هل فعلا العالم مضطر للتوقف التام عن الهيدروكربون.. أم مسألة إعادة هيكلة لنظام طاقي ناجع أكثر كفاءة واستدامة؟

   الدكتورة جميلة مرابط

متخصصة في شؤون الاستراتيجيات والسياسات الطاقة والاستدامة البيئية

هل فعلا العالم مضطر للتوقف التام عن الهيدروكربون.. أم مسألة إعادة هيكلة لنظام طاقي ناجع أكثر كفاءة واستدامة.

إن إلقاء الضوء على إحدى أهم قضايا عصرنا وأكثرها تأثيرا في السياسة والإقتصاد الدوليين، وفي حياة جميع الأمم.. ضرورة حيوية لصناع القرار في أرجاء العالم كافة.

خاصة وأن التوسع في الوصول للطاقة هو شرط مهم للتنمية على جميع الأصعدة؛ إذ من غير الممكن أن يدار مصنع، أو أن يدار محل، أو أن تزرع محاصيل، أو أن توصل بضاعة للعملاء وذلك بدون استخدام بعض الأشكال من الطاقة. لذا تحتاج كل المجتمعات لخدمات الطاقة لتلبية الاحتياجات الأساسية، ولخدمة عمليات إنتاجية، لمواكبة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحسين رفاهية الناس.

إلا أن هناك اتجاه عالمي قوي يطالب بالتخلي والتوقف كليًا عن استخدام الهيدروكربونات؛ لكن المسألة معقد للغاية لها أبعاد عدة اقتصادية، بيئية، وتقنية.

دون أن ننسى الأبعاد الجيوسياسية.

وما هو أكيد أنه ليس بمسألة إجبارية بقدر ما هو إعادة هيكلة تدريجية لنظام الطاقة العالمي. خاصة أن هناك حاجة مستمرة للنفط والغاز في قطاعات يصعب استبدال الوقود الأحفوري فيها، (مثل: الصناعات الثقيلة، الفولاذ، الأسمنت، والصناعات البتروكيماوية والنقل الجوي والبحري.)

لأن البدائل مثل الهيدروجين والوقود الحيوي لم تصل بعد إلى الجدوى الاقتصادية المطلوبة. كما أن اقتصاديات الدول المنتجة خاصة الدول المصدرة للنفط تعتمد على عائداته في تمويل ميزانياتها، والتوجه للاستثمار في مشاريع الطاقة البديلة يتطلب رؤوس أموال ضخمة وفترات انتقال طويلة مع سياسات داعمة، إذًا الحل يكمن في “نظام ناجع” أكثر كفاءة واستدامة، بدلًا من التوقف الكامل والتام عن إنتاج الهيدروكربونات.. والسؤال الذي يفرض نفسه ما هو الأسلوب أو هدا النظام (بغض النظر عن نوع الطاقة أو مصدرها) ليكون عربة لتنمية الأهداف الاقتصادية والاجتماعية؟

لقد تم وضع سيناريوهات شتى للطاقة العالمية وذلك لإتاحة فهم أفضل لمستقبل هذه الطاقة على الأمد البعيد وفي ظل الشروط بديلة، حيث يشير السيناريو الإيكولوجي، إلى الكيفية التي يمكن أن يتطور بها الاقتصاد العالمي للطاقة على مدى فترة 1990 ـ 2100 ، مستندا على فرضيات تتعلق بالإنتاج والاستهلاك والنمو السكاني وأنماط الاستهلاك، والتوجهات التي يمكن أن تسلكها التكنولوجيا مستقبلا، وخيارات الطاقة المساندة لأهداف التنمية المستدامة. وتشمل هذه الخيارات الاستخدام الأنجع للطاقة والتكنولوجيات الابتكارية، لتخفيف الأثر البيئي الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، إذن المسألة هنا لها ارتباط بتطبيق الأسلوب الأنجع والتقنية الكفؤة، التي ومن خلالها يتم إستعاب هذه المتطلبات، وترتكز على تخفيض الانبعاثات من الغازات الدفيئة كمحرك للسياسة المناخية، وإيقاف ما يدفع بالنظام البيئي إلى نقطة اللاعودة(ممكن العودة في عدا الاطار لأحدث النظريات العلمية خاصة ما قال به “جمس لفلوك” )، مع الحصول على خدمات الطاقة في مستوياتها الأساسية ولاسيما في المناطق البعيدة والمناطق الريفية الفقيرة التي تفتقر فيها الإمدادات المركزية بالطاقة.

المطلوب هو منظومة التنجبع الطاقي، قائمة على طاقة مستقرة وقابلة للاستمرار من خلال الكمية من الطاقة التي يمكن للإنسان التخلي عن استهلاكها، أي التي يتم توفيرها؛ دون أن نكون مجبرين على التضحية بالمنافع التي نجنيها من الطاقة. في هدا الاطار صيغت مصطلحات من قبيل الاستخدام العقلاني للطاقة، تقنين وكفاءة، الترشيد الحكيم في استهلاك الطاقة، تنويع مصادر الطاقة……إلخ ( أشير في هدا السياق الدراسة التي قدمها عالم الفيزياء أموري لوفينز (Amory Lovins) تصورا لعالم يعتمد كفاءة محسنة للطاقة فقد جرى لأول مرة نحت مصطلح نيكاواط Negawatt الذي يرمز إلى تلك الكمية من الطاقة، التي يمكن للإنسان التخلي عن استهلاكها، أي التي يتم توفيرها، ودلك بهدف تقليل كمية الطاقة الأولية المطلوبة لكل وحدة ناتج قومي إجمالي، أي ما يسمى بكثافة استهلاك الطاقة وهو ما يتطلب التخطيط المتكامل والرشيد لقطاع الطاقة مع تحقيق أقصى كفاءة بأقل كمية من الطاقة المستهلكة كيفما كان نوعها وليس هجران والتحول فوري بعيدًا عن الهيدروكربونات، بل هو خيار استراتيجي طويل الأمد يتطلب إدارة ذكية لتقليل المخاطر وتعظيم الفوائد(البيئية والاقتصادية والاجتماعية)…. منظومة التنجيع الطاقي تعد من الركائز الأساسية في سياسات الانتقال الطاقي والاستدامة، وتشجَّع عبر تشريعات، وتحفيزات مالية، وبرامج توعية.. وتعتبر المنظومة التنجيع الطاقي المغربي الشبه المتكاملة النموذج الحي في هدا الاطار؛ خاصة في مجالات حيوية في الصناعة، النقل والمواصلات والبنايات.. أي ذلك الأسلوب المتكامل في إدارة قطاع الطاقة وتأمين خدماتها وتمديدها بطريقة آمنة تخدم المجتمع والبيئة لتشمل جميع مجالات الحياة، النموذج الذي يربط بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة، ويعزز عنصر الأمن ويحقق درجة عالية من الفاعلية… أي كل الإجراءات الواجب إتباعها للحد من الهذر في منظومات الطاقة في مختلف مراحلها بدءاً من محطات تحويل الطاقة وانتهاءً بالأجهزة الطرفية المستهلكة للطاقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*