إحذروا الإنفلات!!
إحذروا الإنفلات!!
#المغرب #الجزائر #موريتانيا #فرنسا #ليبيا
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير، فبراير ،2024
مقال(12),2024.
كمهتم بالمجال التاريخي ، لم اطلع عبر تاريخ الحضارات عن شرخ بين شعبين كما اراه اليوم بين الشعب المغربي و الشعب الجزائري ، شيئ يفوق الفهم ،و تستحيل معه التحليلات و ووضع الخلفيات.
قبل أن يأتي العثمانيون على صهوة جواد الفتوحات ، و السفن الحربية التي رست على أرض فرشت بالقدائف و الجثت ، كان الأمة واحدة ، لاحدود تفصل القبائل ،و قوافل تحمل السلع والثقافات و تبني كيانا تعددت حوله التسميات ،
وشاءت الأقدار أن يكون المغرب البلد الوحيد في بقعة شمال إفريقيا الذي لم يجد الاتراك منفدا إليه ، وبقي علمه بنجمة ، فيما اعلام الدول المحيطة به لبست ثوب الهلال .
وعندما جاء الإستعمار الفرنسي عمق الفجوة بين البلدان المغاربية التي كانت جميعها تنتمي إلى المغرب الاقصى ، وقبل ان يغادر، ترك ألغام الحدود تفتك بخيوط الوحدة التي تشابكت و رسمت صورا مشوهة لدول تكتشف السيادة في الحكم و تتيه في رسم الحدود التي لم تكن مرسومة من قبل .
بعد الإستقلالات الممنوحة ، جاءت الثورات التي حاولت بناء دول ما بعد الاستعمار ، فكانت الشيوعية و الإشتراكية و اليسار الذي اراد أن يجعل من هذه الدول ملحقات إدارية للاتحاد السوفياتي ، فسقطت الملكيات و اسست على انقاضها الجمهوريات من مصر مرورا بليبيا و تونس ، وخلق القطيعة مع إمارة العثمانيين في الجزائر ،
وبقي المغرب صامدا مواجها لكل الحملات الخارجية و الداخلية لتبقى مملكة العلويين قائمة .
تكالبت علينا جمهورية ليبيا مع القدافي ، و تنكرت لنا جمهورية بورقيبة في تونس ، و تنكر ابناء الجزائر من أصول مغربية الذين حكموا البلاد ، وإنبعتت دولة موريتانيا من صلب الارض المغربية .
توحدت اوروبا ، ووضعت نصب أعينها شتات شمال إفريقيا إدراكا منها ان وحدة هذه الربوع ستكون الواجهة الخلفية التي ستزعج و تقتل طموح اوروبا بزعامة فرنسا في العمق الإفريقي ،
توالت الجراح ، فكان الحكام من اجل الكرسي الموروث من فرنسا تقود شعوبها الى نزعات و إحتقان و تباعد ، فوقعت ملاحم مأساوية من الطرد الجماعي و الحروب الإقليمية و الصراعات التي ترجمت إلى هوس نحو التسلح .
اليوم نجني ثمار ما زرعته فينا ماما فرنسا ، و لازالت حقولنا المعرفية مسكونة بفكر حركات التحرر العالمية التي ترى في الملكية ذلك الشموخ الذي ضاع في باقي البلدان المغاربية حيث حكم العسكر و بنى هوية مغشوشة ،عمقها مغاربي بوحدة الدين و المذهب المالكي و تقارب الزوايا ووحدة المقاومة و تطابق العادات و التقاليد .
إن حجم الأحقاد التي تعددت تعبيراتها بين شعوب المنطقة يدعو للقلق ليس بحسابات السياسة اليوم ،ولكن ببناء التاريخ غدا .
وليس لكوني مغربي ،اؤكد ان الدولة المغربية سعت بكل مساعيها تجنيب الشعب المغربي الانسياق خلف هذا المنهج الهدام ، فدعوات الملك المتكررة الى تبني سياسة اليد الممدودة ،ينظر اليها جيراننا بأنها استقواء ملفوف بالضعف .
ليبيا لا تملك وضعا مستقرا يمكنها من بناء علاقة واضحة مع المغرب رغم كل المساعي التي تقوم بها الخارجية المغربية لرعاية المفاوضات بهذا البلد ،
تونس قيس السعيد لا تملك بوصلة بناء علاقات دولية بخلفيات استراتيجية ،ولا ننتظر من رجل يعجز عن ضبط ايقاع الدولة داخليا ان يرسم ملامح واضحة في علاقاته الدولية .
موريتانيا المغلوب على امرها ، تدرك أن شعبها جذوره بالمغرب ،لكن إتقاء شر الجارة الجزائر يدفعها للإعتراف بالجمهورية الوهمية وفي الوقت نفسه يسعى جاهدا ان يتعايش مع موقعه بين حدود دولتين قطعت علاقاتهما ولا تلوح في الأفق اي بشائر للتسوية.
اما الجزائر فبقدرما نستطيع ضبط ايقاع علاقتنا مع الجينيرالات الحاكمة ، فإننا مع الاسف نعاني يوميا حجم الأحقاد التي تسربت الى الشعبين الشقيقين والتي أصبحت فضاءات التواصل الاجتماعي مسرحا لها ،وتعكس بالفعل اتساع الهوة و تعميق الجراح و تنامي العداء .
لذلك اقول انه حان الأوان للقوى الحية بالبلدين من مثقفين و مفكرين و فنانين ان يبادروا الى إعلان ميثاق مصالحة شعبية بين البلدين ، ولن يتحقق ذلك الا اذا خرج هؤلاء من تحت جب الحاكمين بإطلاق مبادرة مدنية تنمي عناصر الوحدة بين الشعبين وتكرس فكرة المصير المشترك ،و تربي الاجيال على البناء المشترك و الوحدوي ، على الاقل على مستوى الثقافة و الفن و الرياضة .
لا يمكن لعاقل اليوم ان يعتمد اوضاع البلدين كمادة للاستهزاء و تصريف العداء الممنهج ، ولا يمكن لمن يفكر في المستقبل ان يرى اي مصلحة للطرفين في استمرار هذا التدابز الذي لا مثيل له في كل بقاع العالم .
نحن امام تنامي شعور بالكراهية بين الشعبين ينمو و يتغذى بإعلام متهور ،وقرارات سياسية لا تعير حسابا ولا اهتماما للتاريخ المشترك و المستقبل المحتوم الذي يجمع الشعبين .
وإذا تعذر بناء هذه الجبهة من داخل البلدين مخافة القمع من الحاكمين ،فيمكن للمغاربة و الجزائرين المقيمين بالمهجر اطلاق هذه المبادرة التي من شأنها أن تحد من حدة هذا التباعد الحضاري بين الشعبين ،ونترك السياسيين يديرون امورهم بعيدا عن الإرادة المشتركة للشعبين في السير قدما نحو بناء صرح مشترك أساسه الاحترام المتبادل وقوامه المصلحة المشتركة والمصير المشترك .
غير ذلك فما نعاينه اليوم يحز في القلب و يثير القلق والخوف من المستقبل ،
فهل تعتبرون ؟