swiss replica watches
سامر أبو القاسم يكتب: ربط المعتقد الديني بميزان القيم الإنسانية والاجتماعية والوطنية – سياسي

سامر أبو القاسم يكتب: ربط المعتقد الديني بميزان القيم الإنسانية والاجتماعية والوطنية

ربط المعتقد الديني بميزان القيم الإنسانية والاجتماعية والوطنية: (2/2)

سامر أبو القاسم

التنشئة على حقوق الإنسان، هي في نهاية المطاف انعكاس لحق الأفراد والجماعات وحاجتهم في تقوية وتطوير كفايات وقدرات المواطنة، بما هي حقوق وواجبات، من أجل المشاركة والمبادرة والتطوع لخدمة المجتمع وتسييره.

الأمر إذا، مرتبط بشكل كبير بما هو مطلوب اليوم من توجيه للأجيال الناشئة إلى اتجاهات وميول نحو هذه الثقافة، وإلى مواقف وممارسات تمتح من معين هذه الثقافة التي تسعى إلى تحقيق كرامة الإنسان، ليصبح سلوك الناس منضبطا للمنظومة القيمية الحقوقية بنسب مشرفة، وليبتعدوا شيئا فشيئا عن العديد من الصور النمطية التي تحملها الثقافة العامة السائدة في مجتمعاتنا في نهاية المطاف.

وبدلا من صرف الكثير من الجهد وإضاعة الوقت في مهاجمة ثقافة حقوق الإنسان بناء على إسقاطات واهية وواهمة، فالأجدى الوقوف على دلالات مفاهيم قيمها، لإزالة الغبش الحاصل بفعل ما أقدم عليه العديد من الفقهاء والخطباء والدعاة ومناصريهم من إجرام في حق المدافعين عن هذه الثقافة.

فالكرامة في نهاية المطاف لا تحيل إلا على شعور الشخص بالاعتزاز بالنفس واحترام الذات، وعدم قبول الإهانة من الآخرين.

كما أنها لا تعبر سوى عن الفضيلة والاحترام وتقدير الذات والاستقلال الذاتي والتشبث بحقوق الإنسان.

والحرية ما هي إلا تعبير أمثل عن تمكن الفرد من إمكانية اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة، دون أي جبر أو ضغط خارجي. وهي مفهوم لا يحيل بشكل عام إلا على شرط التحكم الذاتي في معالجة موضوع أو قضية ما.

وما المساواة سوى حق في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية دون أي تمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المستوى الاجتماعي.

وكذلك هو الأمر بالنسبة لقيمة التضامن، التي لا تعدو أن تكون سوى قيمة إنسانية تساهم في بناء المواطنة الحقة، وتضمن استقرار المجتمعات وتطورها.

كما أنها تشكل تعبيرا عن سلوك إنساني يعمل على تخفيف المعاناة والآلام عن بني البشر، ويقوم على التعاون بين الناس.

أما التسامح فهو من المفاهيم التي تستخدم في السياقات الاجتماعية والثقافية والدينية لوصف اتجاهات ومواقف تتسم باحترام ممارسات وأفعال أو أفراد نبذتهم الغالبية العظمى من المجتمع.

ومن الناحية العملية، يعبر عن دعم تلك الممارسات والأفعال التي تمنع التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة…

ولا ينقص كل ذي معرفة محدودة بالمجال سوى الاشتغال على التمكن من الرصيد المعرفي المرتبط بقضايا حقوق الإنسان والتفكير والتأمل ومناقشة وتحليل حالات تتعلق بحقوق الإنسان في فضاءات المجتمع والاطلاع على حضور قيم حقوق الإنسان في الواقع والخروج من دائرة التفاعل السلبي مع هذا المجال.

فالسياق العام لتحسين شروط المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمعات الإسلامية يبدو أنه مرتبط أشد الارتباط بوعي الناس وتمظهر هذا الوعي في السلوك، خاصة فيما يتعلق بتحدي بناء الدولة العصرية في علاقتها بمفهوم المواطنة وإصلاح منظومة التنشئة والتربية داخل إطارات ومؤسسات المجتمعات الإسلامية، وعلى رأسها الأسرة والمدرسة والشارع.

وذلك من أجل تقوية مؤشرات التنمية وتعزيز خيار البناء الديمقراطي وتوفير شروط إقلاع اقتصادي وسياسي وتمكين الناس من ظروف الأمن والاستقرار.

إضافة إلى التموقع المناسب في المدارات الإقليمية والجهوية، وتسريع وتيرة المواكبة للتطورات الحاصلة في المنتظم الدولي.

ومن هذا المنطلق، لا نتصور إطارا مرجعيا من حيث القصد والغاية غير السعي إلى تحقيق مبادئ تكافؤ الفرص، وتقليص الفوارق بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وتكوين الأفراد اجتماعيا واقتصاديا وصحيا وحقوقيا ومدنيا، وكفالة حق الجميع في نيل الثقافة ورفع المستوى العام للتنشئة والتربية الثقافية التي يتلقاها الإنسان طوال حياته.

ويدخل كل ذلك في إطار رؤية تطمح إلى أن تشكل منطلقا لترسيخ الوعي بالمسؤولية القائمة على التوازن بين الحق والواجب، وأرضية لترسيخ الوعي الجماعي القائم على المشاركة والتعاقد، ومجالا لترسيخ القيم الكونية والتنشئة الشاملة، وللتربية على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولترجمة المنظومة القيمية إلى مواقف وممارسات وسلوكات مدنية.

فهي عملية تهدف بالأساس إلى مأسسة التنشئة والتربية على حقوق الإنسان بالمجتمعات الإسلامية، وتملك قيم ومبادئ ومفاهيم هذه الثقافة من طرف الناس، وأنسنة العلاقات والممارسات داخل فضاءات المجتمع، وتنمية التوجهات والمواقف والسلوكات المدنية لدى مكونات المجتمعات الإسلامية.

وكذا إفعام الأقوال والأفعال بقيم الكرامة والحرية والمساواة والتضامن والتسامح.

وهو ما يتطلب استجابة الخطباء والفقهاء وكل المشتغلين بالحقل الديني لدعوة استحضار هذه الثقافة في عملهم، ولإعادة النظر في مخرجات تدخلاتهم خطابا وإفتاء، ولمراجعة متون النصوص الشرعية وما تحمله من مضامين ومحتويات متوافقة مع مقاصد محددة من حيث حملها وتصريفها لمؤشرات هذه الثقافة الجديدة والمجددة.

ليتم فعلا التمكن من الأثر المنتظر الكامن في تملك المنظومة القيمية بشكل عام وشامل.

فالمواطنة، كضرورة لدولة الحق والقانون، والتي لا يقام لها اعتبار في التفكير والخطاب الدينيين، هي علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي، وبناء على هذه العلاقة يقدم الفرد الولاء للدولة مقابل حماية هذه الأخيرة للفرد وضمان حقوقه بشكل متساو أمام الجميع. وبذلك تتحول على المستوى النفسي إلى شعور بالانتماء للوطن، وهذا الشعور ينتج الحاجة النفسية التي يشعر بها الفرد سواء كان ذكرا أو أنثى.

وهو شعور يتطلب من الدولة الحفاظ على حقوق الأفراد؛ كحق التعبير والتنظيم والعيش المشترك والكرامة الإنسانية وحرية الاجتماع والاختيار الحر والمعارضة…

علما بأن دولة الحق والقانون هي مضامين قبل كل شيء، ومضامينها ينبغي أن تكون منسجمة مع وجودها الذي هو ضمان حقوق المجتمع وأفراده وجماعاته على أرض الواقع من جهة، وترسيخ الوعي بها لدى المواطنات والمواطنين عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمنظومة التربوية من جهة أخرى.

ولا يستقيم التطرق للمواطنة دون الحديث عن العلاقة التي تربط الفرد بالمجتمع والدولة، والتي تقوم على أسس التبادل من ناحية الحقوق والواجبات، لضمان مشاركة الفرد في تسيير المجتمع، وحقه في تتبع وتقييم أداء المؤسسات، وحريته في التعبير والنقد والمحاسبة في كافة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية…

فهي علاوة على الانتماء المكاني لفضاء محدد، أي الانتماء إلى وطن بعينه، هي شعور مترتب عن هذا الانتماء، مؤثر في إرادة الفرد، ومُوَجِّه لسلوكه باتجاه التفاني في خدمة هذا الوطن، والسعي من أجل الرقي به، في ظل فضاء يتيح إمكانيات نيل الحقوق والنهوض بالواجبات.

المواطنة شعور وممارسة؛ شعور بروابط قوية بين الفرد ووطنه، وممارسة كاملة للحقوق في هذا الوطن.

لأن ممارسة الحقوق هي جزء لا يتجزء من أجواء الديمقراطية التي ينبغي أن تسود على مستوى تدبير مختلف تفاصيل العلاقات القائمة بين الأفراد والجماعات والمؤسسات.

والملاحظ بشكل عام، من خلال أغلب الدراسات التي انصبت على تجارب العديد من بلدان العالم الإسلامي التي لم يترسخ فيها بعد الوعي الكامل والإقرار التام بالمواطنة وضمان وإعمال مستلزماتها، هو أن الواقع يفرز عموما حالات من اللامساواة في النفوذ وفي إمكانية التمتع بالحقوق والاستفادة من الخيارات والموارد في الفضاءين الخاص والعام، ويجعل المواقع المختلفة للنساء والرجال تتأثر بالحقائق التاريخية والدينية والاقتصادية والثقافية، فيقع التمييز وتحصل الخروقات والانتهاكات. وهذا بالضبط ما ينبغي للمفسرين والفقهاء والخطباء والوعاظ الاشتغال عليه اليوم.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*