swiss replica watches
فاطمة كنون.. طبيبة مغربية تحمل لواء الحرب على السرطان في السنغال – سياسي

فاطمة كنون.. طبيبة مغربية تحمل لواء الحرب على السرطان في السنغال

( بقلم: عبد اللطيف أبي القاسم)

دكار – عاشت السنغال قبل أربعة أشهر نسخة أخرى من تظاهرة “أكتوبر الوردي” التي تشهد على مدى شهر كامل، كل سنة، تنظيم لقاءات وأنشطة تحسيسية لمكافحة داء السرطان في صفوف النساء، وهي الأنشطة التي تندرج في إطار حرب على الداء الخبيث تحمل لواءها طبيبة سنغالية من أصل مغربي تدعى فاطمة كنون.

وفي واقع الأمر، فإن “أكتوبر الوردي” ليس سوى جولة من جولات عدة من هذه الحرب التي جعلت منها السيدة كنون “معركة حياة” مكنتها من البصم على مسار حافل بالإنجازات التطوعية مكنتها من تقديم “جليلة” لمرضى السرطان في السنغال، وبوأتها جوائز وشهادات لم يكن أقلها أنها اختيرت كإحدى الشخصيات التي ميزت سنة 2018 في السنغال.

من أب مغربي ينحدر من مدينة فاس، وأم هي نفسها ثمرة زواج مختلط، ولدت فاطمة كنون في السنغال وكانت آخر العنقود في عائلتها بعد أخ واحد وثمان أخوات. لم تنعم كنون بنعمة الأب مدة طويلة حيث توفي والدها وهي لم تتجاوز بعد عامها الأول، قبل أن تمضي بها السنون وتعي بالضبط حجم المعاناة التي وجدتها أمها في تربيتها هي وإخوتها، وحرصها على أن تتم دراستها مجسدة أولى دروس الكفاح في حياة لا تأتي دائما كما يشتهي المرء.

هذا المسار الدراسي توجته كنون التي حصلت على الباكالوريا سنة 1981، بشهادة دكتوراه في الطب من جامعة دكار، قبل أن تتبعه بدبلوم جامعي دولي في تقنية الكشف عن سرطان عنق الرحم بالمنظار من باريس سنة 2002. وهي اليوم، ومنذ سنة 1997، تشغل منصب طبيبة مكلفة بوحدة الكشف عن سرطان النساء وعلاجه بمستشفى لودونتيك بدكار. وبالموازاة مع هذا التكوين الدراسي والأكاديمي ترسخ شغفها بالعمل التطوعي طفلة وفتاة وشابة وربة بيت وطبيبة تعالج أدواء الرجال والنساء على حد سواء.

تقول كنون في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء إن “قصتي مع التطوع بدأت مذ كنت طفلة صغيرة في المدرسة الابتدائية، وتعززت أكثر في سنوات الجامعة في تسعينيات القرن الماضي، حين أسست رفقة زملاء في كلية الطب بدكار جمعية أطباء الأدغال حيث كنا نتوجه لأعماق البلاد لتقديم استشارات طبية لفائدة الساكنة المحلية”.

هذا العمل التطوعي سيصبح أكثر تخصصا عندما ستصبح طبيبة متخصصة في أمراض السرطان. ذلك أن كنون الإنسانة ستعاين المعاناة اليومية للمصابين بالداء الخبيث ولاسيما في صفوف النساء، ولن تجد أفضل من الانخراط في الرابطة السنغالية لمحاربة السرطان للإسهام بنصيبها في تخفيف هذه المعاناة.

تأسست الرابطة السنغالية لمحاربة السرطان سنة 1985، لكنها للأسف كانت جسدا بلا روح، تقول كنون، مضيفة أنه قررنا أن نبعثها من جديد سنة 2009. سنتذاك اختيرت لمسؤولية أمينة المال في مكتب الرابطة، وهو المنصب الذي ظلت تشغله إلى غاية سنة 2014، حيث ستسند لها مهمة رئيسة الرابطة.

“شرعنا في الرابطة في تنظيم العديد من الفعاليات التحسيسية ضد السرطان، وتوجهنا لأقصى تخوم البلاد”، تقول كنون وهي تتذكر سلسلة القوافل الطبية التي ذرعت فيها رفقة متطوعي الرابطة أرض السنغال “شبرا بشبر وذراعا بذراع”.

وتوضح بالقول “زرنا أبعد المناطق، وتوجهنا لأكثر من 23 مدينة، نشتغل بمعية المراكز الصحية المحلية ونقدم تكوينات للقابلات في مجال الكشف عن سرطان الرحم بلغ عددهن لحد اليوم 1617 قابلة، ونوزع أجهزة لعلاج الندوب قبل-السرطانية في كل مدينة نزورها، كما ننظم حملات تحسيسية بضرورة الكشف المبكر عن السرطان في صفوف النساء على الخصوص”.

تشعر كنون بالفخر لما حققته الرابطة السنغالية لمحاربة السرطان من منجزات. على جدار في مكتبها في مقر الرابطة علقت صورة لها مع الرئيس السنغالي ماكي سال. تقول كنون وهي تشير إلى الصورة “إن استقبال رئيس الجمهورية لنا كان له وقع كبير على تحسين خدمات الرابطة وتعزيز أنشطتها. لقد استقبلنا مرتين. في الاستقبال الأول في فبراير من سنة 2016 بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السرطان، قرر الرئيس دعمنا بمبلغ عشرة ملايين فرنك إفريقي سنويا، ثم حفز بعد ذلك مختلف الوزارات على تقديم دعم دوري لنا”.

هذا الدعم إلى جانب موارد أخرى نعمل على تعبئتها، وشراكات نعقدها مع أطباء القطاع الخاص، ساعدنا في تخفيف العبء على المرأة التي ترغب في الفحص عن السرطان بنسبة 75 في المائة من كلفة الفحص.

تفخر كنون بكون المرافعات التي قادتها الرابطة طيلة سنوات اشتغالها دفعت بقضية محاربة السرطان خطوات كبيرة إلى الأمام. وهي اليوم سعيدة لكون هذه المرافعات قادت إلى جانب جهود الحكومة السنغالية إلى توقيع اتفاقية مع الحكومة الكورية لبناء مركز لمحاربة السرطان في ديامنياديو (31 كلم عن دكار) ننتظر فقط وضع حجره الأساس.
لم تكن الحرب على السرطان وحدها معركة السيدة كنون، ذلك أن خدماتها التطوعية ستطال مجالا لا يقل أهمية، يهم شريحة الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية، حيث انخرطت الطبيبة ذات الحس الإنساني الرفيع في عضوية الأولمبياد الخاص السنغالي الذي يهدف إلى ضمان تفتق الأشخاص من ذوي الإعاقات الذهنية.

تقول كنون إنها التحقت بالأولمبياد الخاص السنغالي سنة 2007، بعدما طلب منها مسؤولوه ذلك، وهي تشغل منذ ذلك الحين مسؤولية المديرة الطبية التابعة للأولمبياد بعدما خضعت لتكوين خاص بهذه الفئة هي التي تعاني حفيدة إحدى أخواتها من التثلث الصبغي 21.

تقدم كنون في إطار هذا الأولمبياد، إلى جانب أطباء آخرين متطوعين، استشارات طبية أسبوعية للأطفال الذين يعانون من الإعاقات الذهنية وذلك في المدارس التي يتابعون فيها دراستهم في العاصمة دكار، وكذا لأفراد هذه الفئة في مدن أخرى.

“هدفنا أن يحظى هؤلاء الأطفال بالرعاية الصحية اللازمة، وأن نمكنهم من مزاولة نشاط رياضي، وأن نجعل أسرهم تتحرر من الخجل من حالهم حتى لا يتركوهم ضحية للانطواء”، تقول كنون، قبل أن تشير إلى أن إحدى ثمرات عمل الاولمبياد الخاص السنغالي أن 27 من أعضاءه سيشاركون في الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص التي ستحتضنها أبو ظبي خلال الشهر الجاري.

في جواب على سؤال حول القيم التي ترغب في نشرها عن طريق العمل التطوعي، تقر كنون أنها المستفيد الأول بالأساس. “أريد أن أعطي معنى لحياتي.. أن أكون ذات جدوى في المجتمع الذي أعيش فيه.. وأن أخدمه عبر المعارف التي أتوفر عليها”.

شهادات المعجبين بها والمستفيدين من خدماتها تملأ صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وتبرز حجم العطاء الذي تقدمه كنون، والذي لا يوازيه سوى الامتنان الذي يكنونه لها.

أحدهم يحمل اسم ديد كوليبالي كتب يقول في تعليق على إحدى صورها “أنت امرأة مكافحة.. ذات قلب كبير.. لك الشرف كله أيتها السيدة العظيمة”، فيما علقت فتاة تدعى آية ديوب على صورة أخرى بالقول “إنها امرأة عظيمة. أقدر فيها، من بين أمور أخرى، تعاطفها مع الآخر، وتواضعها، وانخراطها الموصول في المعركة ضد السرطان. جزاك الله خيرا”.

وفيما يبدو أنه “مديح مستحق” للسيدة كنون، فقد تكرست محبة العامة لها ولمبادراتها في نيلها لجائزة (المواطنة الإفريقية النموذجية-2018) التي يمنحها (كلوب موديل)، واختيارها من النساء اللواتي ميزن سنة 2018 في السنغال من طرف (مجموعة المستقبل الإعلامية الخاصة)، وكذا نيلها لجائزة (سفيرة أواردز 2017).

علاقة كنون بالمغرب ظلت قائمة حيث تزوره مرارا على فترات قصيرة، لتصل الرحم مع أفراد عائلتها الكبيرة بمدينة فاس. كما سبق للمجلس الوطني لمغاربة السنغال، الذي تشغل منصب نائبة رئيسه، أن انتدبها لتمثيله في الاحتفالات بعيد العرش المجيد سنتي 2004 و2014.

تبذل كنون وهي أم أطفال، مجهودا للتوفيق بين حياتها الأسرية وحياتها المهنية وأنشطتها التطوعية. وإذا كانت قد استطاعت تحقيق هذه المهمة، فلأن “لي زوجا رائعا يدعمني بقوة. لم أكن لأقوم بكل هذه الأمور لولاه”. وإذا كانت تشرف على تدبير بيتها وأشغاله فإنها تدخل للمطبخ بالخصوص أيام الأعياد. “أحرص على تحضير الحلويات وأطباق الأعياد الرئيسية كعيد الفطر والأضحى بنفسي”.

على أن للسيدة كنون هوايات أخرى تمارسها في الأوقات التي تسرقها من زحمة المسؤوليات. “أحب الرسم.. أرسم لوحات تشكيلية صغيرة. وأحب البستنة أيضا وقراءة الكتب والتأمل في البحر”.

في اليوم العالمي للمرأة، تود كنون توجيه ثلاث رسائل أساسية لبنات جنسها. أولى الرسائل أن على المرأة أن لا ترتهن في معيشها اليومي للرجل. تعلمت من أمي التي فقدت زوجها مبكرا، وشمرت عن ساعديها لأجل تلبية احتياجات ابناءها، أن النساء لا يجب أن يبقين مكتوفات الأيدي في انتظار دعم الرجل”.

ثاني الرسائل التي تود كنون توجيهها تنطلق من اعتبارها طبيبة، حيث تنصح في هذا الإطار النساء بضرورة الحرص على الفحص الدوري للسرطان باعتبار أن الكشف المبكر عن هذا الداء يمكن من علاجه بشكل أسرع وأنجع. ولأمهات الأطفال من ذوي الإعاقات الذهنية، تقول كنون “لا تشعروا بالخجل من مصاب أبنائكن. ساعدوهم على الخروج لنور الشمس وإبراز مواهبهم والاعتناء بصحتهم”.

طبيبة وفاعلة جمعوية ومتطوعة ونموذج لنساء بلادها، تكرس فاطمة كنون صورة المرأة المتعلمة المنخرطة في كل ساحات النضال رافعة لواء الحرب على السرطان. والبريق الذي كان يلمع في عينيها وهي تتحدث عن تجربتها الإنسانية يوجه لمن يجالسها رسالة جلية مفادها “لن يسقط اللواء”.
ومع

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*