swiss replica watches
اسحاق شارية يكتب: ثـــــــــــورة الملائكة – سياسي

اسحاق شارية يكتب: ثـــــــــــورة الملائكة

المحامي إسحاق شارية

ثـــــــــــورة الملائكة

في منظر سريالي جميل، اغتص شارع محمد الخامس بالرباط، بملائكة نزلت من السماء، وهي ترتدي أثوابها البيضاء الناصعة، إنهم المتفوقون من أبناء الوطن الذين اختاروا أن يحملوا مشعل معالجة جراح وأمراض الشعب ، إنهم أمل أمتنا المجيدة وغدها المشرق أطباء المستقبل، خرجوا بالآلاف ليملؤا الساحة المقابلة للبرلمان بأصوات حناجرهم المباركة والمنهكة بليال بيضاء من التحصيل العلمي، وسنين طويلة من الأزمة وانعدام المنح الدراسية أو هزالتها، والسكن الجامعي اللائق، وألم العائلات التي توفر من قوت يومها لتبعث أول الشهر مصروف إبنها الدارس في كلية الطب، وكل ذلك يهون في سبيل تحقيق حلم أسرة وعائلة ومجتمع في تخرج طبيب من رحم الفقر والأسى والمعاناة، لكن بجرة قلم تأتي الحكومة ووزير صحتها ليقف بكل قسوة على كل هذه الآلام والجراح ليزيد من حدتها ويفرض على هؤلاء الأبرياء معاناة أخرى وألما آخر ينضاف إلى سجل مسيرتهم المتعبة وذلك بفرض ترحيلهم إلى المناطق النائية والمهمشة عن طريق الإجبار والغصب لأداء خدمة إجبارية، عجزت الحكومة عن إيجاد حل معقول لها، فلم تجد سوى هؤلاء الشباب من الطلبة وحديثي التخرج باعتبارهم الحلقة الأضعف، في منظومة يسود فيها القوي على الضعيف، و يبقى إبن الشعب المنشفة التي تمسح فيها أخطاء الحكومة وسياساتها الفاشلة والمتغطرسة، لأنهم يعلمون مسبقا أن أبناءهم سيجدون لهم آلاف الأعذار والاستثناءات للتهرب من أداء هذه الخدمة الإجبارية، كما كان الحال أيام فرضت عليهم الخدمة العسكرية، حيث تملص منها أبناء النافذين وبقيت حكرا على الأطباء من أبناء الشعب الشرفاء.

لم يجد هؤلاء الأبرياء من الملائكة  عندما انتفضوا ضد مشروع القانون الذي يفرض عليهم أداء خدمة إجبارية في المناطق النائية في المغرب العميق، سوى شياطين السياسة الذين حاولوا أن يصوروهم للشارع وكأنهم مصاصوا دماء يرفضون أداء واجب وطني وإنساني في مساعدة سكان تلك القرى والمداشرالنائية، في محاولة شيطانية لكسر إرادتهم وحلمهم في مغرب يسوده العدل والإنصاف، ولا تستغل فيه حاجة الفقراء والمهمشين من أجل تحقيق نجاحات سياسية على أكتاف طلبة أبرياء.

وإذا كانت الحكومة المغربية قد استفاقت مؤخرا من سباتها وأحست بظلمها للمناطق النائية والمغرب العميق، وأن سياستها كانت غافلة لمدى سنين عن معالجة أزمة تلك المناطق، فإن الأمر يجب ان يكون من منطلق سياسة شاملة، تشمل تنمية مندمجة يؤدي فيها كل المواطنين على السواء واجبهم، إذ يفرض على المستثمر الإستثمار في تلك المناطق، وعلى الوزير زيارتها والإستماع لأهاليها، وعلى خريجي كافة الكليات والمعاهد أداء دورهم في المساهمة بتنمية تلك المناطق بجزء مما تعلموه خلال مسارهم الدراسي، سواء عن طريق محو الأمية، أو الزراعة أو التسويق إلى آخره، ساعتها لا يمكن للطبيب إلا أن يكون في طليعة هؤلاء الشباب مؤديا دوره بكل تفان وإخلاص كما عهدناه في مدرجات الجامعة، والمستشفيات والمستعجلات.

لكن أن تنحصر سياسية الحكومة في عمليات ترقيع لا هدف من خلالها سوى دغدغة عواطف سكان تلك المناطق، وذر الرماد على العيون، فإنه قد آن الوقت ليسمع سكان البرلمان احتجاجات من نوع آخر، إنها احتجاجات الطلبة وثورة الملائكة ضد الظلم والإقصاء والإذلال، التي ما إن تخرج إلى الشارع حتى يتبعها كل الشعب بشارات النصر والتأييد، لأنه يعلم صدقها وبراءتها، وأنها لا تعرف شيئا من قبح وألاعيب السياسة.

لهذا فرسالتي أن أنصتوا لهؤلاء بقلوبكم وضمائركم، ولا تتركوهم فريسة اليأس والإحباط، وتحياتي لكم يا أطباء الغد، يا ملائكة الوطن.

المحامي إسحاق شارية

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*