مختلف بعد مراجعة داخلية، لكن أن يحدد بشكل مطلق مع نفس النخب القديمة ونفس عقلية الاشتغال ونفس اللغة والخطاب التطابقي مع الدولة أي بنفس المقدمات كلها، ثم ننتظر نتائج مختلفة أو مسارا جديدا فهذا من قبيل الكذب على الذات قبل الكذب على المغاربة جميعهم. الحزب يشتغل داخل نسق استمراري مع الماضي وبدون قطيعة، ولازال يحمل جينات الولادة التي كانت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، والتي كان أهم أهدافها القيام بمهمة محاصرة أحزاب الكتلة الوطنية وفي مقدمتها ذات التوجه اليساري، وإغلاق جميع المنافذ لعبورها آنذاك إلى الفعل السياسي المؤثر وعلى رأسها العمل المؤسساتي الفعلي من داخل البرلمان والحكومة.

نظام الجملة المتبنى في الشعار لم يحترم وجود فاعل له إرادة جماعية مؤثرة ومنشئة لفعل سياسي قوي، ولم يحترم نسق فعل؛ فاعل؛ وعاء الزمان والمكان عند الإقتضاء ونتيجة أو رسالة واضحة، الشعار حدد الزمان والمكان “من هنا” ثم استعمل فعل “يبدأ” وكأنه مبني للمجهول وأن هذا “المسار” الذي لم تحدد هويته أو صفته سيبدأ من تلقاء نفسه بشكل أوتوماتيكي آلي أو سيأتي من يقوده، في حين أنه كان يتعين تحديد الجهة أو الفاعلين الذين سيبدؤون المسار ويشرعون في تأسيسه وبنائه، وأنه كان من باب الانسجام بين اللغة والفعل السياسي وبين فلسفة المرحلة، أن تكون الجملة على غرار “من هنا نبدأ” حتى لايترك المسار بدون فاعل واضح و محدد، ذلك أن لكل فعل فاعل أو فاعلون. لو كانت الجملة كذلك، لكان بالإمكان تفسير الشعار بكونه يحمل قيمة العمل الجماعي التضامني التشاركي المنسجم، وبعيد عن منطق الفردانية والشخصانية في إدارة التنظيم ومخرجاته المستقبلية، وقاطعا بذلك الطريق عن العمل العشوائي غير المسؤول وعن الزعامات الشخصية الوهمية، لتقديم رسالة مهمة خلاصتها فتح الطريق أمام جيل يشتغل بمنطق تشاركي بعقلية جماعية كفريق وليس كأفراد.

من وجهة نظر تحليلية للخطاب، يمكن اعتبار الشعار السياسي الحزبي في هكذا محطات بمثابة عصارة وخلاصة لعمل الحزب في الفترة السابقة وقراءة عميقة لواقع الحال، وبالتالي عملية إنتاج عنوان كبير لبناء المستقبل.

ثم من خلال قراءة محتوى الشعار ومساءلته عن هويته العقدية السياسية والفكرية ومرجعية صانعوه، لايبدو لنا أنه يحمل أفكارا عن المسار المستقبلي الذي ترك مبهما، مفتوحا على جميع التأويلات خصوصا داخل السياق السياسي الوطني الحالي، ولم يأتي بأي قيم مبتكرة لإدارة الآتي من الأيام، في ظل وجود نفس البروفيلات ونفس نماذج القيادات المتعاقبة، وبالتالي يبقى في نظرنا شعارا وعنوانا فضفاضا للاستهلاك الإعلامي، لا يمت للواقع بصلة، مجرد تسويق جديد لبضاعة قديمة مستهلكة وبمثابة إعلان عن قائد جديد بروح مقاولاتية ضمن نفس حيثيات الولادة الأولى ونفس الجينات السياسية الوراثية.

شعارات المؤتمرات الحزبية الكبرى الفاصلة في تاريخ التنظيمات تلخص نظرية الحزب لتصوره لوجوده داخل المجال العام، وهي ليست شعارات ذات نزعة شخصية في القيادة، على غرار بعض أنواع الخطاب التي اعتمدتها بعض الهيئات السياسية بعد ربيع ودستور 2011، حينما اخطأت النظر والتقدير واستنتجت أن هذا التاريخ هو بمثابة ولادة لبلد اسمه المغرب، وتناست أن للبلاد أعرافا وتقاليد سياسية ضاربة في التاريخ، كذلك التجمع الوطني للأحرار يعتقد البعض أن ولادته هي مع عزيز أخنوش متجاهلين الأدوار التي قام بها من سبقوه، الشيء الذي تؤكده أيضا جميع المواد المصورة الإشهارية للمؤتمر والتي ينشرها الحزب والمنتمون إليه عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تخلو من أي مقاطع من تاريخ الحزب وتركز فقط على صورة القائد الجديد في شبه جحود ونكران للمؤسسين.

الشعار السياسي الحزبي هو ليس صياغة جملة بلاغية رنانة أو “ماركة” على منوال الماركات التجارية العالمية للأحذنية والقمصان، بل هو كمية كبيرة من العواطف والمعاناة، إلى جانب قدر مهم من الأفكار الحاملة لقيمة المسؤولية التاريخية لحزب عمره أكبر من عمر معمروه، دون تبخيس أو تعظيم لأي كان بشكل مباشر أو بشكل مضمر.

العناوين الكبرى للعمل السياسي لايمكن أن تصاغ بهذه السهولة لتطابق حزب بشخص واحد، وإنما لمطابقته مع تطلعات الأمة دون هدم كلي للماضي وللتاريخ بسلبياته المفيدة وبإيجابياته المشجعة.

في المحصلة، نرى أن التجمع الوطني للأحرار سيستمر في الاشتغال على نفس الطريق السابق، بنفس العقلية السياسية مع إدخال تعديلات و”اكسسوارات” تجميلية لوجيستية حديثة، وسيستمر في إنتاج نفس الثقافة التدبيرية والسلوكية ونفس خطاب التطابق مع الدولة ظالمة او مظلومة.
وفي ظل نفس النخب و نفس نوعية انتمائها الطبقي، وأيضا نفس نموذج المنخرطين ونفس نوعية انتمائهم الاجتماعي، وفي غياب مناضلين حقيقيين يتوغلون وسط مشاكل المجتمع وعلى رأسها الاحتجاجات الشعبية كحراك الريف مثلا، قد يتعرض الحزب لصدمة كبيرة ومدوية جراء نتائج أي انتخابات تشريعية مقبلة.

*باحث باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*