swiss replica watches
هل شباط أنقذ رأسه وأطاح برأس الحزب؟ – سياسي

هل شباط أنقذ رأسه وأطاح برأس الحزب؟

د.عادل بن حمزة

قبل أيام كتب الصحفي توفيق بوعشرين افتتاحية بجريدة “أخبار اليوم” حملت عنوان “شباط أنقذ رأسه وأطاح برأس الحزب”، بهذه الصيغة التقريرية المباشرة، اختار بوعشرين أن يخاطب جمهور قرائه، فإذا كان العنوان هو “عتبة النص” و أن الرسالة تقرأ من عنوانها، فإنه لا داعي لقراءة الافتتاحية من الأصل، فهي جاءت أقرب إلى تسجيل موقف، منها إلى تحليل وضعية حزب سياسي معين، وتقديم قراءة في مواقفه، و بناء الخلاصات الضرورية تبعا لذلك.

بكل تأكيد لأي صحفي وكاتب رأي، الحق في الخوض في الحياة الداخلية للأحزاب السياسية و تقديم قراءات لمواقف قياداتها، فالسلطة الرابعة في النهاية، وجدت أصلا لتقوم بهذه الأدوار، حتى لا يتسلط السياسيون وأحزابهم، لكن ما يمنع السيد بوعشرين من التحليل الموضوعي، هو عدم قدرته على فصل تعاطفه الشخصي مع حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران، -هذا ما يعيبه عليه عدد كبير من القراء على الأقل فيما أعرف -، وهو ما يمس بمهنيته وبمهنية “أخبار اليوم” بصفته مديرا للنشر بها.

هل تستحق افتتاحية بوعشرين تلك، الرد؟ بكل تأكيد تحتاج إلى ذلك، في إطار تمرين ديمقراطي، يفرضه حق المواطن في تقليب وجهي الحقيقة، وفي التعرف على الرأي الآخر، لصياغة موقف أو قرار، أو على الأقل.. الحق في الفهم، فالأمر لا يتعلق بعدم استقلالية “أخبار اليوم” كصحيفة، لأن هذا الأمر لا يدرك في وسائل الاعلام في أكبر الديمقراطيات في العالم، ولكن يتعلق الأمر خاصة بعدم القدرة على ممارسة الحياد في التعاطي مع قضايا الشأن السياسي والحزبي، حيث تسقط الجريدة في كثير من المرات في الدور الدعائي للعدالة والتنمية وللحكومة، في تنشيط مأسوف عليه لممارسات تعود إلى عهد البرافدا والجرائد القومية التي كانت تصدر عن حزبي البعث في بغداد ودمشق، لكن هذا لا ينفي ضرورة الاعتراف بالمجهود المهني اللافت لذات الجريدة على مستوى التبويب والإخراج والأركان الثابتة مما هو مفتقد في كثير من الجرائد المغربية.

يبدأ بوعشرين افتتاحيته بهذه الفقرة : ” الذي يقرأ حوارات وتصريحات حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، الأخيرة يشعر بحجم الانكسار داخل الرجل، ويحس بأن حزب علال الفاسي خرج من مضمار السباق على المرتبة الأولى في انتخابات السابع من أكتوبر حتى قبل أن تبدأ الحملة الانتخابية “، الغريب في الأمر هو أن آخر حوار أجراه حميد شباط كان مع جريدة “أخبار اليوم” و بالعودة إلى نص الحوار فإن القارئ، سيخرج بخلاصة من إثنين، إما أن بوعشرين لا يقرأ ما ينشر على صفحات جريدته، أو أنه يعمل على لي عنق الحقيقة، و ينخرط بصورة مباشرة في ما أسماه في ذات الافتتاحية في الدعاية ل ” تقاطب مصطنع لا يعبر عن الحقيقة السياسية أو الاجتماعية في مغرب اليوم ” ، هذا التقاطب الذي يحدده في حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة.

بالعودة إلى حوار الأمين العام مع “أخبار اليوم” فقد أكد على أن حزب الإستقلال يتطلع إلى موقع الصدارة في الإنتخابات المقبلة وهو منفتح على كل القوى السياسية في البلاد شريطة الإتفاق على طبيعة العمل المشترك في مرحلة التدبير الحكومي، سواء كان حزب الإستقلال قائدا للحكومة أو مشاركا فيها، وأن اختيار الحزب اليوم ما يمكن تسميته ب “الصمت الإنتخابي” ، يعود تقديره لمؤسسات الحزب ولرؤية عميقة لمسار البناء الديمقراطي ببلادنا، وعدم الرغبة في دخول صراعات لا تفيد المواطنين ولا البلد في شيء، كما أن ذات الحوار تضمن نقدا ذاتيا بخصوص جزء من المرحلة السابقة التي شارك فيها الحزب لي الحكومة والمرحلة التي تلتها وعرفت مواجهة حادة بينه وبين حزب العدالة والتنمية.

كان من المفترض في بوعشرين أن يقدر هذا السلوك وهذه الممارسة لأنها جيدة بالنسبة للممارسة الديمقراطية ببلادنا، وتعبير على أن الطبقة السياسية ليست كلها جامدة وأن جزءا منها على الأقل ينتبه لمطالب وانتقادات الرأي العام، وإلا سيصبح من الصعب فهم إنتقاد شباط وهو متوافق مع الأصالة والمعاصرة أو مع العدالة والتنمية أو هو مختلف معهما، إن هذا الأمر يكشف بأن الأمر لا يتعلق بمواقف حزب الإستقلال أو أمينه العام التي قد تصيب وقد تخطئ، ولكن بموقف “مبدئي” قد يكون مفهوما بالنسبة للفاعل السياسي الذي تحركه قناعات إيديولوجية معينة، لكن معذرة، فالأمر لا يمكن أن يكون مفهوما بالنسبة لصحفي، و إن كان هذا لا يعني أن الصحفي ليس من حقه إمتلاك خلفية سياسية أو إيديولوجية كأي مواطن، فإنه هنا بالضبط ينجح أو يفشل في إثبات مهنيته، وعلى هذا المستوى يمكن القول أن توفيق بوعشرين لا حظ له في ذلك ولا نصيب، لأن الحظ يكون دائما حليف المجتهدين…وهو لا يفعل ذلك للأسف.

بعد هذا المدخل الذي يؤسس لعزل حزب الإستقلال عن المنافسة على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة، و إفساح المجال لحزبين جديدين؛بمعيار سنوات الصراع من أجل البناء الديمقراطي في بلادنا، حيث لا يهضم البعض كيف يحافظ حزب الإستقلال على حضوره على الساحة السياسية رغم بلوغه 83 سنة، ينتقل بوعشرين إلى الحديث على أن شباط نجح في الحفاظ على رأسه الذي كان مستهدفا بعد الانتخابات الجماعية، و لتكتمل الإثارة؛كان ضروريا الحديث عن الوضع الداخلي للحزب، وفي ذلك يقول بوعشرين ” لقد نجح شباط في إنقاذ رأسه، ومنع سقوطه من كرسي الأمانة العامة لحزب الميزان، وقد كان مطلوبا قتل شباط سياسيا من جهات في داخل الحزب وخارجه… لكن المناورات «الذكية» للنقابي التي استعملها شباط لإنقاذ نفسه كانت على حساب الحزب وصحته، وسلامة أوضاعه الداخلية، وتموقعه السياسي في الساحة الحزبية”، هكذا بذات اللغة التقريرية يمضي بوعشرين في رسم الصورة التي يراد ترسيخها لدى الرأي العام، هذا الأمر وفي لأسلوب الدعاية النازية ورائدها جوزيف غوبلز الذي كان يرتكز على مقولة ” اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”.

هل كان شباط مستهدفا بعد الانتخابات الجماعية؟ نعم بكل تأكيد..هل نجح شباط في إنقاذ رأسه؟ هذا غير صحيح لأن الإستقلاليات والإستقلاليين هم من ثبت حميد شباط في موقعه على رأس الحزب، لأن هذا مكسب ديمقراطي داخلي، والإستقلاليات و الإستقلاليين هم من حافظوا على إستقلالية القرار الحزبي.

هل هناك أصوات أخرى مختلفة مع شباط ومع النهج العام للحزب؟ نعم موجودة بكل تأكيد، لكن الكلمة الفصل تبقى للأغلبية، هذا هو الدرس الديمقراطي الذي يجب الإنتباه إليه، وليس محاولة شيطنة الإختلاف وإعطائه طابعا دراميا.

كنت أنتظر من السيد بوعشرين أن يتوقف في تحليله، عند المصالحة التي جرت مع تيار بلاهوادة، في سابقة على مستوى الحياة الحزبية الوطنية، والتي كانت خلافاتها دائما تنتهي بتشكيل أحزاب جديدة وفاء للظاهرة الإنقسامية، وأن تلك المصالحة تمثل نموذجا ونقطة ضوء في تدبير الخلافات داخل الأحزاب السياسية، دون أن يكون أفقها الوحيد هو تأسيس أحزاب جديدة؛لا تزيد في النهاية سوى في ميوعة الحقل السياسي والحزبي، في لحظة خطيرة تمر بها بلادنا، بالنظر إلى مخاطر عدم الاستقرار التي تحيط بنا في محيطنا الإقليمي والجهوي..لم يفعل بوعشرين، و ذلك يثبت الصورة النمطية التي يجب نقلها عن الأحزاب السياسية، بينما الصحافة لها مسؤولية أخلاقية وتاريخية في مواجهة هذه الرؤية التبخيسية للأحزاب السياسية، لأنه في النهاية؛الدولة الديمقراطية هي دولة الأحزاب، لذلك من المسؤولية دعمها ونصحها وإبراز ما هو مشرق في ممارستها على قدر ما يتم إبرازه من أخطائها وسوء تقديرها.

أما قوله بأن عملية إنقاذ رأس شباط كانت على “حساب الحزب وصحته، وسلامة أوضاعه الداخلية، وتموقعه السياسي في الساحة الحزبية”، فذلك يشكل إستمرارا لأحكام مسبقة، لا يسندها الواقع، وإلا فليتفضل السيد توفيق بتقديم أدلة على ما يدعيه، فإذا كان حصول الحزب على المرتبة الثانية في الانتخابات الجماعية وهو في المعارضة ومتقدم على الحزب الذي يقود الحكومة، ورغم كل الضغوط التي واجهها، يعتبر مسا بموقع الحزب في الساحة السياسية وبصحته، فإن الأمر هنا يحتاج -بصدق- إلى تعريف جديد للنجاح والفشل…

بعد الحكي عن الرؤوس والنجاح والفشل وتهديد الوحدة الحزبية، ينتقل بوعشرين إلى صلب الموضوع وهو الحكومة إذ يقول : ” حزب الاستقلال كان في وضع مريح بعد انتخابات 11 يونيو 2011، حيث حصل على المرتبة الثانية من حيث المقاعد في مجلس النواب (60 مقعدا) بعدما قاد تجربة حكومية انتهت قبل أوانها، ولم تكن نتائجها مرضية ولا قائدها مميزا ” .

مرة أخرى ووفاء لنفس اللغة التقريرية المطعمة هذه المرة، بنفس خطابي قد يصدر عن سياسيين مبتدئين متحمسين في إطار المنافسة الإنتخابية، يتهجم بوعشرين على حكومة الأستاذ عباس الفاسي الذي وصفه بأنه ” غير مميز” دون أن يكلف نفسه عناء تعريف ما يقصده بالتميز، كما حكم على نتائج حكومته بأنها غير مرضية، علما أن الحكم على النتائج لا يتم سوى بمقارنتها بما تعهدت به الحكومة في برنامجها الحكومي، وعلى هذا المستوى نفذت حكومة عباس الفاسي أكثر من 80 في المائة من إلتزاماتها، رغم أنها لم تكمل ولايتها بسنة كاملة، وعلما أنها واجهت الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية غير المسبوقة في عز أوجها سنة 2008 والتي تلاها الربيع العربي ومخاطر عدم الاستقرار التي أثرت أيضا على قدرة بلادنا على الإعتماد على محرك الطلب الخارجي والاستثمارات الخارجية، وهو ما دفع حكومة الأستاذ عباس إلى تعزيز الطلب الداخلي بالرفع من الأجور وخفض الضريبة على الدخل وتثبيت الدعم الموجه للمواد الأساسية، كما تم الرفع من قيمة الإستثمار العمومي بشكل غير مسبوق.

الطريقة الثانية للحكم على نتائج حكومة ما، هو مقارنتها مع حكومة أخرى وخاصة التي تليها، وعلى هذا المستوى كنا نأمل من السيد بوعشرين أن يقيم مقارنة خاصة فيما يتعلق بمعدل النمو، ومعدل البطالة، وحجم المديونية، ومعدل التضخم، وحجم التشغيل الصافي في القطاع العمومي، والقيمة المضافة لمختلف القطاعات الاقتصادية، وتطور أسعار النفط بين الولايتين…وأيضا بصفة رئيسية بين حكومتين، الأولى عملت في ظل دستور 1996 وهي حكومة عباس الفاسي، بما يعرفه الجميع عن هذا الدستور من مركزية للمجلس الوزاري، وحكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران التي تعمل في ظل دستور 2011 بكل الاختصاصات التي نقلها من المجلس الوزاري إلى المجلس الحكومي، والذي كانت دسترته مطلبا متكررا في كل مطالب الإصلاح الدستوري الذي تقدمت به القوى الوطنية الديمقراطية..فقد توقع حزب الاستقلال وهو يضع برنامجه الانتخابي سنة 2011 أن يكسب المغرب نقطة في معدل النمو، نتيحة تحسن الحكامة بالنظر إلى الاختصاصات التي أصبحت لدى المجلس الحكومي..بمعنى أن شروط وظروف عمل حكومة بنكيران كانت أفضل بكثير مما توفر لحكومة عباس الفاسي، ومع ذلك تفوقت حكومة عباس على حكومة بنكيران في كل المؤشرات السابقة، والتي على أساسها تجرى الانتخابات في كل الدول الديمقراطية.

غير هاتين الطريقتين، فإن أي تقييم تفضيلي أو تبخيسي لحكومة ما، ينطلق من قناعات شخصية قائمة على أحكام مسبقة سياسية وإيديولوجية تمنعها من النظر إلى الحقيقة كما هي، بتجرد و موضوعية، فإنه لا قيمة له.

بعد الحكم على “فشل” تجربة حكومة الأستاذ عباس الفاسي يقول بوعشرين أن ” حزب الميزان (دخل) إلى حكومة بنكيران شريكا أساسيا، وحصل على رئاسة مجلس النواب لأول مرة في تاريخ المغرب، كما حصل على وزارات مهمة، على رأسها المالية التي تعتبر أهم وزارة في الحكومة، والتعليم صاحبة أكبر ميزانية في البلاد، إضافة إلى وزارات أخرى” ، قبل مناقشة هذه الفقرة، لا بأس من عرض خلفيتها الكامنة بين السطور والتي سيتم الكشف عنها في نهاية الافتتاحية، بوعشرين بهذه الفقرة يريد أن يوحي للقارئ أن حزب الإستقلال حقق مكاسب بدخوله للحكومة، وأن موقف الخروج منها (أي الحكومة) لا يرتبط بموقع الحزب فيها وطبيعة المسؤوليات التي يتولاها، بل لإعتبارات سياسية مملاة عليه من خارج الحكومة ومن خارج مصلحته داخلها، وأن هذا الإملاء يندرج في وضع قوس نهائي للربيع العربي، فتهييئ القارئ لهذه الخلاصة، يسهل عليه تقبل “الحجج” التي سيقدمها بوعشرين فيما بعد في صيغة رواية شفهية ضعيفة ومبتذلة و بلا دليل.

في هذا الجانب يقفز بوعشرين عن كون طريقة وصيغة مشاركة حزب الاستقلال في حكومة بنكيران، كانت موضوع خلاف حاد داخلي حاد، وهو مادفع الحزب إلى عقد مؤتمر وطني سنة قبل موعده، هذا المؤتمر الذي طبعه مستجد رئيسي في حياة الحزب، بحيث لأول مرة لم ينجح الحزب في التوافق بخصوص من يتولى الأمانة العامة، فشهد الحزب منافسة قوية ببن كل من الأخوين حميد شباط وعبد الواحد الفاسي، تمثلت في حملة إنتخابية داخلية استمرت زهاء ثلاثة أشهر في سابقة في الحياة الحزبية الوطنية، هي أيضا يتم القفز عليها دون مبرر.

الحملة الإنتخابية عكست من ضمن الاختلافات التي عكستها، موقفين بخصوص الحكومة التي يقودها السيد بنكيران، وكلا الموقفين يتضمنان تحليلا منسجما، الموقف الأول وكان يمثله الأخ عبد الواحد الفاسي، كان يمثل استمرارية لقرار مشاركة الحزب في الحكومة بالصيغة التي تمت، وقد تم تبرير هذا الموقف أن التجربة التي كان فيها المغرب يجب مساندتها، أما الموقف الثاني والذي كان يمثله الأخ حميد شباط فقد كان على النقيض من الموقف الأول، بحيث كانت له ملاحظات على القطاعات الوزارية التي تولاها الحزب، وغياب البعد السياسي في بعض الوزراء الذين يمثلونه و لهم القدرة على عكس مواقفه (لم تكن قيادة الحزب ممثلة سوى بنزار بركة، وعبد الصمد قيوح في مقابل وجود الأغلبية الساحقة من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية داخل الحكومة)، كما كانت هناك ملاحظات حول هندسة الحكومة وإختياراتها، لأن هذا الأمر لم يكن موضوع تشاور قبلي داخل الحزب، وهو ما ساهم في عقد المؤتمر الوطني.

بقية الحكاية يعرفها الجميع، فقد فاز الأخ حميد شباط بالأمانة العامة، وكان من الطبيعي أن يبدأ في تنفيذ إلتزامت البرنامج الانتخابي الذي قدمه أمام الإستقلاليات والإستقلاليين، وهذا الأمر تم داخل الحكومة وليس خارجها، وأن النقطة الأساسية التي كانت موضوع خلاف مع رئيس الحكومة، هو عدم تمييزه بين كونه تصدر الانتخابات، وواقع قيادته لحكومة إئتلافية من أربعة أحزاب بما فيها حزب العدالة والتنمية، وحزب الاستقلال كان يذكر دائما بأن وجود الأغلبية هو راجع لقرارات الأحزاب المشكلة لها وليس لصناديق الإقتراع، وعلى هذا الأساس فرئيس الحكومة مطلوب منه التشاور قيادات الأغلبية، في الخطوات والقرارات الكبرى التي ينوي إتخادها..هنا وقع الخلاف واستمر.

حزب الاستقلال لم يمارس هذا الاختلاف في غرف مغلق، بل أعلنه بكل شفافية للرأي العام الوطني، ولم يرفع مطالب في السماء للمزايدة، بل قدم مذكرتين الأولى سياسية في 3 يناير 2013 تضمنت الأولويات وبطئ الإنجاز وطبيعة الهيكلة الحكومية التي يطالب بها الحزب والثانية إقتصادية في مارس من نفس السنة، تضمنت ما نقترحه من تدابير استعجالية لإنقاذ الإقتصاد الوطني، وقد تم نشر المذكرتين للعموم.

السيد بوعشرين، لا يلتفت إلى كل هذه الوقائع، و يمضي مباشرة إلى تبني منطق المؤامرة على حكومة بنكيران، ولأن لا شيء في الواقع يسند نظرية المؤامرة، غير ما كان يكرره بنكيران نفسه بصيغة المبني للمجهول، عن جهة ما أوحت لحزب الاستقلال بالخروج من الحكومة من أجل إسقاطها، فقد تطوع بوعشرين هذه المرة بتقديم حكاية سمع بها لوحده، من بين ملايين المغاربة وقد وضعها في افتتاحيته بين مزدوجتين حتى يوحي بأنها ليست من نسج خياله، تقول ” حسب مصادر موثوقة روت لكاتب هذه السطور (أي بوعشرين) تفاصيلها: «إن الدولة تعبت من بنكيران وحزبه، وهي لا تنتظر سوى الفرصة المواتية لإغلاق قوس الربيع العربي الذي تحول إلى خريف في جل دول المنطقة، وإن انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة سيعجل بسقوطها، وإن الأحزاب الأخرى لن تنقذ بنكيران ولن تتحالف معه، وإن سقوط حكومته لا يعني بالضرورة الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، بل إن الملك قد يكلف الحزب الفائز بالمرتبة الثانية بتشكيل حكومة جديدة، وهذه فرصة يجب ألا يضيعها شباط، وإن البام في جانبه وسيساعده» (هكذا)

الوجه الآخر للصورة والذي يرفض بوعشرين النظر إليه لأنه لا يخدم مظلومية بنكيران ونظرية المؤامرة، يقول بأن بنكيران تم تطمينه من جهة ما، بأن احتجاجات ومطالب حزب الاستقلال على حكومته لها سقف محدود، وأنها لا يمكن -تحت أي ظرف- أن تبلغ حد الإنسحاب من الحكومة، السيد رئيس الحكومة صدق ذلك أو بتعبير بوعشرين بلع الطعم، وراح يتجاهل ما يصدر عن حزب الاستقلال من مطالب، وتجاوز الأمر ذلك إلى من الغرف المغلقة إلى تصريحات للصحافة حاول فيها خلق إزدواجية داخل حزب الإستقلال، فمن جهة هناك وزراء الحزب والذين شهد فيهم بنكيران شهادة حق، عندما اعترف بأنهم يشتغلون دون وضع أية عراقيل، ومن جهة أخرى هناك قيادة حزب الاستقلال وأمينه العام، حيث قرر عدم التعاطي مع ما يصدر عنها من مطالب ومواقف.

القول بوضع قوس للربيع العربي، وأن هناك جهات تعبت من بنكيران، أمر لا يسنده الواقع في جزء كبير منه، فالسيد بنكيران ينفذ سياسات لم يكن ممكنا توقع تنفيذها من قبل أية حكومة، ليس لنجاعتها بل لأنها تمس في العمق عدة مكتسبات للمجتمع المغربي، وأن الجهات التي يتحدث عنها بوعشرين، هي على العكس مما ذهب إليه في تحليله، فهي وظفت العدالة والتنمية كحزب حملته موجة الربيع العربي والشواهد على ذلك كثيرة..

السؤال الذي لا يطرحه بوعشرين، هو إذا كانت هذه الجهات ضاقت ذرعا ببنكيران، فلماذا سارعت لترميم حكومته من الإنهيار؟ فالمنطق كان يتقضي ترك الحكومة تسقط، أو تعمل كحكومة أقلية على الأقل..بنكيران نفسه، ومن شدة ما كانت تلك الجهات تطمئنه من الحدود التي يمكن لحزب الإستقلال أن يبلغها، صدم بقرار المجلس الوطني للحزب والقاضي بالانسحاب من الحكومة، حيث سارع إلى إصدار بلاغ مقتضب دقائق بعد القرار يقول فيه بأنه هو الوحيد الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية وأن أي تعليق على قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال لا يلزم حزب العدالة والتنمية، كما أنه طلب من مناضلي حزبه تحنب التعليق على ذات القرار.

الجهات إياها التي يعرفها بوعشرين بكل تأكيد، سارعت إلى تأمين الأغلبية لابن كيران و هذا الأخير سارع بقبول طوق النجاة، ولو كان هذا الطوق هو السيد مزوار والتجمع الوطني للأحرار الذي صرح بنكيران مرات عديدة بأنه لن يتحالف معه، ولمكر الصدف أن هذا الرفض احتفت به جريدة بوعشرين بعنوان كبير على أحد صفحاتها، وما لا يقترب منه السيد توفيق هو أن السيد بنكيران أعطى للسيد مزوار ولحزب التجمع، أكثر مما كان يطالب به حزب الإستقلال، هنا يتضح بأن المؤامرة كانت على حزب الإستقلال وليس على بنكيران وحزب العدالة والتنمية، وهذه المؤامرة إستمرت إلى الانتخابات المحلية والجهوية وانتخابات مجلس المستشارين، لأن هناك جهة ما تعتبر الحضور الانتخابي لحزب العدالة والتنمية موجة عابرة حملها الربيع العربي وهي مخطئة في ذلك، أما يجب التصدي له فهو حزب الاستقلال الذي إستطاع أن يظل حيا في جميع الظروف والأزمنة التي مر منها المغرب المعاصر، هذا الحضور يزعج من يريدون القطع مع الشرعية التاريخية للأحزاب الوطنية في الساحة الساسية، لكن بالرغم من هذه المؤامرات ظل حزب الاستقلال صامدا، وقادرا في كل مرة أن يفاجئ أصدقائه و خصومه على السواء، وهنا تكمن قوة حزب الاستقلال.

كان إبرهام لينكولن يقول :” يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت”.

بيروت 5 يونيو 2016

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*