فنجان بدون سكر:
رسالة اعتراف مفتوحة: من قلمٍ يرفض أن يُباع
بقلم: عبدالهادي بريويك
إلى من تبقّى له قلبٌ يقرأ، لا عينٌ تمرّ…
أعترف، وأنا في ذروة الصمت، أنني ما عدت أكتب كما كنت.
ليس لأن الحروف جفّت، أو لأن المعنى هرب، بل لأن روحي كلّما لامست الورق، شعرت أنها تُساق نحو مقصلة لا ترى النور.
أعترف أن القلم الذي آمنت به سلاحًا ضد القبح، ومنارة في زمن العتمة، قد صار يتثاقل بين أصابعي… كأنه يرفض أن يكون شاهد زور في زمنٍ لا ينجو فيه الصادقون.
لقد عشت دهورًا أظن أن الكلمة أقوى من السيف، وأن الحقيقة تملك صوتًا لا يُسكت.
لكنني رأيت الحقيقة تُشنَق بحبال التفاهة، وتُدفَن تحت ركام المال والنفوذ.
رأيت السخافة تُرفَع على عروش الإعلام، ويُصفَّق لها بحماسة العبيد، بينما تُسَحَل الكلمة الحرة في أزقّة التجاهل.
كتبت القصص، ونثرت الشعر، وصغت مقالات من نار ونور… لا لتُعرض، بل لتوقظ.
لكني كنت كمن يصرخ في صحراء لا صدى لها.
دواويني التي ظننتها شهادات ميلاد لفكر جديد، تحوّلت إلى توابيت على رفوف النسيان.
وحين نظرت حولي، وجدت أن من يصعد اليوم ليس صاحب القلم، بل من باع صوته، وارتضى أن يكون ظلًّا في حضرة السلطة.
أعترف، لا خجلًا، بل حزنًا…
أنني تمنّيت، لو كنتُ جاهلًا.
فالجاهل في أوطاننا لا يُعاقَب، بل يُكافَأ.
يحملونه على الأكتاف، لا لأنه أضاء، بل لأنه أطفأ العقول.
أما من حمل فكرًا، وسعى نحو المعرفة، فمآله النفي… أو النسيان.
قلمي، هذا الرفيق الوحيد في معركتي، ما عاد يطاوعني.
ربما لأنه يرفض أن يُسخَّر لعبادة المصالح، أو أن يُجبر على السجود لأصنامٍ من ورق.
قبره بات جاهزًا.
لكنني، رغم كل شيء، لن أشيّعه بدموع الانكسار، بل بفخر الذاهبين دون خنوع.
وإن سألني أحدهم ذات يوم: “لماذا كتبت؟”
سأجيب:
لأن الصمت كان خيانة،
ولأنني كنت أومن، حتى الرمق الأخير، أن الكلمة الصادقة، وإن اغتيلت ألف مرة، ستقوم في زمنٍ ما… لتدين قاتليها.