لأنهم حانقون…حكّام الجزائر يقصفون الوضوح المغربي بالتأشيرة
لأنهم حانقون…حكّام الجزائر يقصفون الوضوح المغربي بالتأشيرة
طالع السعود الأطلسي
في قصر الأمَم المتحدة بجنيف تجري “لُعبَة” مثيرة أو بصيغة أخرى صراعٌ ديبلوماسي، موضوعه “الكذب”… دوَلٌ تُقاوِم حملات الكذب عليها، ودول تقصف أخرى بالكذب وأخرى تسْعى إلى تكريس كذِبها وتخصِيبِه…
قاعات القصر احْتَضنَت لقاءات نظَّمتْها دُوَل أو جمعيات دفاعا عن إنجازاتها في ممارسة حقوق الإنسان، أو هجومًا على دول أخرى توصَف عن حقّ أو عن باطل، بأنها لا تُقيم لحقوق الإنسان الاعتبار المطلوب… والمناسبة هي الدورة السابعة والخمسون للمجلس العالمي لحقوق الإنسان، وهذه السنة، رأسَها وباقتدار، السفير المغربي السيد عمر زنيبر… بعض تلك اللقاءات، أو ما يُسمّى هنا في القاموس الأممي “بجلسات مُوازية” أو “جانبية”، كانت مجرّدَ تظاهُرة علاقات عامّة لتلميع مُنجزات الجهة المنظِّمة، أو لتبْشيع صوَر جهاتٍ أخرى… وبعضُها الآخر، وهو قليل، اتّسمت بالجدِّية في نقاشِ قضيةٍ أو حالةٍ من قضايا وحالات حقوق الإنسان، ومنها الجلسة الّتي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان… وقد اهتمت أساسا بتجربة المغرب في إغناء الممارسة الدولية “للعدالة الانتقالية” عبر تبيَان رصيد “هيئة الانصاف والمصالحة” وآثارها الملموسة والإيجابية على وضعية حقوق الإنسان في المغرب…
قبل حواليْ أربعين سنَةً، كان المغرب في مثل هذه المناسبات الحقوقية العالمية، وفي جُنيف بالذّات، في وضعية الدفاع الخَجُول على ما يُوَجَّه له من ادِّعاء، أو قُل، مِن اتِّهاماتٍ… كان دفاعُه فاشِلاً من أصله… المغرب كان يَكذِب… يُخْفي حقائق الممارسات المرْعِبة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان… من عناوينها مُعتقلات دَرب مولاي الشريف، أكدز، أنفا، تازمامارت… وغيرها. سياسيا كان ظهير “كل ما من شأنه” المسّ بالنظام العام هو السائد… لا بَل إن الاعتقالات لم تكن تُبرَّر، والمعْتَقَلُ لمْ يكن مؤكدا أن يعودَ إلى عائلته يوما…
سنّ المغرب سياسةَ القطع مع الانتهاكات والقمع أوّلا… تخلّص من الكذب على نفسه قبل غيره… كان للمجهود الوطني الموحَّد، لاسترجاع أقاليم الصحراء المغربية وتكريس اسْترجاعها مَكسبًا وطنيا، دورا حاسما في جعل الديمقراطية وما يتفرع عنها من احترام حقوق الإنسان إسمنت النظام السياسي المغربي… تطلّب الأمر تمرينًا عسيرا للتعوُّد على حقن الديمقراطية في الأذرع العملياتية للدولة… وكان لذلك التمرين انْفعالات وحتى تشَنُّجات… إلى أن حصّن الملك محمد السادس “هيئة الإنصاف والمصالحة” بإرادته الملكية لتطوي صفحات من تاريخ المغرب شديدة الألم وتفتح لمستقبله مسارًا متقد الأمل… كان ذلك منذ حوالي ربع قرن…
على مدى سنوات قليلة مضت، وهذه الأيام أيضا، الوفود المغربية التي تتصدّى للمُساءلات الأممية حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، أضحت في وضعية مُريحة… تقول الحقيقة كما هي… أين تقدم المغرب وأين يتطلَّب منه جُهدا أطول أو أوسع أو أكثر… الجهات المغربية التي كانت عادة “تتسلح” بالصمت في هذه المناسبات، اليوم صوتُها عالي وتُغرق مخاطبيها بالمعطيات كما توفرت لديها وعالجتها، مالها وما عليها، وكلها مُؤطّرة بالقانون… أقصد الجهات القضائية والأمنية، وسلاحُها اليوم هو الحقيقة، وبها تسَفِّه أكاذيب الآخرين… كلّ الآخرين، الأبْعدين منهم والأقْربين…
الوضوح هو اليوم سياسة دولة في المغرب، يخترق كل آلياتها وتفاعلاتها وتحملاتها، الوطنية والدولية… في أروقة قصر الأمم المتحدة بجنيف، وبقصر “ويلسون” الملحق له، تحرّك الوفد المغربي بثقة واطمئنان… سواء حين عَرَض التقرير الوزاري السنوي حول حقوق الإنسان في المغرب، أو في “الجلسة الموازية”… أوضحوا أن المغرب يتقدّم وأنه يعي نواقصه وأنه يجتهد في فَكِّ كوابحه…
في الأمم المتحدة دائما، وفي نيويورك بمناسبة الدورة السنوية للأمم المتحدة… كان المغرب يحصُد نهجه للوضوح في سياسته الخارجية… نهج تحدي الكذبة التاريخية التي أنتجتها العداوة التي تسكن الجماعة الحاكمة في الجزائر لجهة المغرب… كذبة “الدولة الصحراوية” والتي ركَّبها حكام الجزائر، ليس حبا في “شعب” مزعوم، ولكن كُرها، فقط، في المغرب… تلك الكذبة طالت اليوم لنصف قرن، وقد أوصلها الوضوح المغربي إلى منحدر التبخر… وقد توالت الانحيازات الدولية للحقيقة الوطنية المغربية… وهي كثيرة ونوعية، وآخرها نفاذ الوضوح المغربي إلى الدانمارك، بعد فنلندا، في الشمال الأوروبي… بعد أن أكد وزير خارجيتها، في لقائه مع السيد ناصر بوريطة الوزير المغربي للخارجية في نيويورك، على أن “خطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 مساهمة جادة وموثوقة في العملية الجارية للأمم المتحدة وأساسا جيّدا لحل متفق عليه بين جميع الأطراف”… مكسب جديد للديبلوماسية المغربية في مسار واسع ونوعي من الانحياز الدولي للحق المغربي، وللوضوح المغربي في مواجهة الكذبة الجزائرية… أو قل البهتان الجزائري، الذي بدده المسعى السلمي المغربي، لأنه يغذي السياق الجيواستراتجي الدولي وينخرط فيه فاعلا إيجابيا وليس نافثا للحق…
في نيويورك دائما، السيد أحمد عطاف وزير الخارجية الجزائري الجزائرية قرأ التحولات الديبلوماسية لصالح المغرب وما فيها من إعراض عن الجزائر، وما تؤشر عليه من قرار لمجلس الأمن المقرر في نهاية أكتوبر والمتوقع أن يكون تطويرا للقرارات السابقة المنصفة للمغرب… و”استخلص” أن “مجلس الأمن صار اليوم يسجل تتابع الأزمات وتراكمها كبنود قارة ودائمة على جدول أعماله دون أن يكون له أي قرار حاسم”… وأقحم في تدليله على “عجز” مجلس الأمن “النزاع المستمر بالصحراء الغربية”، إلى جانب أوضاع وقضايا كبيرة وحقيقية… الرجل استشعر هول القادم الدولي لدك الكذبة الانفصالية، مقللا من تدخل مجلس الأمن، المعبر عن القرار الدولي… والكذبة شارفت على تعفنها وتفتتها…
من الجزائر العاصمة أصدرت الخارجية الجزائرية، قرار فرض التأشيرة على الجواز المغربي، في صرخة يأس وانفعال غضب من التوهج المغربي… قرار من سلة عداوة حكام الجزائر للمغرب، سياسيا واجتماعيا… يكمل الإغلاق الكلي، ولكل الحدود مع المغرب، وهو يكشف غليان حقدهم فيهم… وقد يصل بهم حد تكرار مأساة طرد المغاربة واجتثاثهم من حضنهم الاجتماعي الجزائري سنة 1975… وهو متوقع من نظام يبحث عن تنفيس لغضبه من قصوره ومن نكساته أمام المغرب…
سياسة الوضوح في النهج المغربي، داخليا وخارجيا، وفي مجمل مشروعه الإصلاحي والنهضوي، أكسب المغرب، معنويا وفعليا… وهي رافعته نحو التقدم… بينما حكام الجزائر، الكذب لديهم عقيدة في علاقاتهم مع شعبهم ومع العالم… وها هو الفشل يطاردهم…
والكذب مجرد غبش تبدده أشعة الحقيقة وصاحبُه لا يحصد منه سوى مرارة الخيبات، وانحسار البصر والبصيرة معا…