نعم لتشديد الأحكام، ولكن!
على غير العادة وبشكل يثير الكثير من القلق والهلع، كثر في الأسابيع الأخيرة تداول مقاطع فيديو على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “الفيسبوك”، توثق لمشاهد عنف في مختلف المدن المغربية، تتمثل في اعتداءات على المواطنين من أجل السرقة وتهديدات لرجال الأمن بواسطة السكاكين والسيوف، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بضرورة توفير الحماية القانونية والتصدي لكل من تسول له نفسه تهديد أمن وسلامة المواطنين.
إذ فضلا عما باتت تعرفه ملاعبنا الرياضية من أحداث شغب خطيرة وخاصة في الدوري الاحترافي، ويتسبب فيه بعض المحسوبين على الفصائل المساندة للأندية الرياضية في كرة القدم من إتلاف وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، ويقومون به من معارك واعتداءات على رجال الأمن ليس فقط في الملاعب، بل حتى خارجها في الشوارع والأزقة عبر تبادل التراشق بالحجارة فيما بينهم واستعمال الأسلحة البيضاء، مما يؤدي إلى اعتقالات عشوائية واسعة، ويخلف إصابات متفاوتة الخطورة حتى في صفوف المارة والأجهزة الأمنية، مما يسيء إلى صورة المغرب ويمس بسمعة الكرة الوطنية، التي ما فتئت تعرف تطورا وإشعاعا ملحوظين في الأعوام الأخيرة.
هناك أيضا تنام صارخ في حوادث العنف، الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى آفة خطيرة تؤرق المسؤولين وتقض مضاجع الأسر المغربية، ولم تعد أي مدينة من المدن في جميع جهات المملكة تخلو من جرائم الاعتداءات اليومية والسرقة باستخدام الأسلحة البيضاء، لدرجة أصبحت مشاهد حمل السكاكين والسيوف أمرا معتادا بين الشباب في الأحياء الشعبية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. إذ أصبحت العمليات الإجرامية الناجمة عن الهجوم بالأسلحة البيضاء تتصاعد بشكل مثير للقلق والرعب الشديدين، دون أن تتمكن المصالح الأمنية من الحد من الظاهرة رغم كل ما يبذل من جهود جبارة في هذا الإطار.
ذلك أن دراسات حديثة حول تفشي ظاهرة العنف في المجتمع المغربي، كشفت عن كون تزايد معدل الجريمة يعود بالأساس إلى وجود عدة أسباب، تؤدي إلى جعل الشخص عنيفا وغير قادر على ضبط أعصابه، ومنها في المقام الأول السياسات العمومية الفاشلة، ظاهرة التفكك الأسري، الهدر المدرسي، الفقر، البطالة، تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة، والرغبة في محاولة إثبات الذات قسرا.
ففي الأسابيع الأخيرة تلاحقت أحداث العنف بشكل لافت، وامتدت شرارتها حتى داخل أسوار المؤسسات التعليمية بين التلاميذ وضد الأطر التعليمية، كما هو الحال بالنسبة للاعتداءات الإجرامية بالسلاح الأبيض التي تعرض لها بعض التلاميذ فيما بينهم وعدد من الأساتذة في كل من مدن الخميسات، شيشاوة، طنجة، وكان أخطرها الاعتداء الذي أودى بحياة أستاذة بمركز التكوين المهني في مدينة أرفود من طرف أحد تلامذتها، ثم الهجوم العدواني على عدد من عناصر الشرطة بمدينة القنيطرة، وحادث الاعتداء على بعض التجار في سوق أسبوعي بمدينة صفرو، وما إلى ذلك من مظاهر السرقة بالقوة والاعتداءات الإجرامية التي تطال الصغار والكبار، نساء ورجالا…
وبالنظر إلى تعالي الأصوات المطالبة بضرورة إشاعة الأمن وحماية المواطنين مما بات يتهدد سلامتهم وممتلكاتهم، لم يتأخر وزير العدل عبد اللطيف وهبي الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، في الكشف يوم الإثنين 28 أبريل 2025 أمام نواب الأمة خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، عن انكباب الحكومة على إجراء مراجعة عامة للإطار القانوني المتعلق بحمل الأسلحة البيضاء واستعمالها، مشددا على أن هذه المسألة أضحت تحظى بأولوية كبرى في مشروع إصلاح المنظومة الجنائية الجارية حاليا، وأضاف بأن المراجعة المرتقبة ستهم “إعادة تعريف الأسلحة البيضاء، إلى جانب تشديد العقوبات المنصوص عليها في الفصل 303 مكرر من مجموعة القانون الجنائي، بما يتلاءم مع خطورة هذا النوع من الجرائم على الأمن العام” مستنكرا في ذات الوقت حمل المواطن للسلاح الأبيض أثناء تجوله في الشارع العام، كما أشار إلى أن استعمال الأسلحة البيضاء لم يعد يقتصر على الجرائم البسيطة، بل بات يشكل تهديدا مباشرا للسلم المجتمعي، الأمر الذي اقتضى إعادة النظر في التعاطي القانوني والقضائي مع هذه الظاهرة المتنامية.
ونحن هنا إذ نقر بوجود انفلاتات واصطدامات من حين لآخر في الملاعب الرياضية وخارجها، تستدعي تضافر جهود الجميع: الأسرة والمدرسة والحكومة وفعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، قصد التحسيس بخطورة العنف وخاصة إذا كان مقرونا بالسلاح الأبيض، لما يترتب عنه من أضرار بليغة، فإننا نثمن عاليا توجه القضاء نحو التشدد في العقوبات ضد حاملي الأسلحة البيضاء بدون مبرر أو مستعمليها في ترويع المواطنين وسرقة ممتلكاتهم، بما يساهم في التصدي لمختلف الظواهر الإجرامية، استتباب الأمن وتكريس الشعور بالاطمئنان…
لكننا ندعو إلى ضرورة الاهتمام بشبابنا من خلال توفير تعليم جيد وفرص عمل مناسبة للعاطلين، ونرفض بشدة أن تتحول بعض الفصول القانونية مثل الفصل “507” وغيره إلى مقابر لوأد بعض مناصري الأندية الرياضية وخاصة الأبرياء منهم، الذين تتأثر سجلاتهم العدلية وتصبح شهاداتهم العليا بلا جدوى بعد مغادرة أسوار المؤسسات السجنية، حيث أن بعض الأحكام تتجاوز أحيانا العقوبات الصادرة ضد ناهبي المال العام ومغتصبي الأطفال وتجار المخدرات، ولاسيما أن المسؤولين القضائيين يعلمون جيدا أنه إلى جانب التدخل اللامشروع أحيانا في إنجاز محاضر الضابطة القضائية، هناك كذلك مئات الشكايات الكيدية التي تندرج في إطار الابتزاز والمساومة بين عناصر المجموعات الرياضية…
اسماعيل الحلوتي