swiss replica watches
المغرب غير النافع ، والحل الناجع، – سياسي

المغرب غير النافع ، والحل الناجع،

بقلم سدي علي ماءالعينين

ابريل، اكادير، 2022( مقال69).
ليس هناك مشهد يدمي القلب في بلادي أكثر من مشاهدة صورة أطفال من منطقة بوعرفة يركبون سطح سيارة لاحد المتطوعين لنقلهم إلى مدرستهم التي تبعد عن مقر سكناهم بعشر كيلومترات، مشهد من بين مشاهد البؤس في المغرب الذي يسمونه بالعميق ، ولا ادري عن أي عمق يتكلمون، فقد ابدع رواد اليسار في السبعينات مصطلحا أعمق وهو تقسيم المغرب إلى مغرب نافع واخر غير نافع.
بعد مجيئ حكومة التناوب في اواسط التسعينات وضع برنامج رفع العزلة عن العالم القروي ، وذلك بربط هوامش المدن و المناطق البعيدة بالطرق و المسالك و الماء و الكهرباء.
كان ذلك انجازا غطى عن تاخر في التنمية دام لعقود ، لكن في المجال الامني والصحي و التعليمي و القضائي بقيت هذه المناطق بعيدة عن مغرب المدن الكبرى.
الامر من ناحية الاكراهات ليس بالسهل معالجته- دون أن يكون هذا القول تبريرا لعجز الدولة لتوفير الخدمة العمومية لمواطنيها،- … لان مناطق نائية وبعيدة يفضل ساكنتها الاستقرار بالقرب من اراضيهم التي توارثوها ابا عن جد ، وهي رمز عزوتهم، و هويتهم، ويصعب اقناعهم بكل الحلول لخلق تجمعات سكانية أخرى تسهل توفير وتقريب الخدمة العمومية، لدرجة ان هناك مناطق بالمغرب حتى المستعمر لم يصلها طيلة مدة احتلاله لبلادنا، فيما مناطق أخرى كانت مصدر الهجرة القروية إلى المدن !!
يصعب توفير مستوصف لأسر محدودة مستقرة في قمة جبلية ، في وقت يعرف فيه المغرب خصاصا مهولا في الاطقم الطبية من أطباء وممرضين، ناهيك على أن هؤلاء يرفضون تعيينهم بالمناطق النائية ولو في إطار الخدمة المدنية.
ونفس الشيئ بالنسبة لتوفير الحجر الدراسية التي ليست هي المشكل ،بل المشكل في الاطر التربوية التي تعيش معاناة حقيقية من أجل الوصول إلى هذه المناطق فاحرى الاستقرار بها للتدريس،زيادة على الخصاص الذي اجبر الدولة على اعتماد الفصول المشتركة بين المؤسسات.
حتى المدارس الجماعية رغم قلتها الذي اعتبرت كحل لمحاربة الهدر المدرسي خاصة في صفوف الفتيات لقيت رفضا من الاسر السماح للفتاة الاستقرار بداخلية هذه المدارس بعيدا عن الاسرة، وهو ما يشجع على زواج القاصرات والذي يتم وفق أعراف وطقوس لا علاقة لها لا بالقيم الانسانية ولا الدينية.
كما أن الاكاديميات جربت العديد من البرامج لتوفير النقل المدرسي، كالنقل الجماعي وما يرتبط منه بمشاكل الوقود وصيانة الحافلات، والدراجات الهوائية الذي يكون الاقبال عليها محدودا ومحفوفا بالمخاطر.
لقد قلص المغرب عدد الوفيات بين النساء الحوامل ، لكنه رغم ذلك لم يقضي على هذه الافة بسبب عقلية ترفض اخضاع المرأة لفحوصات من طرف الرجل ممرضا كان او طبيبا، وانتشار القابلات اللواتي عمدت الدولة على ادماجهن في المنظومة الصحية ولكن باثار ضعيفة .
إن الواقع الذي لا يعلى عليه ، هو أن هناك مناطق يصعب ان تكون فضاء للعيش ، ويصعب إيصال الخدمات إليها، لكن في الوقت نفسه يصعب اقناع الساكنة بالانفصال عن اراضيها خاصة وانها المصدر الوحيد لعيشها في إطار الفلاحة المعاشية.
واقع لا يمكن القفز عليه وترك مواطنين في عزلة عن خدمات عمومية هي من حقهم، كما لا يمكن تحميل الدولة فوق طاقتها ومطالبتها بتوفير تلك الخدمات لساكنة اختارت الارتباط بالارض على حساب الاقتراب من الخدمات العمومية في أماكن تواجدها ، ولو غير بعيد عن مكان استقرارها.
الى هنا يبدو المقال منحازا الى مبررات الدولة ، لكن هناك جوانب اخرى الخوض فيها يضرب في العمق النظام المؤسساتي للدولة، و يشكك في شعارات المواطنة، فهذه المناطق المهمشة لا يزورها المسؤولون الا في الاعياد الوطنية ليرقصوا على نغمات ورقصات الفلكلور المحلي ، و لا يزورها المنتخبون الا في الحملات الانتخابية لحصد الاصوات مقابل التهديد او الشراء او الوعود الكاذبة ،
جماعات قروية بميزانيات ضعيفة غالبية فصولها تغطي مصاريف تنقل الرئيس لحضور اجتماعات بالعمالة او بالمركز ، و تلاعبات في الميزانيات بانجاز اشغال فلكلورية بلا اثر على الساكنة و المنطقة . هنا يصبح الفساد عدوا اكبر من قساوة المناخ و التضاريس، لان المأتمنون على البلاد يمارسون بقرار و مزاج الاقصاء و التهميش و “ الحكرة”…
حتى سن قانون فرض برامج التنمية على الجماعات لا يصل إلى هذه المناطق ، حيث لا المجتمع المدني يتطوع لانجاز تقارير عن الحاجيات، ولا مكاتب الدراسات تغريها المبالغ الهزيلة للجماعات، وحدها برامج محاربة الامية و التعليم الاولي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي التي تصل إلى هذه المناطق ولكن بشكل هلامي وبلا عمق ، حتى أصبحت البقر الحلوب للمنتخبين ورجال السلطة وبعض المنتسبين ظلما للمجتمع المدني من جمعيات و تعاونيات.
هنا تغيب مقومات الدولة الحديثة ، دولة حقوق الانسان والمؤسسات لتحل محلها دولة الشيخ و المقدم و الجدارمي و الفقيه ورئيس الجماعة، حيث كل يمارس سلطته وجبروته على مواطنين عزل ، وبدل أن يكونوا صلة وصل بين الساكنة والدولة، تحولوا إلى آلة قمعية للاستغلال و ممارسة السلطة في ابشع صورها تصل درجة العبودية.
قبل سنوات طل علينا بالبرلمان وزير الداخلية ووزير الفلاحة انذاك، رئيس الحكومة حاليا ليحملوا البشارة بتخصيص الدولة لبرنامج سمي ببرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي
ومكن البرنامج، حسب عرض قدمه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، في جوابه عن أسئلة آنية بمجلس المستشارين، ، من تأهيل الطرق والمسالك القروية وبناء وصيانة 12 ألفا و881 كلم من الطرق والمسالك القروية، وبناء وتقوية 116 منشأة فنية، وإنجاز 2176 مشروع بناء وتوسيع المؤسسات التعليمية، و539 عملية شراء واقتناء وسائل النقل المدرسي، و165 عملية اقتناء تجهيزات مدرسية، وإنجاز 533 مشروعا لبناء مراكز والمستوصفات الصحية والمنازل الوظيفية، و764 عملية شراء لسيارات الإسعاف والوحدات الطبية، وتجهيز المراكز الصحية.

كما تمكن برنامج فك العزلة على العالم القروي من إنجاز 436 منظومة التزويد بالماء الصالح للشرب، و16 ألفا و853 مشروعا للتزويد بالماء الصالح للشرب على طول 813 كلم، وربط 627 دوارا بشبكة الكهرباء، و2007 تم ربطها بشبكة الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، مع تمديد شبكة الكهرباء ذات الضغط المنخفض على طول 870 كلم.
أرقام قد تبعث على الاطمئنان ، لكن مقارنة مع حجم الخصاص و ما يعاين على أرض الواقع تبدو نسبية وضعيفة، ناهيك عن تقييم عملية التنزيل وسلامتها ونجاعتها، لكن على العموم تبقى احسن من لاشيئ، و تبرز حرص ملك البلاد على خلق التوازن بين مختلف مناطق المغرب لانه هو من أعطى تعليماته السامية لوضع البرنامج.
وعندما نعود إلى شريط بوعرفة، ينتابنا الشك حول نجاعة تنزيل البرنامج، خاصة وأننا نتحدث عن منطقة لا تعاني من وجود مسالك و مناطق وعرة تكون حاجزا و معيقا في التنزيل.
في المحصلة، إن تحقيق المغرب لمؤشرات ضعيفة من مؤشرات التنمية، واستقراره في ديل تصنيف الدول سببه هذا الفرق الشاسع بين مدنه و قراه و مناطق تسمى في عرف الجهات ب” المراكز” وهو مفهوم لا نجده حتى في الميثاق الجماعي و لا في القوانين المنظمة للمجال.
المغرب قروي بطبعه، وقراه أكثر من مدنه، و ساكنة القرى تقترب من معادلة ساكنة المدن حيث يبلغ 48% بالعالم القروي مقابل 51% بالعالم الحضري ، بما في ذلك وجود ثلاث مدن مليونية وهي البيضاء و الرباط و مراكش.التي تمتص النسبة الاكبر من ساكنة المدن مما يجعل غالبية المدن شبه حضرية.
لمعالجة كل هذه التفاوتات و لضمان نجاعة كل تلك البرامج في التخطيط و التنزيل، أصبح مطلبا استعجاليا تنزيل الجهوية المتقدمة، وتفعيل التضامن بين الجهات، و توجيه برامج مجالس الجهات الحالية إلى المناطق النائية مع الاستفادة من الدعم المركزي في حالة الخصاص،
غير ذلك ، سيبقى المغرب يمشي بسرعتين متفاوتتين، و نكون لازلنا لم نخرج من ثنائية المغرب النافع و المغرب الغير النافع.
فهل تعتبرون؟

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*