swiss replica watches
لا سيفة لا مجي بكري – سياسي

لا سيفة لا مجي بكري

 

مصطفى خداري
مدير مدرسة تعليم أساسي بأمستردام

عندما كانت توزع نتائج فروض الرياضيات على تلاميذ القسم السادسة أدبي أ, كانت كل الأنفاس تنحبس و كل الأنظار تشرئب في اتجاه واحد.

و كل الآذان تصغي بكل ما أوتيت من دقة لمعرفة النقطة التي سيعلن عنها أستاذ مادة الرياضيات السي أحمد رحمه الله. هذه المادة التي كانت تشكل صعوبة كبيرة لتلاميذ الاتجاه الأدبي.
في الحقيقة كان الكل لا يخشى النقطة و إنما يتخوف من المقولة المشهورة التي كان يختتم بها الأستاذ تقييم الفروض.
” لا سيفة لا مجي بكري”.
مغزى هذه العبارة أن الفرض المقصود جمعت فيه من الأخطاء والعيوب ما تفرق في غيره. سواء من ناحية المظهر أو المضمون.
هذه المقولة – الجد معبرة- لازالت عالقة بذهن سمير لمدة تفوق الأربعين سنة.

و لم يسبق له أن استعملها في حالة من الحالات.لسبب بسيط هو لأنه لم يعثر على حالة شبيهة تلائم المقولة.
و لكن آن الوقت أن يستعملها في حالة تستحق الظفر بهذا اللقب عن جدارة واستحقاق.
إنها وضعية ” تجزئة أم كلثوم” المشؤومة التي تتواجد في مدخل مدينة مرتيل.

هنيئا لهذه الثكنة السكنية من الأعماق بهذا ” التشريف المتميز”!
إنها بالفعل تجزئة سكنية تنعدم فيها كل شروط السكن. شيئ مخالف تماما لما كان مسطرا على التصاميم الأولية للتجزئة.

كان حلم سمير الذي قضى سنته الأولى في المهجر أن يمتلك مسكنا في مدينته الجميلة تطوان أو بالقرب منها. مسكنا لقضاء عطلته بين الأهل والأحباب و ربما للاستقرار فيه نهائيا بعد العودة من الغربة.
وكيف يمكنه رفض ” همزة” امتلاك سكن في مرتيل, و هو الذي يعشق البحر الى حد النخاع؟.
زار سمير مكتب البيع في مدخل التجزئة عندما علم بالمشروع السكني. المبنى الوحيد أنذاك في تلك المساحة الشاسعة التي تحادي جامعة مرتيل ولا تبعد عن وسط المدينة الا ببضعة أمتار. قابلته إحدى السيدات بابتسامة عريضة.
” مرحبا, تفضل”
أنصت سمير صحبة أحد أصداقه ,الذي اصطحبه الى عين المكان, بكل اهتمام للشروحات المقدمة. هذه الشروحات التي كانت تصب كلها في اتجاه واحد. أن “تجزئة أم كلثوم” تتوفر على كل المقومات لتصبح منطقة سكنية بامتياز.
” إنها فرصة لا تعوض. و لدينا أيضا جميع التسهيلات في الآداء”.
ثم أضافت السيدة التي مافتئت تعد محاسن هذا المشروع. و هي تتمايل يمنة ويسارا في كرسيها المتحرك وراء مكتبها, المليئ بالصور لمباني نموذجية تبهر الناظر. بالاضافة الى عدد من الملصقات الاشهارية التي تشيد بروعة المنطقة, و جودة المرافق الضرورية من طرقات مرصفة , مواصلات عمومية, انارة في كل أرجاء التجزئة, حاويات لرمي النفايات, مصحة, مركز للشرطة سوق للتبضع, الخ,. شيئ رائع.
” لن تندم على هذه الهمزة”, وهي تتقدم بكامل جسمها مبتسمة نحو سمير.
أية همزة تقصد هذه السيدة؟
عاد سمير الى ديار المهجر منتشيا ببداية تحقيق حلمه, بعدما تم التوقيع الرسمي على عقد شراء البقعة. و ظل في اتصال مستمر مع أهله و أحد أصدقائه, الذي تكلف بالاشراف على عملية البناء, متتبعا مراحل العمل خطوة خطوة. و كلما اقتربت العطلة الصيفية ازداد اشتياقه لزيارة الأهل و الأحباب و كدا التعرف عن قرب على مجريات العمل في مسكنه .

كانت فرحة سمير لا توصف عندما حل لأول مرة في الصيف لقضاء عطلته في بيته الجديد بمعية أسرته و عائلته التي شاركته الفرحة.
ولو أن عملية البناء داخل التجزئة كانت تعرف حركة نشيطة في السنوات الأولى مما أفرح سمير, غير أن غياب دور الجهات الرسمية و عدم الوفاء بعهدها عكر صفو هذه الفرحة .

روائح نثنة تعم المنطقة و تقتحم البيوت دون اذن أو استشارة, تواكبها أمواج الناموس العتيد الذي لا يخشى ولا يهاب أحدا. ظلمة حالكة تعم كل الطرقات و الآزقة ليلا تحتم على سمير وأسرته البقاء داخل البيت. هذه نتائج طبيعية أمام انعدام حاويات النفايات و مصابيح الكهرباء وغياب الأمن وطرقات كلها حفر مملوءة بالمياه والأوحال لاتحمل إلا الآسم.
هكذا ظلت أسرة سمير تتعاقب على القدوم كل صيف الى بيتها يحدوها الأمل.

كل سنة كانت تتمنى أن تلمس تحسنا ولو طفيفا في التجزئة. ومع الأسف كل سنة كانت تصطدم بالواقع المرير.
عندما رمم مدخل التجزئة و تم إصلاح جزء من الطريق المؤدية الى بداية السكن, استبشر الجميع خيرا. و لكن سرعان ما توقفت الحركة و ثم الاقتصار على إبراز وجه البيعة فقط.
دار لقمان ظلت على حالها رغم الشكايات المتعدة و رغم الوعود المتتالية التي أطلقها المسؤولون في مناسبات عدة.
بدأت درجة التذمر والاستياء تطغى على نفس سمير وأسرته سنة بعد سنة. ووصلت ذروتها منذ سنتين مضت حيث تعرضت سكناه للسرقة.
كل أمواله التي اسسثتمرها في الأثات و الأمتعة غابت في رمشة عين.

غير أن ما أحز في نفسه أكثر و ألمه ألما كبيرا هو السطو على كل حلي أمه التي حافظت عليها طيلة عمرها. و بين عشية وضحاها سلبت منها كل ذكرياتها بهذا الشكل.
ورغم كل هذا, أعيد من جديد ترميم كل الأبواب و النوافذ و تدعيمها أكثر لتفادي تكرار الواقعة.
لكن و مع الأسف الشديد تعاد الكرة بعد سنة من ذلك. كانت الضربة هذه المرة أكثر قوة. حيث تم ترحيل كل ما كان متواجدا في الدار عن آخره. و مما زاد الطين بلة هو غياب دور بنك التأمين لتعويض ولو جزء من الخسائر, رغم القيام بكل الاجراءات القانونية المعمول بها والادلاء بكل الوثائق.
أزيد من خمسة وعشرون سنة مضت على افتتاح هذه التجزئة ولازالت حالتها دائما حالة يرتى لها. لقد جمع فيها من المساوئ ما تفرق في غيرها. لازالت تقبع تحت الظلام و سط الأوساخ و طرقات يندى لها الجبين. تجزئة تفشت فيها السرقة ليل نهار في غياب الأمن و غياب الأضواء و المواصلات.
كفى كذبا و استهزاءا ايها المسؤولون! لم تعد وعودكم في حملات الانتخابات تجدي.
لقد أصبح سمير حائرا في أمره.
لم تعد أسرته متحمسة كما كانت من قبل للقدوم لهذا البيت, لم يعد أحد يحس بالأمن في هذا المكان, لم يعد أحد يثق في وعود المسؤولين, لم تعد أم سمير تستطيع المبيت لوحدها في البيت كما كان من قبل, لم يعد سمير يتحمل الاستثمار من جديد في هذا البيت أو في التفكير في مشروع آخر, لم يعد سمير يثق في التأمين, لم و لم …..
” الدعوة بكم لله” يحاول سمير استعادة أنفاسه.

لهذه الأسباب تستحق هذه التجزئة حمل المقولة المأثورة.
” لا سيفة لا مجي بكري”
وقائع حقيقية.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*