swiss replica watches
خميرة المثقف – سياسي

خميرة المثقف

 

فنجان بدون سكر:
خميرة المثقف
بقلم عبدالهادي بريويك
في سياقات متعددة استحضرت بعض الأقواس المبدعة التي ماتت في عصر نهضة الثقافة العربية، مات شاعرنا طرفة بن العبد مقتولاً بسبب جرأته في النقد وحدّة لسانه، ودفع بديع الزمان الهمذاني ثمن تمرده وسخريته من أهل عصره فدفنوه حياً، وعندما فتحوا قبره بعد أيام من دفنه وجدوه جالساً وقد أسند رأسه بيديه.. فقد كان الرأس مثقلاً بالكثير من الأفكار الخلاقة التي قُبرت معه.. وعبد الرحمن الكواكبي مات مسموماً، وعبد الحميد الديب كان غارقاً في البؤس، وحافظ إبراهيم ينتعل الماء بدلاً من الحذاء، وهو يسعى وراء وظيفة تضمن رزقه.. كانت أبصار هؤلاء المثقفين متجهة إلى الشعب، وليس إلى كبار المسؤولين، لقد كانوا يستمدون قوتهم المعنوية من جماهير قرائهم.
في وقتنا الراهن ، تغيّرت الصورة ، وصار المثقف يسعى إلى الجوائز الرسمية، ويصارع أقرانه للحصول عليها، وليس أمام المثقف الحقيقي خيار سوى أن يعيش في عزلة، ويعمل بصمت بعيداً عن أجهزة الإعلام، يعمل في محاكاة العقل وفي اختزال الإبداع بعيدا عن الأضواء.
لقد تزايد الخطر على الإبداع، وصار يوصف بالفنان الكبير من كان من هواة الرسم، وبالأديب الكبير من كان قد جرب كتابة القصة أثناء الدراسة، وما بين هذا وذاك تمردت الأقلام في سكون الليل وسكنت أوجاعها وهي تطل علينا بأفكار صامتة هجرتها الحقائق في مرارة الكتابة والإبداع وتزايدت أقلام السهام على موائد اللئام وتسعى إلى حجب الحقيقة بالغربال.
أليس ما صار يحدث عندنا اليوم من تدجين للأدباء والمفكرين، وتفريغ لأجيال جديدة من المثقفين في حضانات أجهزة الإعلام، هو الذي مهد لإبعاد المثقف الحقيقي عن موقعه المؤثر بين الجماهير؟
هل على النخبة الواعدة والصامتة أن تدق ناقوس الخطر، وتدق الباب بالأيدي الأريحية كلما غابت عن الساحة قضايانا المصيرية، وكلما تحول أديب ملتزم بقضايا الواقع إلى كاتب إعلامي مدجّن، يغفو قلمه وفكره طول السنة ليظهر في مناسبة رسمية، ويتوقف التاريخ على مبدعين هم فقط من يتم استدعائهم منذ نصف قرن في الصالونات والمؤتمرات ولا يتم تشجيع الأقلام المبدعة الحديثة والشابة الراغبة في تأثيث المشهد الإبداعي والاستمرارية وتخليق وتجويد المشهد الإبداعي الوطني وإثراءه وتعزيزه بدلا من تهميشه وعدم الاهتمام بما تجود به قريحته المبدعة؟ مفكرين ومبدعين جدد يضخون في شراييننا دماء جديدة تتناغم وحداثة العهد وتطوراته دون انفصام عن الذاكرة المبدعة الوطنية وما تتطلبه المرحلة من الإلمام والإبداع بمختلف الثقافات الإنسانية.

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*