swiss replica watches
تحويل الطاقة الإيمانية إلى فعل توجيهي لسلوك الأفراد – سياسي

تحويل الطاقة الإيمانية إلى فعل توجيهي لسلوك الأفراد

تحويل الطاقة الإيمانية إلى فعل توجيهي لسلوك الأفراد: (1/2)

 

سامر أبو القاسم

لم تكن المجتمعات الإسلامية في حاجة إلى تأثير الغرب كي تتفشى فيها العديد من الرذائل، بقدر ما كانت سباقة إلى ذلك وفق ما تذكره كتب التاريخ وقصائد الشعراء وغير ذلك من أجناس الكتابة والتوثيق، على الرغم من كل أشكال التستر التي مورست لئلا يبرز ذلك ويظهر بشكل جلي.

ولنا فيما تواتر من ظواهر الانحراف والميل إلى الشذوذ داخل الأسر والأحياء والشوارع وكذا الكتاتيب والمدارس ومجالات التنشيط والترفيه خير دليل على ذلك.

لكن المشكل اليوم لا يكمن في استعراض ما وقع أو ما كان يقع، بل فيما ينبغي تملكه من وعي بصعوبات التفكير بشكل مغاير، ومباشرة الموضوع بكل ما تقتضيه الحاجة إلى تحويل الطاقة الإيمانية والروحية وما يرافقها من منظومة أخلاقية إلى فعل توجيهي لسلوك الأفراد، بما يؤثر إيجابا على العلاقات والتفاعلات الجارية بين الناس اليوم، لكي تصبح مفعمة بالحياة وبالقيم الإنسانية المحددة لطبيعة الحقوق والواجبات، في ظل مواطنة تحمل من الدلالات ما يقود إلى إسعاد البشر.

فصوت العقل يعلو إيذانا بوضع حد للغباء الذي إذا ما استمر في إيذاء الناس لن يجلب سوى وجع القلب والدماغ ويقوض ما تبقى من القيم والعلاقات، ويسرق الابتسامة من وجوههم ويغتال الآمال في أعماقهم، بفعل ما قد يستطيع الجهل فعله من تنغيص على الحياة برمتها. والمؤكد هو أن للعقول قدرة فائقة على التفتح إذا لم يعم الفساد البيئة التي تنغرس فيها.

وإذا كان من شيء ينبغي التركيز عليه في هذا الباب فهو التساؤل حول مدى تحسين وتجويد المقاربة النظرية والمنهجية للمنظومة القيمية والأخلاقية الإسلامية، في علاقتها بتطوير ردود أفعال إنسانية سليمة لدى المسلمين، وزرع نفس جديد في الحياة المعيشية والسلوكية الخاصة بالمجتمعات الإسلامية، لتصبح ميدانا للنهوض بقيم ومبادئ الكرامة والحرية والمساواة والتضامن والتسامح، وللتحول إلى الصرح المأمول لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة بشكل عام.

وبمعاني ودلالات لغة العصر وما تحمله من تطورات في هذا المجال، فإن سؤال علاقة تدين الناس بالمواطنة وحقوق الإنسان يطرح أعباء ينبغي تحمل مسؤولياتها من الأبواب المفتوحة المطلة على الضرورة والحاجة إلى مراجعة التنشئة والتربية الدينية في ظل تراجع تمثل القيم وعدم الالتزام بمبادئ وقواعد السلوك وفساد العلاقات والتفاعلات بين الناس داخل المجتمعات الإسلامية.

فقضية التنشئة على أساس هذه المكونات داخل المجتمعات الإسلامية ستبقى دوما أكبر من مجرد خطاب في المساجد والكتاتيب والمدارس ومجالس التداول حول قضايا الإسلام والمسلمين، بل هي قضية مجتمعية حيوية، كما هي قضية وطنية تهم كل القوى والفعاليات داخل كل مجتمع معني بمنظومة القيم والأخلاق الإسلامية، ولا يمكنها أن تنهض إلا على مشروع تنشئة عام وشامل.

وأهمية مثل هذا المشروع لا تكمن فقط فيما يمكن لمختلف الفاعلين إبداعه في إطار تخصصاتهم العلمية والشرعية والخطابية وما إلى ذلك، بل لما تمثله من انعكاس لحق الأفراد والجماعات وحاجتهم في تقوية وتطوير كفاياتهم وقدراتهم الحياتية، بما هي حقوق وواجبات، من أجل المشاركة والمبادرة والتطوع لخدمة المجتمع وتيسير سبل رقيه.

وعليه، تكمن المهمة المركزية للمفسرين والفقهاء في البحث في النصوص الشرعية ومقاصدها التبليغية الصريحة والمضمرة، ورسائلها الكامنة في الثنايا والمراد تبليغها، للوقوف على مضامين ومحتويات تشكل قاعدة أساس لمنظومة قيمية متجددة ومتطورة تنهل من ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة والنوع الاجتماعي، بما يتجاوب مع حاجات الناس الراهنة ويتناسب مع ظروف وشروط العصر وييسر عملية الانخراط الواعي في المنتظم الدولي والتفاعل مع إكراهاته وتحدياته.

ونعتقد أنه ليس صعبا على هذه الأجيال المتعلمة والمستفيدة من التطورات العلمية والتكنولوجية، بمن فيها متخصصو العلوم الشرعية، تجديد وتحديث آليات الاشتغال للحث على تحليل محتويات النصوص الشرعية والوقوف على معانيها ودلالاتها، من خلال استخدام المفاهيم وبلورة الصيغ والتراكيب والمضامين، وصولا إلى الرسائل التكوينية الموجهة للسلوكات في بعديها الفردي والاجتماعي التي تتمظهر في أكثر من شكل وصورة وبنية.

فالتراكم الحاصل اليوم في المادة الحقوقية والقانونية لدى المجتمعات الإسلامية، وإن بتفاوتات فيما بينها، والتوسع في مجالات التواصل والتلاقح مع منظومة القيم الكونية، لا شك في أن له الأثر البالغ في التطلع نحو منتوج جديد ومتجدد، من حيث مدى إحداثه للأثر المتوخى من هذه العملية الاجتهادية، ومن حيث إثبات أهميته في توجيه وتأطير وتكوين المواطنات والمواطنين والتأثير الإيجابي على اتجاهاتهم وميولاتهم ومواقفهم وسلوكاتهم، بالرهان على طرق وكيفيات تقديم الموضوعات والقيم التي تحملها النصوص الشرعية ومدى علاقتها بثقافة حقوق الإنسان والمواطنة ومقاربة النوع الاجتماعي.

وتكمن فاعلية هذه المنهجية أساسا في الوقوف على وضعيات للتحليل والتفسير وتحديد الدلالات التي يزخر بها المتن القرآني في علاقته بموضوع القيم والأخلاق، وهو المتن الذي قد يتيح إمكانيات هائلة لأداء وظيفة التنشئة والتربية وفق خصائص معرفية وموجهات قيمية مميزة داخل المجتمعات.

من هنا يمكن الوقوف على العديد من الممارسات والتصرفات التي يقدمها لنا واقع تعامل الناس مع بعضهم البعض ومع إطاراتهم ومؤسساتهم، استنادا إلى آلية فرز مجالات التفاعل في البنية الاجتماعية، التي تقدم تصنيفا واضح المعالم لمعاني السلوك.

وبذلك تسهل عملية المقارنة بين ما يمارس على الأرض وبين ما تحمله النصوص من مقاصد وغايات قيمية وأخلاقية، حيث يتسنى لنا الوصول إلى نتائج عبر سلسلة من المقارنات المنهجية والواضحة.

وهكذا يأتي الاستنتاج مستندا إلى خطوات واضحة لا لبس فيها، غايته الوضوح والتفسير القائم على تحليل المعطيات من خلال القراءة الفاعلة، التي لا تتوقف عند استعراض ما تم حفظه من القرآن والسنة والمأثور عن السلف، ولا تكتفي بالظاهر من النصوص، بل ترقى إلى مستوى اعتماد التعمق في تفاصيل المفارقات القائمة بينها وبين الواقع وصولا إلى تحديد المعنى من مفهوم المنظومة القيمية والأخلاقية.

وقد تتيح هذه المنهجية الوقوف على العديد من المعطيات الإدراكية، للاستدلال المنطقي ببعديه؛ من العام إلى الخاص حيث “الاستنباط”، ومن الخاص إلى العام حيث “الاستقراء”، فيما تحدد السلوكات ذاتها طبيعة المنهجية المستخدمة في معالجة الخطاب الديني، لتكون أدوات التحليل الأساسية – التي يتم الوقوف عندها لكشف مكنون الخطاب وحل رموزه وشفراته – عقلية/ذهنية غايتها الفهم والإفصاح بلوغا إلى الحقائق.

وقد تتطلع العملية برمتها إلى الوصول لغاية محددة حيث المعنى المراد توضيحه، والوصول إلى المضمون والبحث في الدلالات التي يحشد بها الخطاب.

خصوصا وأنه بعد الوقوف على تفاصيل النصوص الشرعية في مجال القيم والأخلاق يراود أي مطلع انطباع أن هناك من الأسباب ما يتطلب إعادة النظر في قراءة وفهم مضامينها الخاصة بهذا الموضوع.

خاصة مع استحضار التساؤل المركزي: ألم يكن ممكنا للنصوص الشرعية استيعاب مقاربات حقوق الإنسان والمواطنة والنوع الاجتماعي في مضامينها ومحتوياتها، أو مراعاتها في عمليتي التفسير واستنباط الأحكام، للتمكن من تقديم مادة تكوينية موجهة للناس وفق ظروف وشروط عيشهم وعصرهم؟

إذ كلما كانت مستوعبة ومراعية لهذه المقاربات كلما كانت قادرة على تنشئة الأفراد على الالتزام بالحقوق والواجبات والالتزامات، وعلى تجنب كل أصناف التمييز ضد بعضهم البعض، وعلى تجاوز حالات الانفصام لدى الأفراد المعبرة بجلاء عن المفارقة بين التمثل القيمي للأخلاق وبين محددات الممارسة والتصرف في الواقع، وعلى الابتعاد عن كل ما يمكنه أن يسم واقع المجتمعات الإسلامية بمظاهر الرذيلة والفساد وتجلياتهما كنتيجة لكل ذلك.

وتكمن أسباب طرح مثل هذا السؤال، وما ينتج عنه من قلق التفكير في موضوعات تفرعاته، في أن القيم الإسلامية بما هي مجموعة من الأسس الأخلاقية المستوحاة من أحكام وضوابط الكتاب والسنة، أصبحت منذ زمن بعيد مشوشة من حيث قدرتها على نسج الشخصية الإسلامية من ناحية، وعلى التفاعل الحي مع المجتمع من ناحية أخرى. وهو ما يلقي بذات الفرد والأسرة والعقيدة والتربية في العديد من متاهات الحياة وتفاصيل العيش اليومي للناس.

وللإنصاف، فإن ما يتم اعتماده من تبرير بخصوص تدني مستوى الالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية، لا يمكن رده بالكامل للعولمة من خلال العنف والجنس المسيطر على وسائل الإعلام والسينما والقنوات الفضائية، على اعتبار أن معطى تواجدهما القوي في كل الأجناس الأدبية والفنية لدى العرب المسلمين سابق على بروز تعبيرات الهيمنة الغربية على جل مناطق العالم، وتمتد إلى ما قبل عصر الأمويين والعباسيين وتسترسل إلى العصر الأندلسي، وتزيد تمددا وانتشارا بعد ذلك.

ومثله في ذلك تنميط القيم ومحاولة جعلها واحدة لدى البشر في المأكل والملبس والعلاقات وغيرها من طرف القوى المسيطرة على العالم في كل مرحلة من المراحل، حسب الوارد في المادة التاريخية، ويشمل هذا التوجه العرب المسلمين ذاتهم حين باشروا عمليات التوسع في كافة أنحاء المعمور.

وما كان للمجتمعات الإسلامية، كغالبة أو مغلوبة، الحفاظ على هويتها الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية خالصة، بقدر ما كانت هذه الهوية ذاتها تتفاعل مع طبيعة وشكل التحولات والتغيرات الجارية في الواقع، حسب المراحل التاريخية والظروف المعيشية، وتتأثر بالآخرين قبولا أو رفضا حسب الأحوال وسياقاتها.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*