الجزائر: عامل استقرار أم صانع أزمات في شمال إفريقيا؟

الجزائر: عامل استقرار أم صانع أزمات في شمال إفريقيا؟

بقلم د. وصفي بوعزاتي

تُصِر الجزائر على رفع شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مدعية احترام سيادة الجوار، في حين تكشف أفعالها المتكررة عكس ذلك تمامًا.

فقد تحولت هذه الدولة، التي يُفترض أنها طرف في مشروع الاتحاد المغاربي بموجب اتفاقية مراكش 1989، إلى مصدر للتوترات الإقليمية عبر سياسات عدائية تهدف إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة، وعلى رأسها المغرب.

ما قامت به الجزائر مؤخرًا عبر تنظيم ما سُمّي “يوم الريف” واستضافة بعض ممن امتهنوا الاسترزاق بإسم الريف المغربي مُدّعين زورا تمثيل منطقة الريف المغربية، يُعد حلقة جديدة في مسلسل التدخلات السافرة.

فهذه الخطوة ليست مجرد استفزاز سياسي، بل محاولة مكشوفة لتأجيج النزعات الانفصالية وزرع بذور الفوضى داخل المغرب، ما يثير تساؤلات حول نوايا النظام الجزائري ودوره في المنطقة المغاربية.

ازدواجية الخطاب الجزائري: من الحياد المزعوم إلى دعم الانفصال

منذ عقود، تبنت الجزائر سياسة قائمة على دعم الحركات الانفصالية، بدءًا من جبهة البوليساريو وصولًا إلى التدخل المباشر في القضايا الداخلية لدول الجوار.

بينما يدّعي النظام الجزائري التزامه بمبدأ الحياد، فإن الواقع يُظهر عكس ذلك تمامًا:

• في المغرب:
تجاوز الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو حدود الصحراء المغربية ليشمل استضافة شخصيات تسعى إلى تأجيج التوترات في منطقة الريف.

تنظيم لقاء “يوم الريف” هو مثال صارخ على هذا التدخل، إذ يسعى لترويج خطاب انفصالي يستهدف وحدة المغرب الترابية، متجاهلًا حقيقة أن الريف اليوم يشهد تنمية متسارعة ضمن مشروع ملكي طموح لإعادة الاعتبار لهذه المنطقة التاريخية.

• في تونس وموريتانيا وليبيا:
توظف الجزائر نفوذها الاقتصادي والسياسي للتأثير على مواقف هذه الدول، سواء عبر تقديم مساعدات مشروطة كما هو الحال مع تونس، أو عبر الضغط على موريتانيا لاتخاذ مواقف تخدم أجندتها في قضية الصحراء.

أما في ليبيا، فتدعم الجزائر أطرافًا معينة في الصراع الداخلي، مما يزيد من تعقيد المشهد الليبي ويُعمق الانقسام.

صمت الدول المغاربية: هل هو قبول ضمني؟

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما معنى صمت الدول المشكلة للاتحاد المغاربي إزاء هذه السياسات العدائية؟

1. الخوف من فقدان المصالح

• تونس وموريتانيا تتجنبان المواجهة مع الجزائر، خاصة أن الأولى تعتمد على الدعم الجزائري لتجاوز أزماتها الاقتصادية، بينما تسعى الثانية للحفاظ على توازنها السياسي والإقليمي.

2. غياب الإرادة السياسية

في ظل أزمات داخلية متفاقمة، تُفضل هذه الدول الصمت كخيار أقل تكلفة، ما يعكس غياب الإرادة السياسية المشتركة لإحياء مشروع الاتحاد المغاربي.

3. تفكك الاتحاد المغاربي

إن صمت الدول الأعضاء يُظهر أن الاتحاد المغاربي، الذي تأسس لتحقيق التعاون الإقليمي وتعزيز التضامن، قد تحول إلى كيان مشلول عاجز عن مواجهة الانتهاكات التي تهدد مبادئه الأساسية، خاصة البند الثامن من اتفاقية مراكش الذي ينص على الامتناع عن التدخل في شؤون الدول الأعضاء.

الجزائر: دولة تُمارس إرهابًا سياسيًا؟

تحركات الجزائر الأخيرة، سواء في تسليحها لجبهة البوليساريو أو استضافتها لقاءات انفصالية، تُعطي الانطباع بأنها دولة لا تتردد في تقويض استقرار جيرانها.

بحيث أن دعمها المستمر للحركات المسلحة والانفصالية، مع استغلالها للأزمات الإقليمية، يُبرز سلوكًا يُمكن وصفه بـإرهاب الدولة، وهو سلوك لا يهدد فقط الأمن الإقليمي بل يمتد ليؤثر على السلم الدولي.

• في الصحراء المغربية:
تعمل الجزائر على إطالة أمد النزاع من خلال رفضها الحلول الواقعية مثل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو الخيار الذي يحظى بدعم واسع دوليًا.

• في منطقة الريف:
محاولة تأجيج نزعة انفصالية جديدة، رغم فشلها الذريع، تُبرز نوايا النظام الجزائري في زعزعة استقرار المغرب، متجاهلًا أن الريف كان دائما و لايزال جزءًا لا يتجزأ من الوحدة الوطنية المغربية.

رسالة إلى المنتظم الدولي

على المنتظم الدولي أن يُدرك أن الجزائر ليست طرفًا محايدًا في المنطقة، بل هي المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار.

و دعمها المستمر للانفصال، ومحاولاتها لتصدير الفوضى إلى دول الجوار، يُعد خرقًا صريحًا لميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حسن الجوار.

الخاتمة: هل الاتحاد المغاربي لا يزال قائمًا؟

إن الممارسات الجزائرية وصمت الدول الأعضاء يجعل من الاتحاد المغاربي كيانًا ميتًا إكلينيكيًا.

و غياب ردود فعل حاسمة يعكس تراجع التضامن المغاربي وتحول المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية.

بينما تستمر الجزائر في سياسة التدخل والتصعيد، يبقى المغرب صامدًا في مواجهة هذه التحديات، مستندًا إلى مشروعيته الدولية وإنجازاته التنموية. ومع ذلك، يظل السؤال مفتوحًا: إلى متى سيبقى المنتظم الدولي والدول المغاربية الأخرى صامتين أمام هذه السياسات التي تهدد استقرار المنطقة؟

الرسالة واضحة: الجزائر ليست طرفًا محايدًا، بل هي صانع أزمات يسعى لتأجيج الفوضى وتقويض استقرار المنطقة.

و على دول الجوار و المجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهم كاملة و التعامل مع تجاوزات الجزائر بالحزم و الصرامة اللازمتين لاعادة المنطقة الى سكتها الصحيحة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*