كتابات من الماضي

كتابات من الماضي.

هذه قراءة في فيلم تلفزي تم نشرها في أكتوبر 2004

في ملحق إذاعة وتلفزة بجريدة الأحداث المغربية.

 

الأمر يتعلق بفيلم “الدم المغدور” الذي كان قد أخرجه المخرج المغربي المتألق عادل الفاضلي، وشارك فيه الراحل محمد البسطاوي وابنه الطفل آنذاك هاشم البسطاوي، ومحمد خيي، ومحمد الشوبي، وبنعيسى الجيراري، ومحمد الخلفي، وفاطمة عاطف.

 

ربما كان المقال قاسيا نوعا ما في حق عادل الفاضلي.

لكننا كنا تعلمنا في جريدة الأحداث المغربية أن نعبر عن آرائنا دون مواربة ولا رياء، على أساس أن يكون الرأي قائما على استدلال وحِجاج Argumentation.

وهذا ما كان.

———————

 

شريط “الدم المغدور”

كتابة تائهة بلا حلول

أحمد الدافري – ملحق إذاعة وتلفزة – الأحداث المغربية.

 

قدمت القناة الأولى ليلة الاثنين 25 أكتوبر 2004، شريطا تلفزيونيا من إنتاجها يحمل عنوان “الدم المغدور”، كتب له السيناريو والحوار أحمد الطاهري الإدريسي عن قصة لمخرج الفيلم عادل الفاضلي الذي تكلف كذلك بإدارة التصوير و بتنفيذ الإنتاج.

 

ينتمي هذا الشريط إلى صنف الدراما الاجتماعية التي تتمحور حول الخير والفضيلة والتسامح كقيم نبيلة، مقابل الشر والرذيلة والحقد كعيوب مشينة.

 

وبالنظر إلى المجهود التقني المبذول، والأداء القوي للممثلين، كان من الممكن للفيلم أن يُحقق قدرا كبيرا من المتعة، وأن يرقى إلى مستوى عالٍ من الإقناع و الجودة، لكن الخيوط المؤدية إلى الفرجة، ضاعت في دروب قصة متهالكةٍ من حيث البناء والحبكة، وتاهت وسط أسلوب إخراجي متكلّف، فيه بعضٌ من ملامح سينما الويستيرن التقليدية، وكثيرٌ من توابل الأفلام الهندية الرومانسية.

 

■ في البدء كان العداء

 

تتشكل قصة الفيلم داخل قرية جرداء، لا نبت فيها و لا زرع، يشتغل أهاليها في منجم لاستخراج شيء ما، لم نعرف لا لونه ولا حجمه ولا وزنه، ولم يفكر كاتب السيناريو أن يعطينيا أية معلومة عنه، علما أن الأمر يتعلق بفضاء يحتضن أهم المواقف والأحداث، ومن غير المعقول أن يتم التعامل معه من حيث الكتابة باعتباره فضاء خاضعا للتأويل، في الوقت الذي كان ممكنا تحديد طبيعة ما يتم استخراجه منه من مواد، هل هي رصاص أو زنك أونحاس، أو غيرها من المواد، التي ربما ضعف تكلفة الإنتاج حالت دون التدقيق فيها .

 

فضاء يوحي بالبؤس والشقاء والعزلة، وتزداد وحشته بصرخات” فاطمة ” (فاطمة عاطف) التي تمزق سكون الليل. وهي في حالة مخاض عسير، تلوى من شدة الألم، غير آبهة بتوسلات الجارة “حليمة ” (فاطمة وشاي) التي تناشدها بتحمّل عِناد الوليد، ولا بأدعية المُولّدة المُسنّة التي تتأهب لاستقبال القادم الجديد.

 

يطير “ادريس” (محمد خيي) ابن “حليمة” في اتجاه الورشة ليخبر صديقه “جلول” (محمد الشوبي) زوج “فاطمة” بالأمر.أمام الأعين الحاقدة لكل من “الكاموني” (محمد بسطاوي) ورفيقه في الشرور “عباس” (بنعيسى الجيراري).

 

نعرف فيما بعد أن “ادريس” يشتغل هو الآخر في المنجم، لكننا لم نفهم ولو من خلال حوار بسيط سبب وجوده خارج موقع العمل لحظة المخاض .

 

قد لا يكون طرح الأسئلة دوما ضروريا، لكن في كتابة السيناريو ، الإجابة عن السؤال : لماذا ؟ تُفضي بالمآزق التي تواجهها الكتابة إلى البحث عن الحلول، وتكشف عن العلاقة بين العلة والمعلول .

 

يُسفر الطّلقُ إذن عن مولود ذكر يتلقفه أبوه و يسميه “أحمد “، ويبدأ “الكاموني” و “عباس” بإظهار ما يضمرانه من حقد وغيرة إزاء “جلول”، خصوصا حين يبدي رئيس الورشة “احميدة ” ( محمد الخلفي) إعجابه بهمته وإخلاصه، فيتضاعف نزوعهما الإجرامي، ويَنصَبان فخا لقتل ” احميدة ” داخل المنجم في مشهد بعيد عن الواقعية وقريب من رومانسية الأفلام الهندية، اعتقادا منهما أن واحدا منهما سيخلفه في حالة هلاكه، كن “جلول” سيفطن للمؤامرة وسيهب لإنقاذ رئيسه.

 

■ نهاية “جلول” المفجعة

 

يكبر “أحمد” و يصبح طفلا (هاشم بسطاوي)، ويترقى “جلول” في عمله، ويصبح رئيسا للورشة، دون أية إشارة إلى ما آل إليه الرئيس السابق “احميدة “، الذي اختفى وانسحب من الأحداث دون أن نعرف لماذا ولا إلى أين ذهب، وكيف أصبح، وكان ممكنا تجنب هذا التعتيم المعيب في الحكاية، من خلال حوار بسيط وقصير يحتوي على معلومة حول مآل الرئيس السابق “احميدة”.

 

وهكذا، تزداد أحقاد “الكاموني” تأججا، ويدعو “جلول” إلى خوض معركة في المصارعة.

 

نعم يدعوه إلى أن يتصارع معه في ساحة أمام الناس، مثل ما يحدث في الأفلام الأمريكية التي تتناول قصص الرومان التي يتصارع فيها البطل الروماني الذي يمثل الخير مع عدوه الذي يتآمر ضده ويكن له الشر.

 

فتكُون المبارزة و يتم النِّزال، و تبدأ الأيدي في التشابك، وتظهر على المتصارعين آيات التهالك، ويشتد العناق، ويكثر الخناق، لا لشيء، سوى لكي يثبت كل واحد منهما للناس أنه أولى بالرئاسة.

 

تنتهي المعركة بهزيمة “الكاموني”، في مشهد فانتازي بعيد كل البعد عن المعقولية، و موغل في الافتعال وعدم المصداقية.

 

ينتهز “الكاموني” ورفيقه “عباس” فرصة وجود “جلول ” صحبة ابنه ” أحمد ” في الخلاء، وانغماسه في لحظة تأملٍ بلهاء، فينقضان عليه من الخلف، في مشهد هو الآخر غير متقن ، ويضغط “الكاموني” على عنقه حتى الموت، ويعلقانه بحبل من عنقه في شجرة، أمام أنظار الطفل “أحمد” الذي يكون مختبئا بين أغصان شجرة مقابلة.

 

■ لماذا لم يتكلم الطفل أحمد ؟

 

يعدو ” أحمد ” نحو البيت مصدوما فتستفسره أمه عن حاله وحال أبيه.

لكنه يبقى صامتا ولا يتكلم .

لماذا؟

لا يوجد أي مبرر معقول لصمته في سياق ما جرى من أحداث.

 

يشيع في القرية خبر انتحار “جلول “، و تتخذ الحكاية مسارا غير معقول .

 

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هو كيف لم تحقق أجهزة الدرك في الجريمة بالرغم من أن الكل كان على علم بالعداء الكبير الذي كان يظهره “الكاموني” لِ “جلول “، والكل كان على علم بالمعركة التي دارت بينهما قبل أيام قليلة ؟

 

هل هذا يعني أن رجال الدرك الذين لم نفهم لماذا تم تصوير أحدهم بزي رسمي يخالف المعهود، غير قادرين على القيام بأبسط الإجراءات لإظهار الحقيقة إلى الوجود؟

 

ثم لماذا بقي الطفل “أحمد” صامتا ولم يكشف عن مرتكبي الجريمة؟

 

ولماذا لم يتم التحقيق معه، خصوصا أنه آخر من كان رفقة الضحية؟

 

■ “فاطمة” تتخلى عن ابنها و تتزوج

 

تُجبر “فاطمة” ابنها “أحمد” على أن يرحل من القرية إلى المدينة للعيش في كنف أختها بالرغم من إلحاحه في البقاء معها، وهذا سلوك غير مفهوم وغير مبرر ومثير للاستغراب.

 

فإذا كان لابد من الرحيل عن القرية، لماذا لم ترحل معه؟.

 

هل يمكن لامرأة أن تتخلى عن ابنها الوحيد، لتبقى في مكان لم يعد لها فيه مبرر وجود، منغمسة في طقوس ترنّحٍ و وَجَدٍ و جذب؟

 

لنقبل بهذا الوضع على مضص ونتابع .

 

يتقاطر الخُطاب على “فاطمة”، من بينهم ” احميدة ” الذي عاد إلى الظهور، و” الكاموني”، وكأنها هي المرأة الوحيدة في القرية القادرة على إثارة الرجال. فترفض الجميع، وتعرض نفسها على “ادريس” الذي يوافق أن تكون له حليلة.

 

يجن جنون “الكاموني” و يستبد به الحنق، فيسرع بإضرام النار في بيت ” فاطمة “، في تصرف أرعن، وكأن الحياة لم يكن ممكنا أن تستقيم له دون زواجه بفاطمة.

 

■ “أحمد” يعود وينتقم

 

تتوالى الأيام و الأعوام، و يعود ” أحمد ” إلى القرية شابا صلبا.

 

يتضح من الحوار أنه لم يأت إلى القرية منذ أن غادرها، ويقول بأنه كان رحل عن القريةطوعا كي ينسى , لكن الحقيقة أن أمه هي التي كانت قد أرغمته على الرحيل , وهنا يظهر أن هناك عدم تناسق في بناء الأحداث، وأخطاء في المعلومات التي تمر عبر الحوارات.

 

يلتقي “أحمد” في الخلاء مع “عباس” و يقتله، ثم يداهم “الكاموني” في بيته و يجره إلى المكان الذي قُتل فيه أبوه. و هناك سيقوم المخرج بحبك مشهد منسوخ من عمل أجنبي، و يدعو المشاهدين للتملي بعملية قتل همجية، يقضم فيها “أحمد” أذن “الكاموني” بوحشية، ويرفع وجهه مستنشقا الهواء، و يلقي من فمه بجزء الأذن الذي قضمه في الفضاء.

 

مشهد مستنسخ بالتمام والكمال، من فيلم

(midnight express)

الذي كتبه أوليفر ستون، و أخرجه ألان باركر سنة 1978، وقام فيه بدور البطولة الممثل براد ديفيس في أحد أقوى أدواره قبل وفاته سنة 1991 .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*