المرض التكفيري العضال
المرض التكفيري العضال
عبد السلام المساوي
ينطلق التكفيري من كونه مرجعا ومصدر قيم الإيمان وعدمه.
وهو لا يتساءل من أين له تلك المكانة التي تخول له توزيع صفات الإيمان والكفر، لأنها من طبيعة الأشياء، مذ قرر ان يبوء نفسه تلك المكانة من دون الناس.
ليس بإمكان الذي يكفر الناس ان يفكر، او يتخيل، ان هناك من يعتبرونه قد تجاوز، من خلال سلوكه بالذات، مواقع الإيمان للسقوط في هاوية لا تتماهى مع الإيمان في كل الأحوال.
وإلا فما معنى الإيهام بمعرفة سرائر الناس؟
إذا كان الرسول وهو صاحب رسالة الإسلام، يرى أن من نطق بالشهادتين يحرم هدر دمه، حتى في حالات من الواضح فيها أن النطق بهما يرمي إلى الحفاظ على النفس أكثر مما يدل على الإيمان المباغت قبيل نزول السيف على الرقبة في ساحة من ساحات القتال، وأقول القتال وليس القتل، فبأي حق يتم تكفير ملايين المؤمنين من قبل أفراد، يظلون معدودين رغم كثرتهم هذه الأيام، نصبوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم حماة للمعبد ومنافحين عن الإيمان عبر توزيع صكوك الكفر والمروق وغيرها من الفتاوى التي تنتهي الى نشر فكر الفتنة والقتل في المجتمعات الآمنة، قبل ان يبرز هؤلاء التكفيريون لمصادرة مختلف الحقوق والحريات الفردية والجماعية، باسم ما يزعمون أنه الدين الحق والإيمان الذي لا تشوبه شائبة الزيغ والانحراف ولا يأتيه الباطل أبدا.
فهل هذا ناجم عن كونهم حفظة القرآن الكريم؟ أم هو ناجم عن إلمامهم الواسع بتاريخ الإسلام؟ أم هو ناجم عن تتبعهم للأحكام الفقهية عبر العصور؟ أم هو ناجم عن معرفتهم العميقة بالسنة النبوية ومختلف المذاهب والاجتهادات؟
هذا ما يقولون عادة وهذا ما يوحون إليه في نصوص فتاواهم .
وبذلك قد يؤثرون بقوة على من ليست لهم دراية كافية بطبيعة كل تلك القضايا فيعتقدون أنهم منبع الحق كل الحق ومرجعية في تحديد الإيمان كما في الدلالة على الكفر.
لكن لماذا لا يقولون للناس أن كل ذلك لا يكفي لاحتكار الإيمان بالطريقة التي يعتقدونها؟ لماذا لا يقولون لهم أن كل تلك المباحث مفتوحة، تماماً، أمام كل طالبيها، قديما وحديثا، دون أن يكون ذلك دليلا على الإيمان، بالمعنى الذي يروجونه؟ وهل يجهلون ان المسلم يمكن أن ينهل من تلك المباحث والعلوم، كما يمكن ذلك تماماً لغير المسلم من أتباع الديانات الأخرى؟. بل ويمكن كل ذلك حتى لمن ينكر الأديان كافة.
من الصعب أن يعترفوا بذلك، وينشروه في الناس، لأنه سيعني أن ما يعتبرونه رأسمالهم المقدس هو مشاع بين ذوي الاختصاص من كل الأجناس والأقوام والديانات والأيديولوجيات المتباينة الى حد التناقض.
وإذا كان مشاعا بطل ادعاء كل امتياز.
ومن هنا يمكن قلب مفردات المعادلة تماماً من خلال القول: إن الناس ليسوا مدعوين لإثبات إيمانهم عبر الخضوع لهرطقات التكفيريين والاستسلام لأهوائهم المتقلبة في كل المناسبات.
وإنما المطلوب من هؤلاء ان يبرهنوا على إيمانهم أولا وقبل كل شيء.
وهنا تكمن مشكلة التكفيريين في الواقع.
أما المجتمعات الإنسانية، فإنها تعيش حياتها الروحية كما يسمح لها بذلك الحس السليم والفطرة النقية التي لم يخالطها شيء من المرض التكفيري العضال.