سفر نحو الوجهة البعيدة

سفر نحو الوجهة البعيدة:
بقلم عبدالهادي بريويك
لم تكن لي الرغبة في الإبحار والسفر بعيدا داخل المساحات المفتوحة والمغلقة لروحي المعذبة على الأرض، والنبش في بوحها العتيق وجراحاتها، آلامها وآمالها المعلقة بين عتمات الظروف والزمان.
سفر على سفينة قد ضاعت أشرعتها الممزقة، نحو الوجهة المجهولة وقد فقدت البوصلة منذ زمن وبدون سابق معرفة.
بين تشعبات روحي وموجها العنيف تتلاطم الأفكار المتوهجة مثل كبد النار، باحثة عن خلاصها وانعتاقها في صمت ..

وفي رحلة نحو عالمها المجهول…حيث تتطاير الاحلام منسية مثل شظايا مبعثرة في وجه الريح والعواصف.
هو عالم غامض ..متوهج بالحياة، حياة مثقلة بالآهات واللاءات، حياة مبنية على أكذوبة سموها أزمنة وتاريخ وساعات ولحظات …
سفر دون تذكرة عبور للضفة الأخرى لحياتي المسكونة بحب هذا الوطن وحب الله والإنسان والحجر والشجر …سفر متقدم نحو المجهول …حيث يصعب العودة من نفس الطريق بين تلاطم امواج الضياع وحنين إلى ملاقات الروح الشاردة التي تشبه نسيم الورد وعنفوان النار، بعيدا عن أي احتكاك ماعاد يقبل الاشتعال في زمن الصمت والاندثار…
دون زاد …ودون اوراق تثبت الهوية اسافر وحيدا …وفي الذاكرة افكار مجنونة ..وتوصيات غير مضمونة في ظل برقيات ماعادت مفهومة …
اثناء سفري هذا …رأيت القمر يشتعل بياضا في روحي الثانية ..يقودني نحو عوالم جنية مفقودة أضاعت أحلامها منذ قرون غابرة، وقد نسيت كل شيء غير تعاويد الليل في بركتها المعبودة.
شربت ملوحة البحر ..طوعا بعيدا عن الجدول العتيق ذو المياه الزلال، بعيدا عن شقشقة العصافير والطيور وخشخشة اوراق شجر التي تختفي تحتها احلام من صلصال وظلال.
سفر بدأ دون انتظار ضوء منارة مطفأة، أو دقات الطبول أو صفارات انذار السفر والرحيل ..في اتجاه نورسة البحر ..الفاتنة ..وبين احضان موج يشهد معنى من أكون ..في ظل الزمن المدفون والمأفون ..باحثا عن قافية قصيدة لم تولد بعد ..وعن آلهة البحار التي فقدت عبيدها…باحثا عن حلمي الموؤود في زمن اللاوجود …