من الهامش إلى المنصة: الجيل الثاني يحتفل بذاته بالفكاهة والهوية في قلب ميليانيانو

من الهامش إلى المنصة: الجيل الثاني يحتفل بذاته بالفكاهة والهوية في قلب ميليانيانو

ميليانيانو – ميلانو | خاص لجريدة سياسي

 

صور: أليكس Alex ونور الدين

 

بين فضاءات مسرح بلدة ميليانيانو وسحر الكوميديا الارتجالية، كان ملتقى أفراد من الجالية الذين احتفلوا بالجيل الثاني من أبناء المهاجرين المغاربة في إيطاليا، في مبادرة رمزية من الجيل الأول، من صمت الهوامش إلى صوت المسرح.

الحدث، الذي نظمته جمعية الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن (SMIS – Spazio Marocchino Italiano per la Solidarietà)، شكّل لحظة بارزة في مسار التعبير الثقافي لهؤلاء الشباب الذين يتقاطع فيهم المغرب وإيطاليا، اللغة واللسان، الضحك والهوية.

في قلب بلدية ميليانيانو، وبحضور شخصيات رسمية من بينها رئيس البلدية د. فيتو بيلّومو ونائبة القنصل المغربي بميلانو، احتشد جمهور متنوع لمتابعة عرض فكاهي قدمه الفنان الشاب لفرندي رمزي، أحد أصوات الجيل الثاني الذي قرر أن يروي تجربته على طريقته: بالضحك، بالنقد، وبمساءلة الواقع.

ويقول يحيى مطواط، رئيس جمعية الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن: “كثير من الجمعيات تستقدم فنانين من المغرب وتنجح في مخاطبة الجيل الأول من الجالية، لكن الجيل الثاني لا يتفاعل بالطريقة نفسها. نحن قد نفرح لأننا نسترجع نوستالجيا عاشرناها، أما أبناؤنا فهم يعيشون واقعًا مختلفًا، لا يجدون أنفسهم في كثير مما يُقدّم.

ولهذا، يأتي هذا العرض… لتقديم صوت مختلف، فنان من الجيل الثاني، يعرف ثقافة المهاجرين الأوائل وأيضًا يعيش واقع أبناء هذا الجيل هنا.” 

ويضيف: “هدفنا ليس ربحيًّا، بل ثقافي، لنربح شابًا بهوية إيطالية مغربية ويؤمن بثقافتنا ويجسدها بطريقته، ويصل بها إلى أبناء جيله.” 

 

لم يكن العرض مجرد فقرة فنية، بل لحظة اعتراف جماعية بوجود جيل يعيش بين عالمين، ويبحث عن لغته الخاصة وسط تعقيدات الانتماء والتمثيل. رمزي، الذي حمل الجمهور بين مشاهد من الحياة اليومية والتجارب المهاجرة، جسّد عبر العرض حلمًا فرديًا ومشهدًا اجتماعيًا في آنٍ واحد.

 

ويقول رمزي لفرندي: “أقدّم هذا العرض ليس فقط لإضحاك الجمهور، بل لكسر الجليد: بيننا كجيل ثانٍ وبين أهلنا، وبيننا وبين الإيطاليين، وبيننا وبين جمهور لا يعرفنا. حان الوقت أن يعرفنا الجميع كما نحن، أن يسمعوا صوتنا لا كمجرد امتداد للجيل الأول، بل كهوية قائمة بذاتها، هجينة، صادقة، ومليئة بالسخرية.” 

 

الاحتفاء لم يقتصر على العرض، بل شمل تكريم عدد من الشخصيات ذات الأثر الثقافي والاجتماعي، بينهم الفنان والمغني مالكوم رافاييلّو كرياتوري، والكاتبة وعالمة الاجتماع اللغوي صوفيا عبيد، والحرفي العالمي أحمد أيت سيدي عبد القادر، صانع كأس العالم الشهير، الذي بات رمزًا لصنعة مغربية تجاوزت الحدود، والإعلامي والمخرج المسرحي والوثائقي عبد المجيد الفرجي. 

 

ويعلق طارق بنور، عضو الجمعية، قائلاً: “ما نقوم به هو ربط بين ضفتين: ثقافة الجذور وثقافة العيش اليومي. رمزي ليس مجرد فنان شاب بل ظاهرة تعبّر عن التحول الثقافي الذي تعيشه الجالية المغربية في إيطاليا. العرض يعكس هذا التوتر بين الماضي والحاضر، بين الحب والرفض، بين الجذور والرغبة في الطيران.” 

 

الحدث أعاد التأكيد على أهمية توفير مساحات للجيل الثاني للتعبير عن ذاته، ليس فقط عبر اللغة الأكاديمية أو المؤسساتية، بل أيضًا عبر أدوات شعبية وقوية التأثير مثل الكوميديا والفن. كما أظهر كيف يمكن للثقافة أن تكون جسرًا حقيقيًا بين الجذور والواقع المعاش، بين الأصول والطموحات الجديدة.

 

في زمنٍ تتصاعد فيه التوترات حول الهجرة والانتماء، كان هذا الاحتفال مثالًا مضادًا للصورة النمطية: شباب يتحدثون بطلاقة، يمزجون لغتين، ويمثلون جسورًا حية بين ضفتين. لم يكونوا موضوعًا للنقاش، بل صناعًا للخطاب.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*