swiss replica watches
يونس التايب: المغرب سيسجل تراجعا مهما في نسبة النمو وتقلصا في الناتج الداخلي الخام، لكن الإقلاع الاقتصادي ممكن بشروط (حوار) – سياسي

يونس التايب: المغرب سيسجل تراجعا مهما في نسبة النمو وتقلصا في الناتج الداخلي الخام، لكن الإقلاع الاقتصادي ممكن بشروط (حوار)

جواد جعواني

تسببت جائحة كورونا في توقف القطاعات الإنتاجية بالعديد من الدول بسبب إجراءات الحجر والإغلاق التي اعتمدتها غالبية بلدان العالم لمواجه فيروس كوفيد 19، المغرب بدوره فرض حضرا صحيا وأعلن حالة للطوارئ استمرت لأكثر من ثلاث أشهر، هذه الإجراءات تسببت في توقف الأنشطة الاقتصادية وفقدان العديد من العاملين بالقطاع الخاص لمناصبهم، بالإضافة لأصحاب المهن الحرة والقطاع الغير المهيكل الذين بدورهم تضرروا كثيرا من تداعيات هذه الجائحة.

في هذا الحوار نستضيف الفاعل الإعلامي والسياسي، والمستشار في الحكامة والتنميـة الاجتمـاعـيـة والإدمـاج الاقتصادي، السيد يونس التايب للحديث معه حول الأ زمة الاقتصادية التي تواجه المغرب بفعل فيروس كورنا والإجراءات والتدابير التي يتعين على الحكومة سنها بشكل مستعجل للتقليص والحد من الأثار السلبية التي خلفها هذا الوباء.

في البداية هـل يمكنـك أستـاذ يـونـس التايـب أن تقـربنا مـن فـتـرة الحجـر المنـزلـي، كيـف قضيـتها؟

صراحة، كـانـت تجـربة غـيـر مسبـوقـة وفـريـدة بكـل المـقـاييـس، عـشتهـا وانخـرطـت فيهـا بحمـاس كبيـر لأنني اعتبـرتهـا منذ اليـوم الأول حدثا استثنائيا، لا يمكن إلا أن نعيشه، كأفراد وكمجتمع، بشكل مغاير و أن ننخرط في ديناميكيته بشكل إيجابي و يلعب كل منا دورا معنيا في سياق تاريخي أسميته منذ البداية، في فيديـو موثـق على صفحتي بالفيسبوك، بالملحمة الوطنية لمقاومة الوباء الفيروسي.

لذلك، كنت أستشـرف ما سيحمله كل يـوم جـديـد من أيام حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي المنزلي، من أخبار ومن معطيات و من قرارات تتفاعـل مع الجائحة و مع طريقة تدبير تداعياتها.

أكثـر ما هـمني هـو ملاحظة و تحليـل طبيعة التفـاعـل المجتمعي مع هذه الوضعية الجديدة، و تتبع كل مستجدات الإجـراءات التي يتـم اتخـاذها من طرف السلطات العمومية لتدبير الأزمة. صراحة كان تمرينا رائعا و مناسبة كي نجـرب قدرتنا على تغيير الإيقاع السابق لحياتنا و العيش بشكل مختلف، بدون خروج كالمعتاد من المنزل، و بدون اللقاءات الاعتيادية مع الأصدقاء و الزملاء في الفضاء العام، و بدون كأس القهوة في مقهى الحي الاعتيادي وفي اليـد نسخة ورقية من جريدة يومية أو أسبوعية، و بدون متعة المشي في شوارع المدينة و التفاعل مع الناس و مع المحيط و مع تجليات العمران.

شخصيا رفعت التحدي والتزمت الحجر المنزلي طيلة شهرين وعشرة أيام بشكل متواصل. هذا في حد ذاته كان أمرا غير مسبوق بالنسبة لي، ولكنني خضت التجربة وعشتها بشكل طبيعي. وقتي كان موزعا بين الواجبات المهنية عن بُعـد، وبين القراءة وكتابة مقالاتي، وأقساط راحة وترويح على النفس بهوايات مختلفة يمكن القيام بها داخل المنزل. أكثر شيء أعتز به، من بين ما كنت أقوم به خلال هذه الفترة، هو قـراري المساهمة في المجهود العام للتوعية والتواصل بشأن الجائحة الوبائية، وانخراطي عبر خرجات إعلامية بالصوت والصورة، إما عبر وسائط التواصل الاجتماعي أو عبر برامج تلفزيه وإذاعية.

فيما عدا ذلك، لا أخفيك أن أكثر شيء أثقل على هو عدم القدرة على زيارة الوالدين ولقاء بعض الأهل الذين لا تحلو الحياة بدون رؤيتهم. لكن، الحمد لله على كل حال، التزمنا وساهمنا وصمدنا والنتيجة هي أننا أحياء نرزق لحدود الساعة، ويمكننا أن نعود للحياة الطبيعية بشكل متدرج وباحتياط مستمر من أي تراخ في احترام الوقاية.

بصفتكم خبيرا في الحكامة والتنمية، كيف تقيمـون عمـوما تعاطي الحكومة مع أزمة كوفيد 19؟

أولا، يجب أن نكون صرحاء وموضوعيين. أعتقد أن المعركة كانت أكبـر من أن تخوضها الحكومة بمفردها. لقد كنا بصدد ملحمة وطنية، والملاحم يقودها القادة الكبار. وأجزم أن ذلك ما حدث بالفعل، ولجلالة الملك الشكر والثناء لإشرافه المباشر وعنايته. من جهة أخرى، أظن أنه حتى يكون التقييم شاملا و موضوعيا، يجب أن نأخذ في الاعتبار الوضعية التي انطلقنا منها عند بداية مواجهة الجائحة، والأهداف الأساسية التي حددناها للمعـركة، ومقـارنة النتائج المحققة وطنيا مع تجارب دول أخرى، حتى تكتمل الصورة و نحافظ على رصانة التحليل.
رأيي أنه سـواء من حيث الإمكانات العمـوميـة المتـوفـرة سابقـا في بعض القطاعـات التي كانت في الواجهة، أو مـن حيـث الجـو العـام النفسي الـذي كان يسـود لـدى الغالبية من الناس وتمثلاهم عن ذواتهـم وعـن مجتمعهـم وعن وطنهـم، أو من حيث مستوى الثقة في الأداء العمومي وفي المؤسسات الرسمية في عدة قطاعات، وأساسا المنظومة الصحية والاجتماعية والتعليمية، يجب الاعتراف أن ما تحقق في تدبيـر هذه الأزمة استثنائي. مسألة نقص الإمكانـات التي كانت متوفـرة، أمر مُهم جدا خاصة فيما يتعلق قطـاع الصحـة العمـوميـة الذي وجـد نفسه في الصف الأول و لم يكـن مستعدا سلفا لمثل هذا التحدي. لكن، حالما توفرت إمكانات إضافية وتـوفـرت إرادة سيـاسيـة واضحة، و استشعر الجميع أن اللحظة وطنية بامتياز، عاد الإحساس بالمسـؤولية المهنية و غلب الواجب الأخلاقي والإنساني، وتحـركـت المنظـومة الصحيـة في اتجاه معقول واستطـعنا الصمـود في وجـه الجائحة.
نفس الشيء فيما يخص المسألة الاجتماعية، حيث وجدنا أنفسنا أمام قرابـة خمسـة ملاييـن أسـرة صرحـت أن دخلهـا من القطـاع غيـر المهيكـل قد تـوقـف بسبـب الحجـر الصحـي. إذا اعتبـرنا عـدم ضبطنا السابق لهذه الشريحة من المواطنين، لا من حيث الجانب الإحصائي، و لا من حيث مجال التواجد وخريطته، و لا من حيث طبيعة الأنشطة المزاولة حقيقة من طرف المعنييـن، ولا من حيث البنيـة الأسـريـة التي ينتمي إليها الأشخاص الذيـن طـلبـوا الـدعـم العمـومي، أعتقـد أن ما تحقـق من تدبيـر لهـذا الملف تم بشكل جيد من طرف مصالح وزارتي الداخلية و الاقتصاد و المالية، بالرغم من بعض الملاحظات بشأن عدم استفادة بعض الناس و هم مستحقون، أو استفادة البعض و هم من غير المستحقيـن. كل ذلك لا ينقص من التقييم الإيجابي العام لهذا الجانب. و من يقول بعكس ذلك، ربما لا يدرك حساسية تلك العملية و ثقـل مستلزمات تدبيرها بالشكل الاستعجالي و الضغط الذي صاحبها.

بصفة عامة إذا أخذنا بعيـن الاعتبـار تقييمنـا للأداء العمـومي السابـق على زمـن الأزمة، وكذا المشاكل المرتبطة بالعـجـز الاجتمـاعـي و الصحي، و طبيعـة السلوكيات الفـردية و الجماعية التي تطغى عليها الفردانية، ومـا كنا عليها قبل شهـر مـارس مـن طغيـان ظـواهـر متعـددة كالتسفيه و العدمية والخطابات الشعبوية و الممارسات السياسوية التي كنا نستنكـرها، فإن ما استطعنا أن نفـرزه، كدولة و كشعب، من قيـم ومـن سلوكيات فضلى، ومـن تعبئـة و تجديد سـريع لروح التضامن و الافتخار بالانتماء الوطني في مواجهة أزمة مفاجئة، يدفعني إلى تقييم إيجابي بشكل كبير.

أما على مستـوى الأهـداف، فقد حققنـا أهـم شيء وهـو تقليـص الخسائـر في الأرواح وذلك بفعـل الاستبـاقية التي انتهجتها الدولة منذ البداية بتوجيه من جلالة الملك، و عدم التردد في قـرار الحسم في البروتوكول العلاجي المُعتمد على دواء الهيدروكسي كلوروكين. كما حققنا هدف المزج بين الحجر الصحي و ضمان استمرار توفير الخدمات الأساسية و المواد الاستهلاكية. وبالتالي، تعاطينا في سياق ما كان متاحا وممكنا من موارد ومن طرق لتدبيـر أزمة غير مسبوقة، وحققنا تراكمات يمكن أن تتأسس عليها أشياء إيجابية للمستقبل.

خلال جائحة كورونا ومنذ بداية الأزمة أطلقت العديد من الفعاليات المدنية حملات تضامنية غير مسبوقة لتوزيع المساعدات الغذائية على الفئات المعوزة. إلى أي مدى ساهمت هذه المبادرات في التخفيف من وقع الأزمة وانعكاساتها على ذوي الدخل المحدود؟

أنا دائما أقول أن حضور المجتمع المدني في كل الأوراش الاجتماعية و في كل الملفات ذات الطابع الوطني، و كذا خلال الأوقات الصعبة و في زمن الأزمات، أمر ضروري بغض النظـر عن البُعـد المادي المرتبط بطبيعة المساهمة المادية أو الإمكانات التي يتم تعبئتها. أعتقد أن جانب الحضور القيمي مهم و هو الأساس، ثم تأتي بعد ذلك الاعتبارات الأخرى، سواء منها المادية أو التدبيرية أو المهنية التي ينتظرها الناس من الفاعل المدني.

نحن نحتاج إلى حضور مدني يعزز قيم المواطنة ويعـزز التشـارك كأسلـوب في التدبير، ويقوي الإحساس بالانتماء لهذه الأرض، ويجسد السعي الجماعي لخدمة مصالح أبناء الوطن، على قـاعـدة الشفافيـة والتدبيـر الجيـد والاحتـرافيـة في أداء الفـاعـل المـدني كيفمـا كان. وفي هذه الأزمة رأينا بعضا من ذلك، وتابعنا عـدة مبـادرات جيـدة، ساعدت في تعزيز أدوار السلطات العمومية المختصة وسهلت التواصل الاجتماعي على عـدة مستويات، وأعطت الحياة والتلقائية الجميلة لروح التعبئة الوطنية بحماس حقيقي. كما أن المساعدات التي تم تقديمها خففت عن الضعفاء و المحتاجين و أبقت الأمل وجعلت الناس يقولون “الحمد لله … ما زال الخيـر كايـن و خوتنا ما نساوناش”. و هذا في حد ذاته أمر استراتيجي في معادلة الصمود الجماعي.

ولكن، علينا أن ننتبه أن فعاليات المجتمع المدني تحتاج إلى أن تكون مهيئة لمواجهة الأزمات، و ليس فقط الإدارات و المؤسسات العمومية. لذلك يجب الاستثمار في تكوينات على هذا الأساس، و الانتباه إلى أشكال خاصة من التدبير المرتبطة بخصوصيات العمل الجمعوي في أزمنة الأزمات.

العديد من القطاعات الإنتاجية والاقتصادية تضررت بشكل كبير من وقع الأزمة التي تسببت فيها الجائحة. في نظرك ما هي أهم التدابير والإجراءات المستعجلة التي يتعين على الحكومة القيام بها لإعادة الروح للاقتصاد الوطني؟

في اعتقادي يمر الإقلاع الاقتصادي عبر قـرارات ذات أثر على المـدى القصيـر، يجب أن تساعد على استمرار أكبر عـدد من المقاولات في الحياة وعودة الأنشطة التي توقـفـت، والحفاظ على أكبر قـدر من مناصب الشغل. هنا لا بد من الاجتهاد لتيسير تأدية الالتزامات الجبائية للمقاولات و توفير خطوط السيولة لتسهيل النهوض بمصاريف التسيير في انتظار عودة الطلبات إلى سابق عهدها. كما يتعين الانتباه إلى أشكال الدعـم الممكـن تقديمه للفئات التي لن تستطيع الحفاظ على مناصب عملها، ودعمها من أجل تسريع عودتها للاندماج المهني.

أظن أن أمام الحكـومة فـرصة سانحـة للتحرك من خـلال قانـون مالي تعديلي يجب أن يتيح إعادة تقييم وبرمجة ميزانية الدولة على أساس معطيات محينة، و على ضوء أولى انعكاسات الأزمة الاقتصادية الحالية بعد الجائحة. و هنا نصيحتي أنه لا يجب الانجرار نحو مقاربات تقشفية، و لا نحو إنفاق غير مُجدي بداعي تشجيع الطلب. على العكس يتعين تحقيق التوازن بين تشجيع الطلب وبين ضبط الإنفاق والحفاظ على أساسيات ومُـرتكزات السياسة النقـدية الوطنية، كي لا نسقط في فـخ التضخـم وتتهـاوى قيمـة العملـة الوطنية ونفقد السيطرة على الأوضاع.

المطلوب ليس هـو تقليـص الإنفـاق العمـومي، و إنما إعـادة تقييـم تفاصيل ذلك الإنفـاق كي نجعله بمردودية أعلى، و نوجهه إلى القطاعـات ذات القيمة المضافـة التي تـؤثـر إيجابا على رفاهية المواطنين، وعلى الاقتصاد الإنتاجي، وعلى عملية إحداث مناصب الشغل، مع وقف كل أوجه الصرف التي فيها ترف أو تبذيـر في الإدارات و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية.

نحن في حاجة إلى تـرتيـب أولويات الاستثمار العمومي بحيث نعالج جزءا مهما من العجز في المنظومة الصحية و نغطي الفراغ الحاصل في التأطير و في المعدات، و نبلور نظاما جديدا لتدبير المؤسسات الاستشفائية و كامل القطاع، بطريقة تعـزز الشفافية و تُحسن أوضاع الرأسمال البشري. وعلينا أن نعود لورش تأهيل المدرسة العمومية و تحديث الممارسة التربوية و اعتماد التعليم عن بعد، خاصة في التعليم العالي، حتى يصبح جزءا من المنظومة التعليمية في كل المستويات، ونخفف بذلك من التكدس، خاصة الذي تعرفه بعض المدرجات والمعاهد، و نخفـف من ضغط التنقل و مصاريف أخرى لحضور حصة يمكن للطالب متابعتها و التفاعل معها عن طريق وسائط التواصل و تكنولوجيات المعلوميات. لقد أطلقنا تجربة ويجب أن نقيم نتائجها وأن نطورها، لا أن نتراجع عنها.

في هذا الصدد، علينا أيضا أن نراعي التفاوتات الاجتماعية حتى لا نعمـق الفـوارق التي ظهرت بوضوح بين أطفال و شباب ينتمون لأوساط اجتماعية، لهم لوحات إلكترونية و حواسيب و ربط بشبكة الأنترنيت، و آخرون من أبناء الهوامش، لا يتوفرون على شيء من ذلك، وفي النهاية مطلوب منهم جميعا المتابعة والتنافس وإجراء نفس الامتحانات التقييمية.

و لا بد كذلك، أن تنتبه الحكومة إلى أهمية الـرهان على المقاولة الوطنية في كل الصفقات العمومية، وكذا تتميم دعم المقاولات الشابة من خلال البرنامج الذي أطلقه جلالة الملك قبل الجائحة، والاستمرار في برنامج مدن المهن و الكفاءات كي تصبح لنا منظومة للتكوين المهني قادرة على مواكبة التحـول التكنولوجي الذي يعـرفـه سـوق الشغـل و نوفـر لبلدنا طاقات شابة مؤهلة و قابلة للتشغيل.

كما يتعين تشجيع عـودة الروح للسياحة الوطنية من خلال دعم الطلب المحلي، وتقديم تسهيلات مالية وضريبية للمقاولات السياحية لنضمن الحفاظ على مناصب الشغل بالمؤسسات الفندقية، وتحصين كامل القطاع إلى أن يعود الطلب الدولي وتتحرك السياحة العالمية. ويمكن تشجيع السياحة البديلة والتضامنية التي يكون لها وقع اجتماعي كبير في مناطق قروية بعيدة ومعزولة عن الدورة الاقتصادية. أنتم تعرفون كيف يمكن لمنتجع سياحي جبلي أن يعيش نموا كبيرا لمدة طويلة، لو تمكن من الحصول على ما يعادل قيمة مبلغ كراء عشرين غرف في فندق من صنف خمسة نجوم مثلا. كما أن عدد الأسر المرتبطة بشكل مباشر بمثل هذه المشاريع مهم جدا وله وقع كبير.

هنالك أيضا ورش القطاع غير المهيكل الذي هو براهنية قصوى، و لا يمكن أن نستأنف العمل من حيث كنا، كما لو أنه لم يحدث شيء خلال ثلاثة أشهر الأخيرة. المعطيات متوفرة ويجب أن نتحرك لتشجيع هيكلة القطاع وانضباطه لمعايير واضحة، وندمج العاملين فيه في أنظمة التغطية الصحية والاجتماعية.

أظهرت كورونا ضعف الاقتصاد الوطني وذلك راجع لارتفاع الواردات في مقابل ضعف الصادرات، أضف إلى ذلك توقف القطاع السياحي بسبب كورونا، وقلة تحويلات مغاربة المهجر من دون نسيان تداعيات الجفاف على الفلاحة، الشيء الذي سيؤدي إلى انخفاض كبير للاحتياط الوطني من العملة الصعبة. في نظرك، ما هي الوصفة الناجعة لتجنب الكارثة الاقتصادية لا قدر الله؟

رغم كل العجز الذي سببته كورونا على مستـوى مداخيـل الميـزانية، وعلى مستوى ميـزان الأداءات، وعلى رصيد العملة الصعبة لبلادنا، أظن أنها أزمة ويجب تدبيـرها وإيجاد حلول. أما مشكل الاقتصاد الوطني فهو في رأيي يرجع إلى ما يعانيه من عوائق هيكلية تمنع تقدمه. للأسف نحن لم نحسم في الاختيارات التحديثية الكبرى الضرورية في منظـومة التـدبيـر، و لا زلنا تقليدانيين في مقارباتنا ونرفض تحـريـر الطاقات بالشكل الكامل، و تأخرنا كثيـرا في عصرنة التدبيـر في مجموعة من القطاعات، و لا زلنا لم نضبط الحكامـة بشكـل تـام، الشيء الذي يضيع علينا فرصا استثمارية متـاحـة، و يحرمنا من أن نستفيد جيدا من رصيد المنجزات و التجهيزات الهيكلية التي وفرتها بلادنا خلال العشرين سنة الماضية (الموانئ الكبرى و الربط البحري / الطرق السيارة و السككي / صناعة السيارات / التحول الطاقي / عصرنة قطاع الفوسفاط …إلخ).

في اعتقادي، لن نعيش كارثة اقتصادية. كل ما هنالك هو أننا سنسجل كغيرنا من الدول، تراجعا كبيرا في نسبة النمو و تقلصا في الناتج الداخلي الخام، ثم ابتداء من أواسط سنة 2021، ستبدأ الأمور في التحسن التدريجي إذا نحن اتخذنا ما يلزم من إجراءات. نحن قادرون على المنافسة بشكل أفضل من غيرنا من الدول في هـذه الظروف الصعبة، ويمكننا من خلال نموذج تنموي جديد، وعبر دعم السيادة الوطنية الغذائية و الطاقية، وتقليص أثر ظاهرة الجفاف التي أصبحت هيكلية، والتعاطي مع ثقل القطاع غير المهيكل و أبعاده الاجتماعية المختلفة، أن نسترجع ما سيضيع علينا خلال هذه السنة. كما يجب أن نجعل الشراكات الاقتصادية التي لدينا، تخدم الإنتاج الوطني و تقوي صادراتنا، و تمنحنا فرصا استثمارية جديدة.

كل شيء ممكن بشرط إعادة الاعتبار لقيـم أساسية يستلـزمها التنافس الحـر و الإنتاج المستدام الذي يثمـن الثروات الطبيعيـة و يحفـظ المـوارد. علينا تعزيز الثقة في قدرة الشباب المغربي على الإبداع والابتكار، وقد حان الوقت كي نتـوفـر على سياسـة عمومية تـدعـم البحث والتطوير، وتربط الفضاء العلمي والأكاديمي التقني مع عالـم المقـاولـة. لا يمكن أن تظل هذه القطاعات بعيدة عن بعضها البعض.

هنالك تكامل ممكن تفرضه الحاجة إلى أعلى درجات القدرة على استيعاب التحولات التكنولوجية الحالية في العالم وما نحن مقبلون عليه من عصر رقمي من الجيل الجديد.
بشكل عام، بعد الجائحة الوبائية و الأزمـة التي تسببـت فيهـا، كي نمنـح اقتصادنا كامـل حظـوظـه لينهـض في المستقبـل، يتعيـن اعتمـاد ثلاثـة مبـادئ أساسيـة :
1/ تكريس الأولوية الوطنية في الاستثمار و في الإنفاق و في التدبير.

2/ الرهان على شراكة اجتماعية جديدة بين الدولة و الرأسمال الوطني و المواطنين، نلتزم بموجبه بإطلاق الطاقات الإنتاجية و الاستثمارية و تحريرها من أية عراقيل، و إعادة صياغة المنظومة الجبائية لتكون عادلة و متوازنة و مُحفزة و كافية لتعبئة الموارد الضرورية لتتمكن الدولة من تحقيق توزيع ناجع للإمكانات و الاهتمام بالفئات الهشة و تقليص التفاوتات المجالية.

3/ تطوير نظام الحكامة ليعكس ربط المسؤولية بالمحاسبة بدون أي تردد أو ارتباك، وبشكل يمنع أي اختلالات في التعاطي مع المال العام. نحن في زمن الأزمة، و لا مجال لأن نسمع عن أي تسيب في تأدية المسؤوليات العمومية، ولا في التعاطي مع الموارد القليلة بأقل من النزاهة المطلقـة.

هذه المبادئ يجب أن تـؤطـر صيـاغـة جيل جديد من السيـاسات العمومية على أساس تشاركي يجعلنا نستمـر في الإحساس الجماعي بأننا في سفينة واحـدة و علينا أن ننجـو جميعـا. الأهم ليس هو نـوع المكان أو المقعد الذي نحتله في السفينة، إنما هـو الإحساس المشترك بأن تطويـر الذات ممكن، و تعزيز المكتسبات متـاح، و أنه لا أحـد سوف يُنسى أو تضيع حقوقه و مصالحه أو يُترك على الهامش. وكي نصل بسلام، نحتاج إلى إدراك جماعي بأن علينا أن نقدم تضحيات و تنازلات نتضامن بها مع غيرنا، بشكل يتناسب مع حجم القدرة الموضوعية التي لدى كل منا على فعل ذلك، بالنظر إلى رصيد المكتسبات السابقـة للجميع، وذلك حتى تسهل عملية إيجاد تـوافقـات عملية حول البرامج التنموية و توزيع الميزانيات، بعيدا عن أي اعتبار فئوي أو قطاعي، و باعتماد أفق وطني شامل و متناسق يحقق التقائية في المجهودات المبذولة و يضمن بلوغ نتائج تحرك الدورة الإنتاجية و المساواة في العائد.

أطلـق المغـرب ورشا مهما يتمثل في إعـداد مشـروع لنمـوذج تنمـوي جديـد تشـرف عـليه لجنة فيها خبراء وفعاليات اقتصادية و مدنية. في نظرك ما هي الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من أزمة كورونا وتضمينها كتوصيات في النموذج التنموي المرتقب؟

هنالك ثلاثة دروس أساسية:

1/ الدرس الأول هو أن الوطن يعلو ولا يعلى عليه، وأنه هو الحضن الجامع الذي يستحق أن ننميه ونحفظ مصالحه الاستراتيجية.

2/ الـدرس الثاني هو أن الإنسان المغـربي يبقى ثروتنا الأولى التي يتعين الحفاظ عليها والاستثمار فيها وتثمينها وتقوية قدرتها على أن تتجدد وتتقوى وتنمـو.

3/ الـدرس الثالث هو أن علاقـة الشراكة بين السلطات العمـوميـة والهيئـات المنتخبـة والمـواطنيـن، إذا انضبطت لقيم المواطنة الإيجابيـة والقانـون والتشاركية و الحكامة الجيدة، يمكنهـا أن تخلـق العجائب وتُحقق المعجزات. و يجب أن نستثمر هذه الثقة المسترجعة كي نسير معا بأفق استراتيجي.
لذلك، أنا متفائل بأن المرحلة القادمة ستحمل لبلادنا فرصا قوية لتجاوز الذات و صناعة المستقبل على أساس صلب، و إعادة الاعتبار لقيم إنسانية من هويتنا الوطنية الأصيلة. كما سيحمل المستقبل كذلك تحديات جديدة ومخاطر حقيقية، لن يكون ممكنا التعاطي معها بعقلية مترددة أو بقناعات متذبذبة أو بسلوكات تطغى عليها الأنا و المصالح الفردية و الطموحات الصغيرة. الظرف هو لربط الكفاءة بالاستحقاق، و ربط المسؤولية بالمحاسبة و إبداع أنماط مغايرة في التدبير العمومي.
علينا ألا نترك شعلة الحماس الوطني تخبو قبل أن تشكل طاقة لتحقيـق الشحـن القيمي اللازم لمسيرة الإقلاع الشامل الممكن بعزائم أبناء المغـرب.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*