هل تختار الحكومة الفرنسية مهاجمة الأجانب من أجل تخفيف الضغط السياسي والاجتماعي الذي تتعرض له حاليا، وتزايد عنف الاحتجاجات ضدها؟

هذا للأسف ما تعكسه تصريحات بعض أعضاء الحكومة الفرنسية، فبعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على الاحتجاجات والمظاهرات النقابية ضد قانون إصلاح التقاعد، الذي تم إقراره من أجل رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، وبعد خطاب الرئيس، يوم الاثنين الماضي، الذي طالب فيه بطي صفحة التقاعد والمرور إلى أشياء أخرى، خرج بعض أعضاء الحكومة عن صمتهم لأجل إلهاء الرأي العام بمواضيع لا علاقة لها بالأزمة الاجتماعية الكبيرة، والوضع المتوتر الذي تعرفه فرنسا، فقد صرح وزير الاقتصاد برونو لومير لقناة بي اف ايم « أن مشكل فرنسا هم المغاربيون الذين يبعثون بالمساعدات الاجتماعية التي يحصلون عليها إلى بلدانهم»،

وأضاف «إن الفرنسيين أصبحوا لا يتحملون هذا الوضع، أصبحوا لا يتحملون الغش، ويرون أن الأشخاص الذين يحصلون على هذه المساعدات، التي يؤدونها من ضرائبهم، ومن المقاولات والأجراء، هي ليست أموالي، هي أموال دافعي الضرائب، الذين ليست لهم الرغبة في أن يروا أشخاصا يستفيدون منها، ويبعثوا بها إلى البلدان المغاربية وإلى الخارج، إنها تذهب بشكل غير قانوني إلى الخارج…»، وتابع: «إن النموذج الاجتماعي الفرنسي هو من أجل حماية الفرنسيين عند الحاجة وعندما يتعرضون لحوادث في حياتهم» .
طبعا، هذه التصريحات التي لا محل لها من الإعراب، وليست لها علاقة بالأزمة التي تعرفها فرنسا حاليا، هي من أجل إيجاد «قميص عثمان الملطخ بالدم»، كما يقول المثل العربي، أو كما نقول بالعامية «طاحت الصومعة علقو الحجام»، وهو ما انتبهت له المعارضة السياسية بفرنسا وأدانت اللجوء إلى هذا الأسلوب، الذي من شأنه أن يؤجج العنصرية والحقد تجاه المغاربيين بفرنسا.

واعتبرت المعارضة هذه التصريحات معادية للأجانب بصفة عامة.

ولم يتأخر رد قادتها خاصة جون لوك ميلونشون، ابن طنجة، الذي بعث بتغريدة قال فيها: «أبناء بلدي المسلمين أو من أصول مغاربية مثلي، استعدوا فإن الحكومة تريد أن تشغل الرأي العام بكم، والتي أعلنت بصوت برونو لومير، حملة جديدة موجهة ضدكم.

والذي يقول إنه يريد أن يدافع عن النظام الاجتماعي الجمهوري».»ياله من عار « يقول مانيال بومبار، منسق الفريق بـ»فرنسا الأبية» من جهته.
نفس النبرة تحدث بها وزير آخر في إذاعة فرانس انتير، وهو وزير الميزانية غابريال اطال، الذي قال إنه سوف» يحارب الغش والتحايل بفرنسا»، وأضاف «سمعت الفرنسيين يقولون لي، «تطلبون منا العمل أكثر من أجل أداء منظومة التقاعد، لكن إذا اشتغل الجميع، سوف نحل جزءا من المشكل، لهذا لا بد من إصلاح نظام المساعدات الاجتماعية من أجل دفع الجميع إلى العمل.» يقول وزير الميزانية.» وهو تصريح يلمح من خلاله إلى وجود «أجانب يستفيدون» من المساعدات الاجتماعية دون عمل.
الذين اختاروا الرد على مناورة الحكومة يقولون لها، حسب الإحصاءات الرسمية، الغش في المساعدات الاجتماعية بفرنسا يمثل ما بين 1 و2 مليار يورو في حين أن الغش في أداء الضرائب، والذي يمس الجهات الغنية بالمجتمع الفرنسي، يشكل ما بين 80 و100 مليار يورو، وذلك حسب إحصائيات وزارة المالية الفرنسية.

وهو ما يعكس الرقم الخيالي في الأرقام بين غش الأغنياء المقربين من الحكومة وأصحاب الدخل المحدود، الذين يتم الهجوم عليهم وتريد الحكومة شغل الرأي العام بهم وتقديمهم كمتهمين خاصة الأجانب.
«هي حكومة تهيئ الطريق لليمين المتطرف بفرنسا، لماذا تصلح هذه الحكومة؟» يعلق بدوره في تغريدة ادريان كاتنون عن «فرنسا الأبية». وأضاف عليكم الذهاب إلى فيدجي، وجزء التهريب الضريبي منها بانما والسيشيل، حيث إن جزءا من ناخبيكم يخفون الأموال هناك.» يقول متهكما على الحكومة.
أما بالنسبة لبوريس فالو، زعيم الفريق الاشتراكي فقد غرد بدوره، حول استعدادات الحكومة، التي اختارت 100 يوم من أجل التهدئة الاجتماعية، قال «اليوم 1 من 100 التي دعت لها الحكومة» هي من أجل إثارة أحكام القيمة المعادية للأجانب»، يقول في تعقيبه على حملة الحكومة.
طبعا، المعارضة السياسية خاصة اليسارية بالبرلمان الفرنسي، تصدت لتوجه الحكومة هذا، الذي اختار العنصرية ومعاداة الأجانب كوسيلة للخروج من المأزق، وسياسة إثارة نعرة الحقد والكراهية ضد المغاربيين والأجانب من أجل غض الطرف عن التوتر الاجتماعي ورفض الفرنسيين لإصلاح نظام التقاعد، وتهديد النقابات بيوم استثنائي، يوم عيد العمال، حيث رددت النقابات أنها لن تتراجع حتى إسقاط قانون الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أقر رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة. وهو قانون ترفضه الأغلبية الساحقة من الفرنسيين، حسب الاستطلاعات، لأنه غير عادل، خصوصا تجاه النساء وتجاه كل من بدِؤوا حياتهم المهنية بشكل مبكر.

وهو ما عكسته صيحات الاستهجان والضرب على القدور في شوارع سيليستات بمنطقة الألزاس ضد الرئيس، خلال أول جولة له منذ إصدار قانون إصلاح نظام التقاعد المتنازع عليه..
الحكومة الفرنسية اختارت اللجوء إلى الهجوم على المغاربيين والأجانب، وإثارة نعرة العنصرية من أجل الخروج من المأزق السياسي والاجتماعي الذي دخلت فيه، والذي يستمر رغم مرور ثلاثة أشهر، ورغم العنف الكبير الذي مارسته الشرطة على بعض المتظاهرين، والذي أدانته بشدة الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، هذه المنظمة التي هددها وزير الداخلية الفرنسي جيرار درمنان بقطع التمويل العام عنها، وهو إجراء لم تتعرض له هذه الجمعية منذ تأسيسها (أكثر من قرن)، إلا في عهد الاحتلال النازي لفرنسا حيث تم قطع التمويل.
فهل سينجح مقلب الحكومة الفرنسية بتأجيج العنصرية والعداء للأجانب، في خفض التوتر الاجتماعي والسياسي، الذي يشهده بلد فولتير، أم أن هذه السياسة العنصرية سوف ينتبه لها الرأي العام الفرنسي، وسوف تضر كذلك بفرنسا وبصورتها في أوروبا وفي الخارج، خاصة صور استقبال الرئيس بصيحات الاستهجان والضرب على القدور، كما حدث الأربعاء بمنطقة الألزاس؟