swiss replica watches
ابنو عتيق: من تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية .. العودة القوية لحلف شمال الأطلسي – سياسي

ابنو عتيق: من تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية .. العودة القوية لحلف شمال الأطلسي

عبد الكريم ابنو عتيق
التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022 الماضي، أحدث نوعا من التضامن الأوروبي غير المسبوق، تجلى ذلك في رد فعل جماعي من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة، مع اتخاد مجموعة من العقوبات ذات طابع اقتصادي ومالي، مساعدة أوكرانيا دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا كان هو الاختيار المتفق عليه بالإجماع من طرف دول الاتحاد الأوروبي، وذلك باستحضار معطى أساسي وحاسم في التوازن العسكري، هو أن موسكو قوة نووية وبالتالي خلق شروط ميدانية عسكرية لصالح أوكرانيا هو الرهان الأوروبي قصد ربح الحرب دون القيام بها.

لتجسيد هذا الاختيار تبنت الدول الأوروبية عددا من العقوبات، الهدف منها هو إضعاف موسكو ودفعها إلى عزلة مالية واقتصادية على المستوى الدولي، لتحقيق ذلك ثم وضع مخطط أطلق عليه “ريبورأورو” “RePower” للخروج من التبعية الطاقية لروسيا، وذلك بالتوقف عن استيراد الفحم ابتداء من غشت الماضي، ثم برمجة إيقاف التعامل مع سوق البترول الخام الروسي أو البترول القابل للاستهلاك مع نهاية سنة 2022، أما في ما يتعلق بالغاز فالأمور معقدة بالنسبة للدول الأوروبية التي تبقى سجينة السوق الروسية، هذه الأخيرة تلبي حاجياتها بأكثر من 49.6%، على الرغم من أن دول مثل ألمانيا قد خفضت استيرادها من الغاز الروسي بنسبة %20، لكن دول أخرى مثل هنغاريا تحتاج إلى دعم مالي لإعادة هيكلة تجهيزاتها البترولية، رهان الأوروبيين على قطاع الطاقة للضغط على روسيا، ينطلق من خلفية مالية محضة، تتجلى في أن مداخيل موسكو من تصدير المواد الطاقية يتعدى 700 مليون أورو في اليوم.

عندما نعود إلى الوراء للقيام بقراءة في مجموعة من المحطات، نلاحظ أن أوروبا كانت عاجزة عن توحيد صفوفها، مثل ما وقع عند اندلاع أزمة يوغوسلافيا، الشيء نفسه سنة 2003، يوم قررت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أحادي الهجوم على العراق، وقع انقسام داخل البيت الأوروبي، فبريطانيا وإسبانيا تدخلتا عسكريا، في حين أن فرنسا وألمانيا رفضتا التواجد ضمن الغطاء الأمريكي، هناك بعض النجاحات الجماعية رغم قلتها، نذكر منها تكوين قوة عسكرية ضمت 2300 جندي سميت بعملية “أور أرتميس” “EUFOR ARTENIS”، بعدها سنة 2004 المساهمة في عملية حفظ السلام في البوسنة والهرسك والتي أطلق عليها “EU FOR ALTHEA “، ثم جاءت مرحلة جديدة اعتبر فيها الاتحاد الأوروبي بأن أمن القارة العجوز يمر عن طريق إدماج مجموعة من الدول في المشروع الوحدوي، هكذا التحقت “أسلفانيا” سنة 2004 بالاتحاد، تبعتها في ذلك كرواتيا سنة 2013، كما اقترحت بروكسيل على “صربيا” و”مونتنيكرو” سنة 2025، تم على “ماسيدونيا” وألبانيا سنة 2030، على الرغم من وجود مجموعة من التحفظات من طرف بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، لكن بروكسيل واعية بأن هناك محاولات عديدة للتوغل في هذه المنطقة، لا سيما من طرف روسيا وتركيا والصين، هذه الأخيرة تبحث بواسطة مشروع طريق الحرير عن موطئ قدم، بحيث برمجت أكثر من 1000 مليار دولار خلال عشر سنوات المقبلة مستهدفة أكثر من 138 دولة.

تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية دفعت الاتحاد الأوروبي إلى القيام بمراجعة جذرية، بحثا عن خلق شروط تساعد على تحصين أمن واستقرار القارة، مما يتطلب خلق آليات جديدة للتعاون مع شركاء في أفق تحقيق التفوق في مجال الصناعات العسكرية لمواجهة التحديات المستقبلية، ومعلوم أن الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي لهم أهداف مختلفة، فبروكسيل تسعى من خلال مشروعها خلق التكامل بين أعضائها في مجالات عديدة، في حين أن مشروع الناتو ينحصر في توفير الحماية العسكرية لكل أعضائه عن طريق تهييء الشروط الميدانية والعسكرية واللوجستيكية، تفعيلا للبند 5 من الميثاق المؤسس للمنظمة، عندما بادر الاتحاد الأوروبي بصياغة وثيقة تهم سياسية الأمن والدفاع المشترك “RSDC”، قصد الإجابة عن التحولات الجيوستراتيجية التي عرفتـها مرحلة التسعينات، مما اعتبره البعض آنذاك نوعا من المنافسة بين الأوروبيين والحلف الأطلسي، إلا أن ظروف عدم الاستقرار التي عرفتها القارة بعد ضم روسيا لمنطقة القرم سنة 2014، دفع الطرفان إلى تعميق التنسيق القائم في ما بينهما، من خلال مجموعة من التوجهات طرحت خلال هذه السنة، سواء تعلق الأمر بالوثيقة التي أطلق عليها الاتحاد الأوروبي اسم البوصلة الاستراتيجية “La Boussole Stratégique de l’UE” ، أو اجتهادات حلف الناتو التي حددت الآليات الاستباقية في ظل عودة الحرب إلى القارة الأوروبية، مما دفع بالمهتمين بالقضايا الجيواستراتيجية إلى طرح سؤال حول مدى قدرة الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي على خلق شروط الانسجام المطلوبة لمجابهة التحديات والتعقيدات؟ جزء من الجواب على هذا السؤال موجود في مضمون ما سمي بالبوصلة الاستراتيجية المعتمدة في 22 مارس 2022 من طرف المجلس الأوروبي، والتي أكدت على ضرورة خلق شروط الانتقال نحو الاستقلالية الاستراتيجية مع التشبث بالاشتغال مع الحلفاء لتحديد طبيعة المخاطر المحتملة، من بين الوسائل العملية لتنزيل هذا الاختيار، هو وضع جدولة زمنية لتفعيل الصندوق الأوروبي للدفاع والتعاون الدائم.

le fonds européen de défense ecoopérationstructurée permanente” (PESCO)، الهدف هو خلق تنسيق بين الصناعات ذات الطابع المدني والفضائي وصناعات التسليح العسكري مع الاهتمام بالمشروع الرقمي المقرر تطويره لتحقيق الريادة في أفق 2030، البوصلة الاستراتيجية الأوروبية تؤسس كذلك لبناء قطب الابتكار الخاص بمجال الدفاع والموكول إلى الوكالة الأوربية للدفاع Agence Européenne de Défense”” (AED) ، مع تسطير برنامج خاص أطلق عليه ” EUDIS ” ” EU Defence innovation scheme “، ينوي الاتحاد الأوروبي البدء بضخ 2 مليار أورو مع خلق مرصد لمتابعة الخصاص الأوروبي في مجال التكنولوجيا الدقيقة ذات الاستعمالات العسكرية، لدعم هذا التوجه وزراء الدفاع للاتحاد الأوروبي المجتمعين في 17 ماي الماضي، وعلى خلاف المعهود، اتفقوا بسرعة على انطلاق ما يسمى بـ “هوب هاشدي” Hub HED1″ ” “Hub for EU defence innovation”، الذي دشن عمله في فاتح يونيو من هذه السنة بمناسبة اليوم المخصص للابتكار في مجال الصناعات العسكرية.

المنظومة الاستراتيجية التي تبناها الحلف الأطلسي خلال قمة مدريد الأخيرة تسير في الاتجاه نفسه، بحيث شكلت منعرجا جديدا في توجهات المنظمة، بل قامت بتحيين المرتكزات المتفق عليها سنة 2010، اهتمت بإشكالية الحفاظ على التفوق التكنولوجي في المجال العسكري، مع متابعة دقيقة لتفاصيل الحرب الروسية الأوكرانية، لقياس مدى جاهزية القوات الروسية مع دراسة إمكانياتها في حالة نشوب حرب شاملة.

ومعلوم أن اهتمام الحلف الأطلسي بالابتكار في مجال التكنولوجيا العسكرية ليس وليد اليوم، فهناك مكتب خاص بهذا الميدان، يتلقى بشكل منتظم تقارير من فريق استشاري مكلف بمتابعة تطورات البحث العلمي داخل الجامعات التي لها وزن في هذا المجال، أو المختبرات تابعة للمقاولات الكبرى في ميدان الأسلحة، بالإضافة إلى هذا فقد تبنى الحلف الأطلسي سنة 2019، وثيقة اعتبرت بمثابة خارطة الطريق، وافق عليها وزراء الدفاع لحلف “الناتو” سنة 2021، الهدف منها هو إعطاء أولوية لموضوع الذكاء الاصطناعي في إطار أجندة الحلف في أفق 2030، وذلك باعتماد مقاربة سميت بـ “ديانا” “DIANA Defence Innovation Accelerator for the Worth Atlantic “، هذه الأخيرة تتوفر على صندوق لدعم الابتكار ستحتضن كندا المكتب الإقليمي المكلف بأمريكا الشمالية، في حين أن بريطانيا وليستونيا سيحتضنان المكتب المكلف بأوروبا.

الشراكة الاستراتيجية بين الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي ليست وليدة اليوم، تمت تقويتها بالتصريح المشرك لسنة 2016، تعززت بتبني وثيقتين بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، عدد الدول الأوروبية سيتعزز داخل حلف الناتو عندما ستلتحق كل من السويد وفنلندا، سينقل إلى 23 عضوا ضمن 32 دولة منتمية للحلف الأطلسي، هذا المؤشر الرقمي لا يمكن تفسيره بقوة أوروبا التفاوضية التي مازالت في حاجة ماسة إلى حماية أمريكية، بل سيعزز هيمنة واشنطن من خلال مظلة الحلف على كل مفاصل القرارات الاستراتيجية الكبرى في العالم ومن بينها القارة الأوروبية.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*