الداكي: الإفراج المقيد بشروط يتطلب مقاربة علمية ومكاشفة صريحة ترصد المعيقات والتحديات القائمة وتستشرف الرهانات المطروحة
قال الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بمناسبة افتتاح
الندوة العلمية المنظمة من طرف وزارة العدل حول موضوع: “الإفراج المقيد بشروط بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الادماج”* في الرباط-27 ماي 2024، قال الداكي “… كان البعض يرى ان الافراج عن المعتقلين قبل موعد انتهاء مدة عقوبتهم السالبة للحرية عاملا أساسيا في التقليص من عددهم ، وبالتالي التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية كنتيجة حتمية ، فإن ما لا يجب إغفاله أن الآليات القانونية التي أتاحها المشرع ، والتي تخول إمكانية انقضاء العقوبة السالبة للحرية قبل تمام مدتها لا يجب ان تختزل أهميتها في التخفيف من اكتظاظ السجون بقدر ما يجب اعتبار واستحضار ما تكتنفه من حمولة إصلاحية تكرس تثمين مسار السجناء المدانين الذين انخرطوا بجدية في برامج الإصلاح والتأهيل، وأبانوا عن حسن سلوكهم والتزامهم بالضوابط القانونية والتنظيمية التي تؤطر تواجدهم داخل الفضاءات السجنية. بالإضافة الى أنها تشكل عاملا محفزا لمعظم السجناء لأجل الانخراط التلقائي في برامج التأهيل والإصلاح والتطلع إلى الاندماج بعد الإفراج داخل النسيجين الاقتصادي والاجتماعي بشكل سليم وفعال.”
وأضاف الداكي “أن المشرع المغربي أقر مجموعة من الآليات القانونية التي تخول إمكانية الإفراج عن السجين قبل انقضاء مدة العقوبة السالبة للحرية المدان من أجلها ، ومن بينها الافراج المقيد بشروط ، وأحاطه بشروط توازي بين فلسفة الإصلاح والتأهيل والتحفيز من خلال وجوب استقامته وحسن سيرته و بين متطلبات الردع الذاتي واستشعار الخطأ المرتكب اتجاه النفس والضحية والمجتمع عبر وجوب قضائه لجزء من مدة العقوبة المحكوم بها عليه ، فاذا كانت العقوبة جنائية وجب عليه قضاء نصف المدة المحكوم بها عليه ، واذا كانت العقوبة جنحية وجب عليه قضاء ثلتي المدة المحكوم بها عليه.”
وابرز الداكي ” الجهود المبذولة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج ، ومن طرف الشركاء المعنيين بتنفيذ الاختصاصات المخولة لها ، سواء على مستوى تأهيل المؤسسات السجنية بنيويا ولوجستيكيا ، أو على مستوى إعداد وتنفيذ برامج إصلاحية لفائدة السجناء تجسد إرادة فعلية في تأهيل السجناء وفق مقومات تنأى بهم عن العود الى الارتماء في أحضان الجريمة من جديد ، وتتيح لهم تملك كفايات تربوية تؤهلهم للتعايش في المجتمع بما يكفل الانضباط للقواعد المنظمة للحياة العامة والاندماج الفعلي والسليم.”
وأضاف رئيس النيابة العامة ” أن الملاحظ في هذا الصدد، من خلال احصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج الواردة في تقريرها السنوي برسم سنة 2023، أن عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط لم يتجاوز 408 مستفيدين منذ سنة 2019 إلى غاية سنة 2023 ، أي بنسبة 5.8 بالمئة من مجموع الملفات المحالة من طرف المندوبية العامة على مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، والبالغ مجموعها 6972 ملفا. وفي المقابل نجد أن عددا من الدول تحرص كل الحرص على تفعيل الإفراج المقيد بشروط بشكل مكثف بحيث يصل عدد المستفيدين منه بكل من اسبانيا وفرنسا على سبيل المثال الى حوالي 8000 مستفيد سنويا، والى 18000 مستفيدا في السنة بكندا. الأمر الذي يدفع الى التساؤل حول الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط بمؤسساتنا السجنية ، هل هي أسباب مرتبطة بقلة الملفات المقترحة ؟، أم بشخصية المدانين وخطورة الأفعال المحكوم عليهم من أجلها أو بنظرة المجتمع إلى هؤلاء وعدم تقبله الإفراج عنهم قبل انتهاء مدة عقوبتهم ؟، أم هناك أسباب لها علاقة بالشروط المنصوص عليها في المنظومة القانونية ذات الصلة، والتي قد تتمثل في صعوبة توفير الوثائق المتصلة بتملك المعني بمقترح الإفراج لوسائل شخصية للعيش او لمهنة ذات دخل قار؟ ، أو لتعذر توفير شهادة إيواء أو شهادة من مشغل يلتزم بتشغيل المعتقل بمجرد الإفراج عنه تحت طائلة رفض الطلب؟. ثم هل من الضروري التساؤل أيضا بشأن الدور الذي يمكن ان تلعبه السلطات المعنية في هذا الصدد من خلال إبداء رأيها في المقترح وتوفير سبل احتضان المعني بالأمر بعد الإفراج عنه متى كان ذلك متاحا؟
إن واقع الحال يقول الداكي، يقتضي إيجاد أجوبة عن هذه التساؤلات وما يمكن أن يطرح غيرها والتي قد تشكل عائقا لاعتماد مثل هذه الآلية القانونية لتيسير إعادة إدماج بعض النزلاء متى توفرت شروط ذلك.
وهنا لابد من الإشارة الى أن رئاسة النيابة العامة، وفي هذا السياق ، واستحضارا منها لأهمية الموضوع، تؤكد عزمها التام على مواكبة قضاة النيابة العامة لتفعيل مختلف أدوارها المحددة قانونا في سبيل الدفع قدما لإعمال آلية الإفراج المقيد بشروط، سواء ما يرتبط بالحرص على تجهيز الملفات في آجال معقولة بهدف رفعها إلى وزارة العدل ذات الاختصاص في هذا المجال، أو من خلال مواكبة مدى تقيد المفرج عنهم بالضوابط القانونية التي تحكم الإفراج عنهم، والتدخل عند الاقتضاء كلما عمدوا إلى خرق تلك الضوابط بإعادة كل من يخالفها أو يتجاوزها إلى المؤسسة السجنية لقضاء ما تبقى من عقوبته قبل الإفراج عنه وفق المحددات القانونية في هذا الإطار .”
وأكد الداكي” أن تنفيذ العقوبة على كل محكوم عليه تترتب عنه آثار قانونية تتفاعل مع انتظارات الضحية والمجتمع على حد سواء. غير أنه لا بد وأن تكون فلسفة المشرع من إقرار العقوبة حاضرة ونحن نتحدث عن تأهيل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية وإعادة إدماجهم بعد الإفراج عنهم اجتماعيا واقتصاديا. ولذلك فإن آلية الافراج المقيد تُعد من بين الممارسات الفضلى التي اعتمدتها جل الأنظمة الجنائية كوسيلة لتثمين هذا التأهيل واختبار وتقييم سلوك المفرج عنهم بشروط ومدى تشبعهم فعليا ببرامج التكوين والتأهيل داخل المؤسسات السجنية، وهي بذلك تلعب دورا أساسيا في الحيلولة دون العود إلى ارتكاب الجريمة من طرف هؤلاء. هذا فضلا عما يمكن أن يتحقق من خلال تفعيلها من التخفيف من الاكتظاظ الذي تعرفه بعض المؤسسات السجنية.”
وختم قوله بالتأكيد إننا” امام فرصة سانحة لمناقشة موضوع الإفراج المقيد بشروط بما يتطلبه من مقاربة علمية ومكاشفة صريحة ترصد المعيقات والتحديات القائمة وتستشرف الرهانات المطروحة باستحضار مسؤول لأبعاده الإصلاحية والتربوية والتنموية أيضا، ومن جرأة في ابتكار حلول عملية وواقعية تلامس إرساء تفعيله كآلية تكرس إشاعة الأمل لدى نزلاء المؤسسات السجنية في معانقة الحرية واستشراف اندماج نموذجي في المجتمع يجسد فيه وجوده وكرامته، متى أبانوا عن حسن سلوكهم وانخراطهم بشكل جدي وفعلي في البرامج الإصلاحية والتأهيلية المعتمدة بالمؤسسات السجنية.”