فنجان بدون سكر
حينما تصبح “الطنجرة” حلمًا طبقيًا
بقلم: عبدالهادي بريويك
في وطني أصبح يتسابق فيها القطار مع الحفر، وتسبق فيه الوعود التنفيذ بخمس سنوات ضوئية، تُبهرنا الحكومة المغربية يومًا بعد يوم بابتكاراتها في فن “تدبير اللاشيء بكثير من الكلام”.
بلدٌ يصنع الأخبار أكثر مما يصنع السياسات.
الغلاء: وعدٌ تحقق… ولكن بالعكس
منذ بداية الولاية، وعدتنا الحكومة بمحاربة الغلاء، والنتيجة؟ مؤشر التضخم وصل إلى 6.6% سنة 2022 – الأعلى منذ عقود، واستمر في الارتفاع سنة 2023 رغم كل “التطمينات”.
الطماطم، البصل، وحتى البيض صار من الكماليات. هل تعلم أن ثمن لتر زيت المائدة تجاوز 30 درهمًا؟ أصبحت “الطنجرة” حلمًا طبقيًا.
ويبدو أن الحكومة قررت تطبيق مبدأ “كلما اشتد الغلاء، زادت المحبة”، لكن للأسف، المحبة لا تُؤكل ولا تُشرب. والطبقة المتوسطة؟ صارت ذكرى تُروى للأحفاد.
التعليم: الإصلاح السرمدي
في التعليم، لا زلنا نعيش على أمل الإصلاح الذي بدأ منذ “الميثاق الوطني” عام 1999، مرورًا بـ”الرؤية الاستراتيجية” لعام 2015، واليوم مع “خارطة الطريق” التي يصفها البعض بـ”الخارطة المضلّلة”.
رغم كل هذا، أكثر من 73% من تلاميذ الابتدائي لا يفكون شفرة القراءة بالعربية، بحسب تقارير البنك الدولي.
التعليم الخصوصي صار هو الخيار لمن أراد شيئًا من الجودة، أما المدرسة العمومية؟ فهي في إضراب دائم… وربما تُعلن قريبًا اعتزالها.
التشغيل: “فرصة” بلا فرص
تفتخر الحكومة بمنصة “فرصة” وبرنامج “أوراش”، لكن الأرقام تصرخ: البطالة في صفوف الشباب بين 15 و24 سنة تفوق 33%. أغلب خريجي الجامعات ينتهي بهم المطاف إمّا في البطالة، أو في طابور السفارات.
وإذا سألت الوزير المعني، سيحدثك عن عدد “الزيارات” الرقمية للمنصة – وكأن الناس تبحث عن عمل فقط للنقر، لا للكراء والزواج والعيش الكريم.
الصحة: الشفاء صدفة، والدواء رحلة
أما الصحة، فهي فصل درامي خاص.
أزمة الأدوية، ندرة الأطر الصحية، مستشفيات تفتقر لأبسط التجهيزات… ومواطن يقف في طابور منذ السادسة صباحًا من أجل “موعد تحاليل” بعد ثلاثة أشهر. المستشفى العمومي بات ساحة بقاء للأقوى.
والكل ينتظر مشروع “الحماية الاجتماعية الشاملة”، الذي بدأ مثل الحلم، لكن سرعان ما بدأ يُدار بالبيروقراطية والتأجيل.
حكومة تُبدع في فن الإقناع… دون إقناع
رغم كل هذا، تبقى الحكومة مطمئنة. فهي تعرف أن الشعب المغربي، بقلبه الطيب وروحه المرحة، قادر على تحويل الأزمة إلى نكتة، والغضب إلى “طقطوقة”، ثم إلى هاشتاغ ينتهي في مقبرة الترندات.
الخلاصة؟
الحكومة تسير على خطى ثابتة – ثابتة في إنتاج الخطابات، وفي تدوير نفس الحلول، وفي تكرار نفس الأعذار.
وما دامت “كلشي مزيان” شعار المرحلة، فلا داعي للقلق… إلى أن يقول المواطن: “باراكا”.