swiss replica watches
سامر أبوالقاسم يكتب: لا مستقبل لسلم عالمي دائم إلا كمفهوم – سياسي

سامر أبوالقاسم يكتب: لا مستقبل لسلم عالمي دائم إلا كمفهوم

لا مستقبل لسلم عالمي دائم إلا كمفهوم:

سامر أبوالقاسم

هل السلم فعلا لا يشكل حالة طبيعية، بالقدر الذي تمثلها حالة الصراع والحرب بالنسبة للإنسان؟ وهل للحرب من دور حضاري يكون سببا في صون الحرية والقضاء على الاستبداد في نفس الوقت؟

وهل لثقافة حقوق الإنسان وضوابط القانون الإنساني من مدخل لعالم خال من العنف وقادر على تسوية النزاعات؟ وهل لحب البشرية من مكان في معادلة تحقيق السلم، عبر بوابة تعاقد مدني يُلزم الجميع ودون استثناء للقضاء على أسباب إبقاء فرص العودة إلى الحرب؟

وهل من صيغة لقيام تعاقد على سلم دائم مرتكز إلى الحق وضمان الحرية، والتوفيق بين مختلف الأطراف المعنية بهما، وتفادي التعارضات الممكنة في ظل العيش المشترك؟

هكذا كان الفيلسوف “كانط” يغوص في أعماق هذه الأسئلة، للبحث عن سبل ضمان مشروع سلم دائم لهذا العالم.

وقد أصبح واضحا اليوم أن المجتمع المدني بكل مؤسساته، بما فيها الإعلام كسلطة مؤثرة على الرأي العام، غير قادر خلق شروط نقاش في المجال العام للضغط على الحكومات وتحقيق توازن عالمي ملتزم بمبادئ الحق الدولي.

ويبدو أن كل مقومات ومحددات السلم، وإن كانت مقنعة كما تم التنظير لها وبسطها ابتداء من “كانط”، صعبة التحقق بسبب رفض الحكومات الالتزام بما يتعارض مع مصالحها الخاصة.

فالحرب، بما هي إبادة وإفناء، ليست سوى وسيلة سيئة لإثبات الدولة لقوتها، ولو على حساب الجنس البشري كاملا، وإن اقتضى الحال إيداع السلام في قبر بشري كبير وعميق.

فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون، في حالة الإبادة الشاملة التي يقوم بها الكيان الصهيوني اليوم في الأراضي الفلسطينية، لا يقومون إلا بكل ما هو شنيع ويتسبب في فقدان العالم لثقته بحالة العودة إلى السلم، ولا يتركون مجالا للإبقاء على نوع من الثقة في إحلال السلام بمنطقة الشرق الأوسط.

ولو لم يكن تدخلهم بهذا الشكل المنحاز منذ زرع دولة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، لتم إيجاد أرضية مشتركة بالمنطقة قد تضمن إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام.

ولم يكن ممكنا الذهاب إلى أبعد مدى في هذا الرأي، لو لم تخط هذا التدخل غير المستند إلى مبررات ولا مسوغات كل الحدود المعقولة والمفترضة، لتنعكس مساوئه على كل دول المنطقة، التي لا تملك الآن سوى أن تتعتبر لنفسها وتتعلم الدرس، لتجنب التدخل في أنظمتها وطرق حكمها، وتحذر من الفوضى والانقسام والسقوط في فخ طلب المعونة المفقودة أصلا من الدول الأخرى.

وأهم ما يمكن الانتباه إليه في هذا السياق، هو تفادي سوء تدبير الشؤون العامة، واعتماد الجدية في تطوير بنيات الانتقال الديمقراطي والإقلاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والمجالية وغيرها، والابتعاد عن اختيار طريق الاقتراض غير المعقلن.

لأن الوقائع والأحداث تثبت أن الأنظمة القائمة على قروض تتضخم باستمرار تقدم ذريعة للتدخل في شؤونها ووسيلة تمكن من إشعال الحرب داخلها أو ضدها، وطريقة لإعاقة بحثها عن تحقيق السلام.

فما أنشأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة حلفه الأطلسي إلا لتقويض شروط تحقيق السلام الدائم، وجعله متأهبا للقتال بشكل دائم، وتهديده للدول باستمرار، وخلق أجواء التنافس والتسابق إلى التسلح، وتحويل الناس إلى آلات حربية مدمرة، ضدا على أي نزوع نحو ثقافة حقوق الإنسان وضمان سلامة الأوطانهم.

ففلسطين ليست أرضا، بقدر ما هي حق لمجموعة إنسانية، لا يجوز سلب حقها في الوجود ولا التحكم فيها ولا تملكها من طرف أي كيان آخر.

ومن خلال استعراض الحالة، فيما يخص القضية الفلسطينية وما يتطاير من شظايا نيرانها على منطقة الشرق الأوسط إلى اليوم، يتجلى بشكل واضح في أن التصديق والانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية والهيئات الدولية، ما كانا في يوم من الأيام مسبوقين بالنية والإرادة في تحقيق السلام، ولو أنها أقيمت بناء على انعكاسات الحربين العالميتين ومآلاتهما.

لذلك، فليتحقق من إنسانيته كل فرد في هذا العالم، أينما تواجد جغرافيا وكيفما كانت مشاربه التاريخية والعرقية والحضارية والثقافية والسياسية، إن لم تكن تعنيه القضية الفلسطينية، التي لا هي موسومة بالصبغة العروبية ولا بالصفة الدينية الإسلامية.

ويتضح أن ما يجري بمنطقة الشرق الأوسط من أحداث تعبر بالملموس عن ارتفاع وتيرة الصراع، وأن ما يبرز من تدخلات خارجية لا يقوم إلا على إمالة الكفة لصالح الكيان الصهيوني، وأن ما يتم الترويج له على المستوى الإعلامي لا يخدم سوى المواقف المنحازة التي تعري وجه الاستقواء الغربي على العالم.

وقد كان بالإمكان للعديد من الاتفاقيات المبرمة داخل المنطقة، أن يكون لها أثر على استتباب شروط السلام، لكن يبدو أنها غير واقعية وغير عملية، ولا تحمل في طياتها مقومات استئناف علاقات سلمية ممكنة،
بسبب تعنت الكيان الصهيوني وإصراره على ما يقوم به من ممارسات ذات خلفيات مردها إلى الرغبة في المزيد من التوسع والمزيد من التهجير عبر القيام بعمليات التطهير العرقي.

بل ولا تحمل هذه الاتفاقيات من الجدية ما يجعلها غير جديرة باهتمام شعوب وقادة دول المنطقة المتطلعين إلى الأمن والاستقرار، بفعل تدخلات خارجية لا تقيم وزنا للأمن والاستقرار في العالم.

لذلك، فإن كل الجهود المبذولة من طرف الدول المتواجدة بقلب المنطقة وكذا المعنية بالصراع الدائر داخلها وسعيها إلى تذويب التوتر ونزع فتيل الحرب وتوفير الأجواء المناسبة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، تذهب سدى في منعرج أية محاولة للمرور إلى التطبيق الفعلي والميداني لهذه القرارات.

وإذا كانت هناك من مبادرات لإقامة الاتفاقيات ودعمها من طرف القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لا تعكس إرادتها الحقيقية في حل قضايا الشرق الأوسط في إطارها الجذري والشامل، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لا تتطلب سوى أجرأة حل الدولتين على أرض الواقع، دون تسويفات إضافية ولا شروط تعجيزية أو تكبيلية.

وبالتالي يتضح أن مبادرة وانخراط ودعم هذه القوى للاتفاقات ونتائج اجتماعاتها مع دول المنطقة، لا يوازيه ما يصدر عنها من مواقف لا تراعي ظروف توفير أجواء نزع فتيل التوتر والصراع وإحلال السلام ليعم الاستقرار والأمن في المنطقة، ولا يبالي سوى بدعمها للكيان المحتل للأراضي الفلسطينية بمنطق الاستقواء، وضدا على أي منحى للتهدئة والبحث عن سبل التسوية السياسية.

وهو ما يساهم في تقوية القناعة بتقويض أسس الثقة وشروطها المرتبطة باستئناف العلاقات بين دول المنطقة، بل وهو ما يعبر بشكل واضح وفاضح عن غياب أي تقدير واحترام لمشاعر الشعوب ولمواقف دول المنطقة، بل ورفض كل مقترحاتها وتوصياتها وملتماستها، سواء في المحافل الدولية أو في أي ترتيب للسياقات السياسية التي تبحث عن توفير شروط حل القضايا والمشاكل العالقة بالمنطقة.

وهو ما يقوض كل الجهود المبذولة لتعميق العلاقات وبناء منطقة تنعم بالسلم والاستقرار والأمن والازدهار.

لذلك فإذا لم ينظر بشكل شامل إلى جذور القضية الفلسطينية ذات الصلة بالاحتلال من طرف الكيان الصهيوني بإيعاز من القوى الغربية المستعمرة وعلى رأسها بريطانيا، ولم يتم التفكير في تجاوز منطق التأخير والتسويف لضرورة العودة إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية المستقلة في حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، فإن حق مقاومة الاحتلال سيبقى قائما ومشروعا، وينبغي أن يظل مرعيا من طرف كل المحافل الدولية، إن كانت فعلا غير خاضعة لمنطق الازدواجية في استخدام المعايير الدولية.

خاصة في ظل غياب توجه واضح للمجتمع الدولي نحو فرض إيقاف للاجتياح والقصف ومنع السبل المعيشية والتدمير والتهجير في قطاع غزة، وفي أجواء تغذية النزوع الانتقامي المتوحش الذي يحول دون أي إعلان عن هدنة إنسانية وتسهيل لوصول المساعدات الإنسانية.

فما يقوم به الكيان الصهيوني بمباركة القوى الغربية يقطع الطريق على أي دور للوساطة يمكن أن تلعبه قوى عظمى قادرة على حفظ التوازن بين الأطراف في نطاق القانون الدولي، وهو ما يذكي الصراع القائم بين معسكري الشرق والغرب، ولا يساعد على التوصل إلى حلول للحرب المشتعلة.

وفي غياب توقع تبني قرار في الموضوع يشكل مقدمة لمباشرة تفاوض سياسي بشأن كل ذلك، فما من خيار غير حشد الدعم لموقف إدانة الهجمات الصهيونية على قطاع غزة وحرمان سكانه من المستلزمات المعيشية ومحاولة تهجير الفلسطينيين القسري وتطهير عرقي لهم من الأراضي المحتلة.

وما يبدو واضحا للعيان اليوم، أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أوهن من بيت العنكبوت، بعد الفشل الذريع للغرب في تحقيق ادعاء ضمان الأمن الدولي، بل وافتضاح أمر زعزعته لاستقرار العالم بالمزيد من التغول والتسلط والاستحواذ على الثروات.

وبعد الهروب من أفغانستان والعراق وسوريا، وبعد الهزيمة المدوية في أوكرانيا أمام قوة نووية تمتلك من العدة والعتاد ما يكفي لصد عدوان أكثر من ثلاثين دولة منتظمة في حلف عسكري هاجسه الوحيد المزيد من التمدد وإحكام سيطرته على العالم. وبعد تحويل الأنظار إلى منطقة الشرق الأوسط، لحفظ ماء الوجه واستعراض العضلات العسكرية، ضد الشعب الفلسطيني المحتل الذي يركب أحد مكوناته السياسية موجة المغامرة أمام عاصفة التطهير العرقي من قبل الكيان الصهيوني بعد استنفاذ كل الصبر والجلد. تكون أمريكا قد حطت رحالها في الشرق الأوسط وأودعت سلة ما تبقى من حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية في الرف، ريثما تنهي حساباتها التصفوية.

علما بأن لأمريكا مصالح في الشرق الأوسط تضمنها بتثبيت إسرائيل في المنطقة، وهو ما يفسر الاستمرار في دعمها ماليا وعسكريا وتغطيتها سياسيا وإعلاميا بغض النظر عن مقتضيات القانون الدولي الإنساني.

فأمريكا راعية لإسرائيل في التطهير العرقي الواقع للفلسطينيين بغزة، وهو ما يفسر حضورها في مجلس الحرب الإسرائيلي وإدارتها للحرب من هذا الموقع استراتيجيا وتكتيكيا.

لذلك، فهي حريصة على إظهار القوة التي افتقدها بأكورنيا، ومؤكدة لعدم القدرة على ردعها أو إخافتها في هذا الموقع الجغرافي الضعيف، ومتدخلة لمنع أي دخول لدول المنطقة في الصراع، ومانعة لأي احتمال لخروج الموقف عن سيطرتها.

إن كل ما يقع اليوم بالأراضي الفلسطينية بصفة خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، يحول دون أن تتحول الهيآت الدولية إلى آليات عملية لمشروع دائم للسلم، ويقزم دورها في البحث عن سبل تهدئة مؤقتة على حساب الفلسطينيين أصحاب الحق في الأرض وإقامة دولتهم. وهو كذلك ما يؤدي إلى استحالة القضاء على مسببات الحرب حاضرا ومستقبلا.

فهل من سبيل للقضاء على وتيرة العنف والتطرف والإرهاب الذي يتم نشره في المنطقة، عن طريق عسكرتها وإرسال العدة والعتاد العسكري لتركيع شعب أعزل في أراضي محتلة؟

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*